قيس سعيد يريد تعديلاً دستورياً رغم أنف البرلمان، فلماذا يسعى لذلك عبر استفتاء وليس انتخابات جديدة؟

تم النشر: 2021/09/12 الساعة 19:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/12 الساعة 19:36 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيد/رويترز

جاء إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن رغبته في تعديل الدستور التونسي ليشير إلى أنه مُصرّ على المضي قدماً في ترسيخ سيطرته على السلطة بدون إيلاء الاعتبار للإجراءات الدستورية والقانونية.

فلقد لوح قيس سعيد بإمكانية إدخال تعديلات على دستور البلاد، حيث قال إن "الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي" ملوحاً بذلك لإمكانية تعديل دستور 2014. وأضاف سعيد أن الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة سيتم في أقرب الآجال، دون تحديد موعد.

  كان سعيد، أستاذ القانون الذي انتخب رئيساً نهاية 2019، قد أعلن تفعيل فصل دستوري يخول له اتخاذ تدابير في حال وجود "خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقرارها"، وأقال رئيس الحكومة وعلق عمل البرلمان 30 يوماً في مرحلة أولى، علماً بأن هذا الفصل لا يخول له تجميد البرلمان كما فعل، إضافة إلى أنه ينص على ضرورة استشارة رئيس الحكومة الذي أقاله ورئيس البرلمان الذي منعه من دخول البرلمان.

ثم في 25 أغسطس/آب مدد قيس سعيد تعليق عمل البرلمان "حتى إشعار آخر"، وهو أمر لا يتيح له الدستور فعله.

تعديل الدستور التونسي بطريقة غير دستوية

 وتحدث سعيد عن دستور العام 2014، قائلاً: "أحترم الدستور لكن يمكن إدخال تعديلات على النص". واعتبر أن "الشعب سئم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولا بد من إدخال تعديلات في إطار الدستور".

وينص الدستور التونسي على أن أي تعديل في الدستور يتم عبر قراءة واحدة بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب ومنح رئيس الجمهورية إمكانية عرض المشروع على الاستفتاء، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل معارضة معظم نواب البرلمان التونسي لإجراءات سعيد.

كما أن الفصل الثامن الذي اتخذ قيس سعيد إجراءاته الأخيرة بموجبه، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.

   وتابع: "الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي؛ لأن السيادة للشعب ومن حقه التعبير عن إرادته".

وسبق ذلك إعلان وليد الحجام، مستشار الرئيس التونسي، اعتزام الأخير تعليق العمل بالدستور؛ كخطوة نحو إعداد دستور جديد يشمل تغيير نظام الحكم إلى رئاسي، عوضاً عن النظام المختلط (يجمع بين البرلماني والرئاسي) المعتمد حالياً.

دعوة إلى انتخابات جديدة من قبل الاتحاد العام للشغل

 وفي وقت سابق السبت، دعا الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي إلى انتخابات برلمانية مبكرة تفضي إلى برلمان يناقش الدستور وتغيير النظام السياسي في البلاد.

وقالت صحيفة الشعب نيوز الناطقة باسم اتحاد الشغل: "دعا الأمين العام إلى انتخابات تشريعية مبكرة تفضي إلى برلمان جديد على إثره يتم نقاش الدستور ويتم تغيير النظام السياسي".

 يذكر أنه في الأيام الأخيرة، تحدثت وسائل إعلام عدة عن إعلان وشيك لتشكيل الحكومة الجديدة؛ على أن تتم بعد ذلك مراجعة الدستور قبل إجراء انتخابات تشريعية جديدة.

ولم يعين الرئيس التونسي منذ 25 يوليو/تموز رئيساً جديداً للحكومة، كما لم يكشف "خريطة طريق" تطالب بها أحزاب ومنظمات عدة من المجتمع المدني.

 ويعتبر بعض خبراء القانون والأحزاب السياسية وأبرزها حركة النهضة الإسلامية التي لها أكبر كتلة نيابية في البرلمان، أن ما أقدم عليه سعيد "انقلاب".

عريضة ضد محاولات تعديل الدستور

ووقعت أكثر من مئة شخصية عامة في تونس، الأحد، على عريضة إلكترونية تؤكد رفض أي محاولة "للانقلاب على الدستور".

وبحسب مراسل الأناضول، فإنه منذ مساء السبت وحتى الساعة 14:30 (توقيت غرينيتش) من الأحد وقعت على العريضة المنشورة عبر موقع "فيسبوك" 103 من الشخصيات العامة، بينهم نواب وأساتذة جامعيون وحقوقيون ونشطاء سياسيون. ولا يزال باب التوقيع على العريضة مفتوحاً.

ومن أبرز الأسماء الموقعة على العريضة، يمينة الزغلامي (نائبة عن حزب حركة النهضة)، وعياض اللومي (نائب مستقل)، وأسامة الخليفي (نائب عن حزب "قلب تونس")، والناشط السياسي عبد الحميد الجلاصي، وأستاذ القانون الدستوري "جوهر بن مبارك".

تعديل الدستور التونسي
رئيس حركة النهضة التونسية/رويترز

وقال مستشار الرئيس، في تصريحات إعلامية الخميس الماضي، إن "نية سعيد تتجه إلى مراجعة النظام السياسي نحو نظام رئاسي يُعرض على الاستفتاء الشعبي، وهو ما يعني المرور نحو تعليق العمل بالدستور واعتماد آليات أخرى (لم يوضحها) لتسيير الدولة".

وأكد الموقعون على العريضة "التمسك بدستور 2014، الذي جاء تتويجاً لمسار الثورة التونسية وتجسيداً لتطلعات التونسيات والتونسيين في الحرية والكرامة والديمقراطية والمواطنة ودولة القانون".

ورفضوا "كل محاولة للالتفاف عليه (الدستور) والخروج عنه والانقلاب على مضامينه".

واعتبروا ما ورد على لسان الحجام "تأكيداً على المسار الانقلابي على الدستور الذي شرع فيه الرئيس في 25 يوليو/تموز الماضي، بواسطة تدابير استثنائية".

وثمن الموقعون على العريضة "ردة الفعل القوية من قبل كثير من الأحزاب على هذا التصريح الخطير لمستشار رئيس الجمهورية".

وقالوا: "ننتظر مواقف بدرجة الحزم نفسها، من كل الأحزاب الأخرى التي لم تعبر عن رأيها إلى حد الآن، ومن المنظمات الاجتماعية والمهنية وجمعيات المجتمع المدني".

وحذروا من "تدهور مناخ الحريات بالبلاد، من منع السفر طال شخصيات عديدة، ومحاكمات مدنيين أمام القضاء العسكري، وتوقيفات ومداهمات للبيوت واعتداءات على الأملاك الخاصة خارج كل مسار قضائي وقانوني".

واعتبروا ذلك "مؤشراً خطيراً على توجه نحو ديكتاتورية جديدة وانقلاباً على الدستور وعلى الشرعية".

ورفضت غالبية أحزاب تونس قرارات سعيد، واعتبرها البعض "انقلاباً على الدستور"، بينما أيدتها أحزاب أخرى رأت فيها "تصحيحاً للمسار"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).

لماذا لا يحاول استغلال التأييد الشعبي لإجراء انتخابات برلمانية جديدة؟

اللافت أن الرئيس التونسي يتجاهل كل الاعتراضات الحزبية ويواصل تعزيز قبضته على السلطة علماً بأن النظام السياسي التونسي نظام مختلط أقرب إلى البرلماني، حيث لا يعطي سلطات كبيرة للرئيس باستثناء جعله حكماً بين السلطات وقائداً للقوات المسلحة.

ولكن الجديد هنا أن الرئيس التونسي يحاول تغيير الدستور وبالتالي نظام البلاد، بشكل غير دستوري، لأن تعديل الدستور مسألة من صلاحيات البرلمان الذي يناصبه قيس سعيد العداء وجمَّد أعماله.

وكان في وسع الرئيس التونسي مراجعة الشكل القانوني والدستوري لمحاولته تغيير النظام السياسي للبلاد، عبر استغلال ما يقال عن شعبيته بإجراءاته الأخيرة والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، قد تسفر عن برلمان مؤيد له، يعدل الدستور بما يسمح بتحول البلاد للنظام الرئاسي.

ولكن يؤشر عدم تركيزه على فكرة إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وهي فكرة قد تكون مخرجاً مناسباً للأزمة الحالية، إلى عدم ثقته في قدرته على إيصال أنصاره للبرلمان عبر الانتخابات.

كما أن قيس سعيد يعادي أي شكل من أشكال التنظيم السياسي، ويفيد كثير من مؤيديه بأنه رفض محاولة تشكيلهم كيانات مؤيدة له.

وكثير من الشباب التونسي الناشط المستقل، الذين كانوا الفئة الأكثر إعجاباً بقيس سعيد، لعبوا دوراً في إكساب حملته الانتخابية الزخم ليصبح الرجل المجهول مفاجأة الانتخابات التونسية.

ويقول الناشط البيئي دباية الذي شارك في حملة لدعم ترشُّح قيس سعيد للرئاسة عام 2019 لموقع Middle East Eye البريطاني إنه يعرف سعيد  منذ عام 2013.

 وأضاف: "وجدنا نقاط التقاء بين حركتنا المناهضة للتلوث وأفكاره. كانت لديه بعض المقترحات الجميلة التي تشترك في فلسفتنا نفسها: إنشاء مساحات بديلة غير كلاسيكية للأنشطة المدنية؛ لأنَّ المساحات الكلاسيكية مثل الأحزاب السياسية لا تعمل بكفاءة".

وشنَّ دباية في وقت لاحق، حملة لصالح سعيد، لكنه يقول إنه بسبب معارضة سعيد للأحزاب السياسية، فقد رفض أي هيكل متماسك للحملة.

وإذا كان الشعب ساخطاً على البرلمان، كما يقول، فكان من الأولى انتخاب برلمان جديد، ولكن أستاذ القانون الدستوري السابق مصرّ على مخالفة الدستور.

ويبدو أنه يفكر في طريق الاستفتاء في ظل تجميد عمل الأحزاب فعلياً ليستطيع صياغته كما يريد.

والاستفتاءات في غيبة المعارضين كانت الطريق المفضل للمستبدين، منذ عهد نابليون بونابرت الذي حوَّل فرنسا الثورية من جمهورية انتخابية إلى إمبراطورية وراثية وانتهى عهده بهزيمة ثقيلة لفرنسا، جعلت أعداءها يدخلون باريس، وعودة الملكية.

تحميل المزيد