قالت صحيفة The Financial Times البريطانية، إن العلاقات بين الأميرة هيا بنت الحسين وزوجها الملياردير الإماراتي وحاكم إمارة دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصلت مؤخراً إلى مستوى سيئ للغاية، لدرجة أن الأميرة شعرت أنها "مُطارَدة طوال الوقت"، وأنَّها "ما عاد لها مكان تستطيع الذهاب إليه لتكون آمنة"، حتى في المملكة المتحدة، حيث تبدأ حياة جديدة بعد انهيار علاقتهما.
حملة تخويف وترهيب واسعة ضد الأميرة هيا
وبحسب الصحيفة، فقد اتّضحت مرارة المعركة بين الأميرة الأردنية وبين الشيخ محمد بن راشد في 11 حكماً قضائياً، نشرتها المحكمة العليا في بريطانيا علناً هذا الأسبوع، تُهدّد بتشويه السمعة الدولية لأحد أهم قادة الخليج.
بيَّنت المحكمة كيف كان محمد بن راشد "لديه استعداد لاستخدام ذراع دولة الإمارات لتحقيق أهدافه الخاصة، فيما يتعلق بالنساء في عائلته"، وشن "حملة تخويف وترهيب" واسعة ضد الأميرة هيا.
خلص قاضي المحكمة العليا إلى أنَّ محمد بن راشد "استخدم ثروته الضخمة وقوته السياسية ونفوذه الدولي" ضد هيا، بما في ذلك السماح لوكلائه باختراق هاتفها النقّال، باستخدام برنامج التجسس "بيغاسوس"، الذي طوّرته شركة NSO" Group" الإسرائيلية.
وتتجاوز تداعيات هذه الأحكام حدود دولة الإمارات، حيث يتمتع محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، بعلاقات عميقة مع المؤسسة البريطانية. لقد كان ضيف الملكة البريطانية في مهرجان "رويال أسكوت" الملكي لسباقات الخيول، وهو طرف رئيسي في عالم سباقات الخيل من خلال إسطبلاته "جودلفين"، الأشهر عالمياً، المتخصّصة في تربية وتدريب خيول السباقات.
وتأتي الأحكام أيضاً في وقت تأمل فيه بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في بناء علاقات أقوى مع دول الخليج العربي، التي تُعد بالفعل شريكاً تجارياً كبيراً.
هل تخشى الأميرة هيا أن تُختطف؟
خلال العامين الماضيين خرجت إلى العلن تفاصيل أكثر قتامة عن الحياة الشخصية للشيخ محمد بن راشد، بسبب معركته القضائية الطويلة مع الأميرة هيا بشأن أطفالهما. كانت الأميرة الأردنية قد هربت إلى بريطانيا في عام 2019 مع طفليهما، وخلصت المحكمة العليا البريطانية، في إطار تحقيقاتها بالقضية، إلى أنَّ حاكم إمارة دبي قد دبَّر بالفعل عمليتي اختطاف لاثنتين من بناته، الشيخة لطيفة والشيخة شمسة، الأولى في المياه الدولية قبالة سواحل الهند، في عام 2018، والثانية من إنجلترا، في عام 2000.
شهد هذا الأسبوع المزيد من الإفشاءات. يوضح أحد أحكام المحكمة كيف تآمر محمد بن راشد ووكلاؤه لمراقبة الأميرة هيا، زوجته السادسة والأخت غير الشقيقة للعاهل الأردني، من خلال شراء عقار بقيمة 30 مليون جنيه إسترليني بالقرب من عقارها في لندن.
شعرت هيا بالقلق الشديد من هذا السلوك المتعمّد، لدرجة أنَّ محامِيها نجحوا في تقديمهم طلب إلى المحكمة العليا، لتمديد أمر عدم التعرُّض القائم بالفعل.
ووفقاً للحكم، قالت الأميرة هيا في شهادتها، إنَّ "احتمالات شراء الشيخ محمد بن راشد أو من ينوب عنه للعقارات حول منطقة كاسلوود أمر مرعب ومرهق تماماً. أشعر كأن الجدران تحاصرني، أشعر أنَّني أدافع عن نفسي ضد دولة بأكملها".
وأضافت: "يبدو الأمر كما لو أنَّني مطاردة، وأنَّه ما عاد لي مكان أذهب إليه لأكون في مأمن منه، أو من أولئك الذين يعملون لحسابه، إنَّه قمعي للغاية".
حاكم دبي ينفي تُهم الاختراق
ووفقاً لحكم محكمة صادر بشأن اختراق هاتف الأميرة هيا، أمر الشيخ محمد بن راشد باستخدام برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" لاختراق الهاتف النقّال الخاص بها، فضلاً عن هواتف خمسة من معاونيها، من بينهم المحامية البريطانية الشهيرة، فيونا شاكلتون، التي تُمثّل الأميرة هيا في قضية طلاقها من محمد بن راشد. وقد اكتُشفت هذه القرصنة السرية بمحض الصدفة، على يد أحد الأكاديميين الأمريكيين.
من جانبه، نفى محمد بن راشد هذا الأسبوع كل هذه المزاعم، قائلاً في بيانٍ له: "هذه الأمور تتعلق بعمليات مفترضة لأمن الدولة، وبصفتي رئيس حكومة منخرطاً في مسائل عائلية خاصة، لم يكن مناسباً لي تقديم أدلة بشأن مثل هذه الأمور الحساسة، سواء شخصياً أو من خلال مستشاري، في محكمة أجنبية"، مضيفا أنَّ "نتائج المحكمة استندت حتماً إلى صورة غير مكتملة، وإلى أدلة لم يُكشف عنها لي أو لمستشاري".
كانت شرطة العاصمة البريطانية قد فتحت تحقيقاً استمر 5 أشهر في واقعة اختراق هاتف الأميرة هيا في العام الماضي، لكنها أغلقت تحقيقها في فبراير/شباط دون توجيه اتهامات.
لم تتناقل وسائل الإعلام المحلية في منطقة الشرق الأوسط هذه الإفشاءات. ويحظى محمد بن راشد بالاحترام والتبجيل في دولة الإمارات، باعتباره قائداً صاحب رؤية حديثة غيّرت دبي من مركز تجاري إقليمي إلى وجهة تجارية وسياحية عالمية.
هل تنعكس الأزمة على العلاقات بين دبي ولندن؟
تراجعت العلاقات بين المملكة المتحدة ودولة الإمارات إلى مستوى متدنٍّ في عام 2018، عندما احتُجز الطالب البريطاني، ماثيو هيدجز، في الحبس الانفرادي لعدة أشهر، بتهمة التجسس لصالح الاستخبارات البريطانية، قبل إدانته والعفو عنه في وقتٍ لاحق.
وقد أعادت جائحة فيروس كورونا المستجد التأكيد على أهمية إعادة تعيين العلاقة التاريخية بين الدولتين، وتكلّلت الجهود في هذا الصدد بالتوقيع الشهر الماضي على "شراكة من أجل المستقبل"، تضمّنت تعهداً إماراتياً باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني في مجال الطاقة النظيفة والتكنولوجيا والبنية التحتية في المملكة المتحدة.
في الوقت نفسه، اتهم رئيس مجموعة برلمانية بريطانية معنية بحقوق الإنسان في منطقة الخليج الحكومة البريطانية بـ"النفاق"، بسبب محادثاتها التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث قمع المجتمع المدني واضطهاد المعارضين في السعودية والبحرين والإمارات.
على هذه الخلفية، تتواصل المعركة القضائية بين الشيخ محمد بن زايد والأميرة هيا. وكما قالت الأميرة للمحكمة: "كل مرة أعتقد فيها أنَّ ثمة حلاً يلوح في الأفق يتغير الوضع مرة أخرى، ويتراجع خط النهاية إلى مسافة أبعد. أشعر بالإنهاك في بعض الأحيان من محاولة الحفاظ على هدوئي وتوازني أمام حجم ما أواجهه".