“انتخابات بأي ثمن”.. هل يُجبَر الليبيون على إجراء الاقتراع الرئاسي دون التوصل لاتفاق؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/20 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/20 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد الدبيبة/ رويترز

تثير الأمور في ليبيا إلى طريق مسدود بشأن الاتفاق على القاعدة الانتخابية التي ستجرى عليها الانتخابات المزمعة في ديسمبر/كانون الأول القادم مما يوحي بأن هناك أطرافاً داخلية وخارجية تريد إجراء"انتخابات بأي ثمن".

وتبدو هذه هي الرسالة التي التقطها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، لكنه يسعى لاستغلالها في خدمة مصالحه بشكل يسمح له بتنصيب حليفه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، رئيساً للبلاد، "مهما كلف الأمر".

فلم يبقَ سوى أقل من 100 يوم على الانتخابات، ولا مؤشرات قوية على تنظيمها في موعدها، إلا إذ تم القفز فوق الهيئات الرسمية المعنية بهذا الملف وتزوير القوانين بتواطؤ مع البعثة الأممية ومفوضية الانتخابات، ما سيؤدي إلى تكريس الانقسام بدل حسم مسألة الشرعية.

ويبدو أن انتخابات توافقية ونزيهة في موعدها ومعترفاً بنتائجها من جميع الأطراف، مهمة شبه مستحيلة، بعد أن ضيّع الليبيون عدة فرص للتوافق على قاعدة دستورية لإجرائها، ولم يتم اعتماد قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لحد الآن.

هل ستتمتع الانتخابات بالنزاهة؟

أحد المؤشرات التي توحي بأن الانتخابات المقبلة لن تكون نزيهة ولا حتى توافقية، قيام صالح، بشكل مثير للغرابة، بإصدار قانون الانتخابات الرئاسية، قبل أن يصوت النواب عليه واعتماده بالأغلبية الموصوفة (120 صوتاً من إجمالي أقل من 180 نائباً).

ولم يستشر صالح المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) حول مشروع قانون الانتخابات، كما ينص على ذلك الاتفاق السياسي.

وهذا الأمر دفع 22 نائباً إلى إصدار بيان تنديد، عبروا فيه عن استغرابهم من عدم التصويت على مشروع قانون انتخاب رئيس الدولة، مؤكدين أن هذا الأمر يعد مخالفة للوائح وعرقلة للانتخابات.

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة، ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو قبل بدء "مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا"/ رويترز

وشدد النواب على أن المجلس "لم يصوّت على مشروع قانون انتخابات رئيس الدولة في أي جلسة، ولم يصدر بشأنه أي قرار أو قانون، وإن ما حدث في الجلسات السابقة كان مناقشة القانون وإحالته إلى اللجنة التشريعية لإعداد صياغة نهائية للتصويت عليه، وهو ما لم يحدث".

وهذه سابقة في تاريخ البرلمانات في العالم، أن يعتمد قانون من رئيس البرلمان وهو ما زال في طور النقاش والتداول بين النواب، وقبل المصادقة عليها بالرفض أو التأييد.

خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، أكد في هذا السياق أنه يجب على النواب إقرار القوانين بالأغلبية الموصوفة 120 صوتاً، "وهذا لم يحدث".

ودعا المشري، في بيان آخر، المفوضية العليا للانتخابات إلى عدم التعامل مع أي قانون أحادي الجانب مخالف للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.

وصدرت عدة مواقف غاضبة من أحزاب وناشطين، رافضة لما قام به عقيلة صالح من انفراد بإصدار قانون الانتخابات بشكل "شخصي وأحادي".

رد سياسي بصيغة تشريعية

مجلس الدولة، حذر في أحد بياناته، من أنه "إذا استمر مجلس النواب في مخالفة الاتفاق السياسي فلدينا خيارات جديدة ستُطرح في وقتها".

أول هذه الخيارات، قيام مجلس الدولة بالتصويت على قاعدة دستورية وعلى قوانين الانتخابات، الأحد، وقرر إحالتها إلى مجلس النواب للتشاور.

وهذه الخطوة من شأنها إثارة أزمة جديدة مع مجلس النواب، الذي يعتبر العديد من أعضائه أنه وحده لديه صلاحية التشريع، بينما مجلس الدولة في نظرهم مجرد هيئة استشارية.

وعلى الأغلب سيرفض مجلس النواب تسلم القاعدة الدستورية ومشاريع قوانين الانتخابات من مجلس الدولة، على أساس أنها تعدٍّ على صلاحياته.

غير أن ما قام به مجلس الدولة يعتبر خطوة سياسية أحادية رداً على انفراد عقيلة صالح بإصدار قانون انتخاب الرئيس دون التشاور معه.

كما تشكل إحراجاً لمجلس النواب، الذي فشل لحد الآن في إصدار قانون الانتخابات البرلمانية، ناهيك عن عدم تصويت النواب على مشروع قانون انتخابات الرئيس، وهو درس آخر يتلقاه صالح من المشري.

وقد تكرس هذه الخطوة مجدداً انقسام المؤسسة التشريعية إذا أصرّ كل طرف على سياسة الأمر الواقع.

هل تريد الدول الخارجية تمرير الانتخابات بأي ثمن؟

والغريب في هذا الأمر أن المفوضية العليا للانتخابات برئاسة عماد السائح، أعلنت تسلمها لقانون الانتخابات الرئاسية ما يعني اعترافها به، وكذلك الأمر بالنسبة للبعثة الأممية برئاسة يان كوبيتش.

وهذا التصرف يوحي بأن هناك تواطؤاً ما بين صالح والسائح وكوبيتش، لتمرير القوانين دون المرور على المجلس الأعلى للدولة، الذي يرأسه المشري، وذلك بعد اجتماع ثلاثتهم في العاصمة الإيطالية روما، في 26 يوليو/تموز الماضي، مع لجنة برلمانية لبحث قانون الانتخابات الرئاسية.

البعثة الأممية شددت حينها على ضرورة إشراك المجلس الأعلى للدولة في اجتماع روما، وفي إعداد مشاريع القوانين طبقاً للاتفاق السياسي، إلا أنها الآن تعترف بقانون لم يصادق عليه لا مجلس النواب ولم يشرك مجلس الدولة في إعداده، مما يدعو للتساؤل.

لكن بعد أن أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، اعترافها بقانون عقيلة صالح المتعلق بالانتخابات الرئاسية فإن الأمر يوحي بأنه تم ترتيبه في الخفاء!

ليبيا
وزراء خارجية ليبيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في طرابلس/ رويترز

وأصدرت الدول الخمس بياناً مشتركاً أوضحت فيه أن "مجلس النواب أقر خطوات لتحقيق هذا الهدف (انتخابات في موعدها)؛ حيث أعلن رئيسه في 8 سبتمبر/أيلول، عن القواعد القانونية للانتخابات الرئاسية، كما أحرزت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تقدماً في الاستعدادات لإجراء انتخابات وطنية رئاسية وبرلمانية".

وهذا البيان يشكل اعترافاً دولياً بـ"قانون عقيلة صالح"، وتهميشاً كلياً للمجلس الأعلى للدولة، وتأكيداً على دور مفوضية الانتخابات كشريك في هذه اللعبة الدولية.

ويكمن ثقل هذا الموقف أنه يضم 3 دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا)، كما أن روسيا داعم قوي لعقيلة صالح، والصين حليفة موسكو.

وبالتالي فإن الدول الخمس دائمة العضوية، ستغمض أعينها عن تزوير "قانون" انتخاب رئيس الدولة، والبعثة الأممية ستشارك في هذه "المؤامرة"، ما دامت ستؤدي إلى إجراء الانتخابات في موعدها.

"قانون" على مقاس حفتر

أكثر مادة أثارت الجدل بين النواب عند مناقشة مشروع قانون انتخاب الرئيس، المادة 12، التي تنص على أنه يحق للمترشح سواء كان مدنياً أو عسكرياً أن يتقدم للانتخابات دون أن يستقيل، وإذا خسر يعود لمنصبه.

واعترض عدد من النواب على هذه المادة، وقد تكون السبب في عدم عرضها على النواب للتصويت، إذا كان من المرجح تعديلها على مستوى اللجنة المختصة قبل أن يعاد مناقشتها، إلا أن عقيلة صالح، مرر القانون بما فيه هذه المادة.

وتسمح هذه المادة للواء المتقاعد خليفة حفتر، بعدم الاستقالة من قيادة ميليشيات الشرق، وإذا خسر الانتخابات يعود لقيادتها.

وتسببت محاولات أعضاء في لجنة الحوار السياسي الموالين لحفتر، تفصيل شروط على مقاسه تسمح له بالترشح للرئاسة، في إفشال مؤتمر جنيف الذي خصص لإعداد قاعدة دستورية للانتخابات، والذي اختتم مطلع يوليو/تموز الماضي.

حفتر ليبيا السيسي مصر
خليفة حفتر (رويترز)

فمشهد سيناريو الانتخابات القادمة بدأ يكتمل؛ إذ يتولى عقيلة صالح تمرير قانون انتخابات الرئيس بأي شكل، حتى ولو لم يحصل على الـ120 صوتاً المطلوبة (عدد النواب الذين حضروا المناقشة كان في حدود الثمانين).

الخطوة الثانية: تعلن البعثة الأممية والمفوضية العليا للانتخابات تسلمها "القانون"، ما يعني منحه اعترافاً وشرعية أممية، ثم يوضع محل التنفيذ لدى مفوضية الانتخابات، لتشرع في ترتيباتها الفنية اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية.

الخطوة الثالثة: تعلن الدول الغربية بزعامة واشنطن اعترافها الضمني بقانون انتخابات الرئيس، ما يمنحه شرعية دولية، رغم العوار الذي يشوبه.

الخطوة الرابعة: يتم تهميش المجلس الأعلى للدولة، والقوى السياسية الداعمة له، واعتبار رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح ممثلاً عن المنطقة الغربية.

الخطوة الخامسة: إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول، والاعتراف بنتائجها حتى ولو تمت مقاطعتها من غالبية المرشحين الوازنين والناخبين وخاصة في المنطقة الغربية، أو تزويرها، ما يمهد لتنصيب حفتر رئيساً للبلاد.

وهذا السيناريو يعني أمرين، طي صفحة ملتقى الحوار الذي فشل في إعداد القاعدة الدستورية، وإنهاء دور المجلس الأعلى للدولة، الذي حمّلته واشنطن مسؤولية إفشال ملتقى الحوار في جنيف بعد اشتراطه الاستفتاء على الدستور أولاً.

والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، كيف سيتصرف المجلس الأعلى للدولة، والقوى السياسية والعسكرية في المنطقة الغربية في مواجهة هذه "الخطة الدولية" لتهميشهم بل إقصائهم؟ وهل سيرضخون للأمر الواقع أم أنهم سيحبطون هذا المخطط؟

تحميل المزيد