في أحدث الضربات التي تتعرض لها شركة NSO Group الإسرائيلية، التي تنتج برنامج "بيغاسوس"، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إضافة الشركة المذكورة، رفقة ثلاث شركات أخرى، إلى القائمة السوداء، التي تنخرط في أنشطة تتعارض مع مصالح الأمن القومي أو السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ذلك القرار يعني فرض قيود على عمليات تصدير أو إعادة تصدير أو نقل منتجات تلك الشركات داخل الولايات المتحدة، وهو ما يحد من وصول تلك الشركات إلى المكونات والتكنولوجيا الأمريكية.
وأضاف بيان وزارة التجارة الأمريكية، أن عملية الإضافة للقائمة السوداء حدثت بناء على توافر أدلة على أن تلك الشركات طوّرت وقدّمت برامج تجسس إلى حكومات أجنبية، استخدمتها لاستهداف مسؤولين حكوميين وصحفيين ورجال أعمال ونشطاء وأكاديميين بشكل ضار، فيما أوضح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أبعاد ونطاق ذلك القرار، قائلاً "نحن لا نتخذ إجراءات ضد البلدان أو الحكومات التي توجد بها هذه الكيانات".
من جهتها أعربت شركة NSO Group عن استيائها من قرار واشنطن، بحجة أن التقنيات التي تنتجها الشركة تدعم مصالح وسياسات الأمن القومي الأمريكي عبر منع الإرهاب والجريمة، فيما قال مصدر حكومي إسرائيلي لصحيفة يديعوت أحرونوت "إن إسرائيل تدرس القرار وتداعياته التجارية، وأشار إلى أن فرض عقوبات على الشركة الإسرائيلية من قبل وزارة التجارة يشير إلى أنها ليست بدرجة خطورة فرض العقوبات من وزارة الخارجية، وجدير بالذكر أن الشركة تُصدر تقنياتها إلى 45 دولة بموافقة الحكومة الإسرائيلية.
جاء القرار الأمريكي بعد الفضيحة التي تعرضت لها الشركة الإسرائيلية مؤخراً في العام الحالي، عقب كشف منظمتي "العفو الدولية" و"فوربيدن ستوريز" الفرنسية، وصحف "واشنطن بوست" و"غارديان" و"لوموند" لقائمة تضم أسماء نحو 50 ألف هدف مراقبة محتمل للبرنامج، الذي يسمح بالوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال، فضلاً عن الاستماع إلى اتصالات هاتف الضحية. وقد شملت قائمة الأهداف 14 رئيس دولة، في مقدمتهم الرئيس الفرنسي ماكرون، رفقة خمسة من وزرائه، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، فضلاً عن الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، الزوجة السابقة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وهو ما أدى إلى إعلان ردود فعل دولية منددة بالشركة، وبالتوسع في بيع أدوات التجسس السيبرانية، وصولاً إلى صدور دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لفرض قيود إضافية على بيع برامج التجسّس، رغم كشف البرلمان الألماني، في سبتمبر/أيلول 2021، عن شراء مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية الألماني (BKA) لبرنامج بيغاسوس سراً.
خلافات قديمة مع واشنطن
سبق أن أشارت مجلة أنتيليجنس أون لاين، في عددها الصادر في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، إلى بروز خلاف على السطح بين واشنطن وتل أبيب، في أعقاب قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي. حيث رغبت السلطات الأمريكية في أن تشدد إسرائيل الرقابة بشكل كبير على صادراتها من خدمات الاعتراض والاستخبارات الإلكترونية، وذلك بعد تقديم المعارض السعودي عمر بن عبد العزيز شكوى ضد تل أبيب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال خلالها إن هناك صلة بين وفاة خاشقجي والعقد السعودي مع شركة الإلكترونيات الإسرائيلية Q سايبر للتكنولوجيا، التابعة لمجموعة (NSO)، إذ كشف اختراق هاتف خاشقجي عن تواصله مع بعض المعارضين السعوديين.
وفي ظل الضغوط الأمريكية، قامت إسرائيل منذ ذلك الحين بتعديل قواعد مبيعاتها الدولية، فضلاً عن سابقة توقيع تل أبيب على اتفاقية "واسينار"، التي تنظم الصادرات الدولية من المعدات السيبرانية، رغم رفض واشنطن التوقيع عليها، وتنظر الجهات الإسرائيلية إلى أن الضغط الأمريكي تُحركه دوافع تجارية بهدف توفير ميزات تنافسية أكبر للشركات الأمريكية.
معاناة NSO تحت وقع الضربات
تعرّضت الشركات الإسرائيلية العاملة في صناعة الاستخبارات السيبرانية لمشاكل كبيرة في عام 2020، مع تعليق العديد من العقود الخارجية، فور بدء إغلاق الدول لحدودها على خلفية انتشار فيروس كورونا، فضلاً عن صعوبة تقديم خدمات ما بعد البيع للأدوات شديدة الحساسية، والتي تتطلب تواجداً ميدانياً من خبراء الصيانة.
أما شركة NSO Group، التي تأسست على يد كل من نيف كارمي، وعومري لافي، وشاليف هيوليو، فقد عانت مؤخراً في أعقاب الفضائح المتتالية التي تتعرض لها، حيث شكلت الحكومة الإسرائيلية، في يوليو/تموز 2021، فريق تحقيق في أنشطة الشركة استجابة للضغوط الدبلوماسية الأجنبية، فيما فقدت الشركة بعض عقودها الأكثر ربحاً، وغادرها بعض الموظفين بحسب موقع أنتليجنس أونلاين.
وسبق أن تعرّضت شركة NSO Group لمشاكل مع جهاز الاستخبارات السنغافوري، الذي اشتكى من أن الأنظمة الهجومية السيبرانية التابعة لمجموعة (NSO) لا تعمل جيداً، لأن أدواتها قديمة جداً وغير صالحة للاستخدام. ويرى خبراء التجسس في سنغافورة أن طرق الهجوم التي تقوم بها مجموعة (NSO) لا ترقى إلى السرعة المطلوبة، وأن استغلالها لاختراق الهواتف المحمولة لم يعد فعالاً. لأن طريقة عملها تم اكتشافها في العديد من المناسبات سابقاً. فعادة ما توجد مشكلة أساسية في انتشار عمليات بيع أنظمة الاعتراضات الاستراتيجية، تتمثل في أنه مع زيادة عدد الأهداف التي يستهدفها المنتج المباع إلى عدد كبير من الزبائن، تزداد المخاطر التي تتعرض لها طرق الاستخدام والاختراق، ما يجعلها غير فعالة لاحقاً مع اكتشافها وتعطيل الثغرات التي كانت تنفذ من خلالها لأجهزة الضحايا.
وفي محاولة لتجاوز الأزمة، تسعى شركة NSO Group للإدراج في سوق الأوراق المالية "البورصة" بتل أبيب، بعد رفضها القيام بذلك خلال السنوات الثلاث الماضية، ويهدف الإدراج إلى طمأنة مؤسسي الشركة الذين يواجهون وضعاً محفوفاً بالمخاطر المالية، وتأمل الشركة أن يُسهم الاكتتاب العام الأوّلي لها" في تحسين تقييمها السابق، البالغ قدره مليار دولار، والذي وضعته شركة "فرانسيسكو بارتنرز Francisco Partners" في عام 2017. كما تسعى الشركة إلى توظيف أشخاص جدد، بالأخص في فرعها المتخصص في اعتراض الطائرات المسيرة، وهو المجال الذي يهم العديد من الحكومات في أنحاء العالم. كما تحاول الشركة الحفاظ على بعض أبرز موظفيها مثل "ألموج بنين"، الضابط السابق بجيش الدفاع الإسرائيلي، وأحد أفضل صائدي الثغرات في مجتمع شركات السيبر الإسرائيلية. حيث سبق أن اكتشف "ألموج" ثغرات أمنية في متصفح كروم، التابع لشركة "جوجل" في عام 2019، كما قاد الأبحاث المتعلقة بتحديد ثغرات نظام التشغيل "آي أو إس" الخاص بشركة "آبل"، وذلك في ظل أن أولى طرق الاختراق التي نفذتها NSO Group جرت عبر استخدام متصفح سفاري الخاص بشركة "آبل".
كيف سينعكس ذلك على الشركة؟
وفي ظل تلك المستجدات، تواجه NSO Group مشكلة أخرى، تتمثل في المنافسة مع الشركات النظيرة التي تسعى لسحب السوق منها، مستغلة الصورة السيئة التي تشكّلت للشركة مؤخراً. فقد بدأت شركة "كوادريم Quadream" الإسرائيلية القبرصية في التواصل مع العديد من زبائن NSO القدامى، وذلك بعد سابقة نجاحها في التعاقد مع جهاز الاستخبارات السنغافوري، وهي شركة توظف قدامى المحاربين من وحدة الاعتراض الإسرائيلية الشهيرة "الوحدة 8200" المكافئة لوكالة الأمن القومي الأمريكية.
ويبدو أن الخطوة الأمريكية بإضافة NSO Group إلى القائمة السوداء الأمريكية، تؤذن بقرب أفول نجم الشركة، التي تعرضت لضربات متتالية قوية، جعلت الشركة محل مساءلة حتى داخل إسرائيل. وهو ما يقوض مستقبل الشركة المهني مع تحولها إلى مصدر إزعاج للحكومة الإسرائيلية مع حلفائها البارزين، وفي مقدمتهم واشنطن وباريس.