ربما تكون الحرب الأبدية للولايات المتحدة في أفغانستان قد انتهت وطوت معها حرب عقدين من "الحرب على الإرهاب"، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن يواجه مستنقعاً قانونياً وأمنياً في أوج إنهاء أحد أفظع تركات هذه الحرب وأكثرها إثارةً للجدل، كما تقول صحيفة The Times البريطانية.
فقد فشلت "المراجعة الشاملة" التي أُجرِيَت قبل 9 أشهر، في إيجاد حلٍّ لإغلاق معتقل خليج غوانتانامو، وخاضت المشكلات نفسها التي واجهها الرئيس الأسبق باراك أوباما، حيث سَخَرَ من رمز الحرب على الإرهاب حتى أولئك المتورِّطين في عمليات هذه الحرب باعتبار هذا الرمز "وصمة عارٍ في النسيج الأخلاقي للولايات المتحدة".
لماذا لم يغلَق سجن غوانتانامو حتى الآن؟
أُعيدَ معظم السجناء في غوانتانامو إلى أوطانهم أو إلى دولٍ أخرى، مِمَّا أدَّى إلى انخفاض أعداد نزلاء السجن من 780 إلى 39، لكن لايزال من غير الواضح ما يمكن فعله مع أولئك المتبقين. يُعرَف ثلثهم تقريباً على أنهم "سجناء إلى الأبد" لم تُوجَّه إليهم أيّ تهمٍ قط، وليس هناك احتمالٌ لتقديمهم للمحاكمة، ولكن يُعتَبَر الإفراج عنهم خطراً كبيراً للغاية.
وتقول صحيفة "التايمز" إن السجن يستمر في امتصاص أموال دافعي الضرائب الأمريكيين (540 مليون دولار في 2020)، ولايزال يتطلَّب مئات الجنود لحماية نزلائه القليلين.
ولا يزال السجن يتصدَّر عناوين الصحف، وكان آخر هذه العناوين يتعلَّق بأحد أعضاء "القاعدة" مجيد خان (41 عاماً)، وهو باكستاني ظَهَرَ لأول مرة أمام لجنةٍ عسكرية بالسجن في عام 2012. وقد أقرَّ بضلوعه في سلسلةٍ من الهجمات أمام هذه اللجنة، في مقابل التعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي. حُكِمَ عليه بالسجن 26 عاماً، ولكن يمكن إطلاق سراحه في فبراير/شباط من العام المقبل.
وفي حين يمكن اعتبار الصفقة نجاحاً للسجن، إذ إن "خان" واحدٌ من اثنين فقط من النزلاء الذين جرت مقاضاتهم بنجاح، سلَّطَت القضية الضوء على المدة التي يستغرقها السجين للحصول على نتيجة، إضافة إلى إعادة فتح الجروح المزمنة حول عمل السجن والتكتيكات التي استخدمتها الولايات المتحدة للوصول إلى أهدافها.
"وصمة عار على النسيج الأخلاقي للولايات المتحدة"
اتَّضَحَ في أثناء الحكم على "خان"، أن سبعةً من أعضاء هيئة المحلِّفين كتبوا رسالةً الأسبوع الماضي، تدين المعاملة القاسية التي عانى منها "خان" على يد مُحقِّقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية داخل ما سمّوه "السجون السوداء"، بعد القبض عليه بباكستان في مارس/آذار 2003. تعرَّضَ "خان"، مثل العديد من سجناء غوانتانامو، للاعتداءات الجسدية والنفسية، التي وصفها الكونغرس بأنها تعذيب، قبل نقلهم إلى السجن الواقع على الجزيرة الكوبية.
وفي تلك الرسالة، قال المحلِّفون إن سجن غوانتانامو لايزال "وصمة عار على النسيج الأخلاقي للولايات المتحدة".
وعندما يُفرَج عن "خان"، سيظلُّ هناك 38 سجيناً، على إدارة بايدن أن تفرزهم. وقالت هينا شامسي، مديرة مشروع الأمن القومي في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: "تمت الموافقة على نقل 13 من المعتقلين الذين لايزالون في غوانتانامو، لكنهم ينتظرون المغادرة منذ أكثر من عشر سنوات".
هل تغلق إدارة بايدن سجن غوانتانامو بالفعل؟
من جهتها، تصر إدارة بايدن على أن لديها طريقاً واضحاً للمُضيّ نحو إغلاق السجن، ألا وهو نقل جميع الذين لم تُوجَّه لهم اتِّهاماتٌ، والمساومة مع الآخرين الذين ينتظرون المحاكمة "حتى يمكن تحقيق العدالة". ومع ذلك، لم يجرِ التوصُّل إلى حلٍّ بشأن الأشخاص الـ14 الذين اعتُبِروا "سجناء إلى الأبد".
أما القضية الأكثر تحدياً على الإطلاق، فتشمل خمسة مُشتبَه بهم من "القاعدة" مُتَّهمين بتمويل وتدريب الخاطفين التسعة عشر الذين خطفوا الطائرات التي صدمت البرجين والبنتاغون وحقلاً في بنسلفانيا في 11 سبتمبر/أيلول 2001، تلك الهجمات التي أدَّت إلى مقتل ما يقرب من 3 آلاف شخص.
يواجه هؤلاء عقوبة الإعدام في حالة إدانتهم، لكن كلَّ محاولةٍ لتحديد موعدٍ لمحاكمتهم في محكمة اللجنة العسكرية بخليج غوانتانامو تُحبطها الحجج القانونية التي يسوقها محامي الدفاع، الذين عيَّنهم البنتاغون ويدفع لهم أجرهم.
استمرَّ الجدل لسنواتٍ حول حقوق المُتَّهمين، وبشكلٍ خاص حول معاملتهم من قِبَلِ مُحقِّقي وكالة الاستخبارات المركزية. وتعرَّضَ خالد شيخ محمد، العقل المدبِّر المزعوم لأحداث 11 سبتمبر/أيلول، للإيهام بالغرق (تقنية التعذيب بمحاكاة الغرق) 183 مرة بموقعٍ سري في بولندا.
حاوَلَ مكتب التحقيقات الفيدرالي والمُدَّعون العسكريون بناء القضية ضدهم بناءً على أدلةٍ يجب أن تستبعد أيَّ شيءٍ قد يقوله المُتَّهمون تحت التعذيب.
وقالت شامسي: "لقد مرَّ ما يقرب من 20 عاماً ولا نقترب من المحاكمة. الجميع متفقون على أن نظام اللجان العسكرية في غوانتانامو مُعطَّل ولا يمكنه تحقيق العدالة".
"غوانتانامو فصل أسود من التاريخ الأمريكي"
وأدَّت الأعاصير والتناوب المتكرِّر للقضاة العسكريين، والآن جائحة كوفيد-19، إلى تفاقم التأخير في تقديم الرجال الخمسة إلى المحاكمة. وتتواصل "المراجعة الشاملة" لبايدن، على يد مجلس الأمن القومي، بمساعدة وزارات الدفاع والخارجية والعدل، وكذلك وكالة الاستخبارات المركزية.
حُفِظَت بعض المُدَّخرات هذا العام بعد قرار إغلاق السجن رقم 7، المرفق السري الذي شُيِّدَ لـ14 من السجناء الذين أُودِعوا في أبريل/نيسان بالسجنين الآخرين، رقم 5 و6. ومكَّنَ ذلك قوة الحراسة، المُكوَّنة من 1800 جندي، من الخفض بشكلٍ كبير، رغم أن الرقم الجديد لم يُعلَن بعد.
وقال متحدِّثٌ باسم البنتاغون: "تلتزم إدارة بايدن بإغلاق المنشأة، ووزارة الدفاع تدعم هذا الجهد بالكامل".
وفي الأسبوع الماضي، أصبحت لورا ريتشاردسون، الجنرال بالجيش الأمريكي، أول امرأةٍ تتولَّى القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، ومعها المسؤولية عن خليج غوانتانامو. وإذا نجحت إدارة بايدن في إيجاد طريقةٍ لإغلاق السجن قبل نهاية هذه المدة، التي تبلغ أربع سنواتٍ في المنصب، فستكون عليها مهمة التخطيط لنهاية ما كان فصلاً أسود في التاريخ الأمريكي.