واشنطن بوست: هل يقبل زعماء طالبان الدينيون بالمرونة التي أبداها قادتها السياسيون؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/18 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/18 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش
الملا بردار قائد طالبان السياسي/رويترز

طيلة سنوات، أخفى المتحدث باسم حركة طالبان وجهه عن العالم. لكن الوضع تغيّر بشكلٍ دراماتيكي يوم الثلاثاء 17 أغسطس/آب، حين ظهر ذبيح الله مجاهد بوجهه للحديث علناً وتفصيلاً خلال مؤتمرٍ صحفي في كابول

وقال مجاهد في المؤتمر إنّه قد تغيّر هو وجماعته، فبعد عودتها لحكم أفغانستان من جديد، سوف تمتنع طالبان عن العنف الانتقامي وتحترم حقوق النساء. 

كما ستعفو عن خصومها المحليين وتسعى لتكوين علاقات جيدة مع أعدائها القدامى من الأجانب. 

وأكّد مجاهد في مؤتمره الصحفي: "لن يتعرض أحدٌ للأذى في أفغانستان".

وهذا يعني باختصارٍ أنّ نسخة طالبان الجديدة ستكون مختلفةً تماماً عن طريقة تعامل الحركة خلال آخر فتراتها في السلطة، والتي استغرقت خمس سنوات وتركت البلاد مدمرةً ومنبوذة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

تطمينات عديدة سبقها تغيُّر ظهر في سلوك القيادات السياسية

وتتوافق تلك التأكيدات القوية مع طريقة عرض الحركة لنفسها منذ اجتياح مقاتليها للعاصمة يوم الأحد 15 أغسطس/آب، مع عرض قيادات الحركة المصالحة وضبط النفس الواضح على المقاتلين من حمَلة البنادق في شوارع كابول.

ولكن لم يتضح بعدُ ما إذا كانت هذه التأكيدات ستؤثر على أسلوب حكم طالبان في النهاية، بينما تُواجه أفغانستان فصلاً جديداً في عقودهاً الأربعة من الصراع شبه المتواصل. وتزداد الإجابة تعقيداً هنا، بسبب الطبيعة المنقسمة للمجموعة وطريقتها الغامضة في اتخاذ القرارات.

إذ تساءل سعد محسني، الذي تمتلك شركته قناة Tolo TV الأشهر في أفغانستان: "هل يُمكن لرجال طالبان الحقيقيين أن يظهروا فضلاً؟ فنحن لا نعرف طبيعة حركة طالبان التي سوف تسود في النهاية".

فداخل مطار كابول الدولي وفي محيطه يوم الثلاثاء، واصل الآلاف الاحتشاد بحثاً عن رحلةٍ تأخذهم إلى خارج البلاد؛ وذلك لقناعتهم بأن الحياة تحت حكم طالبان سوف تعود إلى طبيعة القمع التي كانت عليها في عهدهم قبل الغزو الأمريكي عام 2001.

بينما قال السفير الباكستاني الأسبق لدى الولايات المتحدة حسين حقاني: "إنّه حلمٌ ليبراليٌّ جامح أن تجد شخصاً -على استعداد للقتال والموت من أجل نظامٍ عقائدي- ثم بعد أن ينتصر يُغيّر نظامه العقائدي من أجل الحصول على اعترافٍ من غير المؤمنين!"، حسب تعبيره.

أمريكا مستعدة للاعتراف بحكومة طالبان ولكن بشروط

وقد اتخذت إدارة بايدن موقفاً علنياً حذراً، بقولها إنّها ستُؤجّل حكمها على طالبان في انتظار رؤية المزيد. لكن المسؤولين خلف الكواليس يقولون إنّهم غير واثقين على الإطلاق بخطاب طالبان اللين.

ولم يستبعد المتحدث باسم وزير الخارجية الأمريكي، نيد برايس، الإثنين 16 أغسطس/آب، اعتراف الولايات المتحدة بحكومة طالبان، لكنه سرد عدداً من الشروط المسبقة لذلك ومنها: حماية حقوق المرأة وعدم إيواء الإرهابيين.

ويُعتبر الاعتراف الأمريكي واحداً من آخر أشكال النفوذ المتبقية لواشنطن داخل أفغانستان. إذ لم تعترف بحكومة طالبان حين سيطرت على البلاد آخر مرة -من 1996 وحتى 2001- سوى حفنة من الدول، مما تركها معزولةً وفقيرة للغاية حتى بمقاييس البلاد المتواضعة. وربما ترغب الحركة في تجنّب المصير نفسه هذه المرة.

في حين قال محسني: "أريد أن أكون متفائلاً بحذر. فربما يسهل على الغربيين أن يقولوا لطالبان: حسناً، لن نتحدث إليكم. لكننا بحاجةٍ إلى معاملةٍ أفضل لـ35 مليون أفغاني يعيشون هنا".

نهج غير متوقع بعد وصولهم لكابول

وبعد دخول طالبان إلى كابول، قال السفير الروسي لدى أفغانستان ديمتري جيرنوف "لقد بدأت المدارس بالعمل، حتى مدارس للبنات. حاول الغرب تخويفنا من أن أنصار طالبان سيأكلون النساء، لم يأكلوهن، وإنما فتحوا مدارس للفتيات".

ودعت طالبان، النساء إلى العمل واستئناف نشاطهن، وضرورة مشاركتهن في أي مناصب رسمية في ظل حكومتهم الجديدة.

وقال إنعام الله سمنغاني، عضو اللجنة الثقافية لـ"طالبان": "الإمارة الإسلامية لا تريد أن تكون النساء ضحايا، يجب أن يكنَّ في هيكل الحكومة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية". 

هل فرضوا البرقع؟

وبعد أن سرت الشائعات يوم وصول طالبان إلى كابول، بأن عناصرها سيضربون النساء اللاتي لا يرتدين "البرقع"، فإن ما حدث هو أن مذيعات في الفضائيات الأفغانية، ظهرن خفيفة لا تغطي الرأس تماماً، حسبما ورد في تقرير لموقع بوابة العين.

وفي اجتماعات التحرير الصباحية بالفضائيات ظهرت المرأة بشكل طبيعي إلى جانب الرجل، كما عليه الحال في الأيام الخوالي في ظل الحكومة الأفغانية المدنية.

بل الأكثر من ذلك، ظهر مسؤول بالحركة في مقابلة مع صحفية بقناة إخبارية أفغانية، بدت فيها ملتزمة بارتداء حجاب خفيف، يردّ فيها الرجل الملتحي على أسئلتها بشكل طبيعي جداً.

غموض حول موقف القيادات الدينية

لكن هوية القيادات المؤثرة في طالبان ما تزال غير واضحةٍ أيضاً. 

إذ كانت حلقة الوصل الأساسية بين الحركة والقوى الغربية عبارة عن مجموعة من قيادات طالبان في الدوحة بقطر. وأبرزهم هو عبدالغني برادر، الذي عاد إلى أفغانستان يوم الثلاثاء مع توقعات بتشكيله حكومةً خلال الأيام المقبلة.

غير أن حقاني ومحللين آخرين قالوا إن السلطة الحقيقية ليست متركزةً لدى القيادة السياسية للحركة، بل تقع في يد السلطات الدينية لـ"طالبان"، خاصةً القائد الأعلى الملا هبة الله آخوند زادة.

ولطالما ترددت الشائعات حول إقامة آخوند زادة وغيره من قيادات طالبان في مدينة كويته الباكستانية، لكن الحكومة الباكستانية تنفي الأمر. كما تمتلك الحركة جناحاً عسكرياً قوياً لديه قيادات على جانبي الحدود الأفغانية-الباكستانية.

وقد أدّت الوجوه المتعددة للحركة إلى إثارة الارتباك الكبير في العواصم الغربية، وحتى داخل كابول، الأسبوع الجاري. ورغم وجود طالبان على الساحة الأفغانية بقوة لربع قرن، فإن قوتها متجذرةٌ أكثر بالمناطق الريفية، خاصة في الجنوب.

البعض يرحب بهم لأنهم سيجلبون السلام

وبالنسبة للغالبية داخل العاصمة، فإن وجود الحركة كان أمراً مستبعداً، حتى وصل المقاتلون دون إطلاق رصاصةٍ واحدة، في مشهدٍ جديد على السكان.

فبالنسبة لغُل خان (55 عاماً)، الذي يملك متجراً بكابول، فإن هذا التحول في السلطة كان مألوفاً: إذ شهد بنفسه الإطاحة بعدة حكومات متعاقبة بالعنف خلال الأعوام الأربعين الماضية. وهو يرى أنهم قد يشهدون راحةً من تلك الدورة المتكررة الآن.

ثم أردف غُل خان: "أنا سعيدٌ بعودة طالبان. فهم إخوتنا في الإسلام".

وبعض النساء قمن بتغيير ملابسهن الضيقة بشكل استباقي

لكن الوضع ربما لا يزال غامضاً بالنسبة للنساء، حيث سارعت مرزية نزاري (23 عاماً)، التي ترتدي بنطالاً ضيقاً كان سيُعرِّضها لعقابٍ عنيف من حكومة طالبان السابقة، لتمشي بخطواتٍ واسعة وهي تمر بجوار المقاتلين في كابول.

وقالت، بعد أن حصلت على تأشيرةٍ لإيران استعداداً للسفر من البلاد: "أنا خائفة. ولن أعود أبداً، بسبب طالبان".

وليست النساء هي الفئة الوحيدة التي لديها الكثير لتخشاه. إذ لطالما تعرّضت الأقليات العرقية للاستهداف العنيف من جانب طالبان. هذا إضافة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان، وغيرهم ممن تختلف وجهات نظرهم مع عقيدة المجموعة المحافظة.

في حين قال المتحدث السابق باسم الحكومة آسف أشنا، إن هناك "ما يدعو إلى التفاؤل المحدود" بشأن عدم تنفيذ طالبان أي هجمات انتقامية ضد المعارضين، على حد زعم الحركة. ثم استدرك: "لكن الشباب الليبرالي الأفغاني معرَّضٌ لخطرٍ داهم"، حسب قوله.

إذ يقول تقرير الصحيفة الأمريكية: "داخل كابول والمناطق الحضرية، نشأ جيلٌ من الشباب الصغير الذي اعتاد الحياة بقيمٍ ليبرالية نسبياً، تشمل حرية التعبير والمساواة بين الجنسين. والآن، بات على هؤلاء الشباب التعايش مع احتمالية أن تسعى الحكومة الجديدة لمحو تلك القيم".

ووسط الحشد الذي خرج لمشاهدة انتصار طالبان يوم الأحد، برز شابٌ صغير يرتدي قميصاً وسروالاً من الجينز، ثم تساءل: "هل هذا من مقاتلي طالبان؟!".

وربما سمع الشاب عن طالبان في الأخبار أو شهد بعض عمليات الحركة الانتحارية. لكنه لم يرَ من قبلُ أحد مقاتلي الحركة وجهاً لوجه. ومع ذلك، فقد أدرك على الفور ما يجب عليه فعله، قائلاً: "يجب أن أذهب الآن لأغيّر ملابسي".

تحميل المزيد