رغم أن دولة وحيدة في العالم بدأت في تلقيح الأطفال من عمر عامين فقط ضد فيروس كورونا، فإن كثيراً من الخبراء يرون أن حرب الوباء لن تنتهي دون توفير اللقاحات للأطفال.
كانت كوبا قد بدأت حملة تلقيح الأطفال من عمر عامين حتى 11 عاماً، الإثنين 6 سبتمبر/أيلول الجاري، باستعمال لقاحين ضد فيروس كورونا تم تطويرهما محلياً، وغير معترف بهما من جانب منظمة الصحة العالمية.
وفي اليوم نفسه، وافقت تشيلي على تطعيم الأطفال من عمر 6 سنوات حتى 12 عاماً باستخدام لقاح سينوفاك الصيني. وتطرح هذه الخطوة من جانب كوبا وتشيلي مزيداً من التساؤلات حول تطعيم الأطفال ضد فيروس كورونا، رغم أن الجدل حول هذه النقطة يختلف من دولة إلى أخرى.
هل حان وقت توفير اللقاح للأطفال؟
عندما نالت لقاحات كورونا المتعددة موافقة الجهات الصحية أواخر العام الماضي، سواء فايزر/ بيونتيك وموديرنا في الولايات المتحدة، أو أسترازينيكا في بريطانيا، وقبلهما سينوفارم وسينوفاك الصينيان، وسبوتينك الروسي، كان هناك قاسم مشترك وهو استبعاد الأطفال دون سن 16 عاماً من تلقي اللقاحات.
وفي البداية تم توفير اللقاحات للعاملين في مجال القطاع الصحي- خط الدفاع الأول ضد الجائحة التي أصابت العالم بالشلل- والبالغين باستثناء أصحاب الأمراض المزمنة والسيدات الحوامل. وبدأت الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في تطعيم مواطنيها- كإسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة والإمارات- في تنفس الصعداء مع انخفاض أعداد المصابين الذين يحتاجون دخول المستشفيات، ومعها انخفاض كبير في معدل الوفيات.
ورغم ظهور سلالات من كورونا أكثر سرعة في التفشي والانتشار، وتقارير متناثرة تتحدث عن قدرة سلالة دلتا الهندية على مقاومة اللقاحات، فإن الصورة العامة حول العالم أظهرت حتمية اللقاحات كسبيل وحيد لمحاصرة الوباء، فحتى من أصيبوا بكورونا بعد تلقي اللقاحات لم تحتج الغالبية الساحقة منهم لدخول المستشفيات، وتعرّضوا فقط لأعراض خفيفة، أو لم يعانوا من أعراض من الأساس.
وفي ظل هذه الصورة العامة، بدأت مسألة تطعيم الأطفال تطفو على السطح، وخصوصاً مع قرب العودة للمدارس في غالبية دول العالم، بعد أن قضى الأطفال أغلب الفصلين الدراسيين الماضيين بعيداً عن مدارسهم، وتنامي التحذيرات من الخطورة البالغة التي يُمثلها التعليم عن بعد على الأطفال من الروضة وحتى نهاية المرحلة الثانوية.
وبدأت بالفعل الولايات المتحدة في تطعيم الأطفال من سن 12 وحتى 16 عاماً، بينما تنتظر بريطانيا قراراً بهذا الشأن من الفريق الصحي المسؤول عن أزمة كورونا، ومطلع أغسطس/آب الماضي بدأ المغرب بالفعل في تطعيم نفس الفئة العمرية، وأُجلت بداية العام الدراسي، وكذلك فعلت الإمارات وبعض الدول الأخرى.
سؤال أخلاقي يتعلق بتلقيح الأطفال
وتناول تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC مسألة تطعيم الأطفال، رصد كيف بدأت الولايات المتحدة بالفعل بتطعيم حوالي 600 ألف طفل، تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة، وتتوقع واشنطن أن تكون لديها بيانات كافية حول السلامة لتطعيم الأطفال الأصغر سناً العام المقبل.
أما المملكة المتحدة فلا يزال عليها أن تتخذ قراراً بخصوص تطعيم الأطفال، إذ إن هناك سؤالاً علمياً يطرح نفسه هنا: هل سيؤدي تطعيم الأطفال إلى إنقاذ أرواح الناس؟
وهو سؤال معقد، حيث إن الإجابة قد تختلف من بلد لآخر، كما أن هناك بعداً أخلاقياً إذا كانت الجرعات المخصصة للأطفال من شأنها أن تنقذ المزيد من الأرواح إذا ما أُعطيت للعاملين في المجال الصحي ولكبار السن الضعفاء في دول أخرى.
والقصة هنا باختصار تتعلق بأبرز الحجج التي تُساق ضد تطعيم الأطفال، وهي أنهم يحصلون على فائدة قليلة نسبياً من ذلك، إذ قال البروفيسور آدم فين، عضو اللجنة المشتركة حول التطعيم والتحصين في المملكة المتحدة: "من حسن الحظ أن أحد الأشياء الجيدة القليلة بشأن هذا الوباء هو أن الأطفال نادراً ما يتأثرون بشكل خطير بهذه الإصابة".
إن الإصابة لدى الأطفال دائماً تقريباً ما تكون خفيفة أو بدون أعراض ظاهرة، وذلك في اختلاف واضح عن الفئات العمرية الأكبر، الذين مُنحوا الأولوية في حملات التطعيم. وتقدر دراسة أُجريت في سبع دول، ونشرت في مجلة لانسيت الطبية، أن أقل من طفلين من بين كل مليون طفل توفوا بسبب الإصابة بمرض كوفيد-19 خلال الوباء.
وفي هذا السياق، تقول منظمة الصحة العالمية إنه يتعين على الدول الغنية أن تؤجل خططها لتطعيم الأطفال، وتتبرع باللقاحات إلى بقية دول العالم. وقال البروفيسور أندرو بولارد، الذي أشرف على تجارب سريرية للقاح أكسفورد- أسترازينيكا، إنه "من الخطأ أخلاقياً" إعطاء الأولوية للأطفال.
وقالت البروفيسورة إليانور رايلي، وهي عالمة متخصصة في المناعة في جامعة إدنبرة إن "هناك سبباً منطقياً لذلك، ولو كانت هناك إمدادات غير محدودة من اللقاح لكان بإمكاننا الاستمرار في تطعيم من هم فوق عمر 12 عاماً، لكن هذا الأمر غير متوفر".
وأضافت قائلة: "في النهاية هو قرار سياسي فيما إذا كنا سنعطي الأولوية لأطفالنا على حساب الأشخاص البالغين الذين يموتون بأعداد كبيرة في أماكن أخرى من العالم".
ماذا عن سلامة تطعيم الأطفال ضد كورونا؟
في الوقت الحالي، تقوم دول عديدة أخرى في العالم بتلقيح الأطفال ممن تزيد أعمارهم عن 12 عاماً، في حين تجري بعض الدول تجارب سريرية على الأطفال الأصغر سناً. فيما أعلنت دول مثل الصين والإمارات وفنزويلا عزمها على تطعيم الأطفال الصغار، لكنّ كوبا هي أول دولة في العالم تقدم فعلياً على مثل هذه الخطوة.
وقال خبراء في اللقاحات ببريطانيا يوم 3 سبتمبر/أيلول الجاري، إنهم لا يوصون بتطعيم جميع من هم بين 12 و15 عاماً بلقاحات الوقاية من فيروس كورونا، وإنهم يفضلون نهجاً حذراً للأطفال الأصحاء، بسبب أثر جانبي نادر هو التهاب في القلب.
وقد يكون من شأن هذه الإرشادات الطبية أن تسلك بريطانيا مساراً مختلفاً عن الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، التي طرحت اللقاحات لصغار السن على نطاق واسع، ورغم ذلك لم يصدر قرار نهائي، وقالت الحكومة البريطانية إنها ستطلب آراء مستشارين في القطاع الصحي للنظر في عوامل أخرى مثل تعطل الدراسة.
وفي السعودية، عاد نحو ستة ملايين طالب إلى الفصول الدراسية يوم 30 أغسطس/آب الماضي للمرة الأولى منذ بداية الجائحة، بعد أن أشارت البيانات إلى استقرار الإصابات بفيروس كورونا وانخفاض الوفيات، لكن السلطات تتوخى الحذر، فالأطفال الذين تتجاوز أعمارهم 12 عاماً عليهم أن يثبتوا أنهم تلقوا التطعيم قبل أن يتسنى لهم العودة للمدارس.
وبشكل عام تبدو لقاحات كورونا فعالة في تعطيل انتشار الفيروس، فجرعة واحدة فقط كفيلة بتخفيض احتمال الإصابة بالفيروس إلى النصف على الأقل، وحتى أولئك الذين يصابون بالفيروس ينخفض احتمال نقلهم للعدوى إلى أشخاص آخرين إلى النصف.
ولا يبدو أن الأطفال ناشرون كبار لفيروس كورونا، لكن المراهقين الأكبر سناً يمكنهم مع ذلك أن يلعبوا دوراً في نشر الفيروس. وقال الدكتور آدم كوتشارسكي، من مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي، لبي بي سي: "هنالك دليل بالتأكيد على إمكانية انتقال العدوى في المراهقين الذين يدرسون في المرحلة الثانوية، وبالتالي فإن التطعيم قد يكون له تأثير على انتقال العدوى بشكل عام".
هل ينتهي الوباء دون الحاجة لتطعيم الأطفال؟
ولكن ليست هناك إجابة شاملة حول ما إذا كان تطعيم الأطفال يستحق الجهد، فأكثر من رُبع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً في إنجلترا لديهم أجسام مضادة لفيروس كورونا في دمهم، رغم أياً منهم لم يحصل على التطعيم.
وبالتالي، فإن المملكة المتحدة ودولاً مماثلة قد تجد أن لديها مناعة كافية لوقف انتشار الفيروس من دون تطعيم الأطفال. وقال الدكتور كوتشارسكي: "إنه وضع مختلف تماماً للدول التي لم تشهد موجات انتشار كثيرة، والتي لا تحصل على تغطية عالية للتطعيم لدى البالغين، وبالتالي فإن من الصعب جداً الحصول على المناعة بدون تطعيم الفئات العمرية الأصغر أيضاً".
وتعتقد جولي سوان، مهندسة النظم بجامعة نورث كارولينا التي قدّمت المشورة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بشأن جائحة إنفلونزا الخنازير (H1N1)، أنَّ الخطوة الأولى نحو العودة إلى الحياة الطبيعية تتمثّل في تطعيم الأطفال، على الأقل من سن 5 سنوات فما فوق، وهذا لن يحدث إلا بعد التصديق على لقاحات للفئة العمرية من 5 أعوام إلى 11 عاماً، وهي خطوة غير متوقعة حتى أوائل العام المقبل.
وقالت مهندسة النظم في جامعة نورث كارولينا لصحيفة The Washington Post الأمريكية: "يؤدي الأطفال دوراً كبيراً في نشر الأمراض، إذ ينقلون الفيروسات إلى بعضهم البعض وإلى عائلاتهم ومجتمعاتهم. للأسف ما نراه في ولاية فلوريدا حالياً هو إصابة العديد من الأطفال". وأضافت: "إذا استطعنا تطعيم معظم الأطفال، جنباً إلى جنب مع معظم البالغين، فسنصل إلى مرحلة لن نحتاج فيها ارتداء الأقنعة، وسنشهد عودة الحياة إلى طبيعتها".