تحل غداً الذكرى السنوية الثانية للتظاهرات العارمة التي شهدها لبنان في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وما عُرف لاحقاً بـ"انتفاضة 17 تشرين"، فيما لا تزال البلاد تهتز على وقع الاضطرابات السياسية والاقتصادية.
في ذاك اليوم تفجرت احتجاجات شعبية غاضبة في العاصمة بيروت رفضاً لفرض مزيد من الضرائب، سرعان ما توسعت لتعم معظم أنحاء البلاد، في مشهد عكس توحّد الشعب اللبناني خلف المطالب ذاتها وضد الطبقة السياسية.
ومن أبرز المطالب والشعارات التي نادى بها المحتجون حينها إصلاحات اقتصادية واجتماعية ورحيل ومحاسبة الطبقة السياسية، متهمين إياها بالفساد.
وعلى الرغم من أن هذه التظاهرات أرغمت سعد الحريري على تقديم استقالة حكومته، بعد 12 يوماً على اندلاعها، استمرت الاحتجاجات عدة أشهر قبل أن تتراجع في ربيع 2020 تزامناً وتفشي وباء كورونا.
هل يعود الحراك اللبناني؟
يقول ناشطون لبنانيون لوكالة الأناضول إنهم يستعدون اليوم لإعادة إحياء "نبض الشارع" بالتزامن مع ذكرى اندلاع "الثورة"، لأن ما بدأ قبل سنتين لم يصل إلى خواتيمه وأن الطبقة السياسية تحاول تعويم نفسها مجدداً، على حد تعبيرهم.
وللغاية، يشهد وسط العاصمة بيروت منذ مطلع الشهر الجاري وقفات احتجاجية يومياً من جانب مجموعة من الناشطين، استعداداً ليوم 17 أكتوبر/تشرين الأول، يستحضرون خلالها الشعارات والهتافات ذاتها التي رفعوها قبل سنتين.
ومع أن عدد المشاركين في الوقفات اليومية خجول جداً مقارنة بالسابق، فإن القائمين على تلك التحركات يأملون بمشاركة شعبية أوسع في الأيام المقبلة وتحديداً في يوم إحياء ذكرى الانتفاضة، بحسب ما يقول الناشط سمير سكاف.
ولاستعادة زخم التظاهرات، يعوّل الناشطون على غضب الناس من استمرار تردي الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019.
"الطبقة السياسية الحالية لا يمكن أن تغير شيئاً من الواقع"
ويشرح سكاف، في حديثه إلى "الأناضول"، أن هناك سعياً من جانبهم من أجل إعادة النبض إلى الشارع بعدما انقطع مؤخراً على وقع جائحة كورونا والأزمة المعيشية اللتين أبعدتا الناس من الساحات.
ويضيف أنه في 17 أكتوبر/تشرين الأول، سيجدد المحتجون مطلبهم بتغيير هذه الطبقة السياسية لأنها هي المشكلة في البلاد، وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، مشبهاً تأليف الحكومة بأنها عملية تخدير للشعب اللبناني.
ويشير سكاف إلى أن تأليف الحكومة تم بناء على المحاصصة المذهبية المعهودة، ووفق نهج الفساد المتبع في الحكومات السابقة، مضيفاً أن الطبقة السياسية الحالية لا يمكن أن تغير شيئاً من الواقع، وأن تغييرها هو الحل.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، تشكّلت حكومة لبنان برئاسة نجيب ميقاتي عقب 13 شهراً من التعثّر، وأبرز ما تضمنه برنامج عملها وضع خطة لوقف الانهيار الاقتصادي وإنهاء معاناة اللبنانيين المعيشية.
وحلت حكومة ميقاتي خلفاً لحكومة حسان دياب التي تشكلت في 21 يناير/كانون الثاني 2020، لكنها استقالت في 10 أغسطس/آب 2020 بعد 6 أيّام من انفجار ضخم بمرفأ بيروت، أسفر عن مصرع 218 شخصاً وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، فضلاً عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والتجارية.
اضطرابات سياسية واقتصادية
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي والناشط السياسي باسل صالح إن "هناك محاولة لإعادة إنتاج النظام ذاته وتعويم الطبقة السياسية ذاتها، بموافقة دولية وبضوء أخضر فرنسي" من خلال "المبادرة الفرنسية".
وهذه المبادرة، أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من بيروت، بعد أيام من انفجار ضخم في مرفأ العاصمة، ومن أبرز بنودها تشكيل حكومة جديدة، على أن تتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية، لكن أطرافاً سياسية لبنانية عدة اعتبرتها "تدخلاً مرفوضاً" في شؤون بلادهم.
لكن ما هو واضح حتى اللحظة أنه لا يمكن إعادة إنتاج النظام ذاته، لأن مداميكه الأساسية انهارت، كالمصارف ومرفأ العاصمة، وبالتالي الصيغة التي كانت قائمة منذ الاستقلال عام 1943 انتهت، بحسب صالح.
ويضيف أنه "من الواضح أن البلاد ذاهبة نحو مواجهات أعنف وأكثر راديكالية، لأنه لا توجد نية فعلية بإصلاح جذري، وكل ما في الأمر أن هناك محاولة ترقيع للنظام الذي هو في الأساس منهار".
أما ألفيا صغبيني، التي تشارك في الوقفات الاحتجاجية اليومية، فتستبعد أن يتكرر مشهد الحشود في الساحات كما حدث قبل سنتين، وتقول إن السلطة تتصرف وكأن شيئاً لم يكن، وتحاول إنتاج نفسها مجدداً، ولكن بأوجه جديدة.
وتلفت إلى أنه "بعد الانتفاضة وتفجير المرفأ، اعتقدنا أن المسؤولين سيغيرون أداءهم، لكن للأسف لم يحصل ذلك، وهذا ما سبب فقدان اللبنانيين لأدنى مقومات الحياة".
وزاد انفجار المرفأ من معاناة اللبنانيين الذين كانوا وما زالوا يرزحون تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انهيار مالي وارتفاع قياسي بمعدلات الفقر، فضلاً عن انقطاع الكهرباء عن المنازل لساعات طويلة، وشح بالوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
البحث عن التغيير
المواطنة شانتال طربية تشارك أيضاً في التحركات اليومية وسط بيروت التي تسبق ذكرى 17 أكتوبر/تشرين الأول، وتقول إنه من الضروري عودة الناس إلى الشارع للمطالبة بأبسط حقوقها المعيشية.
وترى، في حديثها إلى "الأناضول"، أن الانتفاضة في لبنان تفجرت من أجل المطالبة بتطبيق القوانين وليس العكس، "وهذا ما نسعى إليه دائماً".
أما النقابي محمد قاسم، فيرى أن الأطراف السياسية في لبنان كانوا بأمسّ الحاجة إلى تلقف أي فرصة تأتي إليهم بعد الانتفاضة، ومن ثم الانفجار، فأتت "المبادرة الفرنسية" لتساهم في تأليف هذه الحكومة.
وفي حديثه إلى "الأناضول"، يقول قاسم إن "هذه الحكومة هي استكمال لنهج الحكومات السابقة، وتتبع الأسلوب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ذاته الذي عانى منه الناس، وقد بدأنا نلمس ذلك".
أما الناشط منير الحجيري، فيقول: "عدنا إلى الشارع للقول إنه لا ثقة بحكومة ميقاتي"، مضيفاً أن "الطبقة السياسية ذاتها عادت مجتمعة إلى الحكومة واستطاعت تعويم ذاتها، ونحن نرفض ذلك".
وكان الخميس الفائت 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 قد شهد مواجهات مسلحة في العاصمة بيروت أعادت للأذهان مشاهد الحرب الأهلية الدامية في لبنان، حيث أسفرت مواجهات بيروت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين، معظمهم من المؤيدين لجماعتي "حزب الله" و"حركة أمل" الشيعيتين، وذلك خلال تظاهرة نظمها مؤيدون لـ"حزب الله" وحركة "أمل"، للتنديد بقرارات المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار.
وفي 2 يوليو/تموز الماضي، ادعى البيطار على 10 مسؤولين وضباط، بينهم نائبان من "أمل" هما علي حسن خليل وغازي زعيتر، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب. إلا أن تلك الادعاءات رفضتها قوى سياسية بينها "حزب الله"، حيث اعتبر أمينه العام حسن نصر الله، الإثنين، أن عمل البيطار "فيه استهداف سياسي ولا علاقة له بالعدالة".