تعد صواريخ جافلين "FGM-148 Javelin" الأمريكية واحداً من أكثر الأنظمة الخفيفة المميزة للصواريخ المضادة للدبابات في العالم. إلا أنها باهظة التكلفة، وقد تفوق تكلفة الصاروخ الواحد قيمة الأهداف التي يدمرها، كما يقول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
ما الذي يميز صاروخ جافلين عن غيره؟
تعتبر صواريخ Javelin واحداً من أكثر أنظمة الأسلحة المتنقلة فاعلية في الجيش الأمريكي. وهي تتوفر لفرق المشاة في الخطوط الأمامية في مشاة البحرية والجيش، وعادة ما يُخزّن عدد قليل منها في مركبات وحدات المشاة الميكانيكية.
وتقول المجلة الأمريكية إن نظام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء في صواريخ جافلين أثبت كفاءته الكبيرة خلال القتال في العراق وأفغانستان وسوريا، بدقة توجيه الضربات إلى الدرع العلوي الأضعف في الدبابات. كما أن صواريخ جافلين تعرض طاقمها لمخاطر أقل من أنظمة الصواريخ الموجهة التقليدية.
ولأنها نظام خفيف الوزن أصبحت سلاح الاستجابة الأول على الأرض في حالات الطوارئ التي يمكن وصفها بـ"غزو دبابات كبير وغير متوقع"؛ السيناريو الذي كان من الممكن أن تواجهه القوات الأمريكية في حرب الخليج، وتكرار نفس المخاوف حالياً في منطقة البلطيق.
وبلغت فاعلية وكفاءة صواريخ Javelin درجة أن مسألة بيع أو إعطاء الولايات المتحدة تلك الصواريخ لأي دولة أو كيان تصبح ذات أبعاد سياسية معقدة، وهو ما تكرر أكثر من مرة.
كيف تعمل صواريخ جافلين المضادة للدبابات؟ ولماذا تعد قوية؟
لا تبدو صواريخ Javelin "أنيقة وفتاكة" كما قد يوحي اسمها. لكن لحسن الحظ لا تحتاج الصواريخ إلى أن تبدو بشكل جيد حتى تتمكن من تدمير دبابة.
تتميز وحدة إطلاق صواريخ Javelin باستشعار متطور بالأشعة تحت الحمراء بالعديد من وضعيات الرؤية، مثل التكبير البصري ×4، والرؤية الحرارية بالضوء الأخضر ×4، وتكبير نطاق الرؤية الضيق ×12 للاستهداف. وبإمكان الموجّه في الصاروخ توفير وضع رؤية حرارية رابع بتكبير ×9. كما يعتمد النظام على عدد من تدابير الحماية لمنع إطلاق الصواريخ بطريق الخطأ.
يصل وزن حدة الإطلاق عند تحميلها بالصاروخ إلى 23 كغم (معظم الوزن يكون من الصاروخ). ويمكن إطلاقه من وضعية الانحناء أو الجلوس. وهذا أخف بكثير من الصواريخ الموجهة بالأسلاك أو الصواريخ بعيدة المدة الأخرى التي تتطلب عادةً حامل ثلاثي ثقيل الوزن.
بمجرد رصد المستخدم للهدف، يتم تسليط الراصد بالأشعة تحت الحمراء عليه ويضغط على الزناد، ليُطلق الصاروخ Javelin من وحدة الإطلاق دون استخدام محركه الصاروخي في "إطلاق ناعم" يتسبب في أن يكون الانفجار الخلفي قليلاً نسبياً. يسمح الانفجار الخلفي عند إطلاق الصواريخ للقوات المعادية برصد مكان مطلق الصاروخ، بل وتجعل عملية إطلاق الصاروخ من داخل مكان مغلق (مبنى) مخاطرة قاتلة. لذا، الانفجار الخلفي المنخفض لصاروخ Javelin يزيد من احتمالات نجاة مطلق الصاروخ.
"أطلق وانسَ"
يتبّع نظام الإطلاق في صاروخ Javelin تقنية "أطلق وانس"، أي لا يتطلب أي إدخال آخر بعد الإطلاق. وهذا يسمح لطاقم إطلاق صاروخ Javelin بالاختباء بعد الإطلاق، بدلاً من إجبارهم على البقاء ثابتين في مكانهم لتوجيه الصاروخ نحو الهدف، كما هو الحال في أنظمة خط الرؤية شبه الآلية المستخدمة في صواريخ التوجيه السلكي أو صاروخ AT-14 Kornet الموجه بالليزر.
يُطلق صاروخ Javelin لاستهداف الدرع العلوي للمركبة المدرعة، والتي تكون أقل سمكاً بكثير من الدرع الأمامي أو حتى الجانبي. تشير التقديرات إلى قدرة الرأس الحربي للصاروخ Javelin على اختراق ما يعادل 600مم إلى 800مم من الدرع المقوّى، الرقم الذي لا يعتبر مبهراً بالنظر إلى أن الدبابات الحديثة تتميز الآن بدروع مركبة فعالة للغاية ضد مثل هذه الرؤوس الحربية. ولكنها تظل أكثر من كافية لاختراق الدرع العلوي لأي مركبة، لا سيّما في غياب أي أنظمة دفاعية أخرى.
يمكن إطلاق صاروخ Javelin أيضاً في وضع الهجوم المباشر لضرب الأهداف القريبة جداً لدرجة عدم ملاءمة الهجوم العلوي أو إن كانت الأهداف تستفيد من غطاء حماية علوي مثل خندق أو مدخل كهف. كما يمكن أن يكون وضع الإطلاق المباشر فعالاً ضد الطائرات المروحية التي تحلق على ارتفاع منخفض.
لكن يظل نطاق ومدى صاروخ Javelin أقل من المعتاد، إذ يصل إلى 2.5 كيلومتر فقط. قد يكون ذلك مناسباً وكافياً لمعظم المواقف القتالية، إلا أن مدى صواريخ التوجيه السلكي الأقدم أو صواريخ Kornet تصل إلى 5 كيلومترات أو أكثر.
كيف تحاول الدبابات الروسية تفادي هذا الصاروخ القاتل؟
تقول المجلة الأمريكية: أصبحت روسيا على دراية بقدرات وإمكانات صواريخ Javelin، وأضافت العديد من التدابير المضادة في إحدى دباباتها لتصبح منيعة أمام تلك الصواريخ.
وتتمثل تلك التدابير المضادة في أنظمة الدروع المتفجرة التفاعلية الجديدة، Relikt وMechanit، التي تتميز بطبقة مزدوجة من ألواح الدروع المتفجرة التفاعلية المصممة للتغلب على الرؤوس الحربية ذات الشحن الترادفي. كما يمكن أيضاً استخدام أنظمة الحماية النشطة مثل Shtora ونظام Afganit الأحدث لنشر قنابل "تعتيم" ووهج متعدد الأطياف لإخفاء الدبابة عن أجهزة الرصد بالأشعة تحت الحمراء أو تحويل أجهزة الرصد إلى مصادر حرارية أخرى.
إلا أن أجهزة الاستشعار الأحدث حسّنت من قدراتها أيضاً حتى تتمكن من رصد الهدف الأصلي من خلال سحابة التعتيم. أما عن أنظمة الدفاع النشطة المصممة للإطلاق على الصواريخ القادمة فستحتاج إلى إطلاقها عمودياً فوق الدبابة حتى توقف هجوم صاروخ Javelin من أعلى، ولا يبدو أن أي نظام دفاع نشط حالياً يمكنه فعل بذلك.
أين تم استخدام صاروخ جافلين الأمريكي؟
صُممت صواريخ Javelin في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عندما كان قادة الجيش الأمريكي قلقين من اجتياح جحافل الدبابات السوفيتية لهم، لا سيّما مع الأداء الضعيف لصاروخ M47 Dragon المضاد للدبابات المستخدم في ذلك الوقت.
إلا أن الصاروخ Javelin دخل الخدمة أخيراً في الجيش الأمريكي عام 1996 بعد نهاية الحرب الباردة، وشوهد في عمليات قتالية لأول مرة في عام 2003 أثناء الغزو الأمريكي للعراق.
تمكنت صواريخ Javelin من تدمير العديد من الدبابات أثناء حرب العراق، من بينها دبابات Type 69 وLion of Babylon T-72، ولكن لا تعد أي منهما من الدبابات المتطورة. ومع نهاية المرحلة التقليدية من الصراع، سرعان ما أصبحت المهمة الرئيسية لصواريخ Javelins هي "قنص" الأهداف الأصغر. كان نطاق الاستهداف الدقيق لصواريخ Javelin مثالياً لرصد واستهداف فرق المسلحين، بالأسلحة الثقيلة وفرق المسلحين بالبنادق الآلية أو الصواريخ أو المدافع الخفيفة.
ما الجيوش التي تمتلك هذا الصاروخ غير الجيش الأمريكي؟
المفارقة أن استخدام صواريخ Javelin لتدمير الشاحنات والبنادق الآلية تجعل تكلفة صواريخ Javelin، التي تصل إلى 80,000 دولار للصاروخ الواحد، أعلى بكثير من قيمة أنظمة الأسلحة التي تدمرها. وبحسب ما ورد، فقد أدى ذلك إلى تراجع القوات الأمريكية في بعض الأحيان عن استخدام الصواريخ في أفغانستان.
وباعت الولايات المتحدة عدداً من صواريخ Javelin إلى العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مثل فرنسا وبريطانيا، وإلى حلفائها في الشرق الأوسط مثل السعودية والإمارات، وإلى بعض الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مثل أستراليا وإندونيسيا وتايوان.
وبسبب قدرات صواريخ Javelin الكبيرة، أصبحت مسألة بيع الصواريخ لدول أخرى تخضع لاعتبارات سياسية وعسكرية كثيرة.
على سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة 120 وحدة إطلاق صواريخ Javelin لإستونيا و260 وحدة إطلاق لليتوانيا. حتى إذا تعرضت دول البلطيق لغزو روسي، الأمر غير المحتمل بشكل كبير ولكنه يثير القلق بسبب حقيقة صعوبة الدفاع عن دول حلف شمال الأطلسي الصغيرة، تصبح فرق المشاة الخفيفة التي تستخدم صواريخ Javelin بمثابة خط الدفاع الأول لدول البلطيق على الأرض لحين تحرّك قوات حلف شمال الأطلسي.
الاعتبارات السياسية
وعندما قدمت روسيا دعماً عسكرياً للانفصاليين في أوكرانيا، لعبت الدبابات الروسية دوراً مهماً في صد هجمات الجيش الأوكراني والاستيلاء على النقاط المحورية الهامة، لا سيّما مطار دونيتسك الدولي في يناير/كانون الثاني 2015. ضغطت بعض الشخصيات الأمريكية، مثل السيناتور جون ماكين، من أجل تقديم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً مباشرة لأوكرانيا، وطُرح اسم صواريخ Javelin باعتبارها السلاح الرئيسي الذي قد يقلب موازين المعركة لصالح الجيش الأوكراني.
إلا أن تقديم تلك الصواريخ، التي لا تأتي سوى من الولايات المتحدة، سيؤدي إلى تصاعد حدة الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا. على عكس صواريخ التوجيه السلكي أو غيرهم من أنظمة التسليح الروسية التي تُتداول على نطاق واسع، لم تكن هناك طريقة لوضع صواريخ Javelin بين يدي الأوكرانيين دون أن تكون البصمة الأمريكية واضحة. لذا، اتُخذ القرار، لن تحصل أوكرانيا على صواريخ Javelin.
وتنطبق نفس السياسة على الجماعات المسلحة المختلفة في سوريا التي تدعمها الولايات المتحدة بالسلاح، بما في ذلك الجماعات الكردية المصنفة كمنظمات إرهابية في تركيا. وتقر الولايات المتحدة بدعم تلك المجموعات بصواريخ التوجيه السلكي القديمة وليس صواريخ Javelins.
ولكن في شهر فبراير/شباط من هذا العام، شوهدت قوات كردية بالقرب من مدينة الشدادي بمحافظة الحسكة السورية، تُطلق صاروخ Javelin دمّر شاحنة عبوات ناسفة كنت مندفعة في اتجاههم.
وتقول المجلة الأمريكية إن تقارير استخدام الأكراد لصواريخ Javelin أثارت ضجة كبيرة، ولكن الحكومة الأمريكية أصرّت على أنها لم تسلّح المتمردين بصواريخ Javelin. قد يكون ذلك كذباً، أو قد يكون الصاروخ جاء من وحدة القوات الأمريكية الخاصة التي تعمل إلى جانب الأكراد ولم يكن ضمن برنامج مؤسسي لتزويد الأكراد بالصواريخ. وطرح البعض احتمالاً آخر بأن الصاروخ جاء من مخزون دولة شرق أوسطية متعاطفة مع المتمردين.
على أي حال، تظل صواريخ Javelin من أقوى أنظمة الأسلحة الأمريكية على الأرض، والتي يبدو أن قدراتها وإمكاناتها ستتزايد وتنتشر في عدد أكبر من المنصات، وسيصبح وجودها أو غيابها عن ساحات المعارك أمراً مؤثراً وخاضعاً للتدقيق الشديد.