هل تدمر ألعاب الفيديو الكتب والفن؟ الأمر أخطر، فهناك عالم جديد يدعى الـ”ميتافيرس” يهدد شكل حياتنا

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/09/05 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/05 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
شركات الإنترنت تسعى إلى عالم يجمع بين الحياة الطبيعية والواقع الافتراضي/رويترز

الكتب قد تختفي، والفن، تتضاءل أهميته، ولكن ليس هذا فقط ما يحدث نتيجة الألعاب الإلكترونية، فشكل حياتنا التقليدي قد يختفى أو ينزوي بفضل ما يعرف بالعوالم الافتراضية، التي تجمع بين الواقع والخيال فيما يعرف باسم الـ"ميتافيرس" metaverse".

ويشكِّل ظهور الألعاب الإلكترونية، وبخاصة ألعاب الكمبيوتر، قطيعة جوهرية في تاريخ البشر وتصورهم عن أنفسهم. أحدثت الألعاب تحولاً عميقاً في جانبين محوريين من العالم الحديث كما نعرفه: الثقافة والتنظيم. ولا عودة بادية في الأفق عن هذا التحول، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

أما الثقافة فقد كان الغرب في جدلية مع نفسه بشأنها لقرون، بل لآلاف السنين، فهو حوار ترجع جذوره إلى أزمنة الكتاب المقدس والإغريق القدماء. ولطالما كان الأدب والموسيقى والسينما والفنون المرئية مجموعة متضافرة من المعارف التي يُتوقع أن تكون النخب الفكرية على وعي بها وبمضامينها الأساسية. فكان يكفيك الإحاطة بجزءٍ واحد من هذا الكود الثقافي ليتيسَّر لك استيعاب بقية الأجزاء وعلاقتها بما يسبقها وما يليها؛ فقد اعتمد الموسيقار الإيطالي فيردي على الأديب الإنجليزي شكسبير، الذي لا يمكنك- على النحو نفسه- أن تخطئ تأثيره الواضح في المخرج الأمريكي أورسن ويلز، وهكذا. والمقصود من ذلك أن الثقافة لم تكن قط تتمحور حول عوالم قائمة بذاتها، بل على العكس تماماً.

الألعاب الإلكترونية تعني التخلي عن باقي الحياة

أما الألعاب، فتكسر هذه الاستمرارية وتقطعها. اللعبة بحكم طبيعتها عبارة عن نظام مغلق يقتضي منك بذل الكثير من الوقت والاهتمام لبلوغ الإتقان فيه، وبالتالي يدفعك إلى استنزاف نفسك في تخصص معين. من السهل أن تصبح لاعباً عالمياً في لعبةٍ ما دون أن تكون على دراية بشيء ذي مغزى على مستوى الثقافة الأوسع. وعلى نفس المنوال، تندر أو تكاد تنعدم معرفة معظم الخبراء الثقافيين اليوم بأي شيء عن عالم الألعاب، والأدهى أنهم لا يرون داعياً لذلك. فعالم الثقافة وعالم الألعاب هما عالمان منفصلان عن بعضهما أشد الانفصال.

والمقصد هنا ليس انتقاد الألعاب، فقد كان لها أثر إيجابي في حياة ملايين من البشر، وإنما المقصد أن نلتفت إلى أن هذا المزيج من الرقمنة والانغماس فيها- جنباً إلى جنب مع الهيكل المغلق لهذا التصور عن بناء العالم والملكية الذي يتسم به عالم الألعاب- قد خلق شيئاً جديداً لم نعرفه من قبل. وغالباً ما تستخدم الألعاب موسيقى وتأثيرات بصرية مثيرة للاهتمام، وهي تنطوي بهذا المعنى على مضامين ثقافية. لكن الجاذبية الأساسية للألعاب تظل متمحورة حول الأداء والانهماك فيها. فاللعب أشبه بالمشاركة في حدثٍ أكثر منه مشاهدة لحدثٍ يقع.

مكاسبها تفوق الأفلام والرياضة

لكن لا تدع هذا يخدعك: فمع أنها هواية- بحسب الادعاء- فإن الألعاب الإلكترونية تحصد مكاسب هائلة. 

ويكفي الإشارة إلى أن قطاع الألعاب الإلكترونية يحقق عائدات بلغت نحو 179 مليار دولار في جميع أنحاء العالم، وهي عائدات تزيد على أرباح الأفلام العالمية ورياضات أمريكا الشمالية مجتمعة. وقد زادت ممارسة الألعاب الإلكترونية في أثناء جائحة كورونا، وتصاعد الاهتمام بدرجة مذهلة.

ويبدو أن المنتجات الثقافية الأخرى، إذا جاز التعبير، آخذة في التلاشي. هل ترى سلاسل كتب تحظى بالاهتمام والنقاش على نحو شبيه بسلسلة قصص "هاري بوتر" في مطلع القرن على سبيل المثال؟ وحتى عندما نتجاوز الجائحة، هل سيكون للمعارض الفنية نفس الحضور والتأثير الذي كان لها ذات يوم؟

وهي تتجاوز اللوائح الحكومية، ويمكن إدماج أعمالك داخلها

بحكم طبيعتها المستقلة، تستطيع الألعاب الإلكترونية أيضاً تجاوز اللوائح الحكومية. والواقع أن عالم الألعاب يتضمن بالفعل كثيراً من عمليات التداول– خارج نطاق الرقابة الحكومية-، في العملات والأسواق والأسعار والعقود. ويضع صانعو الألعاب واللاعبون قواعد ويتولون فرضها، فيما يتعذر على هيئات التنظيم الحكومي أن يكون لها دور مركزي في ذلك.

والنتيجة واضحة: إذا كنت ترغب في إنشاء مؤسسة اقتصادية جديدة بعيداً عن الرقابة الحكومية، ضعها داخل لعبة. أو يمكنك أن تستعين بتطبيقٍ يتداول الأسهم في هيئة ألعاب. وعلى النحو نفسه، هل ترغب في تجربة نوعٍ جديد من البورصات أو تداول الأوراق المالية خارج نطاق التنظيم الحكومي التقليدي؟ عليك بعالم الألعاب، ربما مقترناً بالعملات المشفرة، وفي النهاية قد يكون لـ"لعبتك" تأثير في أحداث العالم الحقيقي.

الألعاب الإلكترونية يزداد اعتمادها على العملات المشفرة/رويترز

حتى الآن، حاولت الهيئات التنظيمية أن تفرض ضوابط صارمة. ويصعب حالياً بناء عوالم جديدة متحققة بالكامل دون ارتباطها بشيء يمكن تعريفه قانونياً على أنه استثمار غير مسجل. ومع ذلك، لا تحظى هذه اللوائح باهتمام كبير من وسائل الإعلام الرئيسية، لكنها سرعان ما أصبحت من أكثر القواعد أهمية وفرضاً للرقابة في القطاع المالي ذي الصلة.

لكن من جهة أخرى، فإن الهيئات التنظيمية الحكومية متخلفة عن اللحاق بالركب المتسارع لهذا العالم حتى الآن. وهو ما يجعلنا نتنبأ بأنه بالضبط كما تغلبت الألعاب على عالم الثقافة في صورته القديمة، ستتغلب الألعاب على القيود التنظيمية الأمريكية، وذلك لعدة أسباب: التشفير، واستخدام العملات المشفرة، وصعوبات مراقبة العوالم الافتراضية، واختلاف القواعد في الولايات القضائية الأجنبية، وبالطبع، نقص الخبرة بين المنظِّمين الأمريكيين.

تكمن السمات المقترنة بعالم الألعاب الإلكترونية من إضعاف للثقافة ومقاومة للتنظيم في بنيتها الأساسية: كونها عوالم قائمة بذاتها. حتى الآن، كانت المؤسسات والهياكل البشرية تعتمد على شبكات من الأفكار المفتوحة والمتداخلة نسبياً، أما عالم الألعاب فيقطع مع هذه المساحات ويُخصخصها على مستوى الأفراد. وهذا التحول هو تيار غالب بالكاد يلاحظه أي شخص خارج عالم الألعاب والعملات المشفرة.

عالم الـ"ميتافيرس" metaverse" سوف يجتاح حياتنا

وإذا اكتمل بناء عالم الـ"ميتافيرس" metaverse" الافتراضي الذي أُعلن عنه كثيراً، ستبتلع الألعاب مزيداً من المؤسسات والكيانات، أو تنشئ نسخاً بديلة عنها. ومن ثم، سواء كنت تنتمي إلى عالم الألعاب أم لا، فإن هذا العالم الافتراضي سيجتاح عالمك.

وعالم metaverse هو مفهوم يتحدث عنه رواد التكنولوجيا يدور فيه الحديث عن عالم افتراضي، يمكن للمرء خلاله فعل الكثير من الأشياء، وعبر التطور التكنولوجي يمكن لهذا العالم الافتراضي أن يتفاعل مع الواقع، ويقول جاك قهال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة HiDef الأمريكية الذي يسعى إلى إنشاء عالم الميتافيرس الخاص به بدلاً من استبداله إن ميتافيرس- منصة تقضي على التمييز بين ما هو متصل بالإنترنت ومن هو غير متصل.

وفكرة الـ"ميتافيرس" مستوحاة من رواية إرنست كلاين لعام 2011، حيث يهرب بطل الفيلم اليتيم المراهق من وجوده القاتم في العالم الحقيقي؛ من خلال الانغماس في خيال واقع افتراضي مبهر.  يربط الصبي سماعة رأسه ويهرب إلى عالم افتراضي ثلاثي، يُطلق عليه اسم "OASIS".

ويقدم فيلم الخيال العلمي لعام 2018 "Ready Player One" لمحة عما تنبأت العديد من شركات التكنولوجيا بأنه الشيء الكبير التالي على الإنترنت، وهو مستوحى من  الرواية المشار إليها.

وصاغ هذا المصطلح الكاتب نيل ستيفنسون في رواية عام 1992 البائسة "Snow Crash".  في ذلك، يشير metaverse إلى بيئة رقمية غامرة حيث يتفاعل الناس كأفاتار.  

البادئة "meta" تعني ما بعد وverse من كلمة universe أي الكون وتستخدم الشركات التقنية الكلمة لوصف ما يأتي بعد الإنترنت، والذي قد يعتمد على نظارات الواقع الافتراضي أو تقنيات أكثر تطوراً. 

 يقول عدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا إنه يوماً ما قريباً، سنخرج جميعاً في عالم واقع افتراضي تفاعلي، مكتمل بالألعاب والمغامرات والتسوق وعروض من عالم آخر، تماماً مثل الشخصيات في الفيلم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

ميتافيرس
فيسبوك يحاول صنع ورش عمل افتراضية/رويترز

يختلف metaverse عن الواقع الافتراضي الموجود اليوم، حيث تقدم سماعات الرأس عالية الأداء تجارب منعزلة وفرصاً قليلة للعب المتبادل مع الأشخاص الذين يمتلكون أدوات أخرى. 

بدلاً من ذلك، فإن عالم metaverse عبارة عن فضاء إلكتروني جماعي ضخم، يربط الواقع المعزز "التعامل مع الواقع من خلال مؤثرات إلكترونية" والواقع الافتراضي معاً، مما يمكّن الصور الرمزية من التنقل بسلاسة من نشاط إلى آخر.

إنه إنترنت متجسد تتواجد فيه بدلاً من النظر إليه.  لن يقتصر هذا العالم الرقمي على الأجهزة: يمكن أن تتجول الصور الرمزية للأشخاص الحقيقيين في الفضاء الإلكتروني بشكل مشابه لكيفية مناورة الناس في العالم المادي، مما يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع الأشخاص على الجانب الآخر من الكوكب كما لو كانوا في نفس الغرفة.

إنها مهمة ضخمة تتطلب توحيد المعايير والتعاون بين عمالقة التكنولوجيا، الذين لا يميلون إلى التعاون مع المنافسين على الرغم من أنه لم يُمنَع الكثيرون من القول إن metaverse قاب قوسين أو أدنى.

فلقد اقترب Facebook من هذه الرؤية في الأسابيع الأخيرة، حيث كشف عن مساحة عمل للواقع الافتراضي للعاملين عن بُعد. تعمل الشركة أيضاً على معصم ذكي ونظارات الواقع الافتراضي التي تعكس عيون مرتديها.  تستثمر الشركة مليارات الدولارات في هذا الجهد.

وفي مايو/أيار 2021، قالت شركة Microsoft إنها  تعمل على مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي والواقع المختلط لمساعدة الشركات على البدء في تطوير "تطبيقات metaverse".  كما أصدرت عدد من شركات الألعاب، بما في ذلك Epic Games مالك Fortnite، برامج محاكاة وخدمات الواقع الافتراضي من أجل metaverse. 

هل سنرى الـ metaverse بالفعل؟

تقول صحيفة  Washington Post لم يتضح بعد.  

في حين أن التطورات التكنولوجية جعلت سماعات رأس الواقع الافتراضي أخف وزناً وبأسعار معقولة في السنوات الأخيرة، فإن الأجهزة تستخدم بشكل أساسي من قبل مجموعة متخصصة- هواة الألعاب.

ولا يزال معظم اللاعبين لا يملكون سماعات الواقع  الافتراضي الأكثر تطوراً

تحميل المزيد