حانت ساعة الحقيقة في انتخابات المغرب، والسؤال الآن مرتبط بمدى نجاح الأحزاب في تشجيع الناخبين على التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات التشريعية، وسط منافسة شرسة وتوقعات بشأن حظوظ الأحزاب وحديث متكرر عن دور المال.
ويتوجه الناخبون المغاربة إلى صناديق الاقتراع، الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول 2021، لانتخاب برلمان ومجالس بلدية تتنافس فيها الأحزاب للمرة الثالثة منذ عام 2011، ويبلغ عدد الناخبين 17 مليوناً و983 ألفاً و490 (من أصل نحو 36 مليون نسمة)، وفق بيانات رسمية. وتشتد المنافسة على تصدر نتائج الانتخابات التشريعية بين حزبي "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي) و"التجمع الوطني للأحرار"، بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش.
كم أنفقت الأحزاب على الدعاية الرقمية؟
ومع انتهاء الدعاية الانتخابية، التي كانت قد انطلقت رسمياً قبل أسبوعين، وفي ظل شكوى جميع الأحزاب المتنافسة تقريباً من سيطرة "المال" على العملية الانتخابية، من المهم رصد المبالغ المالية التي أنفقتها تلك الأحزاب على الدعاية الرقمية بالتحديد.
فقد أجبرت جائحة فيروس كورونا الأحزاب المغربية على أن تنفق بسخاء غير مسبوق على حملات الدعاية الرقمية من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وعلى مدى أسبوعين، استخدمت الأحزاب السياسية كافة وسائل الدعاية الانتخابية، أبرزها الرقمية، عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحت ضغوط قيود فرضها تفشي الفيروس.
ووفق سياسة إفصاح تعتمدها شركة فيسبوك بشأن تمويل الإعلانات عبر شبكتها للتواصل الاجتماعي، يتصدر حزب التجمع الوطني للأحرار حجم الإنفاق على دعاية الانتخابات بالمغرب.
والحزب الذي يتزعمه وزير الفلاحة عزيز أخنوش أنفق خلال 6 أشهر مضت أكثر من 270 ألف دولار، على منشورات دعائية عبر منصتي فيسبوك وإنستغرام، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وخلال أسبوع واحد من الفترة المخصصة للدعاية الانتخابية (29 أغسطس/آب -4 سبتمبر/أيلول)، أنفق الحزب الطامح إلى تصدر نتائج الانتخابات حوالي 65 ألف دولار.
بفارق كبير في الإنفاق كلف حزب الاستقلال (معارض) حوالي 29 ألف دولار في 6 أشهر مضت، بينها نحو 9 آلاف دولار خلال أسبوع من الفترة المخصصة الدعاية الانتخابية. أما الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، وهي منظمة شبابية موازية لحزب التجمع الوطني للأحرار، فقد أنفقت على الدعاية الانتخابية أكثر من 9 آلاف دولار.
فيما لم يتجاوز إنفاق 7 أحزاب مجتمعة حوالي 26 ألف دولار، بواقع 8 آلاف لحزب الأصالة والمعارضة، وحزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) بواقع ألف دولار.
أما حزب التقدم والاشتراكية (معارض) فقد بلغ إجمالي ما أنفقه حوالي 5500 دولار، والأمر نفسه ينطبق على حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أنفق حوالي 6500 دولار. كما أنفق حزب الاتحاد الدستوري حوالي 2600 دولار، وحزب الحركة الشعبية نحو 1500 دولار، تليهما فيدرالية اليسار -تحالف يضم حزبي الطليعة الاشتراكي الديمقراطي والمؤتمر الوطني الاتحادي (اليساريين) بواقع 850 دولاراً.
هل ينجح "التجمع الوطني للأحرار في تصدر المشهد؟
وتظهر تلك الأرقام مدى طموح "التجمع الوطني للأحرار" برئاسة أخنوش في الإطاحة بحزب العدالة والتنمية من الصدارة التي يتربع عليها الحزب الإسلامي المعتدل لولايتين متتاليتين، رغم تمسك الأخير بحظوظه "الوافرة" في الاستمرار بالصدارة.
ويعود تأسيس "التجمع الوطني للأحرار" إلى قبل نحو 42 عاما، ويأتي صعود نجمه عقب فشل حزب "الأصالة والمعاصرة" (يمين/معارض) في الإطاحة بالعدالة والتنمية خلال الانتخابات البرلمانية عام 2016، ويراهن التجمع على قيادة الحكومة المقبلة، بدعم من رجال الأعمال.
و"التجمع الوطني للأحرار"، أسسه في أكتوبر/تشرين الأول 1978، أحمد عصمان، رئيس الوزراء الأسبق (1972–1979)، صهر الملك الراحل الحسن الثاني (1961–1999). ويوصف الحزب (يمين وسط) بأنه موال للقصر، وممثل "للنخبة"، لأن جل كوادره أعيان أو رجال أعمال أو كوادر إدارية.
وبالإضافة للتجمع الوطني للأحرار يبرز في المشهد السياسي، كقوة انتخابية، حزبا "الأصالة والمعاصرة" و"حزب الاستقلال" (معارضان). ويقود "العدالة والتنمية" (إسلامي) الحكومة لولايتين متتاليتين، وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد، التي يقود فيها نفس الحزب الحكومة لولايتين، إثر فوزه في انتخابات 2011 و2016.
وأجريت آخر انتخابات تشريعية في المغرب عام 2016، وحل فيها "العدالة والتنمية" بالمركز الأول (125 مقعداً في البرلمان من أصل 395)، فيما حل "الأصالة والمعاصرة" ثانياً (102 مقعد)، و"الاستقلال" (معارض) ثالثاً (46 مقعداً)، ليحل "التجمع الوطني للأحرار" رابعاً (37 مقعداً).
ورأى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول (حكومية) بسطات (شمال)، أنه من الوارد جداً فقدان حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى في انتخابات الغد.
وفي حديثه للأناضول، قال اليونسي: "يمكن أن يفقد العدالة والتنمية المرتبة الأولى خصوصاً بعد عشر سنوات من التدبير (قيادة الحكومة)"، مؤكداً أنه في كل الديمقراطيات "الناخبون يفضلون دائماً تغيير القيادات السياسية على مستوى التدبير الحكومي".
واستدرك قائلاً: "لكن البديل هذه المرة هو فاعل اقتصادي (تجمع الأحرار) يمثل رأس المال في البلاد، وهو أمر عادي في الديمقراطية، لكنه يشوش كثيراً على الديمقراطية الناشئة ببلادنا". وزاد موضحاً أن بروز حزب التجمع الوطني للأحرار كبديل يؤكد افتقاد "البلاد لبديل سياسي وليس تدبيرياً فقط للعدالة والتنمية".
وأشار المتحدث إلى عدم إغفال أن حزب العدالة والتنمية فقد "الكثير من جاذبيته الهوياتية لجمهور واسع من ناخبيه المحافظين، وأيضاً وجود حالة من التراخي التنظيمي بين أعضائه"، وهي العوامل التي ستؤثر على نتائجه.
هل يُقبل المغاربة على التصويت؟
وفي هذا السياق، لفت التونسي إلى أهمية التنافس الانتخابي في رفع نسب المشاركة السياسية، مشيراً إلى أن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها في "غياب البعد الأيديولوجي أو السياسي للتنافس، كما كان عليه الأمر مثلاً قبل حكومة التناوب 1998، أو انتخابات 2011 /2016، التي فاز بها العدالة والتنمية بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران".
وشدد اليونسي على أن تحليل الأوضاع السياسية للمغرب يبين أنه منذ تشكيل الحكومة في أبريل/نيسان 2017 يظهر "أننا أمام حزب يقود هذه الحكومة كان يواجه معارضة من داخلها وظهر أن سباق التخلص من "العدالة والتنمية" بدأ منذ البلوكاج" (عرقلة)، الذي أدى إلى إبعاد عبد الإله بنكيران (زعيم الحزب آنذاك) من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني خلفاً له، الأمر الذي أدخل الحزب في سلسلة من الخلافات الحادة التي كادت تعصف بوحدته.
وآنذاك وجد بنكيران، صعوبة في تشكيل حكومة جديدة، بسبب الانسداد في تشكيل حكومة ائتلافية تضم أحزاباً ذات أهداف متضاربة، وبعد 6 أشهر من "البلوكاج"، أعفى الملك محمد السادس بنكيران، وكلف القيادي الآخر في الحزب سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة.
وفي السياق ذاته، ذهب المحلل السياسي محمد شقير، انطلاقاً مما تعرفه الحملة الانتخابية من تجاذبات، إلى أن المنافسة حادة بين حزب التجمع الوطني للأحرار وغريمه الأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة)، حيث يعملان على تكثيف حضورهما في كل الدوائر التشريعية والمحلية، مدفوعين برغبتهما الشديدة في ترؤس الحكومة.
واعتبر شقير في حديثه للأناضول أن تداعيات كورونا التي قيدت حركية الأحزاب في الحملة الانتخابية ومنعت التجمعات الكبيرة دفعت الجميع إلى نقل ساحة المعركة إلى الفضاء الرقمي.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المتابع للحملة الانتخابية يلاحظ أن حزب التجمع الوطني للأحرار "يغطي حضوره الرقمي على باقي الأحزاب، سواء في المواقع الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي"، معتبراً أنه استفاد من الإمكانيات المالية التي يتوفر عليها.
وأوضح شقير أن استغلال "التجمع الوطني للأحرار" للفضاء الرقمي وتركيزه على استمالة الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن "يمنحه دفعة كبيرة للتغلب على منافسيه في الانتخابات، ويجعله مرشحاً فوق العادة لإزاحة الإسلاميين".
وظل عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي، وأمين عام "التجمع الوطني للأحرار" حريصاً منذ 2018 على نفي أن يكون حزبه قد جاء لمواجهة "العدالة والتنمية"، وهو الموقف الذي أكده في الحملة الانتخابية الجارية.
وقال أخنوش، للقناة الثانية المغربية (حكومية): "نحن لم نأتِ لكسر أحد (يقصد العدالة والتنمية)، ولدى حزبنا تراكم وتاريخ سياسي وكفاءات، ولن نلعب إلا الدور الذي يناسب كفاءتنا". ولفت أن حزبه "لم يأتِ لكي يقوم بدور حزب الأصالة والمعاصرة"، في إشارة إلى تصريحات بعض قادة الحزب المعارض، أعلنوا فيها أنهم جاءوا لمواجهة "العدالة والتنمية".
وقبل أيام، قال عبد العزيز أفتاتي، القيادي بالعدالة والتنمية للأناضول، إن حظوظ حزبه وافرة للفوز بالانتخابات التشريعية، رغم ما وصفه بـ"استفحال المال الانتخابي". وأضاف أن "العدالة والتنمية من الأحزاب القليلة التي تشتغل وفق قواعد سياسية واضحة، ويعمل على التواصل والإقناع، سواء قبل الانتخابات أو خلال الحملة الانتخابية".