واجه هانتر بايدن، نجل الرئيس جو بايدن، حملة شرسة من جانب الرئيس السابق دونالد ترامب بتهم "استغلال نفوذ والده نائب الرئيس"، لكن "سمعة" الرئيس السابق كانت تحت الأضواء وقتها، فكيف عاد هانتر "الفنان" إلى واجهة الأحداث الآن؟
كان ترامب قد تعرض لمحاكمة "العزل" أول مرة على خلفية ممارسة الرئيس السابق ضغوطاً على نظيره الأوكراني كي يفتح من جديد التحقيق في تهم استغلال هانتر بايدن لنفوذ والده جو بايدن، عندما كان الأخير نائباً للرئيس باراك أوباما، ووقتها كان التعاطف مع آل بايدن كبيراً، في مواجهة آل ترامب.
وبعد أن فاز جو بايدن بالرئاسة وغادر ترامب البيت الأبيض، عاد بايدن الابن لواجهة الأحداث مرة أخرى، لكن هذه المرة في ثوب "فنان" يعرض واحد من أكبر المعارض في هوليوود أعماله، التي تباع بمبالغ باهظة، مما فتح الباب على مصراعيه أمام اتهامات "باستغلال الابن لنفوذ والده الرئيس".
الفنان "هانتر بايدن" وأعماله باهظة الثمن
تناول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية القصة في تقرير عنوانه "هل مشروع هانتر بايدن الفني يضع الرئيس في مأزق أخلاقي؟"، ألقى الضوء على الشكوك المحيطة بتلك "المهنة" التي امتهنها بايدن الابن عقب دخول والده البيت الأبيض، وما يعنيه ذلك بالنسبة لإدارة وضعت "الشفافية والنزاهة" عنواناً لها منذ اليوم الأول.
ففي ليلة ممتعة أخرى من هوليوود، وفي غرفة بيضاء بمعرض Milk Studios الفني، يأمل المنظمون بيع المعروضات مقابل نصف مليون دولار. وربما يكون الرقم أعلى بكثير مما يُتوقع جمعه من أعمال "فنان ناشئ"، لكن يصادف أنَّ هذا الفنان هو نجل رئيس الولايات المتحدة.
بيد أنَّ مهنة هانتر بايدن الجديدة المربحة -إذ يمثله معرض Georges Bergès في نيويورك الذي أشاد به بصفته مبتكر "لوحات قوية ومؤثرة تتراوح من الصور الفوتوغرافية إلى الوسائط المختلطة إلى التجريد"- يثير إزعاجاً أخلاقياً للبيت الأبيض الذي تعهد بأن يكون قيادة يُحتذى بها.
وحذّر الخبراء من أنَّ البعض قد يشترون الأعمال الفنية -التي من المتوقع أن تجلب ما بين 75000 دولار و500000 دولار- في محاولة لكسب التأييد وكسب أرضية مع جو بايدن. كما يتهمون هانتر بالمتاجرة باسم والده ومنصبه بطريقة تنتهك الأعراف الأخلاقية، حتى وإن لم تكن غير قانونية.
هل يتاجر هانتر باسم والده الرئيس؟
قال الزميل الباحث والتر شوب، الذي كان مدير مكتب الأخلاقيات الحكومية في عهد الرئيس باراك أوباما، للصحيفة البريطانية: "لدينا هنا مشكلة واضحة. لدينا فرد من العائلة يتاجر بوضوح باسم والده. لم يبِع الرجل قط قطعة فنية من قبل، ولم يسبق له الانضمام إلى معرض فني في مركز المجتمع، لكنه صار فجأة يبيع الأعمال الفنية بأسعار خيالية. ببساطة ليس هناك سبيل آخر يجعل أي شخص يدفع 75000 دولار إلا مقابل الاسم".
ولطالما كان بايدن مدافعاً شرساً عن هانتر (51 عاماً)، الذي تطارده المشاكل منذ سنوات، وتخضع شؤونه الضريبية حالياً للتحقيق في وزارة العدل.
لكن مساعيه الفنية الأخيرة قد تكون أكثر تعقيداً؛ فقد قال هانتر في مقابلة مع صحيفة The New York Times، العام الماضي إنه اختار الرسم هوايةً أثناء تعافيه من الإدمان، ووجد العزاء في الفن عندما كان في قلب محاكمة ترامب برلمانياً في عام 2019.
ومع ذلك، يبدو أنَّ بيع أعماله انتشر في الإعلام بطريقة لم تفعلها نظريات المؤامرة اليمينية المرعبة. ومثلما سوّق الأخ الأصغر للرئيس جيمي كارتر لمشروبات "بيلي بير" وباعها في عام 1977، يواجه هانتر اتهامات بأنه يتربح من رئاسة والده.
وألقت مخاوف تضارب المصالح بظلالها على الجهود التي يبذلها الرئيس لإظهار للعالم أنَّ أمريكا قد تجاوزت فترة صعبة بعد المزاعم المستمرة بأنَّ شركات ترامب وعائلته استفادوا من رئاسته، بما في ذلك تعيين ابنته وصهره في مناصب عليا في البيت الأبيض.
وأصدر بايدن مذكرة تنص على مكافحة الفساد باعتبارها مصلحة أساسية للأمن القومي. واستجابت إدارته لوثائق باندورا من خلال الوعد بالضغط من أجل مزيد من الشفافية في الأنظمة المالية.
وسعت الإدارة الأمريكية إلى استباق الأسئلة حول فن هانتر من خلال إبرام اتفاق، نشرته صحيفة The Washington Post لأول مرة في يوليو/تموز، والذي بموجبه يحدد مالك معرض Georges Bergès أسعار الأعمال الفنية ولا يكشف عن الجهات التي قدمت عطايا أو اشترت أعمالاً، وكذلك رفض العروض التي بدت ابتزازية.
كيف رد "آل بايدن" على تلك الاتهامات؟
من جانبه يرفض هانتر بايدن تلك الاتهامات مرجعاً مصدرها إلى أنصار ترامب لأسباب سياسية، وقال تعليقاً على الانتقادات: "أعتقد أنني أكثر فنان مشهور في عالم "ماغا" (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى – شعار حملة ترامب في الانتخابات التي خسرها لصالح جو بايدن)"، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
لكن بن دافيس الناقد الفني الأمريكي قال لمجلة Politico إن أعمال هانتر بايدن عبارة عن "كثير من الخداع والتلاعب" ولا تساوي تلك الأسعار التي تباع بها، مضيفاً: "صحيح أنه لا يوجد علم مرتبط بتلك الأمور (الأعمال الفنية بأنواعها)، لكننا متأكدون بنسبة 100% أن ما يتم بيعه في تلك المعارض هو اسم بايدن وقصته. هذه أسعار لأعمال فنان نجح قبل حتى أن يبدأ العمل".
ورد هانتر بايدن في نفس التقرير على الاتهامات بأنه يستغل اسم والده الرئيس بالقول: "لو أنني أردت وضع خطة (لاستغلال نفوذ والدي) بالتأكيد لم أكن لأختار الرسم. كنت فقط سأجلس في الاستوديو الخاص بي وأرسم لنفسي وأنا بالتأكيد أفعل ذلك، لكن الأمر مثير أن أعرف أن هناك جمهوراً وأن ذلك الجمهور يستطيع تفسير أعمالي بطريقته الخاصة".
أما بالنسبة للبيت الأبيض فلم ينجح ذلك الاتفاق بإخفاء هوية مشتري أعمال هانتر في إسكات المنتقدين، إذ لا توجد آلية لمراقبة الالتزام بالاتفاق. ويقول النقاد إنَّ وجود هانتر في فعاليات المعرض الأخير في هوليوود قوّض المزاعم القائلة بأنه لا هو ولا البيت الأبيض سيعرفان هوية المشترين. وحضر الحدث أيضاً غارسيتي، وهو مرشح بايدن ليكون سفير الولايات المتحدة القادم في الهند والرئيس المشارك السابق لحملته الرئاسية لعام 2020.
وهذ الأسبوع، واجهت جين ساكي، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، أسئلة الصحفيين حول القصة بإجابات مقتضبة؛ إذ قالت لمراسل في الإحاطة اليومية: "لا يزال هذا من اختصاص صالة العرض. ما زلنا لا نعرف ولن نعرف من يشتري أية لوحات. ويحتفظ الرئيس بفخره بابنه". وعندما حاول المراسل متابعة السؤال، ردت ساكي بحدة: "هل لديك سؤال حول شيء آخر؟".
"فضائح" آل ترامب مقابل آل بايدن
انضمت خبيرة الأخلاق كاثلين كلارك، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة واشنطن، إلى منتقدي الاتفاقية، قائلة: "من المؤسف حقاً أنَّ هانتر بايدن اختار محاولة جني الأموال بطريقة تكون عرضة للمتاجرة بالنفوذ".
وأضافت كاثلين، للغارديان، أنَّ إدارة البيت الأبيض السابقة وضعت معياراً أخلاقياً منخفضاً تاريخياً. فقد أعطت إدارة ترامب الانطباع بأنها سعت لأن تكون غير أخلاقية وربما حتى غير قانونية، وكأن هذا هو الهدف. وفي حالة هانتر بايدن، لا يحدث هذا، لكن يظل الأمر مخيباً للآمال عندما لا تلتزم إدارة بايدن بما في وسعها فعله فيما يتعلق بالشفافية، على سبيل المثال.
وفي الواقع، قد يكون اتساع فضائح ترامب وعمقها، التي أسرت وسائل الإعلام لمدة أربع سنوات، قد حمى بايدن وهانتر جزئياً من التدقيق المستمر. ويقدم كتاب حديث عن عائلة بايدن من تأليف الصحفي السياسي بن شريكينغر دليلًا على أنَّ بعض رسائل البريد الإلكتروني التي يُزعَم أنها تسربت من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن المتعلقة بالصفقات التجارية كانت حقيقية وليست، كما يُفترَض على نطاق واسع، مفبركة من جانب المخابرات الروسية.
وفي هذا السياق، علّق الزميل الباحث والتر شوب بأنَّ الكثير من الناس يغفلون المعضلة الأخلاقية لعمل هانتر الفني لسببين؛ "أحدهما هو الحزبية المفرطة التي تطورت في بلدنا، التي جعلت الأشخاص الذين صوتوا لبايدن يهرعون في الأرجاء قائلين: إنه ليس سيئاً مثل ترامب".
وتابع: "الشيء الثاني الذي يعمي الناس هو أنه كان هناك الكثير من التشهير غير العادل ضد هانتر بايدن من قبل ممثلين سياسيين ممولين جيداً، الذين كانوا مخادعين تماماً في اتهاماتهم السخيفة. أعتقد أنَّ هذا حقق نجاحاً جيداً مع قاعدتهم الجماهيرية، لكنه حقاً ألقى بظلاله على القضية، لأنَّ الحقيقة هي أنَّ هانتر بايدن ليس الشخص الشرير الذي صوره هؤلاء الممثلون السياسيون".
واستدرك قائلاً: "لكنه أيضاً ليس المواطن الصالح الذي يريدك البيت الأبيض أن تصدقه. هذا رجل استندت حياته كلها على جني الأموال من العمل السياسي لوالده وهذا ليس شيئاً يجب أن نتقبله في هذا البلد ونحتفل به ونتسامح معه".
وتابع شوب أنَّ حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم كانوا يبحثون عن دليل على استقرار البلاد في أعقاب رئاسة ترامب، مضيفاً: "صحيح أنَّ لدينا إدارة جديدة لا تستهزئ بسيادة القانون، لكنها تقترب كثيراً من ذلك الخط دون تجاوزه، وتقول: لن نركز على الإصلاحات، وسنكتفي بالعودة لما كان عليه الوضع قبل ترامب".