نجحت قطر في الوساطة وعملية الإجلاء من أفغانستان.. فهل تفعلها وتغير سلوك طالبان نحو الاعتدال؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/08 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/08 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية القطري ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكين في الدوحة/ رويترز

"دول كثيرة ساعدتنا في جهود الإجلاء من أفغانستان، لكن ما من دولة فعلت أكثر من قطر"، بهذه الكلمات عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن ثناء غير مسبوق بشأن الدور القطري بالأزمة الأفغانية.

وقال أنتوني بلينكن إن "ما فعلته قطر للأمريكيين والأفغان ومواطني العديد من البلدان الأخرى سيظل في الذاكرة لفترة طويلة جداً".

وفي الاجتماع الافتراضي لـ"مجموعة السبع" في 30 أغسطس/آب 2021، حضرت قطر إلى جانب دول كبرى لبحث مستقبل أفغانستان، شملت الدول كلاً من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة، وبمشاركة من تركيا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. 

وجاء هذا الحضور بعد أن لعبت الدوحة دوراً مهماً ومؤثراً في المفاوضات التي جرت مع حركة طالبان، وفي عمليات الإجلاء لعشرات الآلاف من أفغانستان. 

بالإضافة إلى استضافة مكتب طالبان، تستعد الدوحة لاستضافة البعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا في أفغانستان في المستقبل المنظور.

لكن في المقابل ما زال أمام الدور القطري تحديات صعبة مرتبطة بالقدرة على التعامل مع واقع الحكم الجديد في كابول، والاستثمار الأمثل للعلاقة مع كلٍّ من واشنطن وقادة طالبان من أجل الوصول لتفاهمات تضمن مستقبل آمن لأفغانستان، واعترافاً دولياً شاملاً بحكومتها الجديدة.

دور محوري في عملية الإجلاء 

بعد استيلاء طالبان السريع والمفاجئ على كابول، في 15 أغسطس/آب، اتجهت الولايات المتحدة بأنظارها إلى قطر لتساعدها في إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص عبر جسر جوي شابته الفوضى.

ونُقل ما يقرب من 40% من جميع من تم إجلاؤهم عبر قطر، واعتمدت وسائل الإعلام الدولية على قطر أيضاً في عمليات إجلاء موظفيها. وتقول الدوحة إن ما يزيد قليلاً على 43 ألف شخص ممن أجلوا من أفغانستان عبروا أراضيها.

تم إسكان بعض الذين تم إجلاؤهم، بمن في ذلك الأفغان الذين عملوا في مؤسسات إعلامية، في فيلات جديدة تماماً تم بناؤها لكأس العالم، لكن معظمهم يعيشون قاعد العديد، القاعدة العسكرية الأمريكية المترامية الأطراف التي تستضيفها قطر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

الدور القطري بالأزمة الأفغانية
قطر لعبت دوراً مهماً في عملية الإجلاء من كابول/رويترز

وقالت مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر، إن الحكومة القطرية والجمعيات الخيرية المرتبطة بها قامت ببناء المزيد من الملاجئ والحمامات والعيادات الميدانية، وتوفر أكثر من 55000 وجبة في اليوم لمواجهة التكدس الذي حدث.

وقال مسؤولون قطريون إن قطر سلمت في الأيام الأخيرة 68 طناً من المساعدات الغذائية والطبية إلى العاصمة الأفغانية كابول. كما سافر مسؤولون وفنيون قطريون إلى كابول للقاء طالبان والعمل مع نظرائهم من تركيا على إعادة فتح مطار المدينة الدولي.

في حين أن حوالي ثلثي الأشخاص الذين تم إجلاؤهم قد انتقلوا إلى دول أخرى، لا يزال حوالي 20000 شخص في قطر، التي توفر لهم الطعام والرعاية الطبية.

وساطة محايدة مع أطراف صعبة

وحافظت الدبلوماسية القطرية على علاقتها بأطراف مختلفة في المنطقة، بما فيها إيران وطالبان وحماس، وهي العلاقات التي جعلت قطر بالنسبة للغرب وسيطاً لا يمكن الاستغناء عنه فيما تسميه قطر "الدبلوماسية الوقائية".

"الكثير من ذلك سيعتمد على الطريقة التي ستلعب بها طالبان هذا وما ستكون رؤيتهم الدولية".

وقال سانام وكيل، الباحث الأول في مركز تشاتام هاوس، لموقع Middle East Eye البريطاني إن "إحدى الأولويات الاستراتيجية للدوحة كانت الحفاظ على دعم واشنطن خلال هذه الفترة الصعبة للغاية التي مرت بها البلاد، وقد تمكنت من القيام بذلك ليس فقط من خلال استراتيجيتها في أفغانستان، ولكن استراتيجيتها على نطاق أوسع".

وقال: "لقد قدمت قطر نفسها على أنها ذلك الممثل المعتدل المحايد، والغرب كان بحاجة إلى دولة مثل تلك من داخل الشرق الأوسط يمكنها أن تلعب هذا الدور".

وقال وكيل إنه بينما كانت قطر تعاني دبلوماسياً في المنطقة نتيجة للحصار من قبل السعودية والإمارات ومصر الذي انتهى في عام 2020، فإن البلاد عملت على الحفاظ على الدعم من واشنطن، وفعلت ذلك جزئياً من خلال دورها في التوسط في أفغانستان.

وقال شاه محمد حنيفي، من جامعة ماديسون الأمريكية، إنه نتيجة لتحركات الدوحة خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت قطر أيضاً "في وضع جيد جداً للتقدم بنفسها كوسيط سياسي في المنطقة الأوسع".

إذ سعت الحكومة القطرية إلى تصوير نفسها على أنها وسيط ودولة صغيرة لديها مجموعة من العلاقات الذكية، ودولة يمكنها تقديم العون على الصعيدين الإقليمي والدولي وخاصة للولايات المتحدة"، حسبما قال سانام وكيل.

الدور القطري بالأزمة الأفغانية بدأ مبكراً

وقبل عمليات الإجلاء، كانت قطراً وسيطاً في التفاوض بين طالبان والأمريكيين وبين الحركة والحكومة الأفغانية السابقة.

إذ يعود ارتباط قطر بأفغانستان إلى ما يقرب من عقد من الزمان، عندما سمحت إدارة أوباما لمجموعة من مسؤولي طالبان بالانتقال إلى الدوحة في عام 2011 لبدء العمل على إجراء مفاوضات مع الحكومة الأفغانية.

ولكن برز الدور القطري بشكل فاعل في الملف الأفغاني بعد قرار الدوحة عام 2013 فتح مكتب تمثيل لحركة طالبان في العاصمة القطرية، أصبح فيما بعد مقراً للمكتب السياسي للحركة، حيث ارتبط اسم دولة قطر في الملف الأفغاني بدورها في المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان من جهة، وبين الحركة والحكومة الأفغانية السابقة من جهة أخرى.

الدور القطري بالأزمة الأفغانية
وفد طالبان في مفاوضات الدوحة/ رويترز

يقول تقرير لمركز "أسباب" البحثي إن الدور القطري امتاز عن غيره من الوساطات الإقليمية والدولية الأخرى بعدة اعتبارات، أهمها:

أن الرعاية السياسية لطالبان لم تنطلق من محاولة قطر الوصاية على الحركة وفرض إرادتها عليها، أو الانتقاص من شأنها ومعاملتها كطرف مأزوم، بل حملت شكل المساعدة التي تراعي شروط طالبان واحتياجاتهم كحركة أفغانية وطنية في كافة تفاصيل عملية التفاوض، الأمر الذي عزّز الثقة بين المسؤولين القطريين وقادة الحركة.

كما فهم فريق قطر المعني بالتفاوض التركيبة القبلية داخل أفغانستان وحتى داخل طالبان، الأمر الذي عكس توازناً وحياداً من الجانب القطري، وقبولاً في التعامل وتفضيلاً من قبل الطرف الأفغاني للوسيط القطري على باقي الأطراف العربية والدولية التي حاولت مراراً لعب دور مع طالبان وفشلت، وكان آخرها تركيا.

علاقات قطر الممتدة والإيجابية مع الأطراف الدولية شكّلت عاملاً مهماً في تعزيز دور قطر بالمفاوضات، ومن المرجّح أن يستمر تأثيرها في مسار رسم مستقبل أفغانستان، حيث عبرت العديد من الدول الغربية عن ثقتها بالدور القطري. فعمليات الإجلاء التي جرت مؤخراً تأتي في هذا السياق، وأيضاً ما تبعها من زيارات لوزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والبرتغال وإيطاليا للدوحة ونقل أغلب تلك الدول سفاراتها من كابول للدوحة لتصبح الدوحة مقر دبلوماسية الدول الأكثر تأثيراً في الملف الأفغاني.

ولكن قطر الآن تستعد لمرحلة أصعب وهي دورها في مرحلة حكم طالبان لأفغانستان، وهي مرحلة قد تشهد تشكيل تحالف من الدول المهتمة بالشأن الأفغاني، ولكن تظل المعضلة الكبرى في سلوك طالبان.

محاولة إقناع طالبان بممارسة بعض الاعتدال

قدمت طالبان تأكيدات علنية بأنها ستمنح العفو للمسؤولين والجنود في الحكومة السابقة، وستسمح للنساء بالعمل والدراسة، وهي أنشطة كانت محظورة إلى حد كبير في ظل حكومتها السابقة من عام 1996 إلى عام 2001، والتي فرضت عبر تفسير صارم للشريعة الإسلامية.

ومع ذلك، أشار الخبراء إلى أن الدوحة بحاجة إلى توخي الحذر وعدم التسرع في تأييد طالبان كقوة حاكمة، وإلا فقد تواجه تداعياتها الدبلوماسية الخاصة إذا عادت الجماعة إلى الأساليب القاسية التي عرفت بها خلال التسعينيات.

"قطر قد تنتظر لبعض الوقت لأنها لا تريد المخاطرة بسمعتها. لا تريد أن يُنظر إليها على أنها سريعة للغاية في احتضان حكومة طالبان بسبب كل القضايا الشائكة مع حكومة طالبان السابقة منذ عام 1996 إلى عام 2001″، حسبما قال نيلوفار ساخي، أستاذ جامعي. والمحاضر في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن لموقع Middle East Eye البريطاني.

وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخراً، إن الاعتراف الرسمي بطالبان ليس أولوية، لكنه واصل حث الدول الأخرى على التواصل مع الجماعة.

وقالت مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر إن قطر تستخدم نفوذها للضغط على طالبان للوفاء بتعهداتها بالاعتدال.

وأضافت: "نحن نحاول تشجيع طالبان على تشكيل حكومة أكثر شمولية تمثل الجميع. تمثيل المرأة، لسنا متأكدين من هذا الجزء، إذا كان سيكون ناجحاً أم لا، لكننا على الأقل ندفع في هذا الاتجاه".

محور يضم قطر وتركيا وباكستان

انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان قد يساعد في إنشاء تحالف جديد للقوى الراغبة في العمل مع طالبان، بما في ذلك قطر وتركيا وباكستان، حسبما قال خبراء لموقع Middle East Eye البريطاني.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان: "هناك مصادفة استراتيجية بين هذه الدول الإقليمية، حيث لديهم وجهة نظر مشتركة تجاه أفغانستان".

تعزز التطورات في أفغانستان التوجه نحو تشكيل محور لدول إسلامية تسعى لشكل من التعاون الوثيق بينها في آسيا الوسطى، بما يشمل دولاً مثل باكستان وأذربيجان وأوزبكستان، وبدعم من قطر وتركيا، حيث بدأت قطر بالفعل بالتوسع هناك في المجال الاقتصادي والتعاون والاستثمار في النفط والغاز والتعدين والبنوك والصناعات الزراعية، وأيضاً في التعليم والثقافة، في ظل منافسة سعودية في أوزبكستان بشكل خاص.

وستؤدي هذه التطورات إلى تعزيز الدور الأمني لتركيا حليف قطر في أفغانستان بديلاً عن قوات الناتو بما يخدم مصالح دول الغرب في أفغانستان وبما يوائم شروط طالبان. ومن ذلك المشاركة في إدارة وتأمين مطار كابل الدولي، الذي يمثل حاجة دولية عاجلة استدعت من قطر إرسال فريق فني لتقييم الاحتياجات وتشغيل المطار.

"ربما يكون المضيّ قدماً من قبل قطر في دورها في أفغانستان أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لواشنطن في المرحلة القادمة، حيث ساصبح المحاور والوسيط المفضل في التعامل مع طالبان، حسب الموقع البريطاني.

مع اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تتطلع مجموعة من الدول الأخرى إلى التعامل مع أفغانستان دبلوماسياً واقتصادياً.

أمريكا تحتاج لهذا المحور لموازنة نفوذ روسيا والصين

تعهدت الصين بمساعدة كابول في جهود إعادة الإعمار وإعادة البناء، واحتفظت روسيا بموظفيها الدبلوماسيين في العاصمة.

قالت أمينة خان، مديرة مركز أفغانستان والشرق الأوسط وإفريقيا (CAMEA) في معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد (ISSI)، إنه من المحتمل أن تكون هناك آلية إقليمية بشأن أفغانستان تتكون من دول مجاورة، بما في ذلك إيران وروسيا والصين.

وأضافت لموقع Middle East Eye أن الكتلة الأخرى من الدول التي تعمل مع أفغانستان هي تركيا وقطر وباكستان. تتمتع الدول الثلاث بعلاقات ودية على مر السنين، ويبدو أنها في وضع يمكنها من العمل معاً في البلاد.

يحتاج الأمر أيضاً إلى توفير ضمانات لدول إقليمية ودولية بعدم خوض طالبان في نشاط عسكري خارجي أو دعم نشاط معادي لدول انطلاقاً من أراضيها، بالأخص الصين وإيران.

كما تسعى الإمارات والسعودية التي كان لديهما علاقات قديمة مع طالبان قطعت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إلى منافسة دور الدوحة، ولكن في الأغلب الأخيرة تقدمت عليهما بعد مشاركتها في الترتيبات خلال الفترة الصعبة بالنسبة لطالبان وواشنطن على السواء.

كما أن الخلافات بين المملكة العربية السعودية وباكستان جعل إسلام أباد أقرب إلى الدوحة وأنقرة.

في حين بدا أن البلدين قد أصلحا علاقتهما مؤخراً من خلال اجتماعات رفيعة المستوى بين قادتهما، فقد تكون أفغانستان هي ما يقرب بين تركيا وباكستان وقطر.

وقال جيرالد فييرستين، النائب الأول لرئيس معهد الشرق الأوسط والدبلوماسي الأمريكي السابق، إن أفغانستان تحت حكم طالبان سترغب في الاحتفاظ بعلاقات مهمة مع أنقرة والدوحة وإسلام أباد إذا سعت البلاد إلى ترسيخ مكانتها في المجتمع الدولي.

الأمر يتوقف على نهج طالبان في الفترة القادمة

أول اختبار للنهج القطري التركي هو مسودة اتفاق مع طالبان أن تعمل قطر وتركيا معاً لتشغيل مطار كابول الدولي بشكل مشترك، مع توفير أنقرة الأمن من خلال شركة خاصة.

وزار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إسلام أباد الشهر الماضي، حيث ناقش الوضع في أفغانستان مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.

وتعتزم  باكستان إرسال مسؤولين استخباراتيين وعسكريين إلى كابول لمساعدة طالبان في إعادة تنظيم الجيش الأفغاني، بحسب رويترز. ويعتقد على نطاق واسع أن وكالات الاستخبارات الباكستانية قدمت الدعم لطالبان في أفغانستان، وهي تهمة تنفيها البلاد.

قال فيرستين لموقع Middle East Eye: "إذا أرادت طالبان محاولة بناء علاقة دولية لائقة، فقد تكون قطر أو باكستان أو تركيا قناة مفيدة لترسيخ مكانة أفغانستان بقوة أكبر في ظل الانقسام الإقليمي للدول".

تحديات أمام قطر في الملف الأفغاني

ولكن توجد تحديات كثيرة أمام الدور القطري منها ضرورة الوصول لتسوية شاملة تضمن مشاركة جميع مكونات الشعب الأفغاني في الحكم وعدم إقصاء الخصوم السياسيين والفرقاء القبليين، حيث ربطت معظم الأطراف الدولية اعترافها بطالبان والحكومة الأفغانية القادمة بسلوك الحركة ونهجها السياسي والأمني والحقوقي، وهو ما يفرض على قطر إدارة العملية التفاوضية بأدوات تساعدها على الوصول لنتائج بهذا الخصوص خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

والأهم التحديات المرتبطة بالحريات وملفات حقوق الإنسان، حيث وعدت طالبان بالعفو عن كل من بقوا في أفغانستان، ومع ذلك ما يزال هناك الكثير من "المتعاونين" السابقين مع القوات الغربية، ونشطاء مجتمع مدني ونساء يخشون من الإجراءات والقوانين التي يمكن أن يفرضها نظام الحكم الجديد، حسب تقرير مركز "أسباب"

بموازاة ذلك، ما زالت بعض الجماعات المسلحة -أبرزها "داعش"- تشكل تهديداً لاستقرار البلاد، والهجوم الذي نفذه انتحاري تابع لتنظيم الدولة وراح ضحيته أكثر من 180 شخصاً خارج مطار كابول، مؤشر واضح على ذلك.

خلافات طالبان الداخلية

من المتوقع أن ينتقل مقر المكتب السياسي لطالبان إلى كابل بعد تشكيل الحكومة، ما يعني انتقال مركز الثقل جغرافياً إلى أفغانستان بعدما كان في الدوحة. ويحمل هذا الأمر معه تحديات عديدة، منها:

زيادة تأثير دول كبرى مثل الصين وروسيا على طالبان في ظل خروج الولايات المتحدة من المشهد الميداني في أفغانستان، حيث ستضع بكين وموسكو على الأغلب مسألة البدء بترتيب مصالحها في أفغانستان عبر التواصل المباشر مع قيادات الحركة في كابل مقابل دعم حكومة طالبان في المجتمع الدولي وتوفير غطاء وشرعية لحكم الحركة في مواجهة ضغوط وشروط الولايات المتحدة وحلفائها.

وقد يكون هناك مشكلة التنافس التقليدي بين قيادات الداخل والخارج لحركة طالبان، فقد كان الجناح السياسي للحركة يقيم في الخارج -ومقرهم سابقاً في الدوحة- ومعني بالتواصل السياسي مع دول العالم، في حين كانت مرجعية الحركة بالداخل تتولى العمل الميداني سواءً العسكري أو المجتمعي. وإن لم يكن هذا التنافس ظاهراً كما في حركات تحرر أخرى غير أنه موجود، وسيبرز أكثر في المرحلة المقبلة التي يتوقع أن يتراجع فيها دور قيادات الخارج في العمل السياسي لطالبان، أو أن يزيد مستوى تأثير قيادات الداخل في قرارات مفصلية باتت مرتبطة أكثر بإدارة الشأن المحلي في البلاد.

ستطلب المرحلة القادمة من الدوحة جهداً لوجستياً إضافياً لإبقاء زخم التواصل مع قيادة الحركة قائماً رغم بعد المسافة، كما سيتطلب الحفاظ على الدور السياسي والدعم الفني الميداني وتوفير المساعدات المادية والعينية إضافة للضمانات الدولية تحتاجها طالبان في المرحلة المقبلة والتي لا تستطيع دولة أخرى توفيرها مثل قطر.

وعموماً، فإن احتمالية انتقال مقر إقامة قيادات المكتب السياسي لطالبان إلى داخل أفغانستان قد يتطلب من قطر أحد أمرين: إما فرز فريق من الخارجية القطرية ليقيم في كابل ليدير هذه العملية بين الأطراف الأفغانية؛ أو أن تُقنع قطر قيادة حركة طالبان بأن يعود عدد من قيادات المكتب السياسي للحركة -ممن لديهم تفويض- للإقامة في قطر لإكمال مسار التفاوض الجديد، حسب تقرير مركز أسباب.

خيارات الدوحة تعتمد على ورقتها القوية

واحدة من أهم الأدوار المنتظرة من قطر، هو المساعدة في الوصول لتفاهم أفغاني على شكل نظام الحكم الجديد في ظل سيطرة طالبان، وربما خبرة السنوات الماضية في المفاوضات والفهم العميق لتركيبة المجتمع الأفغاني وكيفية التعامل مع مكوناته، قد تؤهل قطر أكثر من غيرها للعب هذا الدور.

إضافة لتوفر قناة تفاوض مع الولايات المتحدة يمكن عبرها تحصيل الاعتراف الدولي المقبل لأي حكومة مقبلة أو نظام حكم جديد في أفغانستان.

تحاول قطر أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأفغانية في ظل حكم طالبان، من خلال الاستثمار والمساعدة المالية والمشاركة في إعادة الإعمار.

فطالبان بحاجة إلى المال للبقاء في السلطة، ورغم أن أبرز ما ميز الحركة في المرحلة السابقة هو استقلالها المالي وتمويلها الذاتي، غير أن إدارة الدولة تتطلب إمكانيات أكبر سيؤثر فيها عدم تمكن طالبان من الاستفادة من الأموال المجمدة في الولايات المتحدة (9.5 مليار دولار) وغيرها من أرصدة البنك المركزي للبلاد التي لم يعد بإمكان طالبان الوصول إليها. لذا يتوقع أن تعتمد الحركة آنيا خلال هذه الفترة الانتقالية بشكل متزايد على المساعدات المالية القطرية وأي ترتيبات مالية مع دول كبرى مثل الصين.

وهناك ضرورة توفير شبكة دعم إنساني دولي داخل أفغانستان تلبي احتياجات طارئة وأخرى تنموية مستمرة، خاصة بعد قطع منظمات دولية مثل الاتحاد الأوروبي مساعداتها المالية لأفغانستان، حيث ساهمت الدوحة كذلك في إيصال مساعدات الأمم المتحدة إلى أفغانستان خلال هذه الفترة بناءً على طلب وكالات الأمم المتحدة. هذا الدور مؤهل لأن يتوسع لتصبح له ديمومة.

وتحتاج طالبان إلى تأهيل طاقم الإدارة العامة الجديد من كوادرها لإدارة الحكومة ووزاراتها، وهذا يمكن أن يتم بالتعاون مع دول حليفة أو مؤسسات مجتمع مدني، حيث يتوقع أن تلعب تركيا دوراً بهذا الأمر إلى جانب قطر.

كما تستطيع قطر توفير إسناد لوجستي في قطاعات مدنية أو عسكرية تستدعي تدخلاً ميدانياً من قبل طرف يقبله الأفغان والمجتمع الدولي، وبرز هذا الأمر في عمليات الإجلاء التي لعبت قطر دوراً كبيراً فيها بفضل الإمكانيات اللوجستية الكبيرة التي وفرتها.

تحميل المزيد