جاءت انتقادات شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، للدعوات لتأسيس ما يُعرف بـ"الديانة الإبراهيمية" ليُعيد تسليط الضوء على هذه المبادرة التي طرحتها الإمارات ضمن عملية التطبيع مع إسرائيل، وسُميت اتفاقات إبراهام.
ومرّ حديث الإمارات عن الديانة الإبراهيمية في إطار مشاريعها للتطبيع مرور الكرام على معظم المؤسسات الرسمية والدينية في العالم العربي، والتي يتجنب أغلبها إغضاب أبوظبي لنفوذها المالي والسياسي الكبير، حتى لو مسَّ الأمر العقيدة الإسلامية.
ولكنَّ شيخ الأزهر انتقد مؤخراً الدعوة لما يُسمى "الدين الإبراهيمي" أو الديانة الإبراهيمية، وذلك بعد أشهر عدة من ظهور هذه المبادرة، معتبراً أنها دعوة لمصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار، مؤكداً أن اجتماع الناس على دين واحد أو رسالة سماوية واحدة أمر مستحيل، مشيراً إلى الفرق بين احترام عقيدة الآخر والاعتراف بها، وأن ذلك لا يعني إذابة الفوارق بين العقائد والمِلل والأديان.
اللافت أن هذا الكلام جاء خلال احتفالية بيت العائلة المصرية، التي أقيمت أمس الإثنين، بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس البيت عام 2011، وهو مؤسسة دينية مصرية جامعة أُنشئت بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، بقرار من رئيس الوزراء المصري عصام شرف وقتها، تضمّن أن يكون البيت برئاسة شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ومقره الرئيسي مشيخة الأزهر بالقاهرة، ويعمل على استعادة القيم العليا في الإسلام والمسيحية، ويهدف إلى الحفاظ على النسيج الوطني ومنع الفتنة الطائفية.
حديث الطيب الذي تناول موضوع الديانة الإبراهيمية لأول مرة، لم يذكر الإمارات بالاسم، وبحسب صفحة الأزهر على موقع فيسبوك، جاء من أجل إيضاح ما كان يُعتقد أنه بحاجة إلى توضيح، أو التنبيه له، وقطعاً لما وصفها بالشكوك والظنون التي يُثيرها البعض، ورداً على منتقدي التقارب والحوار بين الأديان، بدعوى الترويج لديانة موحَّدة تُسمَّى "الإبراهيمية".
وشبَّه شيخ الأزهر هذه الدعوة بالعولمة، "التي تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده، والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلَّا أنها في داخلها دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه الإنسانِ وهو حرية الاعتقاد والاختيار".
وأكد شيخ الأزهر أن "اجتماع الخلق على دِينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة أمرٌ مستحيل، حيث يختلفُ الناس اختلافاً جذرياً في ألوانهم وعقائدهم وعقولهم ولغاتهم".
ما هي "الديانة الإبراهيمية" الجديدة؟
كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد صرّح أثناء إعلانه عن الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية، أنها ستُعرف باسم "اتفاقات إبراهام"، وهي الاتفاقات التي وقعت في البيت الأبيض في أغسطس/آب 2020.
اللافت أن استخدام النبي إبراهيم كأبٍ للمعتقدات التوحيدية يفترض تلقائياً أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة هم الممثلون الحصريون لليهودية والمسيحية والإسلام، تباعاً. هذا الافتراض هو أبعد ما يكون عن الحقيقة.
وبعد ذلك ظهرت توجهات تُنادى بالدين الإبراهيمي أو الديانة الإبراهيمية، نسبةً إلى إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء ومجمع رسالاتهم، وملتقى شرائعهم، وما تطمحُ إليه هذه التوجهات من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس.
تجدر الإشارة إلى أن جذورالفكرة تعود إلى أقدم من ذلك بكثير، ففي أغسطس/آب 2013، أقرّ جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "بالأرضية المشتركة بين الديانات الإبراهيمية"، وأقر بتأثير "الدين العالمي" في مواجهة التهديدات التي تلوح في الأفق في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، أعلن جون كيري عن إنشاء مكتب المبادرات المجتمعية القائمة على الإيمان "White House Faith-Based & Community Initiative"، الذي يوجه الدبلوماسيين لإشراك القادة الروحيين والمجتمعات الدينية في العمل اليومي.
وتعد دولة الإمارات أحد أهم مروِّجي الدين الإبراهيمي في الشرق الأوسط، وبرز ذلك من خلال إنشائها العديد من الكيانات والمؤسسات والمؤتمرات والندوات والمبادرات والاتفاقيات، التي تدعو إلى الالتفاف حول ما يسمى الديانات الإبراهيمية الثلاث، وتقصد بها (الإسلام، والمسيحية، واليهودية).
في عام 2014 أنشأت الإمارات "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، برئاسة رئيس مجلس الإفتاء الشرعي الشيخ عبد الله بن بيه، ويُعقد المنتدى بصفة دورية في الشهر الأخير من كل عام.
ولم يكتفِ بن بيه برئاسته للمنتدى، بل شارك في "ملتقى المبادرة الإبراهيمية" الذي نظمته الخارجية الأمريكية، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020، وخلال كلمة له في الملتقى قال بن بيه: "إن ميثاق حلف الفضول الجديد الذي أصَّلته العائلة الإبراهيمية في 2019 في أبوظبي، يمكن أن يشكل مرجعية دينية قوية لهذه الانطلاقة الجديدة".
وفي النسخة السادسة من منتدى السلم، الذي عُقد في أبوظبي، في الفترة بين 9 و11 ديسمبر/كانون الأول 2019، أطلقت الإمارات "ميثاق حلف الفضول الجديد"، الذي وقَّع عليه العديد من القيادات الدينية من اليهود والمسلمين والمسيحيين.
وفي 9 فبراير/شباط 2021، أعلنت الإمارات على لسان سفيرها في روسيا، محمد أحمد الجابر، أنها ستفتتح "بيت العائلة الإبراهيمية" خلال العام 2022، وأنه سيصبح مكاناً للتعلم والحوار والعبادة، وسيركز على التقريب بين جميع الأديان.
كما ظهرت موجة متقطعة من جانب دوائر فكرية أمريكية، أبرزها معهد بيس آيلاندز، اتّخذت من دعوتها لبلدان عربية للتطبيع مع إسرائيل، منفذاً للدعوة إلى توحيد الأديان السماوية تحت دين واحد يُسمّى بالإبراهيمي.
ويظهر من خلال الدعوات للدين الإبراهيمي الجديد نوايا سياسية خفية أو معلنة عند البعض، ترتكز في أساسها على التطبيع الكلي الذي تسعى إليه اسرائيل مع البلاد العربية.
ما هي مراكز الدبلوماسية الروحية؟
تداخل مع الدعوات إلى الديانة الإبراهيمية إدخال مفهوم جديد يُعرف بـ"الدبلوماسية الروحية" وبداية تطبيقه الفعلي. وتستند خطة هذه المراكز إلى المفاوضات بين العقائد التوحيدية الثلاث، ما يسمى بـ"الديانات الإبراهيمية"، وعلى استخدام مبادئها المشتركة الحالية لحل النزاعات، تستلزم الدبلوماسية الروحية ساحة تفاوض غير رسمية -في هذه الحالة- يتم جمع رجال الدين مع السياسيين والدبلوماسيين لتحويل القضايا المشتركة والمتفق عليها إلى واقع على الخريطة السياسية.
علاوة على ذلك، تهدف الخطة إلى استعادة المصالح الدينية "للشعوب الأصلية"، في المناطق التي تتكرر فيها الصراعات العنيفة، الطائفية منها على وجه الخصوص، حسبما ورد في مقال لأحمد أبو الفول، وهبة جمال الدين في موقع vistointernational.
يتمثل الخطر الأبرز لما يسمى بـ"مبادرة طريق النبي إبراهيم" في ملكية الأراضي التي يعبر المسار من خلالها على طول الطرق التي سلكها النبي إبراهيم. ومع ذلك فقد تمت تسويتها من خلال مفهوم "الأرضية المشتركة بين الأديان الإبراهيمية"، والتي تستلزم تدويل الملكية، أي أنها لن تكون مملوكة لسكانها الحاليين فقط، وبالتالي فإن الهدف من المسار هو التخلي عن الشعور القومي والفردي بالملكية، في مقابل ترسيخ مبدأ المواطنة العالمية والاحترام المتبادل لتحقيق الاستدامة، وهو أمر سيكون له تأثير، خاصة فيما يتعلق بقضية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية بها، في ظل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
يقدم هذا المشروع أيضاً رؤية لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، على أساس إنكار الأسباب الهيكلية للصراع، والتركيز على إعادة رسم هوية الصراع. علاوة على ذلك يمكن أن يؤدي ترسيخ الاحترام المتبادل إلى إزالة الحدود السياسية بين أفراد الأسرة الإبراهيمية الواحدة، تكتمل الفكرة بمبادرات سياسية تستخدم النبي إبراهيم كمدخل لقبول تقاسم الموارد والسيطرة عليها مركزياً، بحجة امتلاك التكنولوجيا لترشيد استخدامها في ظل تغير المناخ. وبالتالي فإن الحل يكمن، بالنسبة لمهندسي هذه الخطة، في التخلي عن استقلال الدول وقبول الانضمام إلى الاتحاد الإبراهيمي لمواجهة المستقبل، وهذا الاتحاد ستترأسه إسرائيل كما يذكر الحاخام اليهودي الأرثوذكسي يوئيل أوز، في (خطة حركة الاتحاد الإبراهيمي). هذا سيشكل ولادة مرحلة من الاستعمار الجديد تحت شعار "تقاسم فوائد الموارد الطبيعية يساعد على منع الصراع".