منذ تعيين رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" (ليبرالي)، عزيز أخنوش، رئيساً للحكومة المغربية المرتقبة، تتصاعد تحليلات بشأن السيناريوهات المحتملة لتحقيق أغلبية برلمانية تسمح بتشكيل الحكومة، في ضوء نتائج انتخابات 8 سبتمبر/أيلول الجاري، التي أدت إلى هزيمة كبيرة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي.
وأعلن حزب "العدالة والتنمية" انضمامه إلى صفوف المعارضة إثر احتلاله المركز الثامن في الانتخابات، وذلك بعد قيادته الائتلاف الحكومي لولايتين للمرة الأولى في تاريخ المملكة (2011-2021)، بينما تبدو الأحزاب الأخرى منفتحة على التحالف مع الحزب الأول حالياً.
وأسفرت الانتخابات عن فوز "التجمع الوطني للأحرار" بالمرتبة الأولى بـ102 مقعد من أصل 395 في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يليه "الأصالة والمعاصرة" (ليبرالي- 86)، ثم "الاستقلال" (محافظ- 81).
وبعدهم، حلّ حزب "الاتحاد الاشتراكي" (يسار- 35)، يليه "الحركة الشعبية" (وسط- 29)، و"التقدم والاشتراكية" (يسار- 21)، و"الاتحاد الدستوري" (وسط- 18)، ثم "العدالة والتنمية" (13)، بينما توزعت المقاعد العشرة المتبقية على أحزاب أخرى.
من هو عزيز أخنوش؟
عزيز أخنوش من مواليد عام 1961 بدوار أكَرض اوضاض تَفراوت وهي مدينة تابعة إدارياً لإقليم تيزنيت بجهة سوس ماسة في جنوب المغرب، وأكمل دراسته في الخارج وحصل على شهادة في الأعمال من جامعة شيربروك الكندية عام 1986.
وبعد عودته للمغرب أصبح رئيس مجموعة أكوا، وهي شركة قابضة تسيطر على عشرات الشركات المتخصصة في توزيع البنزين والاتصالات والخدمات. وهو متزوج من سيدة الأعمال سلوى إدريسي التي تملك شركة للمراكز التجارية وحائزة على حق الامتياز بالمغرب لشركات عالمية متخصصة في الملابس.
وتبلغ ثروة أخنوش، الملقب بإمبراطور المحروقات، ملياري دولار هذا العام، بعد أن كانت 1.7 مليار في العام الماضي، وهو المغربي الوحيد الذي ظهر اسمه في قائمة أثرياء العالم، بحسب تقرير لمجلة فوربس الأمريكية.
وتولى أخنوش وزارة الفلاحة في المغرب منذ عام 2017 ضمن حكومة العثماني، وتربطه علاقة وثيقة بالقصر والعاهل المغربي محمد السادس، وقبل أيام قليلة من الانتخابات التي فاز بها حزبه، نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريراً بعنوان "عزيز أخنوش.. رجل الملك الذي يهدف إلى طرد الإسلاميين في المغرب"، رصد توظيف أخنوش ثروته الطائلة بهدف الوصول لرئاسة الحكومة.
مشاورات أخنوش بدأت بالمعارضة الليبرالية المقربة للقصر
وفي 10 سبتمبر/أيلول الجاري، عَيَّنَ العاهل المغربي، الملك محمد السادس، عزيز أخنوش، رئيس "التجمع الوطني للأحرار"، وزير الفلاحة والصيد البحري بالحكومة المنتهية ولايتها، رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة المقبلة.
ويوصف أخنوش بصديق الملك، وعقب تعيينه صرّح بأنه سيفتح باب المشاورات مع "الأحزاب التي يمكن أن نتوافق معها في المستقبل، لتشكيل أغلبية منسجمة ومتماسكة لها برامج متقاربة".
والإثنين، انطلقت مشاورات تشكيل الحكومة بلقاءات منفصلة جمعت أخنوش مع أمناء الأحزاب الأولى في الانتخابات، وهم: عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لـ"الأصالة والمعاصرة"، ونزار بركة، الأمين العام لـ"الاستقلال"، وإدريس لشكر، الأمين العام لـ"الاتحاد الاشتراكي"، ومحند العنصر، الأمين العام لـ"الحركة الشعبية"، بحسب إعلام محلي.
وقال وهبي، في تصريح صحفي عقب اللقاء: "تبادلنا بعض الأفكار حول إمكانية التحالف الحكومي، تلقينا إشارات جد إيجابية بخصوص التحالف، وسنعمل على استمرار هذا الحوار لبناء تصور مشترك".
فيما قال بركة إن حزبه "سيناقش العرض الذي تقدم به أخنوش، ستكون هناك مشاورات مهمة مع رئيس الحكومة المعين حول البرنامج الحكومي المقبل لإدراج العديد من الالتزامات المتضمنة في البرامج الانتخابية للأحزاب التي ستشكل الأغلبية الحكومية".
"العدالة" قرّر العودة إلى المعارضة
وغداة إعلان نتائج الانتخابات، أعلنت قيادة "العدالة والتنمية" أن الحزب "قرر الانتقال إلى صفوف المعارضة".
كما أعلنت قيادة الحزب، وفي مقدمتها أمينه العام سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، تقديم استقالتها من الأمانة العامة للحزب (أعلى هيئة تنفيذية)، "تحملاً للمسؤولية"، عقب التراجع في الانتخابات البلدية والبرلمانية (من 125 إلى 13 مقعداً).
كما دعت إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني (برلمان الحزب)، في 18 سبتمبر/أيلول الجاري، "من أجل تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة".
"الاستقلال" المعارض للقصر أم "الأصالة والمعاصرة" المقرب له؟
وينحدر حزب الاستقلال الذي تأسّس عام 1944، من حركة المقاومة الوطنية، وقاد مع الملك الراحل محمد الخامس حركة التحرر الوطني، وعلاقته متوترة تاريخياً بالملكية نسبياً، رغم تراجع التوتر في عهد الملك الحالي، ويوصف بأنه يمثل النزعة الإصلاحية والحضارية للإسلام المغربي.
وكان الحزب يوصف في بعض الأوقات بأنه حليف لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، باعتبارهما حزبين محافظين بمرجعية إسلامية، رغم اختلاف هذه المرجعية بين العدالة والتنمية ذي المرجعية الإخوانية، والاستقلال ذي المرجعية القومية المغربية، ذات البعد الحضاري الإسلامي المغربي المحافظ.
وقال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول (حكومية) في مدينة سطات (شمال)، للأناضول: "بعد التعيين الملكي لعزيز أخنوش، نحن في مرحلة المشاورات قبل اقتراح الحكومة بكامل أعضائها، ثم الذهاب إلى البرلمان لتقديم البرنامج الحكومي".
ورأى أن "السيناريو الأقرب للتحقق هو أن أخنوش سيُشرك حلفاءه السابقين الذين فاوض بهم في 2016 (عقب انتخابات برلمانية تصدرها العدالة والتنمية)، ويتعلق الأمر بالحركة الشعبية "الذي يوصف بأنه حزب الحركة الأمازيغية وحامل المطالب الثقافية والاجتماعية للريف المغربي، والاتحاد الاشتراكي "أعرق أحزاب اليسار المغربي"، ولكنه ضعف مؤخراً، والاتحاد الدستوري "الذي يوصف بأنه حزب ليبرالي كان مقرباً للقصر".
وتابع: "لكن بهذه الأحزاب (تمتلك 184 نائباً) لن يتمكن أخنوش من تكوين أغلبية مريحة (مطلوب ما لا يقل عن 198 نائباً)، لذلك سيكون مضطراً إلى أن يختار بين الاستقلال (81 نائباً) والأصالة والمعاصرة (86 نائباً)".
ورجح اليونسي أن "الأقرب للتحقق هو أن يلتحق حزب الاستقلال بالأغلبية الحكومية، بالنظر إلى أنه أطال المقام في المعارضة".
لماذا يفضل القصر بقاء حليفه الأصالة في المعارضة؟
قال اليونسي إن "ما يجعل الأصالة والمعاصرة أقرب إلى المعارضة هو أنه سيتم إعداده ليكون البديل للتجمع الوطني للأحرار ما دام كلاهما حزب الإدارة (الدولة)".
وأوضح اليونسي أن "هناك سبباً وجيهاً آخر لبقاء الأصالة والمعاصرة في المعارضة، وهو أن الدولة تريد مزيداً من السمعة الجيدة لهذا الحزب، خاصة أن عبد اللطيف وهبي (أمينه العام) جاء بخطاب جديد ووجوه جديدة، وبقاؤه في المعارضة يستهدف تحسين صورته في المجتمع".
ومن المعروف أن الأصالة أسسه فؤاد الهمة، مستشار ملك المغرب السابق، ويوصف بأنه حزب ليبرالي مقرب للقصر، ويمكن وصفه بأنه حزب يستخدم من قبل القصر، للقيام بمهمة المعارضة، وخاصة مواجهة الإسلاميين.
الخوف من التحالف مع الاستقلال والعدالة والتنمية
لكن ثمة سيناريو ثانٍ لتشكيل الحكومة، وفق اليونسي، "وإن كانت إمكانية تحققه ضعيفة، وهو حصول تحالف بين التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة مع الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، مع بقاء الاستقلال في المعارضة".
واستدرك: "ما يجعل هذا السيناريو صعباً هو أنه سيفتح المجال أمام تشكيل المعارضة من حزبين يشتركان في نفس المرجعية المحافظة (الاستقلال والعدالة والتنمية)، مع ما يترتب على ذلك من تحقيق تحالف مستقبلي بينهما، رغم أن الكتلة البرلمانية للعدالة والتنمية ضعيفة العدد".
متفقاً مع اليونسي، اعتبر سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومة) بمدينة فاس (شمال)، أن "السيناريو الأرجح هو خروج الأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية إلى المعارضة لتجاوز أزمة المعارضة التي تلوح في الأفق".
وأضاف بونعمان للأناضول أنه "مع النتائج التي حققها كل حزب ووصول المرشحين الأعيان (أصحاب نفوذ) إلى البرلمان، هناك أزمة معارضة يجب تدبيرها، ولن يكون أفضل من الحزبين السابقين للقيام بهذا الدور".
وشدد على أن "تحقيق التوازن بين الأغلبية والمعارضة هو شرط أساسي لنجاح العملية السياسية في الولاية الحكومية القادمة".
وختم بأن "الأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية بإمكانهم لعب دور المعارضة بشكل جيد".
ففي حالة انضمام الاستقلال للحكومة فإن هذا سيمنع تشكيل معارضة قوية، تضمه مع العدالة والتنمية، وستصبح المعارضة مفتتة لأنها ستضم العدالة الذي خرج منهكاً جراء الانتخابات، والأصالة المعارض، الذي في حقيقته هو حزب مقرب للقصر.