كيف هو حال أفغانستان، بعد مرور أكثر من عشرة أيام على حكم طالبان بعد سيطرتها على العاصمة كابول، هل تعرض النساء والإعلاميون والنشطاء للقمع أم صدقت وعود الحركة، وماذا سيكون شكل الحكم الذي ستؤسسه الحركة.
لا يزال من غير المؤكَّد كيف سيبدو الحكم الثاني لطالبان، ولكن مع رحيل القوات الأجنبية سيصبح شكل أفغانستان الجديدة أوضح.
فقد أعلنت حركة طالبان في اليوم التالي لسيطرتها على كابول "عفواً عاماً" عن كل موظفي الدولة، داعية إياهم إلى معاودة العمل بعد يومين على استيلائها على السلطة في أفغانستان، إثر هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني.
أوضحت حركة طالبان أنها تريد تجنُّب تكرار ما حدث أثناء حكمها في التسعينيات، حين قبعت على رأس دولةٍ منبوذة، وأساءت إدارة الاقتصاد، وزادت من القمع. وما هو أقل وضوحاً هو ما إذا كان بإمكان الحركة تحقيق ذلك، أو كيف ستحاول ذلك.
التحول من الحرب إلى الحكم ليس سهلاً على أي طرف
لطالما كان التحوُّل من القتال والتمرُّد إلى الإدارة الحكومية صعباً دائماً بالنسبة لأي حركات مناهضة للاحتلال، وكان لدى طالبان وقتٌ أقل مِمَّا كانوا يتوقَّعون للاستعداد. والسرعة التي سقطت بها كابول فاجأت حتى طالبان نفسها، مثلما أقرَّ القيادي عبدالغني برادار، ومن الواضح أن الحركة لم تحدِّد بعد من الذي سيحكم وكيف.
قال أشلي جاكسون، المدير المشارك لمركز دراسة الجماعات المسلَّحة، الذي أجرى لسنواتٍ أبحاثاً عن طالبان: "إنهم بطيئون جداً. أفترض أنه يتعيَّن عليهم إعلان الحكومة عندما يغادر الأمريكيون، لكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً حقاً، ومن المُحتَمَل أن يخرج الأمر عن نطاق السيطرة. ومع التهديد من هجمات تنظيم داعش، عليهم أن يُظهِروا أنهم أقوياء ويمكنهم ضمان الأمن".
داعش أكبر تهديد لطالبان
سلَّطَ هجوم الأسبوع الماضي على المطار الضوء على التحديات الأمنية التي ستواجهها طالبان. لقد عرضوا في الماضي -ويعرضون مرةً أخرى- فترة راحة من أهوال الحرب، لكنهم يقاتلون تنظيم داعش منذ نصف عقدٍ الآن، وإذا لم يتمكَّنوا من احتوائه، وإذا استمرَّت الهجمات المُعقَّدة في كابول وأماكن أخرى بعد مغادرة القوات الأجنبية، فسوف يقوِّض ذلك سلطتهم، ويُضعِف مواردهم، وقد يضرُّ بشرعيتهم. يثير ذلك أيضاً شبح تدشين حلقة أخرى من الحرب الأهلية الطويلة في أفغانستان.
ربما كانت المفاوضات بشأن فترةٍ انتقالية مقبلة، مقابل استسلام الرئيس أشرف غني، قد منحتهم الوقت على الأقل للبدء في معالجة قضايا تسليم كلِّ شيء، من النظام المصرفي في البلاد -الذي أُغلِقَ إلى حدٍّ كبير مع تجميد احتياطياته- وحتى مطار كابول المُدمَّر الآن.
كيف هي الحياة في أفغانستان تحت حكم طالبان؟ بوادر أزمة اقتصادية
تسلِّط صحيفة The Times البريطانية الضوء على بعض جوانب من الحياة في أفغانستان. وتقول إن الكثير من العائلات يعانون بالفعل من الفقر والبطالة.
كان البنك المركزي قد أمر بإعادة فتح أبوابه أمس السبت، 28 أغسطس/آب، والسماح للعملاء بسحب 20 ألف أفغاني (أقل من 250 دولاراً) كحدٍّ أقصى في الأسبوع الواحد.
ويتزايد النقص في النقد، بينما تضاعفت أسعار المواد الغذائية مثل زيت الطهي لأكثر من الضعف، وسط مخاوف من استمرار دوَّامة الأزمة الاقتصادية، فيما جمدت الولايات المتحدة حسابات البنك المركزي الأفغاني لديها.
وتحذِّر الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى بالفعل من أزمةٍ إنسانية بينما تأخذ أسعار الغذاء في الارتفاع.
تقارير عن قمع طالباني جديد
أما فيما يخص الحريات الشخصية واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فتتحدث تقارير إعلامية غربية عن تراجع في الحريات، رغم صعوبة تقييم مصداقية هذه التقارير في ظل ميل وسائل الإعلام الغربية للتركيز على الروايات التي يتوقعها القارئ الغربي، وتثير تعاطفه من خلال الحديث عن معاناة الأفغان تحت حكم طالبان، دون التركيز على أن طبيعة المجتمع الأفغاني بدون طالبان محافظة، أو أن التغييرات في سلوك الحركة لمن يعلم طبيعة الحركات المتشددة تبدو لافتة.
وفي هذا الإطار، قالت صحيفة The Times إن مقاتلين تابعين لطالبان ضربوا شاباً في العشرينيات من عمره. أما جريمته، فقد كانت الدردشة مع حبيبته على الهاتف المحمول. وقام المسلَّحون بحذف تطبيقاتٍ مختلفة من هاتفه، بينما كان يبكي ويقسم على عدم تكرار ذلك، بحسب الصحيفة.
وفيما يخص النساء، قال المتحدِّث باسم طالبان إنه سيسمح لهن بالذهاب إلى العمل والمدارس، ولكن يجب أن يرافقهن وليّ أمرهن في الرحلات الطويلة.
وقال مدير إحدى المدارس في إحدى مناطق كابول للمدرِّسين إن دروس الموسيقى قد عُلِّقَت. وفي حديثها إلى الصحيفة البريطانية، قالت المعلِّمة ليلوما شريفي، وهي تقاوم دموعها أثناء شرحها مدى قلقها بشأن التطوُّرات: "آخر مرة كانت فيها طالبان في السلطة فقدتُ وظيفتي، ومُنِعَت الفتيات من الذهاب إلى المدارس. أنا مرعوبةٌ من أن يحدث الشيء نفسه".
ولكن هذه التقارير تبدو مختلفة عما تقوله منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، إذ أبدى أحد مسؤوليها بأفغانستان تفاؤلاً حذراً إزاء العمل مع مسؤولي حركة "طالبان" بعد تعبيرهم عن الدعم لتعليم الفتيات.
يأتي ذلك بعدما عقدت "اليونيسف" التي لا تزال تقدم مساعدات في معظم أنحاء أفغانستان، اجتماعات مبدئية مع ممثلي طالبان الجدد في المدن الخاضعة لسيطرة الحركة مثل قندهار وهرات وجلال آباد.
وقال مصطفى بن مسعود مدير العمليات الميدانية بـ"اليونيسيف" في إفادة أمام الأمم المتحدة: "نجري مناقشات، ونحن متفائلون إلى حد ما استناداً إلى تلك المناقشات"، مضيفاً أن 11 مكتباً من 13 مكتباً ميدانياص تواصل عملها في الوقت الراهن.
ومضى قائلاً: "لا نواجه أي مشكلة مع طالبان في تلك المكاتب الميدانية".
وأشارت "اليونيسف" إلى أن بعض مثلي "طالبان" المحليين ينتظرون إرشادات من قادتهم فيما يتعلق بتعليم الفتيات، بينما قال آخرون إنهم يريدون أن تظل أبواب المدارس مفتوحة.
وقال المتحدث باسم حركة طالبان في مؤتمر صحفي: "ملتزمون بالمحافظة على حقوق المرأة حسب قيمنا، وللمرأة الحق في التعليم وممارسة أي عمل إداري ، ولا نريد أعداء لأفغانستان في الداخل أو في الخارج".
وتحدث تقرير لموقع دويتش فيله الألماني عن وداع الطالبات لجامعاتهن ومدارسهن، متجاهلاً تأكيد طالبان أنها لن تغلق الجامعات والمدارس، بل ستسمح للموظفين بالاستمرار في أعمالهم.
وقال السفير الروسي: "بدأت المدارس بالعمل، حتى مدارس للبنات. حاول الغرب تخويفنا من أن أنصار طالبان سيأكلون النساء، لم يأكلوهن، وإنما فتحوا مدارس للفتيات".
ماذا عن الصحافة؟
وتتحدث وسائل الإعلام الغربية عن عمليات تفتيشٍ واسعة النطاق للمنازل بحثاً عن أشخاصٍ مرتبطين بالحكومة وقوات الأمن.
وفيما يتعلَّق بالصحافة، يواصل الصحفيون الأفغان عملهم في العاصمة، لكنهم فروا من العديد من الأقاليم، مِمَّا تسبَّبَ في ندرةٍ في المعلومات حول ما يحدث في جميع أنحاء البلاد. قال صحفيٌّ من مقاطعةٍ خارج كابول، طلب عدم الكشف عن هويته: "جاء عناصر طالبان إلى منزلي عدة مرات لقتلي، وكان لا بد من انتقالي إلى منزلٍ آخر آمن قبل بضعة أشهر. والآن، مع سيطرة طالبان، أشعر بالقلق على سلامة عائلتي".
ومن الملاحظ أن معظم التقارير عن الانتهاكات بحق المعارضين والصحفيين والنساء، مجهولة المصدر، كما أن الضحايا المحتملين لا يعرف أسماؤهم ولا حتى أماكنهم، الأمر الذي يثير تساؤل هل ذلك سببه قلة المعلومات أم الخوف على رواة هذه التقارير أم أنها تقارير غير موثوقة تخاطب التصور الغربي المسبق الذي ينتظر روايات درامية عن الفظائع في أفغانستان تحت حكم طالبان، خاصة أن الإعلاميين الغربيين يجوبون شوارع كابول ومدن أخرى، وهو يحاورون مقاتلي طالبان المدججين بالسلاح، مثل مذيعة شبكة سي إن إن كلاريسا وورد التي اشتهرت بحواراتها مع مقاتلي طالبان.
كما أجرى مسؤولو طالبان حوارات مع مذيعات في التلفزيون الأفغاني الرسمي وهن يرتدين حجاباً خفيفاً، وفي اجتماعات التحرير الصباحية بالفضائيات الأفغانية ظهرت المرأة بشكل طبيعي إلى جانب الرجل، كما عليه الحال في ظل الحكومة الأفغانية المدنية.
كما يبدو حديث قيام طالبان عن قمع أشخاص مجهولين، أو غير مشاهير لا يتسق مع سلوكيات الحركة مع أشد معارضيها والذين حاربوها لسنوات، مثل إسماعيل خان والذي يسمى أسد هرات، وكان الملك غير المتوج لغرب أفغانستان، وقد توعد بمحاربة طالبان عقب تقدمها الأخير، ولكنه فر بعد أن تخلت القوات الحكومية عنه، أو أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود، والذي تسعى طالبان للتفاهم معه.
في اجتماعٍ بوزارة الثقافة يوم الأربعاء الماضي، 25 أغسطس/آب، طمأن مسؤولو طالبان الصحفيين الأجانب بأنهم سيكونون قادرين على مواصلة عملهم. لكن هناك تساؤلاتٍ حول ما إذا كان ذلك سيستمر.
وقال مسؤول بحركة طالبان لرويترز إن الحركة ستكون مسؤولة عن أفعالها وستحقق في تقارير عن قيام أعضاء بالحركة بارتكاب أعمال انتقامية وفظائع.
وفي الشأن الدبلوماسي، اتصل قادة طالبان بروسيا وحامد كرزاي، والرئيس الأسبق، وبدأوا معهم مناقشة شكل الحكومة الجديدة. لكنهم لم يعلنوا حتى الآن سوى تعيين رئيسٍ بالإنابة للبنك المركزي ووزير للتعليم، أمس السبت.
أوضحت الولايات المتحدة أنها لا تنوي الاعتراف بالحكَّام الجدد لأفغانستان في أيِّ وقتٍ قريب. وقد قطعت هي وصندوق النقد الدولي تدفُّق الأموال إلى أفغانستان، تاركةً طالبان في عزلةٍ عن الأصدقاء في باكستان والحركات الجهادية التي احتفلت بانتصارهم في جميع أنحاء العالم.
والحقيقة أن المحادثات غير الرسمية مع طالبان سوف تستمر، وهناك احتمالٌ أن الأموال سوف تُستخدَم للسماح بوصولٍ آمنٍ إلى مطار كابول للرحلات الإنسانية.
وفيما يتعلَّق بمواجهة جائحة كوفيد-19، فحتى الوقت الذي استولت فيه طالبان على السلطة، كانت الاختبارات والتطعيمات تُجرَى بالفعل، وإن كان على نطاقٍ ضيق. والآن تكافح البلاد ضد أمورٍ أخطر، بل انخفض معدَّل التطعيم بنسبة 90%، وفقاً للأمم المتحدة. حذَّرَ محمد حكمال، رئيس الصحة العامة السابق، من كارثةٍ تلوح في الأفق، ليس فقط بسبب كوفيد-19، بل نتيجة مغادرة المنظمات الإنسانية الأجنبية البلاد.
على خطى إيران، وهذا هو موقفهم من الديمقراطية
ربما تكون طالبان قد شكَّلَت حكومةً تنتظر الإعلان عنها. كان الحكَّام الجدد، على مدار الأسبوعين الماضيين اللذين ركَّزَت فيهما القوى الغربية على إخراج قواتها وبضع آلافٍ من الحلفاء الأفغان في البلاد، يحدِّدون الشكل الذي ستتَّخِذه الحكومة.
تشير التسريبات حتى الآن إلى هيكلٍ ربما يكون مشابهاً لإيران المُجاوِرة. ولقد استبعد أحد كبار المسؤولين، في مقابلةٍ مع وكالة Reuters البريطانية، الديمقراطية بشكلٍ قاطع.
وقال مسؤول من طالبان رفض ذكر اسمه لرويترز إن الإطار الجديد لحكم البلاد لن يكون ديمقراطياً بالتعريف الغربي لكنه "سيحمي حقوق الجميع".
وقال إن "خبراء قانونيين ودينيين وخبراء في السياسة الخارجية في طالبان يهدفون إلى طرح إطار حكم جديد في الأسابيع القليلة المقبلة."
ومن المُتوقَّع أن يتولَّى زعيم طالبان، هبة الله آخند زاده -الذي لا يُعرَف له إلا صورة واحدة- نوعاً من القيادة العليا. وسيكون هناك مجلسٌ على غرار مجلس الوزراء.
كانت هناك محادثاتٌ داخلية بين فصائل طالبان القوية، واجتماعاتٌ عديدة مع أعضاء الحكومة القديمة الذين لم ينضموا إلى الفرار إلى الخارج، وكذلك مع سماسرة النفوذ والسلطة مثل الرئيس السابق حامد كرزاي.
وقال متحدِّثون بارزون إن الجماعة تريد حكومة شاملة، وأبقت وزير الصحة وعمدة كابول في منصبيهما، تعبيراً عن حسن النية. ولكن حتى لو استمرَّ هؤلاء في العمل، أو أُجرِيَت تعييناتٌ مماثلة، فإن طالبان ستستأثر بالسلطة الحقيقية لنفسها. ولا يعرف هل سشترك النساء في الحكومة مثلما سبق أن قالت إنها لا تمانع في تلقيهن التعليم والاستمرار بالعمل.
وبمجرد تشكيل الحكومة، يمكن لطالبان البدء في توضيح كيف تنوي الحكم.
وترى صحيفة The Guardian أن الآمال تضاءلت في الحصول على نسخةٍ أكثر اعتدالاً من حكم طالبان بسبب الحظر على الموسيقى وحتى التسالي الشعبية مثل ألعاب الورق في بعض المناطق.
لكنها تقر بأنهم يتمتَّعون بدعمٍ شعبي أيضاً، بما في ذلك أولئك الذين يشاركونهم رؤيتهم للعالم، أو الذين فقدوا أقاربهم وأحباءهم على يد القوات الأمريكية أو قوات الحكومة السابقة.
وتضيف الصحيفة البريطانية أنه حتى كبار المقاتلين أنفسهم لا يعرفون بالضبط كيف ستبدو حكومتهم أو كيف ستحكم، حيث تقاتل فصائل مختلفة من أجل السيطرة.
بعضهم توسع في تعليم الفتيات وآخرون حظروه.. القادة المحليون ليسوا شيئاً واحداً
كان جزء من نجاح الجماعة في السنوات الأخيرة يتمثَّل في منح القادة المحليين قدراً كبيراً من الحرية في كيفية حكم المناطق التي يستولون عليها، لذلك قام أحد القادة في مقاطعة لوغار الشرقية بتعزيز التعليم لجميع الأطفال، بينما حظر قادةٌ آخرون في هلمند تعليم الفتيات.
ومع ذلك، ليس من الواضح كيف سيوازنون بين الرؤى المتنافِسة عند إدارة بلدٍ بأكمله، حيث يجب أن تكون القوانين واللوائح مُوحَّدة. وقد سيطروا على بلدٍ كان يعاني بالفعل من مشكلاتٍ هائلة، ويعتمد على المساعدات الخارجية، ويكافح الفساد ويوجه جفافاً خانقاً في المناطق الغربية هذا العام.