غموض يحيط القتال بين طالبان وقوات أحمد مسعود، في وادي بنجشير المنعزل الواقع شمال العاصمة الأفغانية كابول، وسط تضارب التقارير حول من له يد العليا، فيما أفادت تقارير أخيرة بطلب مسعود التفاوض.
وقبل أيام احتفى أنصار طالبان بما قالوا إنه انتصار في بنجشير، في المقابل، تحدثت قوات مسعود التي تعرف باسم جبهة المقاومة الوطنية عن خسائر بالمئات في صفوف طالبان.
حديث عن مئات القتلى
وتوقفت الوتيرة التي هزمت بها طالبان الجيش الأفغاني واستولت على مقاطعة تلو الأخرى، لأول مرة في وادي بنجشير، حيث يقود القوات المناهضة لطالبان أحمد مسعود ونائب الرئيس الأفغاني السابق عمرو الله صالح.
وذكرت تقارير قبل أيام أن حوالي 600 من عناصر طالبان قُتلوا في بنجشير بينما تم القبض على أكثر من 1000 من طالبان، بحسب ما قال مصدر مقرب مما يعرف بجبهة المقاومة لوكالة تاس "Tass" الروسية الأربعاء الماضي.
في مقابل إعلان طالبان انتصارها على بنجشير وسط أنباء عن حمام دم هائل في الوادي.
ولكن من الواضح أن كلا الطرفين يبالغ، فلقد نقلت قناة الجزيرة عن مصدر بطالبان قوله إن القتال مستمر في بنجشير لكن التقدم تباطأ بسبب الألغام الأرضية الموضوعة على الطريق المؤدية إلى العاصمة بازارك ومجمع حاكم الإقليم.
ويصعب الحصول على تأكيد من مصدر مستقل للأحداث في بنجشير، المحاطة بالجبال باستثناء المدخل الضيق.
وقالت منظمة إغاثة طبية إيطالية إن قوات طالبان توغلت أكثر في وادي بنجشير ليل الجمعة ووصلت إلى قرية عنابة حيث توجد مرافق طبية للمجموعة.
وقالت طوارئ في بيان: "استقبلنا عدداً صغيراً من الجرحى في مركز عنابة الجراحي" مضيفة أن كثيراً من الناس فروا في الأيام الأخيرة، ويشير ذلك إلى أن حديث قوات مسعود عن سقوط مئات القتلى في صفوف طالبان ليس دقيقاً على الأرجح.
مع استمرار المعركة من أجل بنجشير، ظهرت تقارير عن صراع على السلطة بين طالبان وحقاني، مما يشير إلى أن صعود طالبان إلى السلطة لن يكون سلساً كما كان يُعتقد.
حرب أهلية
وتساءل الجنرال الأمريكي مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة عما إذا كان بإمكان طالبان تعزيز سلطتهم أثناء سعيهم للتحول من قوة حرب عصابات إلى حكومة.
وقال ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في تقييم قاتم: "أعتقد أن هناك على الأقل احتمالاً جيداً للغاية لحدوث حرب أهلية أوسع".
وقال لشبكة فوكس نيوز أمس السبت: "سيؤدي ذلك بدوره إلى ظروف قد تؤدي في الواقع إلى إعادة تشكيل القاعدة أو نمو تنظيم داعش".
ولكن تقارير نقلت اليوم الأحد عن المتحدث باسم طالبان، بلال كريمي، أن منطقتي خنج وعنابة تم الاستيلاء عليهما، مما أتاح لطالبان السيطرة على أربع من المناطق السبع في الإقليم.
وقال على تويتر: "المجاهدون (مقاتلو طالبان) يتقدمون باتجاه وسط المحافظة".
وأعلنت حركة طالبان، في وقت سابق الأحد، أنها استولت على مقر حاكم ولاية بنجشير وغيره من المرافق الحكومية هناك، مؤكدة أن اشتباكات تدور في مركز الولاية بمدينة بازارك.
واللافت أن أحمد مسعود، أعلن اليوم الأحد، قبوله بمقترح مجلس العلماء لإجراء حوار مع طالبان، وهو ما قد يشير إلى تدهور موقف قواته.
وقال أحمد مسعود: "مستعدون لوقف القتال والحوار مع مجلس العلماء"، شرط في منشور على فيسبوك، أصر مسعود على أن بنجشير (يستمر في الوقوف بقوة). وأثنى على "أخواتنا الكرام"، وقال إن المظاهرات التي نظمتها النساء في مدينة هرات الغربية للمطالبة بحقوقهن أظهرت أن الأفغان لم يتخلوا عن مطالب العدالة و"أنهم لا يخشون أي تهديدات".
انسحاب طالبان من بنجشير.
وحث الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي مقاتلي طالبان ومسعود على حل القضايا من خلال المحادثات.
وادي بنجشير محاصر، وطالبان أصبح بحوزتها أسلحة غربية
وفيما أكّدت عناصر المقاومة الأفغانية المناهضة قدرتهم على إبعاد مسلّحي الحركة، إلا أن محللين حذروا من أن قوات المعارضة تواجه صعوبات.
ووادي بنجشير محاصر بالكامل، وخطوط الإمداد التي دعمت حركات المقاومة السابقة تم قطعها.
وقال مراقبون دوليون إن فرص المتمردين في الصمود في وجه جيش طالبان، المزود الآن بالأسلحة والذخيرة التي تم الاستيلاء عليها من القوات المدعومة من الولايات المتحدة، تبدو ضئيلة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
لا أمل لمسعود بدون دعم أجنبي
ورغم صعوبة الوصول لمعلومات دقيقة عن تطورات الوضع، إلا أنه يبدو أن هناك تقدماً لطالبان، ولكنه قد يكون بطيئاً، وكأي حركة معارضة فإن قوات مسعود تحتاج إلى دعم أجنبي للاستمرار.
وتقليدياً كان تحالف الشمال المناهض لطالبان، يعتمد على الدعم الروسي والإيراني والهندي وحتى الغربي في مواجهة طالبان، ولكن في الوقت الحالي إيران وروسيا تحديداً إضافة للصين فتحت خطوط اتصال مبكرة مع طالبان، ويقال إن هناك تنسيقاً ميدانياً بين طالبان وطهران، في غرب أفغانستان.
وحتى الهند التي كانت آخر المؤيدين للحكومة الأفغانية السابقة، أبرمت أول اتصال معلن مع طالبان عبر سفيرها في الدوحة.
أما الغرب، فرغم التأييد الإعلامي لأحمد مسعود ومحاولته تقديمه كوريث لوالده، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة باتت تعتمد على طالبان لمحاربة داعش تحديداً باعتباره الجماعة عدواً مشتركاً لطالبان وأمريكا، وهي أكثر من يخشى منها في أفغانستان.
وطلب مسعود دعم الغرب عسكرياً، وقال إنه إذا هُزم لن يكون للغرب حليف في أفغانستان
ولكن مؤخراً قالت الولايات المتحدة إنها لن تساعد قوات مسعود لأن دورها العسكري في أفغانستان انتهى، ولكن حديث الجنرال مايلي عن الحرب الأهلية، قد يفهم منه أن أكثر من مجرد تحليل، وقد تفكر واشنطن في مساعدة مسعود.
بالتأكيد واشنطن ستكون سعيدة بأي تقدم لمسعود ضد طالبان، ولكن مثل هذا الانتصار من شأنه إضعاف سيطرة الحركة أو وقوع حرب أهلية كما توقع الجنرال مايلي، وهذا قد يعني صعود داعش والقاعدة، دون أن يعني بذلك هزيمة طالبان، التي أبدت جدية في تنسيقها مع الأمريكيين حتى الآن.
ولكن صعود مسعود، قد يعني تخلي طالبان عن التعاون مع الأمريكيين بعد أن قال الجنرال مايلي إنهم قد يتعاونون مع الحركة ضد داعش، والأسوأ بالنسبة للأمريكيين أنه قد يؤدي لصعود دور القاعدة التي تحتاجها طالبان، لمحاربة مسعود، بعدما كانت قد نأت بنفسها عنها.
قد يكون مسعود حليفاً مفضلاً للغرب، ولكن واشنطن تعلم أن طالبان الأقوى وذات العناصر الأكثر انضباطاً، أقدر على محاربة داعش منه، خاصة أنها أقرب للتنظيمات المتطرفة وأدرى بعناصرها وأساليبها.
وفي كل الأحوال يظل هناك محدودية لقدرة مسعود على تحقيق أي تقدم سيكون مداه مرتبطاً بوادي بنجشير الوعر أو حتى بعض المناطق الطاجيكية الأخرى، فيما من الصعب تصور أن يكون له نفوذ في مناطق البشتون "الذين يشكلون أغلبية السكان" التي ظل لطالبان اليد العليا فيها حتى في ظل وجود الأمريكيين.
أما السيناريو الأسوأ بالنسبة للشعب الأفغاني فهو أن تؤدي الحرب الأهلية المحتملة حتى ولو بوتيرة منخفضة إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المرشح لكارثة أصلاً في ظل وقف المعونات الغربية، وتجميد أرصدة البنك المركزي الأفغاني من قبل الولايات المتحدة.