مع استمرار تداعيات ما يحصل في أفغانستان، أدخل زعماء الاتحاد الأوروبي أنفسهم في "حالة جنون" حيال مخاطر تكرار سيناريو أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
فخلال مؤتمرٍ صحفي عُقِدَ في برلين الإثنين 16 أغسطس/آب قال أرمين لاشيت، المرشح الأقرب لخلافة أنجيلا ميركل في ألمانيا: "لا يجب أن نبعث برسالةٍ فحواها قدرة ألمانيا على استقبال كل المحتاجين. بل يجب أن ينصبَّ تركيزنا على تقديم المساعدات الإنسانية للناس في موقعهم، لتجنّب سيناريو عام 2015".
ورغم اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"مسؤولية أوروبا المتمثلة في استقبال بعض الحقوقيين، والفنانين، والصحفيين، والمدافعين عن مختلف القضايا من المعرضين للتهديد"؛ لكن ذلك الاعتراف جاء مع تحذيرٍ كبير؛ إذ قال في مؤتمرٍ صحفي: "لا تستطيع أوروبا مواجهة تداعيات الموقف الحالي بمفردها. بل يجب أن نقرأ المستقبل ونحمي أنفسنا من تدفقات الهجرة غير الشرعية الكبيرة"، حسب تعبيره.
ما حقيقة المخاوف الأوروبية من موجات لجوء أفغانية؟
تقول الغارديان إن هذه المخاوف الزائفة تحجب حقيقة أنّ الاتحاد الأوروبي- ودوله الأعضاء- قضى سنوات في اتخاذ تدابير مُشددة بالفعل لتقليل الهجرة غير الشرعية وموجات اللجوء.
ومن شأن تلك التدابير أن تحول دون تكرار سيناريو عام 2015، حين سعى 1.2 مليون لاجئ إلى الحصول على حق اللجوء السياسي داخل الاتحاد الأوروبي (أي 0.16% من إجمالي سكان أوروبا)، مما أثار معارضةً سياسية استندت إلى التهديد المفترض الذي يمثله أولئك المهاجرين على الاتحاد الأوروبي.
لكن الوضع مختلفٌ للغاية الآن. فاتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2016، قد كبح بشدة أعداد الواصلين بالفعل. حيث تراجعت أعداد المتقدمين للجوء في الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى إلى 631.300 شخص في عام 2019 – أي أقل من نصف العدد قبلها بأربع سنوات.
كما تمت تقوية حرس السواحل والحدود في الاتحاد الأوروبي، وصار لتلك القوات فريق عملها الخاص والقدرة على تنظيم عمليات التفتيش والإنقاذ بمفردها- بدون الاعتماد على الإسهامات التطوعية من عواصم الاتحاد الأوروبي كما كان الحال في السابق.
من الفئات التي ستستقبلها أوروبا من أفغانستان؟
كذلك وضعت العديد من دول "المواجهة" الأكثر تعرضاً لدخول اللاجئين العديد من سياسات الهجرة شديدة الصرامة؛ حيث تقاوم اليونان- مثلاً- بشدة من مطلع عام 2020 وصول اللاجئين إلى جزر بحر إيجة، وتتجنب دراسة طلبات اللجوء. وبعكس أزمة اللاجئين السابقة، فلن ينقسم موقف الاتحاد الأوروبي هذه المرة بين المتشددين وبين أنصار سياسة "الأبواب المفتوحة".
إذ لن تُرحب غالبية الدول الأعضاء سوى بعددٍ محدود من "الموظفين الأفغان" الذين عملوا مع البعثات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي أو دوله، وبعض القطاعات الأخرى مثل النساء والفتيات والممثلين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين. ولن نشهد عودةً لنهج الأبواب المفتوحة الذي تبنّته ميركل والسويد في عام 2015، وهاجمه النقاد.
علاوةً على أنّ طريق العبور الرئيسي للأفغان إلى أوروبا يمر عبر إيران ثم تركيا، وهو طريقٌ سيكون من الصعب اجتيازه الآن. ففي أواخر عام 2020، فرضت إيران تشريعاً جديداً يستهدف الأفغان ويجعل المهاجرين غير الشرعيين عرضةً لأحكام بالسجن تصل إلى 25 عاماً.
أما في تركيا، فقد تشكل الضغوط الداخلية حول ملف اللاجئين ضغطاً كبيراً على الرئيس رجب طيب أردوغان حتى يتخذ موقفاً أكثر صرامة. ففي عام 2019، احتجزت السلطات التركية 455 ألفاً من المهاجرين غير الشرعيين.
وقد أظهر استطلاعٌ للآراء في يوليو/تموز أن 67% من الأتراك يعارضون فتح الحدود أمام اللاجئين الأفغان، وأكثر من نصف المعارضين هم من أنصار حزب العدالة والتنمية الخاص بأردوغان، كما تقول الغارديان.
ولهذه الأسباب تستهدف أنقرة بناء جدارٍ بطول نصف حدودها مع إيران تقريباً، والتي يصل طولها إلى 500 كم. حيث ستحفر الخنادق، وتُنصّب الأسلاك الشائكة، وتنشر الدوريات لمنع عبور الحدود. كما زادت قوات الأمن التركية تواجدها على الحدود الإيرانية.
الانتخابات هي كلمة السر في المخاوف الزائفة التي يطلقها القادة الأوروبيون
لذا فبعكس عام 2015 الذي شهد اتباع أنقرة لسياسة "الأذرع المفتوحة" مع السوريين الفارين، نجد أن هناك اتفاقاً الآن بين تركيا والاتحاد الأوروبي في عزمهما على منع وصول المزيد من المهاجرين. مما سيفتح أبواب التعاون الدبلوماسي والأمني والمالي بشكلٍ كان غائباً في المرة الماضية.
وتُلمِّح المؤشرات المبكرة من بروكسل وعواصم الاتحاد الأوروبي إلى أن التكتل الأوروبي سيتعاون عن كثب مع شركائه بقيادة تركيا من أجل وقف الهجرة غير الشرعية، ومحاولة إبقاء اللاجئين الأفغان في المنطقة المحيطة بباكستان وإيران ودول وسط آسيا المستعدة لاستضافتهم أو تقديم المساعدات العابرة للحدود لهم. كما ستسعى بروكسل إلى الضغط من أجل استجابةٍ دولية بواسطة منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبالتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين.
وهناك احتمالية نزوح العديد من الناس عبر الحدود. وهو أمرٌ قد يجده زعماء الاتحاد الأوروبي إشكالياً، لكن سيظل قائماً. وسوف يعتمد الشطر الأعظم من الأزمة على طبيعة نظام حكم طالبان. ومع ذلك يظل من المستبعد أن تنجح ضغوط اللاجئين الأفغان في التأثير على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء؛ حيث يفشل زعماء الاتحاد الأوروبي في تقدير الدفاعات التي يمتلكونها، وباتوا يتحركون مدفوعين بدلاً من ذلك بالاعتبارات السياسية القائمة داخل بلادهم: سواءً الانتخابات في ألمانيا وفرنسا، أو محاولة منع الشعبويين من تحقيق مكاسب أكبر- بعد فشلهم في الاستفادة من الجائحة.