وصلت حقبة الهواتف الذكية التي نعيشها إلى قمتها، فكيف ستكون الحقبة التكنولوجية الجديدة، وما هي التقنية التي ستصبح سائدة خلال السنوات القادمة؟!
تتفاقم الصعوبة عند الكتابة عن صناعة التكنولوجيا الرقمية لأن طوفان الأشياء "الجديدة" لا يتوقف، ولكن وسط هذا الفيض من التطوير يمكن رصد ملامح الحقبة التكنولوجية القادمة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في عام 2014، قال بن طومسون، محلل التكنولوجيا المخضرم إنه يرى أن تطور عالمنا المتصل بالشبكات مكون من ثلاث حقب، كل منها تحددها تقنية أساسية وتطبيق مكتسح "Killer App".
حقبة الحاسوب
كانت الحقبة الأولى حسب طومسون، هي عصر الحاسوب، الذي بدأ في أغسطس/آب عام 1981 حين أطلقت شركة IBM حاسوبها.
كانت التقنية الأساسية هي البنية المفتوحة للجهاز ونظام التشغيل MS-DOS (الذي أصبح الويندوز فيما بعد). وكان التطبيق المكتسح هو الجداول الحسابية.
ثم حقبة الإنترنت
وكانت الحقبة الثانية عصر الإنترنت، الذي بدأ بعد 14 عاماً من بدء عصر الحاسوب، مع شركة Netscape IPO في أغسطس/آب عام 1995.
كانت التقنية الأساسية (أو "نظام التشغيل"، إن شئت) متصفح الويب- الأداة التي حولت الإنترنت إلى شيء يمكن لغير الخبراء بالتكنولوجيا فهمه واستخدامه- وقد تميزت هذه الحقبة في البداية بصراع شرس للسيطرة على المتصفح، صراع دمرت فيه مايكروسوفت Netscape واستولت على 90% من السوق ولكنها في النهاية واجهت دعوى مكافحة احتكار كادت تودي بها. وفي هذه الحقبة، كان البحث هو التطبيق المكتسح، وفي النهاية، أصبحت الشبكات الاجتماعية هي المسيطرة؛ حيث استحوذت فيسبوك على الحصة السوقية المهيمنة.
وحالياً، حقبة الهواتف الذكية
أما الحقبة الثالثة، وفقاً لمنظور طومسون- وهي الحقبة التي نعيشها الآن- فهي عصر الهاتف الذكي الذي يعود تاريخه إلى يناير/كانون الثاني عام 2007 حين أعلنت شركة آبل عن أيفون وأطلقت ثورة الهواتف الذكية.
وعلى عكس الحقبتين السابقتين، لا يوجد نظام تشغيل مهيمن واحد: ولكن احتكار ثنائي بين نظام التشغيل iOS من آبل ونظام أندرويد من غوغل. أما التطبيق المكتسح فهو ما يسمى "اقتصاد المشاركة" (وهو بالطبع ليس كذلك)، وأصبحت الرسائل بمختلف أشكالها وسيلة الاتصال المهيمنة. والآن يبدو أن حقبة الهواتف الذكية قد بلغت ذروتها.
وإذا كان هذا هو ما يحدث بالفعل، فالسؤال البديهي هو: ماذا سيأتي تالياً؟ كيف ستكون الحقبة الرابعة؟ وما الذي قد نراه يظهر في أرض التكنولوجيا في الوقت الحالي؟
سيناريوهات الحقبة التكنولوجية الجديدة
1- الميتافيرس
فكرة ميتافيرس- بيئات واقع افتراضي ضخمة- قد تكون هي السائدة في الحقبة التكنولوجية الجديدة.
وعالم metaverse هو مفهوم يتحدث عنه رواد التكنولوجيا يدور فيه الحديث عن عالم افتراضي، يمكن للمرء خلاله فعل الكثير من الأشياء، وعبر التطور التكنولوجي يمكن لهذا العالم الافتراضي أن يتفاعل مع الواقع، ويقول جاك قهال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة HiDef الأمريكية الذي يسعى إلى إنشاء عالم الميتافيرس الخاص به بدلاً من استبداله إن ميتافيرس- منصة تقضي على التمييز بين ما هو متصل بالإنترنت ومن هو غير متصل.
وفكرة الـ"ميتافيرس" مستوحاة من رواية إرنست كلاين لعام 2011، حيث يهرب بطل الفيلم اليتيم المراهق من وجوده القاتم في العالم الحقيقي؛ من خلال الانغماس في خيال واقع افتراضي مبهر. يربط الصبي سماعة رأسه ويهرب إلى عالم افتراضي ثلاثي، يُطلق عليه اسم "OASIS".
ويقدم فيلم الخيال العلمي لعام 2018 "Ready Player One" لمحة عما تنبأت العديد من شركات التكنولوجيا بأنه الشيء الكبير التالي على الإنترنت، وهو مستوحى من الرواية المشار إليها.
وصاغ هذا المصطلح الكاتب نيل ستيفنسون في رواية عام 1992 البائسة "Snow Crash". في ذلك، يشير metaverse إلى بيئة رقمية غامرة حيث يتفاعل الناس كأفاتار.
البادئة "meta" تعني ما بعد وverse من كلمة universe أي الكون وتستخدم الشركات التقنية الكلمة لوصف ما يأتي بعد الإنترنت، والذي قد يعتمد على نظارات الواقع الافتراضي أو تقنيات أكثر تطوراً.
يقول عدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا إنه يوماً ما قريباً، سنخرج جميعاً في عالم واقع افتراضي تفاعلي، مكتمل بالألعاب والمغامرات والتسوق وعروض من عالم آخر، تماماً مثل الشخصيات في الفيلم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
لكن كاتب تقرير The Guardian يرى أن فكرة ميتافيرس، في أقصى حدودها، عبارة عن رؤية لبيئة غامرة تشبه ألعاب الفيديو حتى يظل الأثرياء مستمتعين في كهوفهم المكيفة ويتركون الكوكب يغلي ويواجه البشر الأقل حظاً صعوبة في التنفس. بهذا المعنى، قد تكون ميتافيرس مجرد وسيلة لتجنب الواقع غير السار. (ولكن، وكما قال أحد الشخصيات البارزة في وادي السيليكون ساخراً: "ربما يكون الواقع مبالغاً في تقديره على أي حال")، غير أنه لن تمثل محور الحقبة التكنولوجية الجديدة.
2- البلوكتشين والحساب الكمومي قد يمثلان الحقبة الجديدة
على أن المرشحين الأكثر قبولاً للهيمنة على حقبة المستقبل أو الحقبة التكنولوجية الجديدة هما علم التشفير- بمعنى تقنية قواعد البيانات المتسلسلة blockchain- والحساب الكمومي.
لكن عصراً تهيمن عليه هاتان التقنيتان سيكون تجسيداً لتناقض محير: تعتمد أدوات التشفير الحالية لدينا على إنشاء مفاتيح قد تستغرق أجهزة الكمبيوتر التقليدية ملايين السنين لحلها. لكن الحواسيب الكمومية ستحلها في نانوثانية، وبالتالي قد تضيع مفعول البلوكتشين، وفي هذه الحالة، قد نضطر أخيراً إلى الاعتراف بأننا، كبشر، أذكى من أن نعرف مصلحتنا.
والبلوكتشين تقنية تعمل من خلالها البيتكوين والإيثيريوم والعملات الرقمية الأخرى، وتُعد سجلاً تجارياً خالداً وغير قابل للتعديل ومفتوحاً يمكن الوصول منه لجميع المعاملات التي حدثت على الشبكة منذ إنشائها، كل العملات الرقمية تقريباً لديها شبكة البلوكتشين الخاصة بها، يتم تسجيل المعاملات الجديدة ومعالجتها على دفعات تسمى "الكُتل blocks" على فترات زمنية منتظمة؛ ويتم إنشاء الكتل عن طريق عملية تسمى "التعدين" وتُضاف إلى نهاية "سلسلة chain" الكتل الموجودة، ومن هنا يأتي اسم النظام، ويسمح البلوكتشين لكل مستخدم بالتحقق من حقيقة أن كل معاملة محددة قد حدثت بالفعل في لحظة محددة.
أما الحساب الكمومي فهو مرتبط بأجهزة الحاسوب الكمومي وهي آلات تستخدم بشكل واضح الظاهرة الفيزيائية الكمية لزيادة عمليات السرعة الحسابية بشكل يفوق قدرات أجهزة الكمبيوتر التقليدية.
كل شيء يتم تخزينه على البلوكتشين يكون مشفراً، ولكن التشفير وحده ليس أماناً كاملاً ولا يجعله غير قابل للفساد بأي طريقة.