لا يزال مطار كابول الدولي محط أنظار العالم، ويبدو أنه سيستمر في خطف الاهتمام في ظل استمرار عمليات الإجلاء بعد سيطرة طالبان وانسحاب الأمريكيين، فما قصة المنفذ الجوي الوحيد؟ وكيف تتم إدارته حالياً؟
ومنذ سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية الأحد 15 أغسطس/آب، يمكن القول إن بؤرة الأحداث قد تركزت في مطار كابول، إذ تم إغلاق السفارة الأمريكية وأصبح الوجود الأمريكي والغربي في أفغانستان محصوراً في المطار، الذي أصبح وجهة عشرات الآلاف من الأفغان الساعين لمغادرة البلاد.
وتكررت الحوادث المأساوية داخل المطار وفي محيطه، وربما كان أكثرها قسوة ومأساوية مشهد تعلق شباب أفغان بعجلات طائرة عسكرية أمريكية في طريقها للإقلاع وسقوطهم منها بعد أن أصبحت في الجو.
المطار الذي بناه الاتحاد السوفييتي
ترجع الفصول الأولى لقصة مطار كابول الدولي إلى عام 1960، عندما تم تشييده على بُعد نحو 5 كيلومترات من مركز العاصمة كابول، وبناه مهندسون سوفييت، وكان ذلك إيذاناً ببدء وصول السائحين إلى أفغانستان.
لكن مع بدء الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، سيطر القوات الغازية على المطار وظلت تستخدمه كقاعدة عسكرية، وتم بناء هناجر للطائرات العسكرية ومباني للقيادة والتدريب.
وبعد الانسحاب السوفييتي، تناوبت الفصائل الأفغانية المتقاتلة السيطرة على مطار كابول الدولي، حتى تمكنت حركة طالبان من فرض سيطرتها على البلاد عام 1996 وسيطرت على المطار بشكل كامل.
ونظراً لكون أفغانستان دولة حبيسة، يعتبر مطار كابول الدولي منفذاً رئيسياً لها على العالم الخارجي، ومن الواضح أن القوات الأمريكية التي غزت أفغانستان أواخر عام 2001 وأطاحت بحكم طالبان، كانت تدرك ذلك، فنال المطار جانباً كبيراً من الاهتمام وتمت توسعته ومضاعفة مساحته.
لم يعد مطار كابول الدولي منفذاً رئيسياً على العالم الخارجي فقط، بل أصبح أيضاً قاعدة عسكرية رئيسية، حيث يضم نظام رادار متطوراً يراقب الأجواء الأفغانية بشكل كامل، كما أصبح مقراً للقوات الجوية الأمريكية وأيضاً للقوات الجوية الأفغانية المدعومة من واشنطن وحلفائها.
مطار حامد كرزاي الدولي
وشهد مطار كابول الدولي تطويراً ضخماً خلال العقد الأخير، تمثل في بناء صالة جديدة للسفر الدولي من وإلى أفغانستان، بينما أصبحت الصالة القديمة التي شيدها السوفييت تستخدم فقط للرحلات الداخلية. كما تم بناء عدد من القواعد العسكرية في محيط المطار لتصبح مقرات للقوات الجوية الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان وأيضاً للقوات الجوية الأفغانية.
وكانت مهمة تأمين المطار ومحيطه يقوم بها قوات الأمن والجيش الأفغاني التابعة للحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب. وبعد انتهاء رئاسة حامد كرزاي عام 2014، قرر البرلمان الأفغاني تغيير اسم مطار كابول الدولي إلى مطار حامد كرزاي الدولي، وصدقت حكومة الرئيس أشرف غني على القرار.
المطار الجديد تكلف تشييده 35 مليون دولار، وساهمت اليابان بالجزء الأكبر من التكاليف، وفي عام 2012 قام الأمريكيون بتقوية أنظمة الرادار في المطار لتغطي المجال الجوي الأفغاني كاملاً. وتلا ذلك توسعة وتطوير المطار لأغراض عسكرية، ليضم القيادة الرئيسية للقوات الجوية للناتو في أفغانستان.
ومن الواضح أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء مسارعة واشنطن بإغلاق سفارتها في كابول وتحويل إدارة عمليات الإجلاء لما تبقى من قواتها ومواطنيها إلى مطار حامد كرزاي الدولي، لكن ما يشهده المطار من فوضى ودماء لأسباب متعددة سواء تدافع أو إطلاق نار، مع تصريحات طالبان بأن 31 أغسطس/آب يمثل "الخط الأحمر" للأمريكيين، كلها عوامل تشير إلى أن قصة مطار كرزاي الدولي قد تكون عاملاً مفصلياً في تحديد حاضر أفغانستان وبالتبعية مستقبلها.
كيف سيخرج بايدن من مأزق المطار؟
ومنذ الأسبوع الماضي واختفاء قوات الأمن الأفغانية المنوط بها تأمين المطار واحتشاد الآلاف من الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد بعد هروب الرئيس غني واستيلاء طالبان على البلاد بسرعة مذهلة، اتفقت واشنطن مع قادة طالبان على أن تتولى القوات الأمريكية مسؤولية المطار لحين اكتمال عمليات الإجلاء.
كانت الفوضى العارمة في المطار قد أدت إلى وفاة سبعة أشخاص في أسوأ حادث تدافع، وعلى إثر ذلك بدأ مقاتلو طالبان في تولي عملية التنظيم في محيط المطار، وأمس الأحد 22 أغسطس/آب قال أمير خان تقي المسؤول الكبير في الحركة: "الولايات المتحدة بكل قوتها وتجهيزاتها (…) فشلت في فرض النظام في المطار. السلام والهدوء يعمان كل أرجاء البلاد لكن الفوضى تعم مطار كابول (…) يجب أن يتوقف ذلك بأقرب وقت ممكن".
لكن الفوضى التي تشهدها عمليات الإجلاء وضغط الحلفاء أجبرا الرئيس جو بايدن على فتح الباب أمام احتمال بقاء الجنود الأمريكيين في أفغانستان إلى ما بعد 31 أغسطس/آب، وهو موعد الانسحاب المقرر، مشيراً إلى "مناقشات جارية" بهذا الخصوص. وقال الرئيس الأمريكي مساء الأحد: "ثمة مناقشات جارية بيننا وبين الجيش بشأن التمديد. نأمل ألا نضطر إلى التمديد لكننا سنناقش مدى تقدم عملية الإجلاء".
وقال البيت الأبيض، الأحد، إنه تم إجلاء نحو 30 ألف شخص منذ 14 أغسطس/آب، في حين تريد واشنطن إخراج 15 ألف أمريكي و50 إلى 60 ألف أفغاني مع عائلاتهم. وينتظر آلاف الأجانب من جنسيات أخرى وأفغان عملوا مع الحلفاء، عمليات إجلائهم من قِبَل دول غربية.
لكن ربما يكون أكثر أسباب القلق لدى الأمريكيين هو أن يتعرض المطار لهجوم من تنظيم الدولة (داعش)، وهو ما عبَّر عنه صراحة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي عندما قال، أمس الأحد، إن التهديد بشن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات على المطار بأنه "حقيقي" و"حاد".
واليوم الإثنين 23 أغسطس/آب، أكد الجيش الألماني أن مواجهة بالأسلحة النارية اندلعت بين قوات الأمن الأفغانية ومهاجمين مجهولين عند البوابة الشمالية بمطار كابول، مضيفاً أن أحد أفراد قوات الأمن الأفغانية لقي حتفه وأصيب ثلاثة آخرون في المعركة شاركت فيها أيضاً قوات أمريكية وألمانية.
الساعون لمغادرة أفغانستان
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة للغاية، تلوح في الآفاق تساؤلات مثل: من هم الأفغان الساعون للمغادرة؟ وإلى أين يذهبون؟ ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً قال إن من يتم إجلاؤهم الآن هم مزيج من موظفين حكوميين غربيين وعاملين في وكالات الإغاثة الدولية، بالإضافة إلى المواطنين الأفغان الذين عملوا مع الحكومات الغربية أو وكالاتها، أو يُتوقع أن يكونوا معرضين للخطر على نحو خاص بسبب طبيعة عملهم، مثل الصحفيين أو المترجمين أو نشطاء حقوق الإنسان.
وتولى الجيش الأمريكي نقلَ نحو 7 آلاف شخص من كابول على متن طائرات شحن. وقالت المملكة المتحدة إنها أخرجت نحو 1200 شخص من البلاد صباح الأربعاء 18 أغسطس/آب، فيما قالت وزيرة الدفاع الألمانية بعد ظهر الجمعة 20 أغسطس/آب، إن قوات بلادها نقلت نحو 1700 شخص إلى بر الأمان.
إضافة إلى ذلك، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده نقلت جواً 550 شخصاً إلى خارج أفغانستان حتى الآن، فيما تقول فرنسا وإيطاليا إن كل دولة منهما أجلت نحو 500 شخص. وتشمل جهود الإجلاء دولاً أخرى، منها أستراليا وكندا وجمهورية التشيك والدنمارك وبولندا وسويسرا.
وتوقفت معظم الطائرات العسكرية التي انطلقت من مطار كابول في العاصمة الأوزبكية طشقند أو الدوحة في قطر أو إسلام أباد في باكستان، حيث من المقرر نقل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم على متن رحلات منتظمة إلى الدولة المستقبِلة.
أين يذهب اللاجئون الأفغان؟
تشير المعلومات التي أورتها الغارديان إلى أن بعض الأفغان، ومعظمهم من المدنيين الذين عملوا مع البعثات الأمريكية أو الدولية في البلاد، يُخطط لإيوائهم في ألبانيا أو كوسوفو أو مقدونيا الشمالية إلى حين استخراج تأشيراتهم الأمريكية. وتعد دول البلقان الثلاث، التي من المقرر أن تستقبل أعداداً متفقاً عليها من الأفغان الذين أجلتهم القوات الأمريكية نهاية هذا الأسبوع، أولى الدول الأوروبية التي تلتزم بترتيبات بلد العبور مع الولايات المتحدة.
وهناك خطط انتظار مماثلة لكولومبيا وأوغندا وقطر، حيث من المقرر نقل اللاجئين إليها إلى حين استكمال الوثائق الخاصة بهم واستقبالهم في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المستقبلة للاجئين.
وتعهدت الولايات المتحدة باستقبال 10 آلاف لاجئ من أفغانستان، فيما تستقبل أستراليا 3 آلاف في إطار برنامج قائم لاستقبال اللاجئين. وقالت طاجيكستان الشهر الماضي إنها مستعدة لإيواء 100 ألف نازح من أفغانستان المجاورة لها.
أما الدول الأوروبية، فأبدى معظمها تردداً في الالتزام باستقبال أعداد محددة من اللاجئين الأفغان بخلاف أولئك الذين تعاونوا مع قواتهم أو الوكالات التابعة لهم، وسط مخاوف من تكرار أزمة اللاجئين التي وقعت في عام 2015.
أخبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زملاءها في الحزب أن البلاد عليها استقبال نحو 10 آلاف شخص من المعرضين للخطر في أفغانستان، مع التشديد على أن غالبية اللاجئين من المقرر إيواؤهم في بلدان مجاورة.
وطلب الرئيس التركي من الاتحاد الأوروبي الالتزام بالاتفاقيات التي وقعها سابقاً بشأن المهاجرين واللاجئين ومساعدة دول الجوار. وفي إشارة إلى اتفاق عام 2016 الذي يمكن بموجبه إعادة المهاجرين "غير الشرعيين" الذين يصلون الاتحاد الأوروبي إلى تركيا مقابل مساعدات، حثَّ أردوغان جيرانه على "الوفاء بالتزاماتهم بصدق".
وقال أردوغان إنه لما كانت دول الاتحاد الأوروبي تخشى زيادة عدد الوافدين الأفغان إليها، فإنه ينبغي لها أن تساعد الدول المجاورة لأفغانستان، مثل إيران، للتعامل مع أي موجات جماعية جديدة للاجئين. وقال أردوغان لرئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس: "إن موجة جديدة من اللاجئين ستكون أمراً حتمياً إذا لم تُتَّخذ التدابير اللازمة في أفغانستان وإيران". وقالت أثينا بالفعل إنها قد تعيد الأفغان الذين يبلغون شواطئها إلى تركيا التي تعتبرها دولة "آمنة" لاستقبال اللاجئين.
من جهة أخرى، أعلنت المملكة المتحدة عن خطة توطين قد توفر ملاذاً لنحو 20 ألف لاجئ أفغاني خلال السنوات المقبلة، مع التركيز على النساء والأطفال والأقليات الدينية. وتعهدت كندا بإعادة توطين عددٍ مماثل.