كان موقف روسيا من الأحداث الساخنة في السودان مختلفاً عن باقي دول العالم، منذ اللحظة الأولى لقرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، إذ رفضت موسكو وصف "انقلاب" وقدمت دعماً مفتوحاً للعسكر، فهل للقاعدة البحرية علاقة مباشرة بذلك الموقف؟
كان السودانيون والعالم قد استيقظوا، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على حملة اعتقالات، شملت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدداً من وزرائه ومستشاريه وقادة قوى "إعلان الحرية والتغيير"، المكون المدني في السلطة الانتقالية في البلاد، ثم ألقى البرهان بياناً في اليوم نفسه، أعلن خلاله جملة قرارات أنهت عملياً الشراكة بين العسكر والمدنيين في البلاد.
كما قرر البرهان إقالة حكومة حمدوك ومديري الولايات في السودان، وحل مجلس السيادة، وألغى قرار حل المجلس العسكري، وجمد عدداً من مواد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، بمثابة دستور للفترة الانتقالية في البلاد، وانفرد البرهان وزملاؤه في المجلس العسكري بالسلطة في البلاد.
موقف روسيا مختلف عن الموقف الدولي
كان الموقف الروسي مما يجري في السودان لافتاً في اختلافه عن مواقف باقي القوى الدولية والإقليمية. فبينما كان الرفض لقرارات البرهان وانفراد الجيش بالسلطة هو العنوان الأبرز للموقف الدولي، رغم تباينات ذلك الموقف من دولة لأخرى، جاء الموقف الروسي رافضاً لاستخدام وصف "انقلاب"، ومتبنياً لما قاله البرهان نفسه في تبرير الأخير لتلك الإجراءات.
ورصد تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي موقف روسيا مما يجري في السودان جاء عنوانه "انقلاب السودان نعمة لموسكو"، تناول رد الفعل الروسي منذ اللحظة الأولى لإجراءات قائد الجيش السوداني، وكواليس ذلك الموقف وما قد يعنيه نجاح الانقلاب بالنسبة لموسكو.
"من الصعب القول إن كان ذلك انقلاباً أم لا. مصطلح "انقلاب" له تعريف محدد. هناك مواقف تشبه (ما حدث في السودان) في مناطق عديدة من العالم ولا تسمى انقلاباً. أحياناً يسمى ذلك تغييراً في السلطة. والأمر متروك للشعب السوداني كي يقرر ما إذا كان ذلك انقلاباً أم". كان ذلك نص ما قاله ديمتري بوليانسكي النائب الأول للممثل الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة للصحفيين الثلاثاء 26 أكتوبر/تشرين الأول، قبل انطلاق الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في السودان.
ورفض بوليانسكي توجيه أي انتقادات لقوات الأمن السودانية بسبب استخدام العنف في قمع المتظاهرين الرافضين للانقلاب، بل إنه برر استخدام العنف من جانب قوات الأمن بزعمه أن المتظاهرين أنفسهم "كانوا يستخدمون العنف"، مضيفاً: "حسب ما رأيته، هؤلاء ليسوا فقط محتجين سلميين، بل هم أيضاً محتجين يستخدمون العنف".
أما سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي المخضرم، فقد جاءت تصريحاته شبه متطابقة مع ما ساقه قائد الجيش السوداني نفسه من مبررات لقراراته الاستثنائية، مع إضافة وزير الخارجية الروسي لعوامل أخرى تتعلق بالولايات المتحدة والدول الغربية.
فقد ألمح لافروف إلى أن "تغيير السلطة في الخرطوم جاء نتيجة لرفض الشعب السوداني للمسار السياسي الذي فرضته الولايات المتحدة والدول الغربية"، في إشارة لاتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في السودان، والذي تم توقيعه في أغسطس/آب 2019 لتنظيم المرحلة الانتقالية في البلاد، وهو الاتفاق الذي انقلب عليه البرهان مؤخراً.
"لقد تم فرض مقاربات غربية لكيفية بناء الديمقراطية في السودان وتم فرض إصلاحات صادمة وكان رد الفعل عكسي تماما، فقد تدهور الموقف الاقتصادي والاجتماعي بصورة حادة وانتشرت البطالة وأصبح الهيكل التقليدي للمجتمع السوداني تحت ضغوط هائلة"، بحسب نص تصريحات لافروف.
وتعكس هذه التصريحات موقفاً روسيا يفضل وجود نظام حكم عسكري في السودان، من المتوقع أن يكون أكثر انفتاحاً على تطوير العلاقات أكثر مع موسكو مما أظهرته حكومة حمدوك، التي كانت أقرب لواشنطن والغرب، بحسب وجهة نظر موسكو.
لماذا تدعم روسيا انقلاب السودان؟
الإجابة عن هذا السؤال ترتبط مباشرة، بحسب المحللين والمراقبين، بطبيعة علاقات موسكو مع الخرطوم أثناء نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ثم خلال فترة حكم المجلس العسكري ثم فترة تقاسم السلطة ووجود حكومة حمدوك.
فبعد عزل البشير وبالتحديد في مايو/أيار 2019، وقع المجلس العسكري في السودان اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا، وضمن بنودها إقامة قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، وذلك بعد سنوات من المفاوضات بين موسكو والخرطوم بهذا الشأن.
وبعد توقيع اتفاق تقاسم السلطة ومجيء حكومة حمدوك، وضعت الحكومة المدنية شروطاً جديدة قبل التوقيع مبدئياً على الاتفاقية لإنشاء القاعدة الروسية، وكان ذلك خلال العام الماضي.
وتسببت الشروط الجديدة التي وضعتها الحكومة المدنية، التي أقالها البرهان الأسبوع الماضي، في إطالة أمد المفاوضات وبدأ السؤال بشأن ما إذا كانت القاعدة الروسية قد ترى النور يوماً من الأساس، وهو ما سبب إحباطاً لموسكو بالطبع.
ورأت موسكو هذا التغيير في الموقف السوداني، وتحديداً موقف السلطة المدنية، نابعاً، ضمن أسباب أخرى، من رفض واشنطن لوجود منشآت عسكرية روسية في السودان، بحسب تقرير المونيتور.
والآن بعد إطاحة البرهان بالمكون المدني في السلطة، الذي مثل شوكة في حلق موسكو، من الطبيعي أن تكون روسيا سعيدة تماماً بعودة العسكر للانفراد بالسلطة في الخرطوم.
كانت السودان وروسيا قد أعلنتا رسمياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عن اتفاقية لإقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر بهدف "تعزيز السلام والأمن في المنطقة" ولا تستهدف أطرافاً أخرى.
وتسمح الاتفاقية للبحرية الروسية بالاحتفاظ بما يصل إلى أربع سفن في وقت واحد في القاعدة، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية. إلا أنه في نيسان/أبريل الماضي، جمدت الخرطوم الاتفاق مع روسيا، بغرض مراجعته؛ معتبرة أن الاتفاقية لم يتم المصادقة عليها من قبل المجلس التشريعي السوداني.
البرهان وتقدير الموقف الروسي
ماذا إذن عن رأي البرهان في الموقف الروسي؟ الإجابة عن هذا السؤال جاءت في صورة مقابلة حصرية مع وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء، هي الأولى مع أي وسيلة إعلامية منذ انفراده بالسلطة.
القائد العام للجيش السوداني أثنى على الموقف الروسي تجاه "المستجدات في السودان"، قائلاً إن موسكو دائماً تدعم الحكومات والشعوب في تقرير مصيرها: "نحيي روسيا على موقفها الداعم باستمرار للحكومات والشعوب على أن تقرر مصيرها، ونقدر ونحترم روسيا فهي صديقة للشعب السوداني، قبل أن تقف إلى جانب الأنظمة".
وأضاف القائد العسكري للسودان: "مواقف روسيا دائماً صادقة، وتنظر بأعين مفتوحة وآخرين ينظرون من زاوية واحدة، وإلى نصف الكوب فقط".
وحول عقد لقاءات مع السفير الروسي في الخرطوم، قال البرهان: "نلتقي دوماً بالسفير الروسي ولدينا علاقات مميزة، ولدينا تعامل قديم خاصة في المجال العسكري، ولقاءاتنا به لم تنقطع أبداً".
وشدد البرهان على أن تعاون السودان مع روسيا قديم ولم ينقطع، مضيفاً أنّ "روسيا صادقة دائماً في تعاملها معنا وهي حريصة على تطوير التعاون وتطوير القوات المسلحة السودانية بقدر حرصنا على العلاقة وعلى تطوير القوات المسلحة".
أما عن القاعدة العسكرية الروسية، فقد قال البرهان إن الخرطوم لديها "ملاحظات" على الاتفاق مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، مضيفاً أنه يجب معالجة هذه الملاحظات قبل المضيّ قدماً في تنفيذ الاتفاق.
"لدينا اتفاق مع روسيا من ضمنه القاعدة، ونتحدث فيه باستمرار ولدينا بعض الملاحظات نحتاج إلى إزالتها، وملتزمون بالاتفاقيات الدولية وسنمضي في تنفيذه حتى النهاية".
الخلاصة هنا هي أن إنشاء القاعدة الروسية على البحر الأحمر في السودان يبدو مرتبطاً بشكل مباشر بنجاح انقلاب البرهان، وهو رهان لا أحد يمكنه الجزم بمدى إمكانية تحقيقه حتى الآن.
ففي ظل استمرار التظاهرات الرافضة لقرارات قادة الجيش برئاسة الفتاح البرهان، ووجود وساطات تقودها الأمم المتحدة بينه وبين عبد الله حمدوك، من الصعب التكهن بمن سيربح الجولة هذه المرة: المدنيون أم العسكريون؟