كثف تنظيم داعش في خراسان هجماته في أفغانستان، منذ الانسحاب الأمريكي، ورغم الحديث الأمريكي عن إمكانية التعاون الأمني مع طالبان، فإن دولاً أخرى بدأت تساعد الحركة في مواجهة داعش، بينما الدور الأمريكي محدود.
باكستان، على سبيل المثال، تستخدم شبكةً من القنوات غير الرسمية لتغذية المعلومات الاستخباراتية والدعم الفني لطالبان لمكافحة التهديد، وفقاً لما ذكره اثنان من قادة طالبان.
تقوم باكستان بتمرير معلوماتٍ أولية عن المجموعة بالإضافة إلى مساعدتها في مراقبة الاتصالات الهاتفية والإنترنت لتحديد أعضاء تنظيم داعش والمراكز المعلوماتية، وفقاً لقائدٍ بارز في طالبان وآخرين تحدَّثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لأنهم غير مُخوَّلين بالتحدُّث إلى وسائل الإعلام، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
ووصف مسؤولٌ باكستاني الاتصال بين الجانبين بأنه مناقشاتٌ غير رسمية وليست شراكةً استخباراتية راسخة.
طالبان لم تستطِع حتى الآن مواجهة تهديد تنظيم داعش في خراسان
يبدو أن باكستان واحدةٌ من الحكومات الأجنبية القليلة التي تساعد حركة طالبان بشكلٍ مباشر في قتال تنظيم داعش، على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة ودولٍ أخرى من أن أفغانستان يمكن أن تصبح مرةً أخرى ملاذاً للمسلَّحين لتنفيذ هجماتٍ على أهدافٍ دولية إن لم تنجح طالبان في احتواء التهديد. وأدَّى التنافس الإقليمي وانعدام الثقة عميق الجذور وأوجه القصور في مكافحة الإرهاب لدى طالبان إلى تعقيد تبادل المعلومات الاستخباراتية معها، وفقاً لمسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين.
وقال المسؤول الطالباني البارز: "باكستان شقيقتنا، وتدعمنا بعدة طرق، بما في ذلك تبادل المعلومات والاستخبارات حول تنظيم داعش. إذا شاركت الولايات المتحدة وبقية العالم المعلومات معنا، يمكننا هزيمة داعش في غضون أيامٍ فقط".
ورفض المتحدِّث باسم طالبان، بلال كريمي، تصريحات أعضاء طالبان بأن الحركة بحاجةٍ إلى تعاونٍ دولي لمحاربة المُسلَّحين الآخرين. وقال إن تنظيم داعش "لا يشكِّل تهديداً خطيراً على الإمارة الإسلامية، ونحن لا نعتبر ذلك تهديداً كبيراً، لذلك لا نحتاج إلى أيِّ دعمٍ خارجي لمعالجة هذه المشكلة".
مشاكل في التعاون بين طالبان وأمريكا
من غير الواضح مقدار المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن تشاركها دولٌ مثل الولايات المتحدة. وبدون وجود سفارة أو وجود عسكري في أفغانستان، تشهد قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية شللاً تاماً، وقد ندَّدَت طالبان في السابق بالولايات المتحدة لتحليقها بطائراتٍ مُسيَّرة فوق الأراضي الأفغانية.
قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن هناك تحدياتٍ مستمرة في إعادة إنشاء شبكة استخباراتٍ فعَّالة في المنطقة.
وحافظت وكالات الاستخبارات على مجموعةٍ من الروابط الرسمية وغير الرسمية مع طالبان منذ رحيل القوات الأمريكية في أغسطس/آب، وسعى الأمريكيون بشكلٍ روتيني إلى تبادل المعلومات حول عمليات تنظيم داعش مع نظرائهم الطالبانيين. لكن في كثيرٍ من الحالات، بدت طالبان غير مهتمة، ويبدو أنها لا تثق في البيانات أو غير متأكِّدة من كيفية اتِّخاذ إجراءٍ بشأنها، وفقاً لمسؤولٍ أمريكي مُطَّلِعٍ على الاتصالات مع الحركة الأفغانية.
وقال المسؤول بوزارة الخارجية الباكستانية إن "باكستان ناقشت بالفعل التعاون في مكافحة الإرهاب مع حركة طالبان الأفغانية"، خلال زيارةٍ قام بها رئيس المخابرات الباكستانية ووزير الخارجية إلى كابول مؤخَّراً. لكن المسؤول أضاف: "من المبكِّر بعض الشيء القول إن تبادل المعلومات أو التعاون الاستخباراتي قائم".
وأشار المسؤول الباكستاني إلى أنه "لا يمكن استبعاد أيِّ تعاونٍ مع كابول". وأضاف: "ليست باكستان وحدها، بل دولٌ إقليمية أخرى مثل روسيا وإيران، قلقة بشأن داعش. لذلك يمكن أن يكون هناك تفاهمٌ حول مكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي".
ولا قواعد لواشنطن في المنطقة
وعلى الرغم من المخاوف الإقليمية، تكافح إدارة بايدن من أجل إقامة شراكة عسكرية واستخباراتية أقوى مع جيران أفغانستان المُقرَّبين، مثلما قال المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون. ورفضت باكستان وطاجيكستان حتى الآن استضافة القواعد الأمريكية التي من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بمواصلة الضغط "عبر الأفق" على التهديدات الإرهابية في أفغانستان.
وقالت ليزا كورتيس، المستشارة السابقة لشؤون جنوب آسيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض والمديرة الحالية لبرنامج أمن المحيطين الهندي والهادئ لمركز "الأمن الأمريكي الجديد": "هناك خياراتٌ متقلِّصة فيما يخص البلدان التي يمكن للولايات المتحدة الاستناد إليها في إطلاق عمليات مكافحة الإرهاب". وفي الوقت الحالي، لا يزال الجزء الأكبر من الأصول العسكرية الأمريكية المتاحة لتوجيه ضربات مُحتَمَلة موجودة في قطر، أي على بُعدِ 1200 ميل، مِمَّا يجعل استخدامها "مُكلِّفاً ومحفوفاً بالمخاطر"، على حدِّ قول كورتيس.
وقال رئيس القيادة المركزية الأمريكية إنه "لم يتَّضِح بعد" ما إذا كان بإمكان طالبان منع تنظيم داعش أو القاعدة من استخدام الأراضي الأفغانية لشنِّ هجماتٍ إرهابية دولية.
وقال الجنرال كينيث ماكنزي في شهادته أمام المشرِّعين الشهر الماضي: "يمكننا الوصول إلى هذه النقطة، لكن ليس لديّ هذا المستوى من الثقة بعد".
ويشعر جيران أفغانستان المُقرَّبون بالقلق أيضاً من صعود داعش في أفغانستان، رغم الإحجام عن العمل مع الولايات المتحدة بسبب العديد من الصراعات والمنافسات.
وفي اجتماع الأسبوع الماضي في موسكو، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن "أصدقاء روسيا من آسيا الوسطى" أكَّدوا له أنهم لا يريدون وحداتٍ عسكرية أمريكية متمركزة في بلادهم. وبينما أنشأ الجيش الأمريكي قواعد مؤقَّتة في أوزباكستان وقيرغزستان في أعقاب هجمات تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، فإن تلك الاتفاقيات أُلغِيَت منذ فترةٍ طويلة.
وقالت نارغيس كاسينوفا، الزميلة البارزة في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوروبية والآسيوية، في حلقة نقاشٍ نظَّمها مركز كارنيغي للسلام الدولي في موسكو، الشهر الماضي، إن "الموقف في الوقت الحالي مختلفٌ تماماً" عمَّا كان في وقت التعاون في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وأضافت أن هذا مَنَحَ روسيا نفوذاً أكبر بكثير على دول آسيا الوسطى.
وقالت: "في المرة الأخيرة التي كان فيها الجيش الأمريكي حاضراً في آسيا الوسطى، كانت العلاقات بين أكبر قوى العالم، روسيا والولايات المتحدة والصين الآن، أفضل بكثير". أما اليوم، "تعتبر روسيا أيَّ محاولةٍ من الجانب الأمريكي للاقتراب من حدودها علامةً على مهاجمة مصالحها الجوهرية. وبالنسبة لآسيا الوسطى، سيكون من المُكلِّف للغاية الموافقة على الوجود الأمريكي على أراضيها".
وإيران والصين تتواصلان مع الحركة
وفي شأن المخاوف المتعلِّقة بالانتشار المُحتَمَل للمُسلَّحين، تلقَّت طالبان اتصالاتٍ من جانب إيران، التي تشترك في حدودٍ طولها 570 ميلاً مع أفغانستان، والصين، التي تخشى زيادة تجنيد تنظيم الدولة الإسلامية للإيغور، الذين يتعرضون وهم أقلية مسلمة في غرب الصين تقع تحت ضغوطٍ هائلة من قِبَلِ بكين بما في ذلك "معسكرات إعادة التعليم" التي ندَّدَ بها الغرب والجماعات الحقوقية وغيرهم.
وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمرٍ عُقِدَ بالفيديو مؤخَّراً مع قادة الأمن في الدول التي كانت تابعةً في السابق للاتحاد السوفييتي، إلى وجود "تركيز واضح للجماعات المتطرِّفة والإرهابية" بالقرب من الحدود الشمالية لأفغانستان، مع التركيز على إثارة الكراهية والنزاعات الدينية والعرقية.
وبحسب وكالة الأنباء الروسية Tass، قال بوتين إن "قادة الإرهابيين يخطِّطون لمؤامراتٍ لنشر نفوذهم في دول آسيا الوسطى والمناطق الروسية".
هل يستطيع داعش هزيمة طالبان؟
ولدى تنظيم داعش في أفغانستان مقاتلون أقل بكثير مِمَّا لدى طالبان -ما يقرب من 2000 وفقاً لأحدث تقديرات الأمم المتحدة، مقارنةً بطالبان التي يُقدَّر عدد مقاتليها بـ70 ألفاً- لكن كثيرين يخشون أن ينمو هذا العدد إذا انقسمت طالبان أو إذا سعى أعضاؤها الساخطون إلى العودة إلى ساحة المعركة وانفصلوا عن الحركة للانضمام إلى مجموعاتٍ أخرى.
في أعقاب سقوط كابول، شنَّ تنظيم داعش حملةً من الهجمات المباشرة على قوات الأمن التابعة لحركة طالبان، بالإضافة إلى تصعيد العنف ضد الأقلية الشيعية في أفغانستان.
وفي موجةٍ استمرَّت شهراً كاملاً منذ منتصف سبتمبر/أيلول، نفَّذَ تنظيم داعش 47 هجوماً، تراوحت بين الاغتيالات والاعتداءات على نقاط التفتيش العسكرية، علاوة على الهجمات الانتحارية في المساجد الشيعية، تلك التفجيرات التي أسفرت عن مقتل العشرات، وفقاً لتحليلٍ أجرته شركة ExTrac البريطانية للتحليلات الخاصة.
وتراجعت هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في السابق بشكلٍ حاد بعد سلسلةٍ من العمليات التي قادتها الولايات المتحدة، كانت قد طهَّرَت بها إلى حدٍّ كبير الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في شرق أفغانستان بين عامَي 2018 و2020.