بدلاً من نشر التوتر في أنحاء العالم بسبب خلافاتهما المتزايدة، يمكن لأمريكا والصين التعاون في حل العديد من الأزمات وأهمها أزمة سد النهضة، التي تهدد الاستقرار بمنطقتي الشرق الأوسط والقرن الإفريقي؛ الأمر الذي سيضر مصالح البلدين بشدة.
وخلال السنوات الماضية، افتقرت سياسة الولايات المتحدة إلى الاستمرارية وكانت غير فعّالة إلى حد كبير. بينما حلّت الصين محل الولايات المتحدة بوصفها الشريك التجاري الرئيسي لجزء كبير من العالم، كما دفع النهج الأمريكي غير المنظم أيضاً خصوم واشنطن إلى التقارب مع بكين.
رداً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تقاوم الرغبة في احتواء الصين أو مواجهتها، لكن ينبغي لها إيجاد طرق لتسهيل التعاون بينهما، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وتكمن إحدى هذه الفرص حالياً في إثيوبيا. في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع الداخلي في منطقة تيغراي، ويدعو رئيس الوزراء آبي أحمد المواطنين إلى حمل السلاح، تلوح في الأفق أزمة يحتمل أن تكون أخطر؛ إذ يمثل استمرار إثيوبيا في بناء سد النهضة الإثيوبي في النيل الأزرق نقطة اشتعال محتملة مع جيرانها مصر والسودان. وعلى الرغم من إعلان المبادئ لعام 2015 الذي وقَّعته الدول الثلاث، فشلت المزيد من المناقشات في التوصل إلى اتفاق دائم.
السد أوشك على الانتهاء، ومصر تلوح باستخدام القوة
واعتباراً من مايو/أيار 2021، اكتمل بناء السد بنسبة تزيد عن 80%. وخلافاً لرغبة مصر والسودان، فإنَّ انتهاء المشروع أمر مفروغ منه. ويقع الخلاف الآن على نقطتين رئيسيتين: أولاً، ما هي كمية المياه التي ستحصل عليها مصر والسودان من النهر سنوياً، وثانياً، ما مدى السرعة التي ستملأ بها إثيوبيا الخزان؟
إذ تعتمد مصر على نهر النيل لتوفير 90% من احتياجاتها المائية. وصنّف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي النيل على أنه مسألة حياة أو موت في مؤتمر للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019. وبالنسبة لمصر، النهر هو قضية أمن قومي أعلن النظام أنه سيحميها بالقوة.
أما بالنسبة لإثيوبيا، فيمثل السد السيادة والنمو؛ إذ سيوفر الكهرباء ويحسن مستويات المعيشة للملايين. ويُشكِّل أيضاً تحولاً في القوة القارية، التي رجّحت كفة مصر لعقود، وأحياناً على حساب إثيوبيا.
على الرغم من أنَّ المرتفعات في إثيوبيا تزود النيل بـ80% من مياهه، لم تحصل إثيوبيا على مخصصات منها. وهنا يكمن المأزق؛ إذ تصر مصر على أنَّ مخصصات المياه بموجب اتفاقية 1959 تظل مُلزِمَة. فيما تقول إثيوبيا إنها ليست طرفاً في الاتفاقية وبالتالي فهي غير مُلزَمة بها. وانتهى الخلاف حول هذه النقطة إلى وضع محصلته صفر بعدما أشار كلا الجانبين إلى عدم وجود مجال للتنازل أو التسوية.
واللافت أن هناك تقريرين دوليين يقدمان أدلة على إمكانية التوصل إلى اتفاق، أحدهما من منتدى الأبحاث في التجارة الدولية التجريبية والآخر من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.
ويقدم تقرير المنتدى أدلة تجريبية على أنَّ السيناريوهات القائمة على المناخ تعزز تعزيزاً مباشراً معاهدات المياه، بينما يرسم تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التوقعات القاتمة الناجمة عن تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تشير دراسة الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي إلى أنَّ تغير المناخ يمكن أن يخلق تبايناً بنسبة 50% في تدفق النيل من عام إلى آخر؛ مما يؤدي إلى نقص المياه وفيضانات واسعة النطاق.
وطلبت القاهرة مشاركة أمريكية ودولية أوسع، لكن أديس أبابا ذكرت أنَّ القضية إفريقية، ويجب على الأفارقة وحدهم حلها. وهذه المشاعر نبيلة وليست خاطئة تماماً. لكن المفاوضات الثلاثية، التي تضم السودان أيضاً، باءت بالفشل، مثلما فشلت محاولات الوساطة التي بادر بها الاتحاد الإفريقي. وكانت المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة تحرز تقدماً في أوائل عام 2020 إلى أن دعم الرئيس ترامب موقف مصر وهدد إثيوبيا بفرض عقوبات، حسب تقرير الموقع الأمريكي.
ويقول الموقع "يجب على الولايات المتحدة أن تجمع الأطراف معاً مرة أخرى، لكن هذه المرة دون ترجيح كفة طرف على الأخرى. ويمكن لواشنطن إعادة بناء صورتها واستعادة نفوذها من خلال مشروع دبلوماسي يخفف من حدة الصراع".
محاكاة النموذج الهندي والباكستاني طريقاً نحو حل أزمة سد النهضة
قد توفر معاهدة مياه نهر السند بين باكستان والهند، المُوقَّعة في عام 1960، نموذج حل مفيد. فقد أنشأت المعاهدة، التي توصل إليها الجانبان بوساطة البنك الدولي، لجنة بها مفوض من كل دولة. ونصت كذلك على إجراءات حل موحدة للمنازعات وهيئة تحكيم مكونة من 7 أعضاء. ومن شأن تبني ترتيبات مماثلة أن يساعد الأطراف المعنية على تجاوز المواقف السابقة وتطوير حل عادل ومنصف.
بالإضافة إلى ذلك، يمهد هذا السيناريو الطريق أمام الولايات المتحدة والصين لمعالجة أزمة محتملة معاً وإظهار القدرة على التعاون.
يقول التقرير: "إن كلاً من مصر وإثيوبيا والسودان تتلقى مساعدات نقدية كبيرة من الولايات المتحدة؛ ومن ثم يمكن لواشنطن الاستفادة من هذا الدعم للضغط على الدول للعودة إلى المفاوضات، هذه المرة بوساطة البنك الدولي".
ويرى الموقع الأمريكي "أنه علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها مع القاهرة وإقناع مصر بالتخلي عن اتفاقيتي 1929 و1959 والبدء من الصفر، مع التأكيد على تأثير تغير المناخ على العائد السنوي لنهر النيل لتظهر للمصريين أنَّ مطالبهم المائية لم تعد تعكس الواقع".
كيف يمكن أن تساهم الصين في حل الأزمة؟
بدورها، تتمتع الصين ببعض النفوذ على كل من إثيوبيا ومصر. على الرغم من أنَّ الصين لم تسهم بأموال مباشرة لبناء السد، لكن هناك تعاقدات مع شركات صينية لتسريع البناء. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الصين 3.3 مليار دولار في شبكة الكهرباء الإثيوبية التي تربط السد بالمدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد. إضافة إلى ذلك، ضخت استثمارات رأسمالية كبيرة في مصر. وبصفتها عنصراً استراتيجياً في مبادرة الحزام والطريق الصينية، تعد مصر رابع أكبر مُتسَلِّم للاستثمارات الصينية في إفريقيا.
وغالباً ما تعتمد الصين على نموذج سياسة خارجية من عدم التدخل، لكن استثمارها الرأسمالي في كلا البلدين يضعهما في موقف صعب إذا ظلت المشكلة دون حل. ويجب على الصين استخدام نفوذها مع إثيوبيا للتأكيد على ضمان اعتماد مصر على النيل وإقناع أديس أبابا بالعودة إلى المفاوضات دون المطالبة بخطة السنوات الخمس لملء الخزان. وخلُص تقرير حديث لشركة النشر IOPScience إلى أنَّ خطة الملء الخمسية للسد ستؤثر تأثيراً كبيراً في عجز ميزانية المياه في مصر.
دور السودان سيكون مختلفاً
من جانبه، يتمتع السودان بوضع فريد يسمح له بالخروج بفوائد كبيرة من سد النهضة. ومع ذلك، فإنَّ أي فشل في السد أو عمل تخريبي يُرتكَب ضد الهيكل يضع السودان في وجه الضرر الأكبر. ورحبت إثيوبيا علناً بمساهمة السودان في مفاوضات سد النهضة. ويمكن لكل من واشنطن وبكين استخدام علاقاتهما لوضع الخرطوم في موقف الطرف المحايد الذي يركز على حل عادل ومنصف.
عزت المنظمة غير الحكومية International Rivershas الفضل إلى الصين في ازدهار السدود الإفريقية بفضل مشاريعها في 22 دولة. ومع ذلك، خلقت سياسات بكين المناهضة للتدخل صورة تشير إلى أنها لا تهتم كثيراً بالعواقب غير المقصودة. وفي الوقت نفسه، منذ عام 2001، كانت مكافحة الإرهاب هي النقطة المحورية للمشاركة الأمريكية في إفريقيا؛ مما أسفر أيضاً عن عواقب غير مقصودة. ويعتبر نزاع سد النهضة فرصة لكلا البلدين للابتعاد عن سلوكهما المعتاد والتعاون باعتبارهما طرفاً ثالثاً محايداً لتسهيل الوصول لحل عادل ومنصف للأطراف.