جاء ارتفاع أسعار النفط جراء التعافي، ليُنعش آمال الدول العربية لا سيما الخليجية التي كانت قد عانت من تراجع إيراداتها النفطية بعد تدني أسعار النفط خلال إغلاقات كورونا، لدرجة تسجيل النفط سعراً بالسالب، فهل تعافى الاقتصاد العالمي من الجائحة، وماذا يعني ذلك بالنسبة للدول العربية وكيف يمكنها الاستفادة من الصعود الأخير للنفط؟.
وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مع استمرار تعافي الطلب من جائحة كوفيد-19.
وارتفعت العقود الآجلة لخام مزيج برنت 87 سنتاً ما نسبته 1%، ليصل إلى 85.73 دولار للبرميل، وهو أعلى سعر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.12 دولار، أي ما نسبته 1.4% ليصل إلى 83.40 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014.
يذكر أن عقود خام برنت وغرب تكساس كانت قد ارتفعت بنسبة 3% على الأقل الأسبوع الماضي.
أسباب ارتفاع أسعار النفط
ويرى محللون من بنك "إيه.إن.زد" أنه "من المرجح أن يساعد تخفيف القيود حول العالم في انتعاش استهلاك الوقود"، وذلك في مذكرة نشرت صباح الإثنين.
كما أضافت المذكرة: "الأخبار التي أفادت بأن الولايات المتحدة ستفتح حدودها أمام المسافرين الأجانب الذين تم تطعيمهم الشهر المقبل دعمت سوق وقود الطائرات. وتبع ذلك تحركات مماثلة في أستراليا وعبر آسيا".
ولعبت أزمة الغاز التي تضرب أجزاء كبيرة من العالم، خاصة أوروبا، دوراً في ارتفاع أسعار النفط؛ نظراً لأن التحول من الغاز إلى النفط لتوليد الطاقة وحده يمكن أن يعزز الطلب بما يصل إلى 450 ألف برميل يومياً في الربع الرابع في العام.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، الخميس، إنه من المتوقع أن تعزز أزمة الطاقة الطلب على النفط بواقع 500 ألف برميل يومياً.
في الوقت ذاته، انتعش الطلب على النفط مع التعافي من جائحة كوفيد 19، فضلاً عن تحول الصناعة عن الغاز والفحم، باهظي الثمن، إلى زيت الوقود والديزل.
ومن المتوقع أن تظل الإمدادات العالمية تحت ضغط بفعل انخفاض حاد في مخزونات النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي الولايات المتحدة.
كما أنه يعتقد أن المخاوف من الضغوط تجاه إيجاد أنواع للطاقة بديلة للنفط قد لعبت دوراً في تقليل الاستثمارات النفطية الجديدة، في ظل اتجاه دول الاتحاد الأوروبي تتبعها دول أخرى للتوسع في السيارات الكهربائية وصولاً إلى خطط عدد من الدول الأوروبية لحظر السيارات العاملة بالوقود الأحفوري خلال عقدين أو ثلاثة.
من جانبها، زادت شركات الطاقة الأمريكية أعداد حفارات النفط والغاز العاملة للأسبوع السادس على التوالي مع ارتفاع أسعار الخام.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأسبوعي، الجمعة، إن عدد حفارات النفط والغاز، وهو مؤشر مبكر على الإنتاج في المستقبل، زاد من 10 إلى 543 على مدار الأسبوع المنتهي في 15 أكتوبر/تشرين الأول، مسجلاَ أعلى مستوياته منذ أبريل/نيسان 2020.
هل تعافى اقتصاد العالم من الجائحة؟ نعم ولكن هناك مخاوف متعلّقة بالعملاقين المتنافسين
يرتبط مستقبل أسعار النفط بالتعافي من الجائحة، وهناك مؤشرات كثيرة على تحقق ذلك، بل إن التعافي جاء أكبر من المتوقع؛ مما أدى إلى اختناقات في سلاسل التوريد لسلع عدة.
وبصفة عامة مع توسع الاقتصادات الرئيسية في العالم في حملات التطعيم، يبدو احتمال العودة إلى الإغلاقات السابقة مستبعداً، إلا إذا حدث تحور هائل للفيروس يصبح معه التطعيم بلا جدوى، كما أن أغلب الدول الرئيسية بدأت تزيل قيود السفر، وهو ما يعني زيادة في استهلاك الوقود لا سيما وقود الطائرات، كما أن هناك مؤشرات على أن الأسر في الغرب بدأت تنفق ما ادخرته خلال فترة الجائحة.
ولكن بينما تبدو مؤشرات تعافي الاقتصادات العالمية كبيرة، يظل هناك بعض المخاوف المتعلقة بالاقتصادين الصيني والأمريكي وهما أكبر اقتصادين في العالم.
فالبنسبة للاقتصاد الصيني، هناك أزمة شركة إيفرغراند العقارية، وكذلك أزمة الطاقة في الصين، إضافة إلى أزمة ديون الشركات الحكومية الصينية.
أما الاقتصاد الأمريكي فرغم مظاهر التعافي الواضحة والنمو اللافت في الاستهلاك إلا أن هناك قلقاً بشأن التضخم الدين السيادي الأمريكي، جراء التيسيرات والمدفوعات الحكومية خلال أزمة كورونا.
كما أن هناك قلقاً يتعلق باحتمال انتقال الخلافات السياسية بين الصين وأمريكا إلى الاقتصاد وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ولكن يظل فرص التعافي الاقتصادي أعلى من احتمال انتكاسة اقتصادية جراء العوامل السابقة.
صندوق النقد كان يتحدث عن نضوب ثروات دول الخليج المالية
تقلبت أسعار النفط في السوق الدولية خلال العقدين الماضيين، فخلال الفترة من 2003 إلى 2013 شهدت صعوداً في أسعار النفط، مما مكّن الدول النفطية العربية من سداد ديونها، وتكوين أرصدة كبيرة من النقد الأجنبي، فضلاً عن زخم مالي بصناديقها السيادية، حسبما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة.نت".
ولكن الفترة من منتصف 2014 وحتى منتصف 2021 كانت عصيبة على الاقتصادات النفطية العربية، حيث تبدّل الحال إلى عجز بميزانيات تلك الدول، واضطرت للسحب من أرصدتها للنقد الأجنبي، وكذلك اتجهت للاقتراض من السوقين المحلية والخارجية.
كان نفط خام غرب تكساس الأمريكي، قد وصل لسالب 37.63 دولار في 20 أبريل/نيسان 2020، أي أن من اشترى ألف برميل (الحد الأدنى لعقود النفط) حصل على أكثر من 43 ألف دولار من مالك النفط.
تلك الأوضاع جعلت صندوق النقد الدولي يتوقع في فبراير/شباط 2020 جفاف الثروات المالية لدول الخليج خلال 15 عاماً، إذا استمرت النظم المالية بها على ما هي عليه في ذلك التوقيت، ومما يدلل على تبعات انخفاض أسعار النفط على الدول العربية خلال الفترة الماضية ما ذهبت إليه شركة "كامكو إنفست" (Kamco Invest) بأن دول الخليج "حكومات وشركات" مطالبة بسداد قيمة سندات وصكوك بنحو 321.4 مليار دولار خلال الفترة 2021-2025، منها 157.1 مليار دولار مستحقة على الحكومات، ونحو 164.3 مليار دولار مستحقة على الشركات.
ولكن الوضع بعد العشرة الأولى من أكتوبر/تشرين الأول 2021 تغيّر، حيث تشهد أسعار النفط في السوق الدولية طفرة ملموسة، وتجاوزت أسعار النفط سقف 80 دولاراً للبرميل، وثمة توقعات بأن تستمر هذه الأسعار خلال الفترة المتبقية من 2021، وأن ترتفع إلى 90 دولاراً لبرميل النفط خلال 2022.
ومنذ يونيو/حزيران 2021 وأسعار النفط في تزايد مستمر، ولكن كان طموح الكثيرين لا يتجاوز سعر 75 دولاراً لبرميل النفط، غير أن الأزمات الأخيرة خلقت سيناريوهات تحمل احتمال حدوث مزيد من الارتفاعات.
هل تستطيع الدول العربية الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط بطريقة أفضل من السابق؟
خلال الفترة الماضية، دفع انخفاض أسعار النفط، الدول العربية إلى اتخاذ سياسات تقشفية ومحاولة إصلاح ميزانيتها وإعادة النظر في العديد من بنود الإنفاق، ومن شأن ارتفاع أسعار النفط أن يقدم فرصة للدول العربية لا سيما الخليجية، وقد يكون سبباً في الوقت ذاته لأزمات لاحقة أو تأجيل الإصلاحات الجذرية.
فقد يشجع ارتفاع أسعار النفط على توسعات مالية غير ضرورية، تمثل أعباء على الميزانيات، قد تمثل مشكلة إذا انخفضت أسعار النفط لاحقاً.
وفي الوقت ذاته يمثل ارتفاع أسعار النفط فرصة للدول العربية لتسريع جهودها لإيجاد مصادر دخل موازية للنفط.
والسؤال هنا: كيف تستفيد الدول العربية لا سيما الخليجية هذه المرة من ارتفاع أسعار النفط بصورة تؤدي إلى عدم تعرضها لتجارب قاسية، في حالة تحول الارتفاع في أسعار النفط إلى هبوط؟ وكيف تغير من وضعها المالي والاقتصادي ليكون محصناً ضد تقلبات السوق الدولية؟
ولا يزال النفط العربي يمثل أهمية استراتيجية على الصعيد العالمي من حيث الإمدادات، وكذلك على صعيد الاقتصادات العربية النفطية نفسها، فحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، تمتلك الدول العربية النفطية 56.5% من الاحتياطات المؤكدة من النفط على مستوى العالم، كما تمتلك نسبة 26.7% من احتياطات العالم من الغاز الطبيعي.
أما على صعيد الإنتاج، فتقدم الدول العربية النفطية 28.4% من حجم الإنتاج العالمي من النفط، كما تقدم نحو 14.9% من إنتاج الغاز العالمي.
وارتفعت أسعار النفط هذا الشهر، مقارنة ببداية العام بقدر كبير، فخام برنت كان بحدود 55 دولاراً للبرميل، بنسبة 51.2%، أما الخام الأمريكي فلقد زاد سعره بنحو 28.1 دولار، بنسبة 53.6%.
ولكن إذا أخذنا سيناريو ارتفاع سعر برميل النفط إلى 90 دولاراً للبرميل في الاعتبار، فإن نسبة الزيادة ستكون مختلفة بلا شك، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا السيناريو مستبعد الحدوث في 2021، ولكن يتوقع أن يتحقق في 2022، حسبما ورد في تقرير الجزيرة.
نتيجة لذلك تتوقع وكالة "ستاندر آند بورز" أن ينخفض العجز في الميزانيات الخليجية في عام 2021 إلى 80 مليار دولار، مقابل 143 ملياراً في عام 2020.
ومعنى ذلك أن الأزمة المالية للدول العربية لن تنفرج بشكل كبير إلا إذا استمرت الأسعار أعلى من 80 دولاراً للبرميل لفترة طويلة حتى نهاية 2025، حتى تتمكن الدول العربية من إصلاح وضعها المالي، وكذلك تكوين فوائض يمكن من خلالها تنفيذ خطط تنموية أو استثمارية في الاتجاه الصحيح.
يجب التخلص من الديون أولاً
يمثل ارتفاع أسعار النفط فرصة كبيرة لأغلب الدول العربية وليس الخليجية فقط، لأن أغلب الدول العربية تصدّر النفط ولو بشكل ضئيل، كما أن الدول العربية غير النفطية تستفيد من تحويلات عمالها في دول النفط وازدهار تجارتها وكذلك تتحسن فرص تلقيها مساعدات من الدول العربية النفطية.
بالنسبة للدول العربية النفطية، تتمثل الفرصة في الأجلين القصير والمتوسط في عدة صور، منها التخلص من الديون الخارجية والمحلية قصيرة ومتوسطة الأجل، لتجعل صانع السياسة المالية في فسحة للتخطيط لاستراتيجيات مهمة، مثل تنويع الاقتصادات النفطية العربية، وفقاً لما ورد في تقرير "الجزيرة.نت".
وكذلك العودة إلى تراكم أرصدة احتياطي النقد الأجنبي، وأيضاً دعم حسابات الصناديق السيادية، ولكن هذه المرة ينبغي أن يعاد النظر في سياسة الاستثمار الخاصة باحتياطات النقد، أو أرصدة الصناديق السيادية، لتبتعد عن المضاربات في أسواق المال أو العقارات أو الأنشطة السياحية.
والتركيز على الاستثمارات التكنولوجية
لا بد أن تكون للدول النفطية العربية استثمارات حقيقية في مجال التكنولوجيا، سواء داخل كل بلد، أو في شكل تكتل عربي، يمكن أن يحقق قيمة مضافة عالية لتلك الدول، وفي الوقت نفسه يؤمن لها عوائد تقيها من تقلبات السوق الدولية، حسب تقرير "الجزيرة.نت".
لكن يجب ألا تكرر الدول العربية نفس الأخطاء التي ارتكبت في فترات وفورات النفط السابقة، عبر زيادة الإنفاق غير الاستثماري والتوسع في التوظيف الحكومي الذي يراكم التزامات مالية يصعب التخلص منها، بل يجب استغلال أي زيادة في الإيرادات في مجالين أساسيين هما الاستثمارات في العنصر البشري المحلي، وليس توظيفه كشكل من أشكال البطالة المقنعة، المجال الثاني الاستثمارات المحلية الإنتاجية وفي مجال البنية الأساسية التي من شأنها زيادة كعكة الناتج المحلي للدول العربية لا سيما الخليجية، بما يستوعب زيادة عرض القوى العاملة المحلية، ويوفر دخلاً إضافياً للحكومات، ومع الحاجة لإعادة النظر في السياسات الضرائبية الحالية بهدف زيادة حصة الدولة منها بحيث تستفيد الميزانيات العامة من نمو الاقتصاد المحلي، ولا يصبح مصدر دخلها شبه الوحيد الإيرادات النفطية.
وحتى لو أخذ في الاعتبار احتمال تعرض التعافي الاقتصادي العالمي لنكسة جراء المشكلات في أمريكا والصين، فلقد أثبت ارتفاع أسعار النفط الأخير، أهميته كمصدر موثوق للطاقة خاصة بعد ظهور أن تسريع التوجه للطاقات البديلة قد تكون له أضراره.
وبالتالي فإن النفط ما زال يتربع على عرش الطاقة ويبدو أن الوقود البديل قد يكون منافساً له ولكن ليس بالضرورة قادراً على إزاحة النفط بالسرعة التي يتحدث عنها البعض.
كما أثبتت الأزمة أيضاً أهمية المنطقة في مجال الغاز الطبيعي الذي ركزت عليه قطر والجزائر وإلى حد ما مصر، وهو مصدر أحفوري للطاقة ينظر له على أنه نظيف نسبياً، وقد سجلت أسعاره ارتفاعات أكبر بكثير من ارتفاعات النفط، وهناك حاجة لمزيد من الاستثمارات فيه بالمنطقة العربية، خاصة أن أوروبا باتت تشعر بوطأة الاحتكار الروسي للغاز، مما يجعل غاز الدول العربية وشرق المتوسط خياراً مناسباً لها.