شهد عام 2021 تغيرات مثيرة وسريعة في منطقة الشرق الأوسط، فأعداء الأمس باتوا اليوم يقفون معاً على مسافة واحدة من الأحداث الجارية، وتحول الصراع الشديد بين بعض أطراف الإقليم إلى تعاون في ملفات حساسة وهامة بعضها كان يوصف بالصراع الصفري، فماذا حدث وجعل دولة مثل الإمارات العربية المتحدة التي كانت راعياً رسمياً للصراعات في المنطقة إلى دولة مهتمة بالتعاون الاقتصادي بدلاً من الحروب؟
الإجابة عن هذا التساؤل ليست بالسهولة بمكان، لكنها قد تبدو منطقية لكن الأمر المثير هو طرح السؤال نفسه الذي كان يعد من الأحلام قبل عامين حين كانت أبوظبي تجول شمالاً وجنوباً لتأجيج الأزمات بداية من اليمن ومروراً بالقاهرة حتى القرن الإفريقي وحتى أوروبا وآسيا لم تسلما من طموحات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
- بايدن ليس كترامب!
مع رحيل سيد البيت الأبيض السابق دونالد ترامب الذي كانت تنظر إليه الإمارات باعتباره رجلها في الولايات المتحدة، أصبحت خيارات ولي عهد أبوظبي محدودة وباتت سياسة الدفاع الأمريكية التي يتبناها الوافد الجديد إلى الحكم في واشنطن جو بايدن تعتمد فقط على المصالح الاستراتيجية الأمريكية وليس مصالح الحلفاء القادرين على الدفع مثلما كان يفعل الرئيس السابق الذي يراه البعض رهن قرارات بلاده بمن يدفع أمولاً أكثر.
في الفترة الأخيرة اتجهت دول المنطقة عموماً، بما فيها الإمارات، نحو خفض التصعيد مع تحول تركيز الولايات المتحدة بعيداً عن المنطقة وعدم اهتمامها بتوجيه مواردها للانخراط في صراعاتها؛ حيث تتزايد شكوك الإمارات، كما بقية حلفاء واشنطن، حول مدى التزام الولايات المتحدة بدعمهم في مواجهة التهديدات الإقليمية، كما يذكر تحليل لموقع أسباب.
فعلى سبيل المثال، وحتى خلال حكم إدارة "ترامب" الحليف الوثيق للإمارات والسعودية، أصيب شركاء واشنطن بالذهول من عدم وجود أي رد عسكري أمريكي على الهجمات ضد منشآت النفط السعودية. ومع قدوم إدارة بايدن باتت الإمارات تشعر بقدر أقل من الغطاء الأمني، حتى أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد طلب صراحة من مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان توقيع معاهدة أمنية ثنائية يقرها الكونغرس بما يضمن أن تكون العلاقات المستقبلية الثنائية أكثر استقراراً، بحسب موقع أسباب.
علاوة على ذلك، فإن التطورات في أفغانستان بعثت رسالة إلى أبوظبي مفادها أن النظام الإقليمي الأوسع أكثر هشاشة مما يبدو. وأدت صور القوة العظمى المهزومة وهي تحاول بيأس السيطرة على آخر خط عبور لها في كابول إلى إقناع قادة الإمارات، خاصة محمد بن زايد وأخاه مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد، بأن البحث عن الأمن القومي وأمن النظام لا يمكن أن يعتمد فقط على الدعم من واشنطن. وبدلاً من ذلك، يتطلب الأمر من الإمارات أن تصبح أكثر واقعية في تكوين الشبكات والعلاقات في جميع أنحاء المنطقة، ليس فقط مع حليف محتمل مثل إسرائيل، ولكن أيضاً مع جار قوي عدواني مثل إيران، وحتى مع الخصوم في الأيديولوجيا إقليمياً مثل أنقرة وطهران. صحيح أن إدارة ترامب عززت الاتجاه للتطبيع مع إسرائيل بصورة أساسية، لكنّ هذه الخطوة كان لها جذور أعمق في تقدير الإمارات بأهمية احتضان التعاون الإقليمي، بغض النظر عن الأيديولوجيا، بينما الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضاءل، وبينما سياسة واشنطن باتت "متعرجة ولا يمكن التنبؤ بها"، كما يراها محمد بن زايد.
- السعودية والإمارات.. من التحالف إلى التنافس
في عام 2017 كانت العلاقة بين السعودية والإمارات في أحسن حالاتها حتى وصل الأمر ببعض المحليين السياسيين إلى القول إن أبوظبي والرياض حليفان لا يمكن أن ينفصلان، لكن سرعان ما تحول هذا التعاون إلى الصراع على السيادة في منطقة الخليج بل وصل الأمر إلى نزاع وصفه تقرير لمعهد كارنيغي بـ"نزاع البراميل"، بعد التوتر بين الحليفين السابقين على خليفة حصص كل منها في "أوبك".
الأمر لم يتوقف فقط على النفط، فقد دخلت العلاقة في فتور بعد قرار الرياض بإلزام الشركات الأجنبية بفتح مراكز إقليمية لها في السعودية حتى يمكنها الاستفادة من السوق السعودي، علاوة على التوتر الإعلامي بين الجارتين الخليجيين، فخلال الفترة الماضية طلبت الرياض من العاملين في قناة العربية وفي قناة الشرق التابعتين لها في الإمارات بسرعة الانتقال إلى الرياض وهذه الخطوة التي قد تبدو دليلاً كبيراً على تباعد الأهداف بين الحليفين السابقين.
مصدر خاص في قناة الشرق السعودية ذكر لموقع "عربي بوست" أن بعض الإعلاميين في قناتي العربية والشرق لم يبدوا موافقتهم على العمل من الرياض، مما دفع قناة "سكاي نيوز" عربية التي تبث من أبوظبي للتفكير لإطلاق قناة إماراتية جديدة يكون عمادها الأساسي الإعلاميين الرافضين للعمل من السعودية، وبحسب المصدر قد تكون بالأساس لانتقاد السعودية.
أيضاً حينما تفاوضت السعودية منفردة تقريبا مع قطر على اتفاق العلا الذي وضع نهاية للأزمة الخليجية، تسبب هذا الأمر في أزمة مكتومة بين الرياض وأبوظبي، اذا اعتبرت الإمارات أن هذا القرار لم يكن على رغبة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي كان رأس الحربة في الأزمة الخليجية وفرض الحصار على قطر.
- تقارب قطر والسعودية
أيضاً تسبب تصدّع حلف الإمارات الذي كان يضم (السعودية ومصر)، في جعل أبوظبي تفكر جدياً في تغير سياستها، فبعد إصلاح علاقات قطر مع مصر والسعودية كونه مجرد سلام بارد، حيث تعاونت الدوحة مع القاهرة لتسهيل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في الوقت الذي جرى فيه تهميش أبوظبي التي فشلت في الوفاء بوعدها بالاستفادة من اتفاقيات أبراهام لتعزيز ما يدعى "عملية السلام".
بينما ناقشت السعودية وقطر التعاون الأوثق في مجموعة من الملفات، والذي بلغ ذروته في إنشاء مجلس التعاون السعودي القطري. وفي حين شاركت الإمارات في تدبير الحصار بهدف عزل الدوحة إقليمياً ودولياً، فقد خرجت قطر منه بروابط أوثق مع واشنطن، وتم الاعتراف بها كشريك ووسيط موثوق به في المنطقة، كما ظهر تناقض بين نهج أبوظبي الصفري وبين عودة قطر كوسيط في فلسطين وأفغانستان والقرن الإفريقي وإيران، بحسب موقع أسباب.
- عدم تحقيق مكاسب من الصراع
أدركت الإمارات أن الصراعات المفتوحة في كل الأماكن لم تحقق لها الاستقرار السياسي والأمني ولم تلبّ طموحاتها الاستراتيجية فكانت البداية الأساسية في سبتمبر/أيلول 2019، حين استهدفت هجمات إيرانية أو مدعومة من إيران، يرجح أنها بطائرات بدون طيار، منشآت معالجة النفط السعودية في بقيق وخريص. أدركت الإمارات حينها أن الانخراط في نزاعات المنطقة ليس من المضمون أن يُبعد التهديدات عن إقليم الدولة نفسها.
وبحسب وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، فإن الهجوم أقنع قادة الإمارات بأن زيادة التوتر في المنطقة ونهج التصعيد أو المواجهة من شأنه أن يورط البلاد في صراعات طويلة الأمد؛ لذا أطلقت أبوظبي مراجعة شاملة وصفها قرقاش بعملية "إعادة الفحص"، نتج عنها تبنِّي الدولة لنهج جديد قائم على "صفر من المشاكل" وفق تصريح قرقاش.
- الاقتصاد والتنمية بدلاً من النفط الرخيص
عززت سنوات النفط الرخيص من قناعة قادة الإمارات بأنهم يقتربون من "نهاية عصر النفط"، الذي كان محرك النمو المبكر للإمارات. لذلك يتطلب مسار تنويع الاقتصاد تغيير مسار تحقيق أمن البلاد إلى التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز الروابط التجارية، وليس على الانخراط في صراعات تحد من فرص الاقتصاد وتستنزف الموارد المحلية.
هذا السبب دفع أبوظبي للتحرك على ملفات اقتصادية تقبل التعاون مع الأطراف الإقليمية الهامة بدلاً من الصراع فجاء تحركات مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد الأخ الشقيق لولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن زايد إلى التحرك سريعاً صوب تركيا التي التقى رئيسها رجب طيب أردوغان، والذي ناقش معه رغبة الإمارات في التعاون الاقتصادي بدلاً من الخلافات السياسية والأمنية.
زيارة طحنون بن زايد شملت أيضاً الدوحة التي كانت قبل أشهر عدة "الدولة المارقة"، كما زار مستشار الأمن القومي القاهرة أيضاً بعد حديث عن توتر العلاقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبين الشيخ محمد بن زايد.
هذه التحركات، على ما يبدو، كانت نتيجة تقييم الإمارات لسياستها السابقة والشروع في سياسة جديدة أكثر اتزاناً وتعاوناً مع الأطراف الإقليمية.