لا يزال بنيامين نتنياهو يتحين الفرص للعودة إلى السلطة في إسرائيل من جديد، رغم أن منافسيه على رئاسة حزب الليكود باتوا يؤمنون بأنه أصبح عبئاً يجب التخلص منه إذا ما أراد الحزب اليميني البقاء على قيد الحياة.
وعلى الرغم من أن التحالف الأكثر تناقضاً في تاريخ إسرائيل والمتمثل في الحكومة الحالية برئاسة نفتالي بينيت قد نجح في إزاحة نتنياهو من منصبه في نهاية المطاف، ورغم أن أكثر رؤساء الوزارة بقاء في منصبه في إسرائيل يبلغ من العمر 71 عاماً ويواجه محاكمة جنائية بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة، إلا أن تشبث نتنياهو بالمنصب وعدم تورعه عن أي شيء للعودة إليه يجعل استسلامه لانتهاء مشواره السياسي فكرة مستبعدة، بحسب المقربين منه.
وتناولت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية ما يدور في كواليس حزب الليكود حالياً في تقرير بعنوان "هل ينجح مرشحو الليكود في إزاحة بنيامين نتنياهو؟"، ألقى الضوء على أبرز منافسيه وما يخططون له وفرص نجاحهم.
حملة عضوية حزب الليكود
ويمثل اليوم الأخير من شهر أغسطس/آب الجاري تاريخاً مهماً لأنه سيشهد حدثين، أولهما عودة الأطفال إلى مدارسهم، أما الثاني فيمثل لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وخلفائه المحتملين لزعامة لليكود أهمية أخرى، لأنه أيضاً اليوم الأخير في حملة عضوية الحزب.
وقد أمضى المتنافسون المستقبليون على زعامة الليكود، بعضهم علناً والبعض سراً، أشهر الصيف في تسجيل آلاف الأعضاء الذين يمكنهم تحديد خليفة نتنياهو، سواء في غضون أشهر أو سنوات أو عقود.
ويُشار إلى أنه يوجد حد أدنى لعضوية الليكود يبلغ 16 شهراً للتصويت في الانتخابات التمهيدية الداخلية، ولكن إذا بدأ السباق مبكراً، فيحتمل إلغاء الحد الأدنى لتمكين من انضموا للحملة الحالية من التصويت.
وفي هذا الإطار، يعلن المزيد من المرشحين نيتهم الترشح. وعضو الكنيست يولي أدلشتين هو المرشح الوحيد الذي تحلى بالشجاعة ولم يستبعد الترشح أمام نتنياهو. أما البقية فليسوا على استعداد للمخاطرة وقالوا إنهم سوف يترشحون في فترة أخرى أصبحت تعرف بـ"حقبة ما بعد نتنياهو".
والسباق على زعامة حزب الليكود خلال تلك الحقبة قد يضم ما يقرب من تسعة مرشحين: أدلشتين؛ والسفيرين الحالي والسابق لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان وداني دانون، ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين وأعضاء الكنيست نير بركات وإسرائيل كاتس وميري ريغيف وتساحي هنغبي وآفي ديختر.
ويوجد ثلاثة مرشحين محتملين آخرين سيشعرون بالغضب إذا أضيفت أسماؤهم إلى هذه القائمة، لأنهم يعتقدون أن الحديث عما سيحدث بعد نتنياهو قد يضر بحزب الليكود، لكن هذا لا يعني أنهم لن يترشحوا: وهؤلاء الثلاثة هم عضوا الكنيست يوآف غالانت وأمير أوحانا وعضو الكنيست السابق موشيه فيغلين.
متى قد تحين لحظة الإطاحة بنتنياهو؟
وقد يتعين على هؤلاء المرشحين المحتملين الانتظار بعض الوقت. فنتنياهو يبلغ من العمر 71 عاماً فقط، ووالده البروفيسور بنزيون نتنياهو توفي عن عمر يناهز 102 عام. ولم يعط نتنياهو أي مؤشر على أنه سيغادر قريباً. ولم يخبر أحداً أنه يفكر في التقاعد من السياسة.
وقال مصدر مقرب من نتنياهو للصحيفة الإسرائيلية: "إنه يشعر أن إسرائيل مسؤوليته وأن من واجبه إنقاذ البلاد. وهو يؤمن أنه سيعود إلى السلطة قريباً". لكن هذا المصدر نفسه أكد ما قاله أحد المرشحين هذا الأسبوع: نتنياهو تلقى عروض عمل لا حصر لها منذ ترك منصب رئيس الوزراء وهذه العروض ستجعله ثرياً بدرجة لن يضطر معها أبناؤه للعمل ولو ليوم واحد في حياتهم.
وقد يتحمس بعض المرشحين لمحاولة إقناع من يقدمون هذه العروض لنتنياهو بتجميل عروضهم لإبعاده عن طريقهم في النهاية. وأشار أكثر من مرشح إلى أن نتنياهو تولى منصباً في برج شركة AMPA بمدينة هرتسليا، وهي شركة ضخمة تعمل في العقارات والتمويل والصناعة والطاقة. ومديرها التنفيذي شلومي فوغل صديق مقرب لنتنياهو. وتعزيز مصالح الشركة في دول الخليج، على سبيل المثال، له أن يجلب مكاسب غير متوقعة لنتنياهو والشركة والدولة.
وقال أحد المرشحين هذا الأسبوع إن نتنياهو سيفاجئ العالم بإعلان تقاعده يوماً ودون سابق إنذار. وقال هذا المرشح إنه لا يعتقد أن نتنياهو سيعطي أي شخص أي إشارة مسبقة، لأنه لا يريد أن يظهر بمظهر الخاسر، لكنه قد يفعل بعد فترة وجيزة من تمرير ميزانية الدولة المقررة لعامين بحلول الموعد النهائي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
نتنياهو المتهم يريد عقد صفقة أولاً
وقال مرشح آخر إنه لا يعتقد أن نتنياهو سيستقيل إلا بعد التوصل إلى اتفاق مع المدعي العام أفيخاي ماندلبليت بخصوص قضاياه الجنائية. وولاية ماندلبليت ستنتهي في فبراير/شباط، وخليفته، الذي سيعينه وزير العدل جدعون ساعر، لن يتفاوض على صفقة مع نتنياهو.
ويواجه نتنياهو ثلاث قضايا تحمل الأولى الرقم 4000، وهو متهم فيها بأنه قدم مجاملات عبر قنوات تنظيمية في حدود 1.8 مليار شيكل (حوالي 500 مليون دولار) لشركة بيزك الإسرائيلية للاتصالات. ويقول المدعون في هذه القضية إنه طلب في مقابل تلك الخدمات تغطية إيجابية لنفسه وزوجته سارة على موقع إلكتروني إخباري يسيطر عليه شاؤول إلوفيتش الرئيس السابق للشركة.
ويواجه نتنياهو في هذه القضية تهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، بينما يواجه إلوفيتش وزوجته إيريس تهمتي الرشوة وعرقلة العدالة. وينفي المتهمون الثلاثة التهم الموجهة إليهم. والقضية الثانية تحمل الرقم 1000 ويواجه فيها نتنياهو تهمتي الاحتيال وخيانة الأمانة، على أساس أنه حصل هو وزوجته سارة دون وجه حق على هدايا قيمتها نحو 700 ألف شيكل من المنتج السينمائي أرنون ميلشان الإسرائيلي الجنسية والذي يعمل في هوليوود ومن رجل الأعمال الأسترالي الملياردير جيمس باكر.
والقضية الثالثة تحمل الرقم 2000 وفيها نتنياهو متهم بالتفاوض على صفقة مع أرنون موزيس، صاحب جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، من أجل تحسين تغطيته إخبارياً. وتقول عريضة الاتهام إن رئيس الوزراء طرح في المقابل تشريعاً لإبطاء انتشار جريدة منافسة. ووُجهت لنتنياهو تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة ولموزيس تهمة الرشوة. ونفى موزيس التهمة. وتتضمن الأدلة في القضايا الثلاث تسجيلات سرية وشهادات موثقة لمساعدين سابقين لنتنياهو انقلبوا عليه وشهادات لآخرين قدموا تفاصيل بشأن تلك الاتهامات.
ومن التواريخ الأخرى التي يجب وضعها في الاعتبار صيف عام 2023، قبيل نهاية ولاية رئيس الوزراء نفتالي بينيت، وفي هذا الوقت قد يواجه نتنياهو ضغوطاً قوية في الليكود والأحزاب التابعة له للتنحي لمنع رئيس الوزراء المناوب يائير لابيد من الوصول إلى السلطة.
وإذا كان نتنياهو ينوي البقاء، فقد يعلن عن انتخابات تمهيدية سريعة لقيادة الليكود في وقت مبكر في الأول من سبتمبر/أيلول، أي في اليوم التالي لانتهاء حملة العضوية، للاستفادة من إعلان جميع خصومه المحتملين، عدا أدلشتين، تأجيل انضمامهم للسباق.
ما فرص تخلص الليكود من نتنياهو؟
وكشفت ميري ريغيف رسمياً يوم الجمعة الماضي أنها ستخوض المنافسة بعد أن يغادر نتنياهو منصبه. وفي حديثها لصحيفة يديعوت أحرونوت، قالت ميري إنه يتعين على أعضاء الليكود أن التصويت لها لأنها سفاردية. فقد ولدت في بلدة كريات جات الجنوبية لمهاجرين من المغرب، هما فيليكس ومارسيل سيبوني.
وقالت ميري: "حان الوقت لأن يتولى شخص من السفرديم رئاسة الوزراء. وأعتقد أنه يجب على أعضاء الليكود السفرديم التصويت هذه المرة لشخص يمثل طبقتهم وعرقهم وأجندتهم. لقد صوتوا لسنوات لصالح البيض لقيادتهم. وفي اليوم التالي لرحيل نتنياهو، أعتقد أنه عليهم التفكير ملياً".
وقالت مصادر في الليكود إن مقابلتها أضرت بها كثيراً بين قاعدتها السياسية في الحزب. فقد شعروا بالغضب لا بسبب نصيحتها بعدم التصويت لـ"البيض" فقط ولكن لأنها خرجت بهذا التصريح في مقابلة مع صحيفة يديعوت، التي يُنظر إليها على أنها معادية لحزب الليكود. وهوجمت ميري أيضاً على عدم احترامها لنتنياهو، رغم أنها امتدحته طوال المقابلة.
وقال أوحانا لقناة Knesset Channel: "من يقولون إنهم سيتولون زعامة الليكود (في اليوم التالي لرحيل نتنياهو) يتمنون سراً في قلوبهم- وستكون ساذجاً إن لم تفهم ذلك- أن يأتي (اليوم التالي لنتنياهو) قريباً. والأدهى أنهم سيفعلون أشياء سراً وعلناً ليأتي ذلك اليوم. وأنا عن نفسي لست منهم".
ومن الأكثر قبولاً أن يقول المرشحون في حزب الليكود إنهم لن يخوضوا الانتخابات أمام نتنياهو، لكنهم سيحرصون على أن يستعدوا "لليوم التالي بعد نتنياهو".
ونير بركات هو أفضل مثال على من يتبعون هذا النهج، وقد استثمر بشكل كبير في حملة عضوية الليكود ووسائل التواصل الاجتماعي واستطلاعات الرأي التي لا تعد ولا تحصى. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن لديه الفرصة الأكبر للفوز بالسباق بغض النظر عن موعد حدوثه.
وبركات، على عكس المرشحين الآخرين، يمكنه أن يجلب لليكود تفويضات كثيرة من أحزاب أخرى. ويمكنه تشكيل حكومة مستقرة في ظل الكنيست الحالي دون الحاجة إلى انتخابات أخرى.
والمرشحون لزعامة حزب الليكود يقولون في أحاديثهم الخاصة إن أعداداً متزايدة من أعضاء حزب الليكود أصبحوا يعون أن نتنياهو قد تحول من مصدر قوة إلى عبء، وقد يعود الليكود إلى السلطة بسرعة كبيرة فور رحيله. لكنهم لم يصرحوا بهذا علناً بعد.