بعد توقف المفاوضات بين الطرفين لأكثر من عام، استأنف صندوق النقد الدولي المباحثات مع الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، على أمل إنهاء الأزمة الاقتصادية التي أنهكت البلاد بشكل غير مسبوق. فهل تنجح هذه المفاوضات التي تعتبر القشة الأخيرة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، أم أن ذلك غير مضمون وسط استمرار حالة الاضطراب السياسي في البلاد؟
لماذا مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي أمر مهم؟
يُنظر إلى برنامج صندوق النقد الدولي على نطاق واسع على أنه الطريقة الوحيدة التي يمكن للبنان من خلالها الحصول على المساعدة المالية الأجنبية التي يحتاجها بشدة للخروج من واحدة من أشد أزمات الكساد الاقتصادي في العالم.
وتعد المفاوضات حاسمة لمستقبل لبنان؛ حيث إن موافقة صندوق النقد على خطة التعافي التي أعلنتها الحكومة من شأنها أن تعزز الثقة في جهود الحكومة لإنعاش الاقتصاد اللبناني المنهك.
وتخلَّف لبنان عن سداد ديونه الدولية في مارس/آذار من العام الماضي بقيمة 1.2 مليار دولار، لتسجل البلاد في حينه أول تخلُّف عن السداد على الإطلاق.
كذلك توقف لبنان عن سداد كافة مستحقات سندات اليوروبوند بالعملات الأجنبية التي تقدر بقرابة 30 مليار دولار فيما بلغ إجمالي ديون لبنان الخارجية والداخلية قرابة 90 مليار دولار.
وقدر بنك جولدمان ساكس الشهر الماضي عبء ديون لبنان بأكثر من 300% من الناتج المحلي الإجمالي بأسعار الصرف الحالية في السوق.
على إثر ذلك، طلبت الحكومة اللبنانية في حينه دعم صندوق النقد الدولي لتأمين الاستقرار المالي، بيد أن المباحثات بين الجانبين وصلت إلى طريق مسدود في يوليو/تموز العام الماضي.
وعارضت المصارف اللبنانية والعديد من السياسيين خطة التعافي التي أعلنتها الحكومة السابقة على خلفية الشكوك حيال أن التقديرات الحكومية للخسائر الاقتصادية مبالغ فيها وغير دقيقة.
ومنذ أواخر عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية ما يقرب من 90% من قيمتها، وارتفع معدل الفقر بشكل كبير، وأصيب النظام المصرفي بالشلل. ويقدر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد اللبناني انكمش بنسبة 25% العام الماضي، وبلغ معدل التضخم نحو 85%.
لماذا قد لا تنجح الجولة الجديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟
انهارت المحادثات بين لبنان وصندوق النقد الدولي العام الماضي إلى حد كبير؛ لأن البنك المركزي اللبناني والمصارف والسياسيين لم يتفقوا مع الحكومة السابقة على حجم الخسائر في النظام المالي.
وقال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي، الثلاثاء 19 أكتوبر/تشرين الأول، إن الصندوق بدأ مناقشات فنية مع حكومة ميقاتي لإخراج البلاد من أزمتها، مشدداً على ضرورة معالجة الحكومة اللبنانية الخسائر التي يتكبدها القطاع المالي.
وأضاف جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، لرويترز أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي طلب المساعدة وبدأت المناقشات الفنية لذلك، مردفاً: "آخر مرة حصلنا فيها على تحديث كامل للوضع الاقتصادي يعود إلى أغسطس/آب 2020، قبل استقالة الحكومة السابقة، وبالتالي حدثت أشياء كثيرة ونحتاج إلى تحديث الأرقام، وخط أساس جديد".
وقال أزعور: "من المهم للغاية معالجة القضايا التي واجهها القطاع المالي وخاصة الخسائر المالية"؛ حيث كشفت خطة التعافي المالي للبنان، التي وُضعت العام الماضي قبل توقف محادثات صندوق النقد الدولي، عن وجود فجوة تبلغ 90 مليار دولار في النظام المالي.
وقال ميقاتي، الثلاثاء، إن الحكومة أكملت تجميع البيانات المالية المطلوبة للتعاون مع صندوق النقد الدولي. وأضاف رئيس الوزراء، في بيان، أنه يأمل في استكمال برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام.
ويعتقد خبراء أن نجاح المفاوضات مع صندوق النقد ليس مضموناً على الأرجح.
إذ يرى كريم مرهج، الباحث في منصة المصدر العام في بيروت، أن الحكومة الجديدة ليست سوى استمرار لنفس النظام السياسي الحالي وأيضاً استمرار لمفهوم "الكليبتوقراطية" أي نظام "حكم اللصوص" الذي تعاني منه البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ويضيف مرهج لموقع دويتشه فيله الألماني أن خطة إعادة الهيكلة التي أعلنتها الحكومة تحمل في طياتها تداعيات كارثية. وأضاف أن هذه الخطة تأتي مغايرة عن تلك التي أعلنتها حكومة رئيس الوزراء السابق حسان دياب، والتي كانت تتضمن إجراءات حمائية لصغار المودعين، مشيراً إلى أن حكومة ميقاتي قد تُقدم على برنامج خصخصة أو بيع بعض أصول الدولة، وهو ما قد يصب في صالح السياسيين والمصارف.
وفي هذا السياق، قال مرهج: "لا أعرف كيف يمكن لقرض من صندوق النقد الدولي أن يغير الوضع في لبنان. هذا القرض قد يجبر البلاد على فرض إجراءات تقشفية، وهو ما قد يكون أمراً كارثياً على البلاد، خاصة إذا استخدمت الأموال لاستمرار الوضع الراهن للنظام السياسي".
"الإصلاحات مطلوبة وهذه لن تأتي من الطبقة السياسية الحالية"
أما سامي نادر، مدير "معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية"، فيؤكد أن لبنان في حاجة إلى السيولة من أجل تلبية احتياجات البلاد الأساسية.
ورغم ذلك، قال نادر لموقع DW إنه لا يعتقد أن الحكومة الجديدة ستكون قادرة على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، خاصة أن نجاح التفاوض يتضمن وجود تفاهم واتفاق مع المصارف اللبنانية على إعادة هيكلة الديون، وإلا فإن الفئة الأفقر في لبنان سوف تتضرر جراء ارتفاع معدلات التضخم.
وفي ذلك، أوضح نادر: "نحن في حاجة إلى إصلاحات، لكن هذه الإصلاحات لن تأتي من المؤسسة السياسية الحالية. لقد استوعب المجتمع الدولي درساً مفاده لا يمكن مساعدة الدولة اللبنانية لكن يمكن مساعدة الشعب اللبناني".
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي اللبناني جان طويلة أن الحكومة اللبنانية يجب أن تركز على أمور، منها خفض العجز الأولي؛ لأن الإنفاق العام كان مرتفعاً للغاية وسط انخفاض مستوى الإيرادات في البلاد، مشيراً إلى حزمة من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة بما في ذلك إعادة هيكلة القطاع العام وخفض تكاليف قطاع الطاقة.
أما فيما يتعلق بالإيرادات، فيرى الخبير الاقتصادي اللبناني أن الحكومة يمكنها أن تركز على جهود مكافحة التهرب الضريبي لزيادة الدخل الحكومي.
ورغم أن الحكومة اللبنانية تعلق الكثير من الآمال على برنامج التعافي الذي يمكن أن يدعمه صندوق النقد، فإن بعض الخبراء الاقتصاديين يرون أن هذا البرنامج -حتى إذا تم التوصل إليه- فلن يكون كافياً.
وكانت وزارة المالية اللبنانية قد أعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي، أن مصرف لبنان سيحصل على 1.135 مليار دولار بدل حقوق السحب الخاصة التي تُعرف اختصاراً بـ(SDR)، وهي بمثابة أموال تُصرف حسب احتياجات الدولة وتقررها وزارة المالية، ولا يملك صندوق النقد أي وصاية مُلزِمة على طريقة صرفها؛ إذ إن أصول صندوق النقد يمكن استبدالها بالعملات الصعبة من أجل تأمين ضخ المزيد من السيولة في الدول الأعضاء التي تعاني من أزمات مالية كبيرة.