يبدو أن زيارة عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني إلى روسيا تحمل أجندةً دسمة يتصدرها الملفُ السوري، في ظل تكثيف قوات نظام بشار الأسد هجماتها على درعا، فأي تفاهم قد يصل إليه الملك وبوتين؟
وكانت قوات النظام السوري قد كثفت من قصفها درعا، رداً على الاحتجاجات المناهضة للنظام هناك، وتسبب القصف في مقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً، من بينهم 27 طفلاً. وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أجبر القتال 24 ألف شخص على الفرار من منازلهم هناك.
وتريد قوات النظام، المدعومة من روسيا وإيران، تجريد المعارضين في درعا، مهد الثورة السورية، من الأسلحة الخفيفة بعد أن تركوا أسلحتهم الثقيلة في إطار اتفاقية السلام الموقعة في 2018، وهو ما تخرقه قوات النظام سعياً للقضاء على أي معارضة متبقية وفرض سيطرتها على كامل محافظة درعا، المجاورة للأردن.
لقاء بين ملك الأردن وبوتين
وفي ظل هذه التطورات على الجبهة السورية، أعلن الكرملين عن لقاء مرتقب الإثنين 23 أغسطس/آب، يجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعاهل الأردني لبحث ملفات مختلفة، أبرزها الأزمة السورية.
وكانت التطورات الدامية التي تشهدها سوريا الجارة الشمالية للمملكة الأردنية قد دفعت عمان إلى إغلاق كامل حدودها مع سوريا في 31 يوليو/تموز الماضي؛ جراء الأوضاع الأمنية في محافظة درعا.
وفي 25 يونيو/حزيران الماضي، فرضت قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها حصاراً على "درعا البلد"، بعد رفض المعارضة تسليم السلاح الخفيف، باعتباره مخالفاً لاتفاق تم بوساطة روسية عام 2018، ونص على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط.
وتدرك موسكو، الحاضرة بقوة وتدعم النظام السوري منذ بداية الأزمة عام 2011، أهمية الدور الأردني في حسم الملف، وخاصة في القطاع الجنوبي، لذا فإن اتصالات القادة والمسؤولين من البلدين لم تنقطع طيلة السنوات الماضية.
وفي الأعوام الماضية، اجتمع الرئيس بوتين مع ملك الأردن عبد الله الثاني، وبحث معه معظم ملفات المنطقة، وكان آخرها على هامش مشاركة الأخير في أعمال منتدى "فالداي" للحوار في سوتشي الروسية عام 2019.
ومع اشتداد الأزمة في درعا، واتخاذها بُعداً دولياً واسعاً؛ لما تفرضه قوات النظام السوري من حصار على أهالي المحافظة، مهد الثورة في بلادهم، وما ترتب عليه من قتل وتجويع، فإن روسيا تسعى لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف ويزيل "نقطة سوداء" من سجلها، وفق ما يراه مراقبون.
إذ كانت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قد نشرت تحليلاً تناول ما يعنيه تجدد القتال في سوريا بالنسبة لاستراتيجية روسيا، التي يبدو أنها اكتشفت أن الحفاظ على السلام في سوريا أصعب من القتال في حربها الأهلية. ويرجع ذلك إلى الاعتداء الشرس من جانب قوات النظام السوري ضد إدلب، المعقل الأخير للمعارضة السورية، وفي درعا يؤدي إلى في تقويض الهدف الأساسي لموسكو الرامي إلى ترسيخ أقدامها بوصفها وسيطاً قوياً رئيسياً في المنطقة.
ما أهمية لقاء عبدالله وبوتين؟
محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان الأردني (الغرفة الثانية للبرلمان)، وصف في حديث له مع الأناضول، اللقاء المرتقب بين ملك البلاد والرئيس بوتين، بأنه "مهم للغاية لما تشهده قضايا المنطقة والعالم من تطورات تستدعي تكاتف الجهود؛ للحيلولة دون تفاقمها".
وأضاف المومني: "الأردن يسعى عبر دبلوماسيته إلى المشاركة الفاعلة في إنهاء الأزمات التي تشهدها المنطقة والعالم"، وزاد: "اللقاء المرتقب بين الملك وبوتين سيحسم الكثير من الأمور، خاصة على صعيد الأزمة السورية".
وقال المومني: "التطورات في محافظة درعا السورية تتطلب من موسكو وضع حد لما يجري فيها، كما أن الأردن حريص على الوصول إلى حل سلمي ينهي ما يجري هناك"، مضيفاً: "أعتقد أن هذا الملف سيكون حاضراً بقوة على طاولة الملك وبوتين، باعتبار أن روسيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السوري، وبإمكانها أن تلعب دوراً بارزاً في هذا الملف".
ولم يستبعد المومني أن تكون هناك ملفات أخرى، بما فيها إيران وأفغانستان، لكنه رجح أن ينهي اللقاء تطورات درعا السورية، ويتم التوصل إلى تفاهمات مع موسكو تضمن عدم التأثير على استقرار المملكة.
ولا تزال دبابات النظام السوري تواصل قصف منطقة "درعا البلد" في محافظة درعا (جنوب)، رغم التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار السبت الماضي، بين روسيا والنظام من جانب، واللجنة المركزية للتفاوض عن أهالي درعا من جانب آخر، وإطلاق جولة جديدة من المفاوضات.
هل يحمل الملك خارطة طريق للملف السوري؟
من جانبه، رأى بدر الماضي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية (حكومية)، في حديثه للأناضول، أن "الزيارة تأتي في إطار الاشتباك السياسي الذي استطاع الأردن أن يخوضه في الفترات الماضية، حيث إن الملك عاد من زيارة ناجحة للولايات المتحدة".
"شهدت عمّان في الأسابيع الماضية حراكاً دبلوماسياً كبيراً ومهماً جداً، انتهت بزيارة لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ولذلك أعتقد أن الملك سيحمل خارطة طريق تتعدى موضوع درعا إلى الأزمة السورية بشكل عام".
وشدد الماضي على أن "اللقاء المرتقب سيؤدي إلى الضغط على النظام السوري عبر علاقاته مع موسكو، للحد من وصول الميليشيات المسلحة، والمدعومة إيرانياً من حدود المملكة".
واعتبر الأكاديمي الأردني أن العلاقات الأردنية الروسية تتسم بالتوازن والمرونة، ما يتيح لعمان التنويع في خياراتها الاستراتيجية، ومناقشة ملفات أخرى لا تقل أهمية عن الأزمة السورية مثل التطورات على الساحة الأفغانية، مضيفاً: "روسيا بالنسبة للأردن هي مفتاح الحل والحليف الموثوق لتأطير السلوك الإيراني في المنطقة، وبالتالي استقرار للأوضاع الأمنية، وانعكاسه إيجابياً على مصالح الدول، بما فيها الأردن".
الكهرباء من الأردن إلى لبنان
أما المحلل السياسي عامر السبايلة، فقد ذكر في حديثه للأناضول، أنه "لا يمكن فصل سياق الزيارة عن التطورات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً بعد زيارة الملك الأردني إلى واشنطن (يوليو/تموز الماضي)، والحديث عن رغبة أردنية في الدخول إلى الملف السوري، والايحاء بالحصول على المساحة الواسعة للمناورة في عدد من الملفات".
"عندما نتحدث مع روسيا اليوم، فلا شك بأن الملف الأساسي هو درعا والجنوب السوري في المقام الأول"، مضيفاً: "اللقاء قد يتناول أيضاً الفكرة الطموحة بتوفير واستجرار الطاقة من الأردن لدعم لبنان، وهو أمر لا يمكن السير به عملياً دون الحديث مع روسيا، فموسكو هي العامل الفعلي على الأرض السورية، وفي حال نفذ مشروع جر الطاقة للبنان سيكون عبر الأراضي السورية".
واتفق السبايلة مع سابقيه حول احتمالية التطرق الى ملفات أخرى، بما فيها أفغانستان والعراق، وغيرها من القضايا، لكنه شدد على أن ملف سوريا ومحاولة تسويق فكرة ربط لبنان بكهرباء الأردن سيكون هو الأبرز.
وكانت وسائل إعلام روسية قد نقلت الجمعة 20 أغسطس/آب عن يوري أوشاكوف مساعد بوتين قوله في تصريح صحفي، رداً على سؤال حول ما إذا كان من المخطط أن يزور الملك عبد الله روسيا الأسبوع المقبل: "نعم، وسيتم عقد لقاء عمل (مع الرئيس بوتين) الإثنين".
كانت روسيا قد وضعت ثقلها العسكري والسياسي في الميزان لإنقاذ نظام بشار الأسد حتى تَحقق لها ما أرادت، لكن القتال المتجدد في درعا وسقوط عشرات الضحايا بين المدنيين يقوض فرصة موسكو لفرض النفوذ في الشرق الأوسط.
وكان وقف إطلاق النار عام 2018 بين قوات بشار الأسد والمعارضة في منطقة درعا، مهد الثورة السورية، فكرة روسية تلاها توقيع اتفاقيات أخرى مشابهة في مناطق أخرى، كانت تسيطر عليها المعارضة، وصولاً إلى الاتفاق الخاص بإدلب بمشاركة تركيا.
وبالتالي فإن انتهاك نظام بشار الأسد لتلك الاتفاقيات الآن، بعد أن أصبح يسيطر على غالبية مناطق سوريا، يثير القلق من سقوط مزيد من الضحايا بين المدنيين وموجات أخرى من النزوح واللجوء، وهو ما يثير قلق دول الجوار ومنها الأردن بطبيعة الحال.