مع انطلاق أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26) في غلاسكو، بهدف إنقاذ الأرض من الاحتباس الحراري وتداعياته الكارثية، ما الذي تريده الدول الأكثر فقراً من الدول الغنية المتسببة في كوارث الطقس؟
كوب 26، الذي بدأت أعماله الإثنين 1 نوفمبر/تشرين الأول وتستمر جلساته لمدة أسبوعين بمشاركة أكثر من 25 ألف شخص من خبراء مناخ ونشطاء بيئة ودبلوماسيين وزعماء دول من 200 دولة حول العالم، يعتبر الفرصة الأخيرة للحد من الانبعاثات الكربونية المتسببة في الارتفاع المقلق لدرجة حرارة الكوكب، بحسب ما يقوله خبراء المناخ والزعماء السياسيون أنفسهم.
التغير المناخي هو مصطلح يقصد به التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء وتحول مناطق كثيرة على الكوكب إلى أماكن غير مناسبة للحياة من الأساس.
من المتسبِّب في التغير المناخي؟
بعد عقود من السجال بين خبراء المناخ ونشطاء البيئة من جهة والسياسيين من جهة أخرى حول الخطورة التي يمثلها التغير المناخي، أجبرت الظواهر المناخية المتطرفة، من عواصف وفيضانات وحرائق غابات وارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة، الجميع من الطرفين على الإقرار بأن البشر ونشاطهم الاقتصادي هم السبب المباشر فيما يحدث من كوارث طبيعية.
وعندما وقعت دول العالم اتفاقية باريس للمناخ وهدفها الرئيسي هو الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 مئوية بحلول منتصف القرن الجاري، سادت حالة من التفاؤل بشأن إمكانية تحقيق الهدف وإنقاذ الأرض من ظاهرة الاحتباس الحراري القاتلة. لكن التغيرات السياسية في واشنطن، والولايات المتحدة ثاني أكبر دولة مسؤولة عن الانبعاثات الكربونية بعد الصين، ومجيء دونالد ترامب للرئاسة ووقفه العمل باتفاقية باريس، تسببت في تسريع احترار الكوكب وانعكس ذلك على حالة الطقس حول العالم، بحسب خبراء المناخ.
وعلى الرغم من كون حرائق الغابات ظاهرة طبيعية تحدث كل عام، إلا أن حدة تلك الحرائق- خصوصاً في غابات الأمازون رئة العالم وفي أستراليا عام 2019- أكدت ما حذر منه كثير من خبراء المناخ وهو كون تلك الحرائق وغيرها من الفيضانات والسيول والجفاف وارتفاعات الحرارة سببها الرئيسي هو التغير المناخي، الذي لم يعُد فرضية علمية يمتلك السياسيون رفاهية تجاهلها، بل أصبح واقعاً يتأثر به جميع سكان الكوكب.
ويوضح الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد، وهي أن الدول الصناعية والغنية هي المتسببة بالأساس في ظاهرة التغير المناخي، بينما يدفع ثمنها الدول الأكثر فقراً.
وعلى الرغم من كون تداعيات التغير المناخي الكارثية حقيقة يواجهها الجميع، أغنياء وفقراء، إلا أن الدول الغنية تمتلك الموارد اللازمة للتخفيف من تلك الآثار وتوفير الوقاية والتعويضات لمواطنيها، على عكس الدول الفقيرة.
وقد أقرت اتفاقية باريس للمناخ بتلك الحقيقة، وتعهدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول الأكثر فقراً لمساعدتها على تحقيق هدفين رئيسيين، الأول قصير المدى وهو مواجهة تداعيات موجات الطقس المتطرف من فيضانات وجفاف وحرائق وارتفاع درجات الحرارة، والثاني طويل المدى ويهدف إلى إنهاء اعتماد تلك الدول على الفحم ومشتقات النفط الرخيصة في توليد الكهرباء.
ماذا تريد الدول الأكثر فقراً؟
وفي هذا السياق وقبل حتى انطلاق أعمال مؤتمر المناخ في غلاسكو، وضعت البلدان الأقل نمواً في العالم قائمة بأولوياتها، إذ تريد من البلدان الغنية والمتقدمة أن تفي بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدتها في التأقلم مع التغير المناخي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
كما تريد تلك الدول من الأغنياء الموافقة على وقف تام للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري قبل عام 2050، على أن تكون هناك أهداف محددة للدول المسؤولة عن النسبة الأكثر من الانبعاثات، كالولايات المتحدة والصين وأستراليا وروسيا وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي.
أما المطلب الثالث للدول الفقيرة فيتمثل في اعتراف الدول الغنية بالأضرار والخسائر التي تعرض الفقراء لها، كالآثار المترتبة على ارتفاع منسوب مياه البحر أو الفيضانات المتكررة. وأخيراً وضع صيغة نهائية للقواعد التي تنظم كيفية تطبيق الدول للاتفاقات الموقعة في السابق.
وفي بيان سبق قمة المناخ، قالت مجموعة الدول الأقل نمواً إن "رفع سقف الطموح العالمي وزيادة الاعتمادات المالية لمحاربة تغير المناخ شيء أساسي لبقائنا". وقال رئيس المجموعة، سونام وانغدي، إن "الأزمة لم يتم التعامل معها كأزمة، ويجب أن يتغير هذا الوضع هنا في غلاسكو".
ما البلدان الأكثر تضرراً من التغير المناخي؟
وبشكل عام، لم تسهم الدول النامية تاريخياً إلا بنسبة قليلة من الانبعاثات الضارة التي تقف وراء التغير المناخي، وسكان العالم الأكثر ثراء الذين تبلغ نسبتهم 1% مسؤولون عما يزيد عن ضعف كمية الانبعاثات التي تنتجها نسبة الـ50% الأكثر فقراً من سكان العالم في الوقت الراهن.
كما أن الدول الأفقر أكثر عرضة للآثار الضارة لموجات الطقس المتطرف، لأنها أكثر اعتماداً على البيئة الطبيعية في الحصول على الغذاء والوظائف، وليس لديها الكثير من المال الذي تستطيع أن تنفقه على تخفيف تلك الآثار.
خلال الـ50 عاماً الماضية، أكثر من اثنتين من بين كل ثلاث وفيات نتيجة لنوبات الطقس المتطرف، بما في ذلك الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات، كانت في دول العالم الـ47 الأقل نمواً.
وفي عام 2009، تعهدت البلدان الأكثر ثراء بتخصيص 100 مليار دولار سنوياً من القطاعين العام والخاص بحلول 2020 لسد احتياجات البلدان النامية. وتهدف تلك الأموال إلى المساعدة في تمويل إجراءات خفض الانبعاثات الخطيرة وحماية البلدان النامية من آثار الطقس المتطرف، من قبيل تحسين نظم الحماية من الفيضانات والاستثمار في مصادر للطاقة المتجددة.
لكن حقيقة الأمر تكشف واقعاً مختلفاً تماماً، فإجمالي تلك التعهدات بلغ 80 مليار دولار فقط بحلول 2019، ومن غير المرجح الوصول إلى هدف الـ100 مليار دولار قبل عام 2023.
ما فرص وفاء الأغنياء بوعودهم الخاصة بالمناخ؟
لكن على الرغم من أن مؤتمر غلاسكو يعتبر حاسماً لتفادي الآثار الأكثر كارثية لتغير المناخ، إلا أنه انطلق وسط أجواء من الغضب والاستياء بعد اتهام دول صناعية كبرى بالتقاعس عن تقديم تعهدات جديدة طموحة.
إذ لم تعترف محادثات مجموعة العشرين في روما سوى "بالأهمية الرئيسية" للوصول إلى مستوى صفري للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بحلول منتصف القرن أو نحو ذلك دون تحديد جدول زمني للتخلص التدريجي للدول من الفحم. ولم تخرج المحادثات بوعود قاطعة للحد من انبعاثات غاز الميثان وهو غاز آخر من الغازات المسببة لارتفاع درجات الحرارة.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قال للصحفيين: "إذا كنا نرغب في الحيلولة دون فشل كوب 26 فيجب أن نتخذ سلوكاً مغايراً ويجب أن أكون واضحاً في القول إنه إذا فشلت قمة غلاسكو فسوف تبوء العملية كلها بالفشل". لكن كثيراً من المؤشرات لا تبعث على التفاؤل، بحسب مراقبين ومسؤولين أيضاً.
فتبادل الاتهامات بين الدول الأكثر مسؤولية عن الانبعاثات الكربونية- الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى- لن يجعل الأمر هيناً. ووجه الرئيس الأمريكي جو بايدن انتقادات للصين وروسيا لعدم تقديمهما مقترحات على الطاولة.
وقال بايدن، الذي يواجه معارضة في الداخل الأمريكي بسبب طموحاته بشأن المناخ، للصحفيين خلال مجموعة العشرين في روما، إن "خيبة الأمل تتعلق بأن روسيا والصين لم تقدما أي تعهدات للتعامل مع تغير المناخ"، بحسب رويترز.
ويرى كثير من المراقبين أن غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن مؤتمر غلاسكو يعد مؤشراً رئيسياً على تضاؤل فرص إنجاز مهمة إنقاذ الكوكب، وسيكتفي شي ببيان مكتوب يلقيه من بكين، وذلك وفقاً لجدول رسمي.
وحدَّد جونسون هدف الوصول إلى مساعدات قدرها 100 مليار دولار، كإحدى أولوياته الأربع خلال مفاوضات غلاسكو. وقال إن الدول الأكثر ثراءً ظلت "تجني ثمار تلوث غير محدود على مدى عقود، عادة على حساب البلدان النامية"، وإن الدول المتقدمة تقع على عاتقها مسؤولية مساعدة البلدان النامية بالتقنية والخبرة والمال.
لكن التعهدات الحالية للبلدان الغنية بخفض الانبعاثات سوف تؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة الكوكب 2.7 درجة مئوية بنهاية القرن الجاري، وهو ما تقول الأمم المتحدة إنه سيؤدي إلى زيادة الدمار الذي يسببه تغير المناخ بالفعل من خلال اشتداد العواصف وتعريض المزيد من الناس للحرارة الشديدة والفيضانات المدمرة والقضاء على الشعاب المرجانية وتدمير الموائل الطبيعية.
عقبات يواجهها الفقراء
قالت تاغالوا كوبر، من الأمانة العامة للبرنامج البيئي لمنطقة الباسيفيك، وهي منظمة تضم أعضاء من الجزر والمناطق الواقعة بالمحيط الهادئ، لبي بي سي: "نحن نفاوض من أجل البقاء".
ارتفاع منسوب مياه البحار يجعل تلك الدول الجزر هي الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي، ولكن كوبر تقول إن نقص الموارد يعني أن تلك الدول ليس لديها "رفاهية" إرسال وفد ضخم. وتضيف: "بعض من دولنا الأكثر عرضة للخطر ستجد صعوبة في أن يكون لها صوت مسموع في تلك المفاوضات".
كما مثلت القيود المفروضة على السفر بسبب وباء كوفيد-19 عقبة للكثير من الوفود خلال محاولتها الوصول إلى غلاسكو، ولا سيما تلك القادمة من جزر المحيط الهادئ، والتي ظلت نسبة العدوى بها منخفضة منذ ظهور الفيروس.
وأشارت التقارير الإعلامية إلى أن أربعة فقط من رؤساء تلك الدول سيحضرون القمة، في حين سينوب عن الآخرين فرق صغيرة وسفراء.
وستجد الوفود المشاركة عن بعد صعوبة في التعبير عن وجهة نظرها بسبب رداءة خدمة الإنترنت أو فروق التوقيت، فتوقيت ساموا، على سبيل المثال، يسبق توقيت المملكة المتحدة بـ13 ساعة.
وفي العادة لا تمتلك الدول النامية الكثير من الأصوات المسموعة على الساحة الدولية، ولذا من المفيد لها أن تكوّن مجموعة أو تكتلات من أجل إيصال صوتها. وتتكون مجموعة البلدان الأقل نمواً من 46 دولة، من بينها السنغال وبنغلاديش واليمن، وتمثل مليار نسمة.
هذه البلدان باستطاعتها تقوية مواقفها التفاوضية عندما "تتوافق الأولويات والمصالح"، كما يقول سونام وانغدي الرئيس الحالي للمجموعة من دولة بوتان. وقد عملت هذه الدول معاً خلال العام المنصرم، وسوف تلتقي يومياً في غلاسكو.