"كل من هو جالس على كرسي (المسؤولية) لا يريد الانتخابات الليبية، بداية مني ومن مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي والميليشيات والقيادة العامة (اللواء المتقاعد خليفة حفتر).. والمعطيات التي نراها (تشير إلى أنه) لا توجد انتخابات".
هذا التصريح ليس رأياً لمحلل سياسي، بل لنائب رئيس حكومة الوحدة الليبية حسين القطراني، الموالي للواء المتقاعد خليفة حفتر، ويعكس "واقعاً" مُخالفاً لما هو مُعلن، بشأن الالتزام بموعد الانتخابات، المقرر في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
رغم الضغوط الدولية لإجراء الانتخابات في موعدها، ولو بقوانين "معيبة"، ووضع المفوضية العليا للانتخابات برئاسة عماد السائح، خطة لإجرائها، وتأكيد جميع الأطراف الليبية التزامها بموعد 24 ديسمبر/كانون الأول، فإن كثيراً من المؤشرات توحي بعكس ذلك.
مجلس الدولة يحشد لإبطال "قوانين" البرلمان
استمرار مجلس النواب ومفوضية الانتخابات في تجاهل المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) فيما يتعلق بإعداد قوانين الانتخاب طبقاً للاتفاق السياسي، دفع الأخير إلى التحرك على عدة جبهات لمنع إجراء الانتخابات بالصيغة التي يريدها رئيس البرلمان عقيلة صالح، الحليف السياسي لحفتر.
خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، عقد على هامش "مؤتمر استقرار ليبيا"، اجتماعات مع دبلوماسيين من عدة دول، شدد خلالها على "أهمية إجراء الانتخابات المزمع عقدها، في ديسمبر/كانون الأول، على أسس سليمة متفق عليها، تحول دون الطعن في نتائجها".
وكان المشري يقصد في حديثه أن قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، اللذين أصدرتهما "رئاسة" مجلس النواب، لم يتما وفق أسس سليمة، ولم يتم الاتفاق بشأنهما مع مجلس الدولة، وأن إجراء الانتخابات على أساسهما سيؤدي إلى الطعن فيهما.
ولوّح عبد القادر حويلي، عضو مجلس الدولة، بإمكانية اللجوء إلى القضاء للطعن في قانونَيْ الانتخابات اللذين أصدرهما "مجلس النواب".
ويتهم العديد من النواب وأعضاء مجلس الدولة والأحزاب، رئاسة مجلس النواب، بإصدار قانون الانتخابات الرئاسية دون عرضه للتصويت، كما ينص الإعلان الدستوري.
كما أن مشروع قانون الانتخابات البرلمانية لم يحصل على النسبة الموصوفة والمقدرة بـ120 صوتاً، في حين أن عدد النواب الحاضرين لم يتجاوز بحسب وسائل إعلام 34 نائباً فقط.
ناهيك عن أن مجلس النواب لم يتشاور بشأن هذين القانونين مع المجلس الأعلى للدولة كما ينص الاتفاق السياسي.
ومن السهل على المحكمة الدستورية إلغاء أي انتخابات تجرى على أساس هذين القانونين، على غرار ما فعلته المحكمة العليا في 2014، عندما ألغت انتخابات مجلس النواب.
"عقيلة" يعطل الانتخابات بأيدي مجلس الدولة
ورغم إدراك رئيس مجلس النواب هشاشة قانوني الانتخابات من الناحيتين الدستورية والسياسية، فإنه أصرّ على المضي بهما، بل ودعا بعض النواب الموالين له إلى تحصينهما من أي طعن.
كما قام عقيلة صالح وجماعته من النواب باشتراط إجراء الانتخابات البرلمانية بعد 30 يوماً من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية، ما يجعل إجراء التشريعيات رهيناً بعدم طعن مجلس الدولة أو أي جهة مخولة بقانون الانتخابات الرئاسية أو نتائجها.
وهذا الشرط يتعارض مع التوافق بين الأطراف الليبية بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، وهو مطلب أممي ومن مفوضية الانتخابات أيضاً.
بينما يطالب مجلس الدولة بإجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، ثم الاستفتاء على دستور دائم، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
لذلك فإن إصدار رئيس مجلس النواب ومجموعته قوانين انتخابات معيبة رغم علمه برفض الطرف الآخر في المنطقة الغربية لها، يهدف أساساً لتعطيل الانتخابات، بحيث يكون مجلس الدولة المتهم الأول بتعطيلها في نظر المجتمع الدولي، لأنه رفض إجراءها وفق قوانين "معيبة".
التهديد بمنع الانتخابات في المنطقة الغربية
لم يكتفِ المجلس الأعلى للدولة بالتلويح باللجوء إلى القضاء، للطعن في دستورية قوانين الانتخابات، بل اجتمع مع عمداء البلديات وأعيان المدن والقبائل، لحثهم على منع إجراء الانتخابات في مناطق سلطاتهم ونفوذهم بالمنطقة الغربية إذا لم يتم احترام مبدأ التوافق.
وحذر عمداء البلديات، في بيان لهم، من عدم إجراء الانتخابات في دوائر بلدياتهم، إذا لم يلتزم مجلس النواب من جهة، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات من جهة أخرى بمواد الاتفاق السياسي، في إشارة إلى ضرورة توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، حول القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات.
وعبّر عمداء بلديات المنطقة الغربية عن قلقهم إزاء "انفراد رئيس مجلس النواب بإصدار القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية، بشكل يخالف الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري وخارطة الطريق، ويخالف حتى اللائحة الداخلية لمجلس النواب".
كما انتقدوا "تبنِّي رئيس المفوضية (عماد السائح) لهذه القوانين، دون التوافق عليها مع الأطراف المعنية، ومع تضمّنها لشروط جدلية فُصّلت على مقاس أشخاص بعينهم (حفتر)".
وكان "السائح" قال في تصريحات صحفية، إن "المفوضية الانتخابية هيئة فنية تختص بتنفيذ القوانين الانتخابية المحالة إليها من قبل السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب"، دون الإشارة إلى المجلس الأعلى للدولة، كشريك لمجلس النواب في العملية التشريعية.
وتجاهل رئيس مفوضية الانتخابات طلب مجلس الدولة عدم اعتماد قوانين الانتخابات الصادرة من رئاسة مجلس النواب، واعترف "السائح" بشرعية هذه القوانين، ومضى في الاستعدادات اللازمة لإجراء الانتخابات.
كما هدد ممثلو عدد من مجالس أعيان وهيئات المجتمع المدني، عقب لقاء عدد من ممثليها برئاسة مجلس الدولة، بإغلاق مراكز الاقتراع في المنطقة الغربية، إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
وأبرز هذه المطالب إجراء الانتخابات البرلمانية، في 24 ديسمبر/كانون الأول، وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد الاستفتاء على الدستور، ومنع حفتر وسيف الإسلام القذافي من الترشح للرئاسة، باعتبارهما "مجرمي حرب".
إنقاذ الانتخابات
تحاول البعثة الأممية بقيادة يان كوبيتش، تذليل العراقيل أمام إجراء الانتخابات في موعدها، لكن مواقفها أقرب إلى مجلس نواب طبرق منها إلى مجلس الدولة، إذ تعترف ضمنياً بقوانين الانتخابات، ولا تطلب سوى إجراء بعض التعديلات عليها.
وأهم هذه التعديلات إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، و"إزالة القيود المفروضة على المشاركة في الانتخابات للسماح لليبيين الذين يشغلون مناصب عامة بفرصة تجميد مهامهم من وقت تقدمهم بطلبات الترشح للانتخابات الرئاسية".
وهذه إشارة لتعديل المادة التي تجبر كل مسؤول، سواء أكان مدنياً أو عسكرياً على تقديم استقالته قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، ما سيمنع شخصيات أمثال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة من الترشح للرئاسيات.
واللافت أنه رغم إصدار مجلس الدولة بياناً عن لقاء المشري مع كوبيتش، فإن الأخير لم يصدر بالمقابل أي بيان يوضح ما جرى خلال اللقاء، خاصة أن بيان الأول تحدث عن ثناء المبعوث الأممي على خطوات المجلس "الجادة، ومطابقتها للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري".
وأفاد مجلس الدولة أن الجانبين اتفقا "على استمرار التشاور للوصول إلى توافق حول قوانين الانتخابات بين المجلسين (النواب والدولة)، وبذل كل الجهود لحلّ العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها المحدد".
وأصدر مجلس الدولة، في سبتمبر/أيلول الماضي، قاعدة دستورية وقوانين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ورفعها لمجلس النواب، الذي تجاهلها، خاصة أن القاعدة الدستورية لا تتوافق مع القوانين التي أصدرها برلمان طبرق.
وأمام هذه المعطيات فإن احتمال إجراء انتخابات نزيهة في جميع الأقاليم غير مطعون فيها من أي طرف تبدو ضئيلة، وقد يصطدم العالم في 24 ديسمبر/كانون الأول، بحقيقة أن الليبيين غير جاهزين بعد لهذا الاستحقاق المصيري.