جاء اجتماع وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره السوري فيصل المقداد مؤخراً ليمثل أول لقاء على هذا المستوى بين مصر وسوريا منذ سنوات، في خطوة مهمة للتطبيع العربي مع نظام الأسد، ويبدو أنها قد تهدف إلى التمهيد لعودة سوريا للجامعة العربية.
وأُعلن أن لقاء شكري والمقداد الذي جاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك- الجمعة الماضي- قد بحثا خلاله سبل الوصول إلى حل للأزمة السورية، دون مزيد من التفاصيل عن مخرجاته، علماً بأن شكري يُعد خامس وزير عربي يلتقي المقداد في نيويورك، بعد نظرائه من موريتانيا والأردن وعُمان والعراق.
واكتفت الخارجية المصرية ببيان مقتضب أوضحت فيه أن الجانبين بحثا سبل إنهاء الأزمة السورية، بينما ذكرت وكالة أنباء النظام السوري (سانا) أن اللقاء عرض تطورات الأزمة، وأهمية تضافر كل الجهود لحلها، واحترام سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها.
من مؤيد للثورة إلى داعم كتوم للأسد
وكان موقف مصر الرسمي الداعم للثورة السورية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد قد تبدَّل منذ صيف 2013، عقب عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، حيث كانت القاهرة قد جمدت منذ انطلاق الثورة السورية علاقتها مع دمشق، وأيدت مصر خلال رئاسة المجلس العسكري للبلاد وقف أنشطة سوريا في الجامعة العربية، وكان هناك تأييد معنوي مصري للثورة السورية؛ حيث استضافت القاهرة أعداداً كبيرة من المعارضين السوريين، وإن كان لم يسجل دعم عسكري مصري لأي من فصائل الثورة السورية.
وبعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة بدا أن النظامين في القاهرة ودمشق، يقفان في الجانب ذاته، من العداء للديمقراطية والربيع العربي والتيار الإسلامي المعتدل.
تهميش سنة سوريا بدأ في خضم انهيار الوحدة مع مصر
القاهرة بعد 30 يونيو/حزيران 2013، لم تعد معنية بالمذابح التي يتعرض لها السنة من قبل نظام الأسد، رغم أنها البلد الأقرب تاريخياً لسوريا، والأكثر تفهماً للتهميش الذي عانى منه سنة سوريا الذي بدأ فعلياً بعد انهيار الوحدة السورية المصرية، وهو الانهيار الذي كان أحد أسبابه نشاط الضباط المنتمين للأقليات وخاصة العلويين على حساب الضباط السنة في الجيش السوري.
وتقليدياً كان السياسيون والضباط السنة، يمثلون العمود الفقري للحركات القومية العربية الأكثر تبنياً للتوجه الناصري في سوريا والأقرب لمصر، مقابل دور أكبر للضباط العلويين في حزب البعث الذي كان ينافس الناصرية المصرية، وهو التنافس الذي وصل في ذروته في لبنان، حين أضعف النظام السوري، القوى السياسية القريبة من القاهرة سواء الفلسطينية أو اللبنانية العروبية، ولا سيما الناصرية والتي كان يقودها السنة لصالح حركات سياسية موالية لدمشق، وكان المكون السني فيها أضعف كثيراً، وأفضى هذا التنافس مع موت الرئيس جمال عبد الناصر، إلى اختفاء النفوذ المصري في لبنان الذي كان يحظى عبد الناصر فيه بشعبية طاغية لصالح صعود نفوذ النظام السوري.
ومع وصول نفوذ نظام الأسد في لبنان إلى ذروته من خلال وجود الجيش السوري في لبنان الذي قضى على القوى المسيحية والسنية المستقلة عن سوريا، تم الإعلاء من شأن الأحزاب الموالية لدمشق وإيران ولا سيما حركة أمل وحزب الله الذي بدأ نشاطه في مناطق لبنانية في بداية الثمانينات بتحطيم تمثال جمال عبد الناصر، حسبما قال مصدر لبناني مطلع لـ"عربي بوست".
لماذا تأخرت القاهرة في التطبيع مع الأسد؟
السؤال الحقيقي، هو لماذا تتجه القاهرة للتطبيع مع الأسد الآن وليس منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة.
بعد انهيار التجربة الديمقراطية المصرية عام 2013، أصبح الشاغل الأهم للسياسة الخارجية المصرية العداء للربيع العربي الذي كانت بقاياه تقاوم في سوريا وليبيا، حيث سارع النظام الجديد في القاهرة لدعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ضد المؤتمر التأسيسي المنتخب، ولم يكن حفتر ذا وزن في ذلك الوقت، ولكن أصبحت له قوة مؤثرة بفضل الدعم الإماراتي والمصري أساساً.
ولكن في الحالة السورية كان هناك عائق آخر يعرقل التطبيع المصري مع سوريا، هو موقف دول الخليج.
ففي حين أن القاهرة لم تشغل نفسها كثيراً بإطلاق خطاب معادٍ لإيران، ولا تعتبر علاقة الأسد مع طهران مشكلة بالنسبة لها، ولكنها أيضاً لم تعد العلاقات مع دمشق، لأسباب تتعلق بعدم رغبتها في إغضاب دول الخليج، التي كانت ترى في الأسد جزءاً من المحور الإيراني بالمنطقة وخاصة أن هذه الدول ممتعضة أصلاً من من غياب دور مصري كانت تأمله لمساعدتها في مواجهة النفوذ الإيراني خاصة في اليمن.
كما كانت القاهرة لا تريد أيضاً إغضاب الغرب ولا سيما الولايات المتحدة في حال إعادتها للعلاقات المباشرة مع دمشق، ولكن نظام الأسد ووسائل الإعلام الموالية لإيران ولسوريا وحزب الله في لبنان كانا يركزان على وجود علاقة وثيقة مع القاهرة أكثر مما يبدو في العلن.
ونتيجة لذلك اقتصر التعاطي المصري مع الملف السوري على الدعم الضمني للنظام السوري، وامتد إلى عقد لقاءات أمنية واستخباراتية- طبقاً لتصريحات سابقة للرئيس السوري بشار الأسد ورئيس مكتب استخباراته علي المملوك- أشارت إلى "تنسيق لم يتوقف مع القاهرة سياسياً وفي إطار مكافحة الإرهاب".
ولذا بينما أعادت القاهرة الاتصالات مع نظام دمشق دون ضجة فإنها فضلت التريث في التطبيع العلني، حينما يكون هناك قبول من حلفائها الخليجيين.
الإمارات.. للأسد در
ولكن بدأت الإمارات مؤخراً، خطوات للتطبيع مع النظام السوري وصلت لذروتها في الاتصال الشهير بين الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي وبين الرئيس السوري بشار الأسد عام 2020 إبان هجوم النظام السوري على إدلب، وهو الاتصال الذي كشف أنه عرض على الأسد أموالاً مقابل التصعيد ضد تركيا في إدلب عكس الرغبة الروسية الأمريكية في التهدئة.
والآن، لا يعكس لقاء وزيري خارجية مصر وسوريا الأخير، تغيراً في موقف القاهرة، بل يعكس على الأرجح تغيراً في موقف الرياض وسط تقارير عن تقبل تدريجي للسعودية للتطبيع مع الأسد، عبرت عنه مواقف سعودية محدودة، وكذلك انفتاح الأردن حليف السعودية المهم على الأسد وفتح معبر مشترك مع سوريا.
ولكن الأمر أيضاً يأتي في سياق دولي وإقليمي، يشير إلى تغير موقف أمريكا، التي دفعت باتجاه صفقة لنقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان الغارق في أزمة طاقة حادة.
الشروط العربية لإعادة سوريا للجامعة العربية
في مرات سابقة، أكد مسؤولو الجامعة العربية وخاصة أمينها العام أحمد أبوالغيط ومساعده حسام زكي الأمين العام المساعد للشؤون السياسية، أن الظروف لم تنضج لإعادة سوريا، للجامعة العربية وحضورها للقمة العربية القادمة في الجزائر.
وفهم من كلامه أنه مازال هناك اعتراض سعودي وقطري بالأساس، كما كان كلامه يشير إلى أن الشروط تتعلق بإجراء إصلاح دستوري وحوار مع جزء من المعارضة السورية لم تتحقق.
بينما الشروط الأهم في الأغلب بالنسبة للرياض تحديداً، قد تتعلق بعلاقة دمشق مع إيران، وضرورة تخفيف حميميتها.
ولكن من الواضح أن النظام السوري لم يلبّ أياً من الشروط السابقة، فما الذي تغير؟
في تصريحات أدلى بها في اليوم التالي للقاء، أوضح شكري أن لقاءه مع المقداد "هام بعد هدوء المعارك العسكرية؛ لاستكشاف الخطوات التي تؤدي للحفاظ على مقدرات الشعب السوري والخروج من الأزمة واستعادة سوريا كطرف فاعل في الإطار العربي".
ومن الواضح أن فكرة الحوار مع المعارضة قد تم تجاوزها من قبل السعودية والدول العربية الرئيسية لأسباب كثيرة.
أولها أن هذه الدول نفسها لا تتحاور مع معارضتها ولا تسمح لها بأي دور؛ الأمر الثاني أن الجماعات المعارضة المقربة أو الممولة سعودياً قد ضعفت أو اختفت أو على الأقل تخلت عنها السعودية.
وفي المقابل فإن المعارضة السورية الموجودة على الساحة إما كردية وهذه لديها بعض العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر، ولكن حليفها الرئيسي هو الغرب، أو معارضة حليفة لتركيا، أو معارضة متطرفة منبوذة من الجميع.
ولم تؤد محاولات السعودية ومصر لخلق معارضة، موالية لهما مؤخراً إلى نتيجة جدية، وحتى معارضة الداخل المحسوبة على موسكو التي تحتفظ بعلاقة جيدة مع القاهرة يراها أغلب المراقبين معارضة شكلية، وهي في النهاية ليست في حاجة لوسيط في علاقتها الملتبسة مع النظام السوري الذي تعيش في كنفه في دمشق.
العلاقة بين مصر وسوريا تتلقى زخماً من التطورات الإقليمية والموقف الأمريكي
وجاء لقاء شكري والمقداد في خضم تحولات إقليمية كبيرة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تمثّل فيها سوريا إحدى أبرز نقاط تماسها.
وتشير تقديرات دبلوماسيين سابقين في مصر، إلى إمكانية حدوث تغير في الموقف العربي من سوريا مع التقدم في مفاوضات فيينا لعودة أمريكا إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفعها العقوبات تدريجياً عنها، والتطورات المحتملة لمحاولات التقارب بين السعودية وإيران، حسب تقرير لموقع "الجزيرة.نت".
إذ يتزامن لقاء وزيري خارجية مصر وسوريا مع لقاءات غير معلنة بين الرياض وطهران في إطار صفحة جديدة قد تقوم على بعض الأسس ومن ضمنها تسوية الأزمة في اليمن.
هل تعود سوريا للجامعة العربية؟
ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أنها حصلت على معلومات في وقت سابق تفيد بوجود تحركات مصرية جادة داخل أروقة جامعة الدول العربية من أجل عودة سوريا لبيتها العربي، حسب تعبيرها.
المفارقة أن روسيا تحديداً تقوم بالدور المحوري في محاولات إعادة سوريا للجامعة العربية.
حتى التطورات الأخيرة، من الواضح أن الاعتراض الرئيسي على ذلك كان يأتي من السعودية وقطر، أما مصر والإمارات، فلديهما علاقات مع دمشق، بينما الجزائر التي يفترض أن تستضيف القمة القادمة كانت تقليدياً من أقل الدول العربية مناهضة النظام السوري، والعراق عضو في المحور الإيراني مع دمشق، ولبنان يحكمه أكثر رئيس حليف لسوريا منذ استقلاله وحزب الله الذي أنقذ نظام الأسد هو المتحكم الفعلي بمقاليد الدولة، وبيروت في أشد الحاجة لتمرير الغاز المصري، والأردن يريد عودة التجارة مع سوريا لإنعاش اقتصاده، وسلطنة عُمان سبق لها التطبيع مع النظام السوري.
أما باقي الدول العربية فهي بطبيعة الحال غير معنية بالوضع السوري مثل الدول المشار إليها.
ومن هنا فإن اللقاء بين وزير خارجية مصر وسوريا يحمل مؤشرات مهمة، بالنظر لمكانة القاهرة المعنوية وعلاقتها التاريخية بسوريا، وهو ما قد يكون مؤشراً على التحرك نحو إعادة سوريا للجامعة العربية وخاصة أن القمة العربية القادمة سوف تعقد بالجزائر، البلد الذي ليس لديه تحفظات تذكر على نظام الأسد.
سوريا على مائدة الحوار بين مصر وتركيا
وحول تداعيات التقارب المصري السوري على المباحثات المصرية التركية، أشار الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي في حديث لموقع "الجزيرة نت" إلى أن مصر حاولت من قبل أن تعقد تقارباً مع أكراد سوريا من أجل الضغط على تركيا، واستقبلت مبعوثين منهم في القاهرة، لكنها تراجعت عن هذا النهج لعدم رغبتها في خوض حروب بالوكالة مع تركيا، بالنظر إلى وزن كلا البلدين على المستوى الإقليمي.
وأضاف أن خوض حروب بالوكالة مع تركيا ليس مأموناً للجانبين، واستغلال أوراق ضغط على أنقرة في سوريا يمكن أن يؤدي إلى أن تقوم أنقرة بالخطوة ذاتها في ليبيا، وهو ما من شأنه أن يضر بمصالح الدولتين، ومن ثم فإن التقارب في ملفات بعينها وترك الصراع في ملفات أخرى يبدو أنه الحل الأوفق لكل من القاهرة وأنقرة.
وفيما يتعلق بطبيعة التقارب المصري مع النظام السوري وأبعاده على تحركات القاهرة تجاه الأردن والعراق، قال الزواوي إن مصر تحاول إنشاء دائرة جديدة في الإقليم بعد انهيار الدائرة العربية، والتقارب مع العراق والأردن وسوريا من شأنه أن يعزز من مكانة القاهرة اقتصادياً، وأن يرفع من مستوى التعاون من اقتصادي إلى سياسي واستراتيجي مستقبلاً.
من جانبه، استبعد الأكاديمي والمحلل السياسي حسن نافعة أن يكون اللقاء خطوة مقصودة لعرقلة مباحثات إعادة تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، موضحاً أن التقارب التركي المصري يمكن أن يساعد على حلحلة بعض الأزمات في المنطقة، ومنها أزمتا سوريا وليبيا.
وأبدى عدم استغرابه من اللقاء الرسمي المعلن، مشيراً إلى أن الاتصالات بين النظام المصري ونظيره السوري لم تنقطع، وهي مستمرة منذ عدة سنوات.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال نافعة إن مصر مهتمة جداً بما يحدث في سوريا، حيث تعتبر أن ما يحدث فيها نتاج عملية تخريب ومؤامرة كبرى شاركت فيها دول عربية وأخرى من خارج الإقليم، وبالتالي فهي ضد فكرة تنحية بشار الأسد.
ويرى نافعة أن موقف مصر من مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية مرتبط بموقف السعودية، حيث استبعد أن تتحمس مصر في تبني حملة لإعادة المقعد السوري رغم تأييدها الرسمي لهذه العودة؛ حرصاً على علاقاتها مع السعودية وبعض دول الخليج الأخرى التي ترفض الأمر.
والواقع أنه لم يكن عوامل ذاتية مصرية تعوق تطبيع العلاقات العلنية مع دمشق، ولكن كان هناك تريث لعدم إغضاب السعودية، وواشنطن، ويظهر الآن، من خلال المفاوضات السعودية الإيرانية، وبعض المواقف السعودية تجاه دمشق، والدفع الأمريكي لصفقة الغاز المصرية إلى لبنان عبر سوريا، والتحركات الأردنية لفتح الحدود مع سوريا، إن الرياض وواشنطن والغرب عامة قد رفعت الفيتو عن العلاقات مع نظام الأسد.
ما المقابل الذي سيناله الجميع من الأسد؟
ويستند هذا التحرك إلى افتراض غير واقعي تدعمه السفيرة الأمريكية في بيروت بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية بسوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار، وإمكانية تخفيف السيطرة الإيرانية على سوريا.
ويتجاهل القائلون بهذا الطرح أنه واقعياً فإن نحو نصف الأراضي السورية، خارج سيطرة النظام بما في ذلك نحو ثلث سوريا الغني بالنفط والماء الذي يسيطر عليه الأكراد، إضافة إلى إدلب ومناطق أخرى بشمال سوريا تحكمها المعارضة الحليفة لتركيا.
كما أنه ليس هناك أي معطيات عن إمكانية تفكيك التحالف بين النظام السوري وإيران، وهو التحالف الذي يستند إلى بُعد طائفي واضح قائم على تحالف المكونات المذهبية الشيعية والعلوية ضد الأغلبية السنية في المنطقة، وهو تحالف امتد ليشمل جزءاً من المكون الماروني في لبنان يمثله الرئيس ميشال عون.
وهو تحالف صمد في أشد الظروف وبالتالي تفكيكه يبدو أمراً مستبعداً تماماً.
فالتجربة أثبتت أن علاقة النظام السوري مع إيران تتجاوز أي ضغوط، لأنها تستند إلى عوامل طائفية، جعلت نظام الأسد يؤيد إيران في حربه ضد العراق في عهد صدام حسين رغم أن دمشق وبغداد كانتا محكومتين من حزب البعث، كما أن الروس بدعمهم القوي للأسد، ونفوذهم الهائل في سوريا، لم يستطيعوا تقليل النفوذ الإيراني المتغلغل في كل مكان بسوريا، وفي كل مؤسسات نظام الأسد.
الأهم أن التطبيع العربي أو الغربي مع سوريا دون تغيير النظام لسلوكياته من شأنه تضييع فرصة لإجباره على تقديم بعض التحسينات في الأوضاع الإنسانية بالبلاد، بل العكس سيؤدي إلى تشجيعه على مزيد من العنف ضد المدنيين ومناطق المعارضة.
القضية التي قد تكون أهم بالنسبة للغرب ودول الجوار العربي أن هذا التطبيع العربي مع الأسد وإنهاء عزلته الدولية من شأنه تضييع فرص الضغط عليه لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي المسألة التي يقاومها النظام بشدة؛ لرغبته في تغيير هوية سوريا الديموغرافية وجعل العرب السُّنة أقلية.
علماً بأن الأسد قاوم ضغوطاً روسية لإعادة اللاجئين مقابل رفع أو تخفيف العقوبات الغربية، رغم ما في ذلك من فائدة للطرفين حيث كانت تتضمن الصفقة: إنهاء قادة الدول الأوروبية أزمة اللجوء التي تحفز اليمين المتطرف، فيما يكسب الأسد بعض الأموال، لحكومته المفلسة.
ولكن طبيعة نظام الأسد تجعل الغنائم الديموغرافية للحرب وفرار اللاجئين للخارج سيحلان له مشكلة أبدية وهي: أن سوريا بلد ذا أغلبية عربية سنية تحكمه أقلية علوية، وهي مشكلة لديه أهم من إنهاء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها بمزيد من القمع أو تشجيع تهريب المخدرات، إلى حين ييأس العالم، ويضطر للتعامل معه، ويبدو أنه بدأ ينجح في هذا النهج، وقد تكون القاهرة إحدى بوابته للعودة للساحتين العربية والدولية.