ثمة أمر مقلق تعيشه دول الخليج العربي، بسبب رغبة الرئيس الأمريكي جو بايدن في تغيير استراتيجية بلاده بالشرق الأوسط، مما يثير تساؤلاً عن مصير الأمن في هذه المنطقة المليئة بالنفط في حال قرر الأمريكيون الرحيل؟
لكن الأمر لا يدعو إلى القلق، كما يرى موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إذ إن الرحيل الأمريكي عن الشرق الأوسط أو على الأقل جعل المنطقة في ترتيب متراجع من سُلَّم الأولويات للقوى العظمى، قد يساهم في تهدئة الحروب والنزاعات بين أطراف المنطقة وسيدفع باتجاه التعاون الاقتصادي بدلاً من الصراع.
وبحسب الموقع الأمريكي، تعيش دول الخليج مأزقاً. إنها تخشى من أن المعايير الناشئة للالتزامات الأمريكية المُعاد تشكيلها فيما يخص الأمن في الشرق الأوسط، تهدِّد بقلب ركيزةٍ للأمن الإقليمي عمرها أكثر من قرنٍ من الزمان، وتركها دون بدائل جيِّدة.
وهذه الركيزة المتزعزعة هي اعتماد دول الخليج، على حدِّ تعبير عالِم الشرق الأوسط روبي سي باريت، على حليفٍ خارجيٍّ قوي "يشترك في المصالح الاستراتيجية للدول العربية". كانت هذه القوى هي الحليفتان بريطانيا وفرنسا في النصف الأول من القرن العشرين، والولايات المتحدة منذ ذلك الحين.
أقرَّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسِّس دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمنياً، بحاجة دول الخليج إلى الدعم الخارجي، عندما أشار إلى أن الدول الست التي تشكِّل مجلس التعاون الخليجي "تدعم المجلس فقط حين يناسبها".
قد يكون المُضيُّ قُدُماً في علامات الاستفهام حول مصداقية الولايات المتحدة أمراً مُقلِقاً، لكن الملامح الناشئة لما قد يبدو عليه النهج الأمريكي المستقبلي لا تمثِّل جميعها أخباراً سيئة من منظور دول المنطقة.
الخطوط العريضة المقترنة بحالة التشكُّك، وعدم رغبة دول الخليج في دمج استراتيجيتها الدفاعية، وإدراك أنه لا الصين ولا روسيا ستحل محل الولايات المتحدة، والحاجة إلى جذب الاستثمار الأجنبي لتنويع اقتصاداتها المعتمدة على الطاقة، كلُّ هذا يقود الجهود لتخفيف التوتُّرات الإقليمية وتعزيز التحالفات في المنطقة.
توجَّه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى واشنطن، الأسبوع الماضي؛ لعقد اجتماعٍ ثلاثي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. وناقش الثلاثة "الإنجازات" منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العام الماضي، و"قضايا مهمة أخرى"، على حدِّ قول بلينكن على منصة تويتر.
وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية طرحت أن يشمل الاجتماع "مزيداً من الفرص لتعزيز السلام في الشرق الأوسط"، إضافة إلى الاستقرار والأمن الإقليميَّين، في إشارةٍ حذِرَةٍ إلى إيران.
الخبر السارُّ كما يراه الخليجيون
من وجهة نظر الخليج، يتمثَّل الخبر السار في أن تركيز إدارة بايدن على الصين قد يعني أنها تعيد تشكيل وجودها العسكري في الشرق الأوسط بنقل بعض الأصول من الخليج إلى الأردن وسحب أصولٍ أخرى من منطقةٍ أخرى، ولكنها ليست على وشك سحب كلِّ شيء.
وإلى جانب الاهتمام بضمان التدفُّق الحر للتجارة والطاقة، ازداد الاهتمام الاستراتيجي للولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب في الخليج بعد انسحابها من أفغانستان. وتعتمد الولايات المتحدة الآن على نهج "تجاوز الأفق" الذي يظلُّ الشرق الأوسط حاسماً فيه.
علاوة على ذلك، تخفِّف السياسة الأمريكية الداخلية من الوجود العسكري المستمر، وإن كان محدوداً، حتى لو سئم الأمريكيون من المغامرات العسكرية الخارجية، على الرغم من عقيدة بايدن التي تقلِّل من التشديد على المشاركة العسكرية. علاوة على ذلك، ينصبُّ تركيز نخبة السياسة الخارجية في واشنطن الآن على آسيا لا على الشرق الأوسط.
يُراهن كثير من جماعات الضغط القوية ومجموعات المصالح، وضمنها اليهود والإسرائيليون ودول الخليج والإنجيليون وصناعات النفط والدفاع، على استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة. ومن المُرجَّح أن يكون لأصواتهم صدىً أعلى في الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي الحاسمة في الكونغرس العام المقبل (2022). وقد خلص استطلاعٌ حديثٌ أجراه مركز بيو للأبحاث، إلى أن عدد الإنجيليين البيض قد ارتفع من 25% من سكَّان الولايات المتحدة عام 2016 إلى 29% في عام 2020.
وبشكلٍ مشابه، مثل أفغانستان، فإنَّ تلاشي الأمل في إحياء الاتفاقية الدولية لعام 2015 لكبح البرنامج النووي الإيراني، التي انسحب منها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، وخطر نشوب حريقٍ عسكري كبير، يجعل الانسحاب الأمريكي الكامل أمراً غير مُرجَّح في أيِّ وقتٍ قريب. وهو أيضاً يزيد الحافز لمواصلة مبيعات الأسلحة الرئيسية لدول الخليج.
هذه أخبارٌ جيِّدة أخرى للأنظمة الخليجية على خلفية مبيعات الأسلحة الأمريكية الصاعدة التي تودُّ إدارة بايدن عرضها، بشرط التأكُّد من احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. ومع ذلك، من غير المُرجَّح أن يؤثِّر هذا النهج على العناصر ذات المكانة العالية، مثل مقاتلات إف-35 الموعودة لدولة الإمارات.
في المقابل، من المُحتمَل أن تُطبَّق هذه السياسة على الأسلحة الأصغر، مثل البنادق الهجومية ومعدَّات المراقبة، التي يمكن للشرطة أو القوات شبه العسكرية استخدامها ضد المتظاهرين. وهذه ليست عناصر التفوُّق التكنولوجي التي تتمتَّع فيها الولايات المتحدة بميزةٍ تنافسية لا تُضاهَى.
ستسمح العناصر الكبيرة، مع الصيانة والتدريب المناسبَين، لدول الخليج بدعم العمليات الإقليمية للولايات المتحدة، مثلما فعلت الإمارات وقطر في عام 2011 بليبيا، والإمارات في الصومال وأفغانستان، كجزءٍ من بعثات حفظ السلام.
بعبارةٍ أخرى، يمكن لدول الخليج ألا تنشغل بالقلق من الأمر. لا تتبنَّى إدارة بايدن ما يعرِّفه بعض خبراء تجارة الأسلحة بأنه إنهاءٌ للحروب التي لا نهاية لها، مثل حرب أفغانستان.
من الصراع إلى التعاون
قال هؤلاء الخبراء، في بيانٍ، في أبريل/نيسان الماضي: "إنهاء حربٍ لا نهاية لها يعني أكثر من انسحاب القوات. إنه يعني أيضاً إنهاء النهج العسكري للسياسة الخارجية -وضمن ذلك نقل الأسلحة الفتَّاكة في جميع أنحاء العالم- ذلك النهج الذي قوَّضَ حقوق الإنسان وجعل قلةً من الأمريكيين هم فقط من يعتقدون أنه يجعل البلاد أكثر أمناً".
هناك قليل من الدلائل على أن الآراء التي عُبِّرَ عنها في البيان، والتي تتشابك مع الاتِّجاه التقدُّمي في الحزب الديمقراطي، تتجذَّر في أروقة صنع القرار بواشنطن. وطالما لم يحدث الأمر بالفعل، فليس على دول الخليج أن تقلق كثيراً.
هذه التطورات قد تدفع باتجاه لجوء دول الخليج إلى الحوار فيما بينها مثلما حصل في اتفاق العلا مطلع العام الحالي والذي أنهى قطيعة وحصاراً فرضته 4 دول عربية على قطر بزعم التقارب مع إيران ودعم الإرهاب.
في الوقت نفسه تكررت جلسات التقارب بين السعودية وإيران، الغريمين الإقليميين بالمنطقة، خلال الأشهر الماضية، وبدا أن التعاون أهمُّ بكثير من الصراع الذي لا يجني على المنطقة إلا الفوضى.