أعلنت قوى عراقية موالية لإيران الثلاثاء رفضها لنتائج الانتخابات التشريعية العراقية، فيما لوَّح قيادي بالحشد الشعبي باستخدام القوة للدفاع عن مكتسبات الحشد السياسية.
يأتي ذلك غداة الإعلان عن النتائج الأولية والتي ترجح كفة التيار الصدري وتراجع تحالف الفتح التابع للحشد الشعبي بشكل كبير، بعدما كان القوة الثانية في البرلمان المنتهية ولايته.
وتشير الأرقام المعلنة إلى حصول تحالف "الفتح" على نحو 14 مقعداً، بعد أن كان يملك 47 مقعداً في الدورة الماضية.
وأظهرت النتائج شبه النهائية أن التيار الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر هو أكبر فائز في الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت يوم الأحد، برصيد غير مسبوق من المقاعد يزيد ربما على 73 مقعداً ليحتل صدارة القوى الفائزة.
وبصفة عامة تلقت الأحزاب المدعومة من إيران، والتي لها صلات بجماعات مسلحة متهمة بقتل جزء من نحو 600 شخص لقوا حتفهم في احتجاجات حاشدة في عام 2019، ضربة في الانتخابات. وحصدت هذه الأحزاب عدد مقاعد يقل عما فازت به في الانتخابات السابقة في 2018، حسبما أفادت وكالة "رويترز".
وكانت المفوضية العليا للانتخابات قد أعلنت أمس الإثنين نتائج أولية غير نهائية لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الأول الأحد، وأظهرت النتائج الأولية أن الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر تقدمت على جميع القوائم المتنافسة وحققت 73 مقعداً في البرلمان العراقي الجديد المكون من 329 نائباً، فيما حل تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي ثانياً بـ41 مقعداً، وجاء تحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الموالي لإيران أيضاَ ثالثاً بـ37 مقعداً.
كما حصد الحزب الديمقراطي الكردستاني 32 مقعداً وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني 15 مقعداً في حين حصل تحالف عزم بزعامة خميس الخنجر على 20 مقعداً وتحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي 14 مقعداً.
من الذي رفض نتائج الانتخابات التشريعية العراقية؟
أعلن ما يعرف باسم "الإطار التنسيقي للكتل الشيعية" الذي يضم عدداً من الكيانات الشيعية، أبرزها دولة القانون الذي يترأسه المالكي والفتح الممثل للحشد وائتلاف رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أنه سيقدم إلى المفوضية العليا للانتخابات طعناً بنتائج الانتخابات بشبهة التلاعب بأصوات الناخبين.
وقال الإطار التنسيقي للقوى الشيعية، في بيان: "نعلن طعننا بما أعلن من نتائج وعدم قبولنا بها وسنتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين".
وذكرت قناة تلفزيونية عراقية بأن رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، رفض نتائج الانتخابات ووصفها بأنها "مفبركة".
ونقلت قناة "العهد" الموالية لإيران عنه القول اليوم الثلاثاء على حسابها للتراسل على تليغرام: "لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن وسندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة".
تلويح ضمني بالعنف
وأعلن أبو علي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله، إحدى فصائل الحشد الشعبي الأكثر نفوذاً في بيان الإثنين أن "ما حصل في الانتخابات يمثل أكبر عملية احتيال والتفاف على الشعب العراقي في التاريخ الحديث".
وتابع قائلاً: "الإخوة في الحشد الشعبي هم المستهدفون الأساسيون، وقد دفع عربون ذبحهم إلى من يريد مقاعد في مجلس النواب وعليهم أن يحزموا أمرهم وأن يستعدوا للدفاع عن كيانهم المقدس".
لكن رغم هزيمته المدوية فإن قائمة الفتح الموالي لإيران يبقى لاعباً لا يمكن الالتفاف عليه في المشهد السياسي العراقي. ففي بلد يطبع الانقسام السياسي الحاد المشهد فيه، لا تقتصر اللعبة السياسة على أروقة البرلمان، بل يبقى للشارع كلمة مع امتلاك الأحزاب الكبرى ورقة ضغط متمثلة بفصائلها المسلحة، حسبما ورد في تقرير لـ"فرانس 24".
ولا يشكل تراجع شعبية القوى الموالية لإيران مفاجأة بالنسبة لمراقبين، في بلد تصاعدت فيه حدة الغضب تجاه طهران خصوصاً بعد القمع الدموي لاحتجاجات "تشرين" في العام 2019، مع اتهام ناشطين "مجموعات مسلحة" في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران، بالوقوف وراء تلك الحملة وهو ما تنفيه الفصائل.
هل يلجأ الحشد إلى العنف؟
هزيمة الحشد الشعبي في الانتخابات وفي الوقت الذي يمتلك فيه كمية هائلة من السلاح ويكاد يمثل أقوى عسكرية في البلاد، ينذر بوضع خطير في البلاد خاصة بعد تصريحات القيادي في كتائب حزب الله الذي يمكن فهمها أنها تلويح بالعنف.
كما أن الحشد الشعبي معروف عنه رفضه الانصياع لرئاسة الحكومة وتوريطه للعراق في مواجهات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويزداد التأزم في ظل شعور بأن أحد أسباب هزيمة قوائم الحشد ليس فقط كراهية الناس لهم، ودورهم في استهداف الاحتجاجات الشعبية، ولكن أيضاً، بسبب إدارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وحليفه رئيس الجمهورية برهم صالح للعملية الانتخابية.
إذ ينقل تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية عن سياسي عراقي كبير قوله إن ما حدث هو نتيجة جهود الكاظمي، لأنه تمكن من إجراء انتخابات هي الأفضل، حيث لم تشهد خرقاً يمكن أن يشار إليه، فضلاً عن إيفائه بالوعد الذي قطعه على نفسه بإجراء الانتخابات في موعدها برغم حملة التشكيك التي رافقتها.
كما أن مهمة تأمين الانتخابات النيابية قد أُسندت لوزارتي الدفاع والداخلية، حسب ما أعلنت العمليات المشتركة في الجيش العراقي، مع تهميش للحشد الشعبي، باعتبار أنه له قوائم في العملية الانتخابية.
ولكن هل يمكن أن يحاول الحشد الشعبي تشويه جهود الكاظمي لضمان الانتخابات، ووصمها بأنها وسيلة لتغيير النتيجة، وهو ما قد يفتح الباب لمواجهة بين القوى العسكرية والأمنية الرسمية وبين الحشد الشعبي.
كما تجب ملاحظة أن القوة الفائزة بالانتخابات وهي التيار الصدري هي قوة بدورها لديها ميليشيات قوية وقد سبقت أن دافعت عن المتظاهرين في عام 2019 أمام هجمات الحشد الشعبي.
وقبل الانتخابات، قال أحد المسؤولين الصدريين في بغداد الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه يخشى من اندلاع عنف إذا حقق حزبه فوزاً كاسحاً في الانتخابات العراقية البرلمانية. وأضاف: "الجانب المدعوم من إيران لن يسمح بذلك. سيندلع قتال"، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
والآن بعد الهزيمة المدوية للأحزاب الموالية لإيران ولاسيما قائمة الفتح، قد يفتح التوتر بين الجانبين الباب لمواجهات بين ميليشيات الصدر وبين الحشد الشعبي، خاصة بعد أن تعهد الصدر في كلمة متلفزة بسحب السلاح المنفلت "حتى ممن كانوا يدعون المقاومة"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران. وشدد على أن "العراق للعراقيين فقط".