نادراً ما تتحدث الملكة إليزابيث في السياسة، ولكن الملكة البريطانية ذات الـ95 عاماً، وجهت انتقادات لاذعة لقادة الدول الذين لن يحضروا قمة المناخ في أسكتلندا نهاية هذا الخطر، وهي محقة، فخطرُ التغير المناخي لم يعد أمراً مستقبلياً فقط؛ بل إن العالم شهد كوارث ضخمة لم يعهدها من قبل، بسبب التغييرات المناخية.
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، إنَّ التغييرات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة بشكل متزايد، تسببا في زيادة الكوارث الطبيعية على مدى السنوات الخمسين الماضية، مما أثر بشكل غير متناسب على البلدان الفقيرة.
ووصل نزوح الناس على مستوى العالم، بسبب آثار الكوارث والتغييرات المناخية، إلى مستوى قياسي، حسبما ورد في تقرير لموقع the Conversation.
ففي عام 2020، نزح ما يقرب من 31 مليون شخص داخل بلدانهم بسبب الكوارث، نتج ثلثهم على الأقل عن عمليات الإجلاء التي قادتها الحكومة. وتشير بعض التقديرات إلى أن احتمال إجلاء الناس في البلدان الفقيرة يزيد بمقدار ستة أضعاف عن أولئك الموجودين في البلدان الأكثر ثراء.
أخطر الكوارث التي وقعت بسبب التغييرات المناخية
1- إعصار لم نره هنا من قبل!
في مارس/آذار 2019، أودى إعصار إيداي بحياة أكثر من 1000 شخص في زيمبابوي وملاوي وموزمبيق في جنوب إفريقيا، ودمر الملايين الآخرين الذين تُركوا معدمين بلا طعام أو خدمات أساسية.
تسببت الانهيارات الأرضية المميتة في تدمير المنازل والأراضي والمحاصيل والبنية التحتية. وصل إعصار كينيث بعد ستة أسابيع فقط، حيث اجتاح شمال موزمبيق، وضرب مناطق لم يُلاحَظ فيها أي إعصار مداري منذ عصر الأقمار الصناعية، حسبما ورد في تقرير لمنظمة Oxfam الإنسانية.
2- حرائق أستراليا تؤدي إلى أكبر نزوح وقت السلم في تاريخها
وجدت أستراليا نفسها بداية عام 2020 في خضم أسوأ موسم حرائق بالغابات على الإطلاق، بعد أن كانت السنة الأكثر سخونة على الإطلاق والتي تركت التربة والوقود جافاً بشكل استثنائي.
تسببت الحرائق في احتراق أكثر من 10 ملايين هكتار، وقتل ما لا يقل عن 28 شخصاً، ودمرت مجتمعات بأكملها بالأرض، واستولت على منازل آلاف العائلات، وتركت ملايين الأشخاص متأثرين بضباب دخان خطير. تم قتل أكثر من مليار حيوان محلي، وقد لا تتعافى بعض الأنواع والنظم البيئية.
وشهدت حرائق الغابات هذه أكبر عملية إجلاء في وقت السلم للأستراليين من منازلهم، حيث نزح ما لا يقل عن 65 ألف شخص. تؤدي التغييرات المناخية إلى تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، ومن المرجح أن تصبح عمليات الإجلاء شائعة بشكل متزايد، ومكلفة من الناحيتين البشرية والاقتصادية.
وتوصَّل تقرير إلى أن الكوارث المتعلقة بتغير المناخ ستكلف أستراليا 73 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2060، حتى لو تم اتخاذ إجراءات للحد من الانبعاثات الآن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian.
وتقول الدراسة التي أجرتها شركة Deloitte Access Economics، إنه إذا لم يتم فعل أي شيء للتصدي لتغير المناخ، فسوف يرتفع هذا الرقم إلى 94 مليار دولار سنوياً بحلول ذلك التاريخ.
3- عاصفة تكساس الهوجاء قطعت الكهرباء، وقبة حرارية تقتل الأمريكيين
أدت عاصفة فبراير/شباط الماضي، في ولاية تكساس، إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، وقتل 210 شخصاً، وأضرار جسيمة في الممتلكات. واندلعت حرائق الغابات بالولايات الأمريكية الغربية. تسببت القبة الحرارية، بشمال غربي المحيط الهادئ، في درجات حرارة قياسية في سياتل وبورتلاند بولاية أوريغون، أدت إلى وفيات بسبب الحرارة في منطقة لا تنتشر فيها أجهزة التكييف، بسبب مناخها الصيفي المعتدل، وضرب إعصار إيدا ولاية لويزيانا في أغسطس/آب 2021، وتسبب في فيضانات قاتلة بالشمال الشرقي.
4- جفاف مروع في شرق إفريقيا ترك 15 مليوناً بلا غذاء
أدى ارتفاع درجات حرارة البحر، المرتبط بتغير المناخ، إلى مضاعفة احتمالية حدوث الجفاف في منطقة القرن الإفريقي. تسببت حالات الجفاف الشديدة في 2011 و2017 و2019 في القضاء بشكل متكرر على المحاصيل والماشية.
تركت موجات الجفاف 15 مليون شخص بإثيوبيا وكينيا والصومال في حاجة إلى المساعدة، ومع ذلك لم يتم تمويل جهود الإغاثة إلا بنسبة 35%. لقد تُرك الناس دون وسائل لوضع الطعام على مائدتهم، وأُجبروا على ترك منازلهم. يواجه ملايين الأشخاص نقصاً حاداً في الغذاء والمياه.
5- فيضانات جنوب آسيا تشرد 12 مليون إنسان
خلال العام الماضي، أجبرت الفيضانات والانهيارات الأرضية المميتة 12 مليون شخص على ترك منازلهم في الهند ونيبال وبنغلاديش.
في بعض الأماكن، كان الفيضان هو الأسوأ منذ ما يقرب من 30 عاماً، وكان ثلث بنغلاديش تحت الماء. وبينما يُتوقع حدوث بعض الفيضانات خلال موسم الرياح الموسمية، يقول العلماء إن الأمطار الموسمية في المنطقة تتزايد، بسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر في جنوب آسيا جراء التغييرات المناخية.
6- الممر الجاف في أمريكا الوسطى يتدهور حاله
طالت ظاهرة النينيو، التي زادت بشدة بسبب أزمة المناخ، إلى عامها السادس وضربت منطقة الممر الجاف في أمريكا الوسطى.
تشهد غواتيمالا وهندوراس والسلفادور ونيكاراغوا مواسم جفاف، مدتها ثلاثة أشهر، تمتد إلى ستة أشهر أو أكثر، ونتيجة التغيرات فشلت زراعة معظم المحاصيل، تاركةً 3.5 مليون شخص- كثير منهم يعتمدون على الزراعة في الغذاء وسبل العيش- بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و2.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
صناعة التأمين في أزمة بسبب التغير المناخي
تواجه صناعة التأمين، البالغة قيمتها 5 تريليونات دولار، مشكلة من جرّاء التغيرات المناخ، حسبما ورد في تقرير لموقع vox.
ففي النصف الأول من عام 2021، تسببت الكوارث في خسائر مذهلة بالولايات المتحدة بلغت 42 مليار دولار يغطيها التأمين، وهو أعلى مستوى في 10 سنوات. ثم في سبتمبر/أيلول، قطع إعصار إيدا طريق الدمار عبر ساحل الخليج وغمر الأحياء من لويزيانا إلى نيوجيرسي، مما تسبب في خسائر مؤمَّنة تتراوح بين 31 مليار دولار و44 مليار دولار. يُصنَّف إيدا الآن من بين أغلى خمس عواصف في تاريخ الولايات المتحدة.
هذه التغيرات تمثل مخاطر بالنسبة لصناعة التأمين، حسبما قال جيروم هيجيلي، كبير الاقتصاديين لمجموعة Swiss Re، وهي شركة دولية تبيع إعادة التأمين (نوع من التأمين يحمي شركات التأمين من التعرض للخسائر أثناء الكوارث).
أمريكا تستعد للأضرار الاقتصادية للتغير المناخي
أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تقريراً مؤخراً من 40 صفحة يحذّر من أن أزمة المناخ "تُشكل مخاطر جسيمة ومنهجية على الاقتصاد والنظام المالي في الولايات المتحدة"، ووضعت خطوات للعمل، حيث إن "التأثيرات المناخية تؤثر بالفعل على الوظائف والمنازل والعائلات الأمريكية، والمدخرات التي تم الحصول عليها بشق الأنفس، والشركات"، حسب صحيفة the Guardian.
بموجب الخطة الجديدة، ستقوم الحكومة الفيدرالية الأمريكية بوضع المخاطر المناخية في الاعتبار في مزايا الموظفين واستثمارات خطة التقاعد، ودمج الكوارث المناخية في قرارات الإقراض والميزانية، ومراجعة معايير البناء للمنازل المعرَّضة لخطر الفيضانات. ومراعاة هل تؤدي الرهون العقارية المدعومة من الحكومة للإسكان العام، إلى مخاطر حدوث فيضانات كارثية وحرائق غابات وتأثيرات مناخية أخرى.
وقالت جينا مكارثي، كبيرة مستشاري بايدن للمناخ، إن أزمة المناخ "تشكل خطراً على اقتصادنا وعلى حياة الأمريكيين وسبل عيشهم، ويجب أن نتحرك الآن". وأضافت مكارثي: "خارطة الطريق هذه لا تتعلق فقط بحماية نظامنا المالي، إنها تتعلق بحماية الناس ورواتبهم وازدهارهم".
وقال الرئيس الأمريكي في التقرير: "تشكل التأثيرات المكثفة لتغيُّر المناخ مخاطر مادية على الأصول والأوراق المالية المتداولة علناً والاستثمارات الخاصة والشركات". وأضاف أن أزمة المناخ "تهدد القدرة التنافسية للشركات والأسواق الأمريكية، ومدخرات الحياة والمعاشات التقاعدية للعمال والأسر في الولايات المتحدة، وقدرة المؤسسات المالية الأمريكية على خدمة المجتمعات".
وقالت جينا مكارثي: "إذا أظهر لنا هذا العام شيئاً، فهو أنَّ تغيُّر المناخ يشكل خطراً مستمراً وعاجلاً ومنتظماً على اقتصادنا وعلى حياة وسبل عيش الأمريكيين كل يوم، ويجب أن نتصرف الآن".
ومن بين الخطوات الموضحة في الخطة الأمريكية، أن يقوم مجلس مراقبة الاستقرار المالي التابع للحكومة، بتطوير أدوات لتحديد وتقليل المخاطر المرتبطة بالمناخ على الاقتصاد. تخطط إدارة الخزانة لمعالجة المخاطر التي يتعرض لها قطاع التأمين وتوفر التغطية. تبحث لجنة الأوراق المالية والبورصات في قواعد الإفصاح الإلزامية حول الفرص والمخاطر الناتجة عن حالة الطوارئ المناخية.