من أصعب الحقائق التي يصعب على المرء استيعابها عن تغير المناخ أن تفاقمه في المستقبل أمر شبه مؤكد، مهما كان ما نفعله الآن، ولكن هذا لا يعني ألا نحاول تغيير هذا الواقع.
ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بنحو 1.1 درجة مئوية (حوالي درجتين فهرنهايت) منذ القرن التاسع عشر.
وتشير التوقعات إلى أنَّ درجات الحرارة في بعض المناطق من العالم ستزداد ارتفاعاً، بشكلٍ خارج تماماً عن السيطرة ولا رجعة فيه على مدار العقدين المقبلين.
وهذا يعني أن أثر الإجراءات المتخذة لتقليل انبعاثات الكربون لن يبدأ في الظهور بشكل ملحوظ إلا بعد عقود من الآن، حسبما ورد في تقرير لموقع Axios الأمريكي
هل فات أوان وقف تغير المناخ؟
بصفة عامة يمكن القول هناك أشياء في تغير المناخ قد فات أوان تغييرها، ولكن في المقابل، هناك أشياء ما زلنا بإمكاننا تغييرها حتى لو في زمن بعيد نسبياً.
وهذا يمنحنا القدرة على تجنب أسوأ سيناريوهات الاحترار، ولكن سيتعين علينا التعامل مع مستقبل يبدو وكأنه يزداد سوءاً كل عام.
وحتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً لخفض انبعاثات الكربون- وهو أكثر طموحاً بكثير من أي شيء يسير العالم حالياً تجاهه- من المتوقع أن يستمر متوسط درجات الحرارة العالمية في الارتفاع حتى عام 2050، وحين تبدأ في الانخفاض، فستظل أعلى مما هي عليه الآن بنهاية القرن.
وباستثناء اختراع جهاز يمكنه سحب الكربون خارج الغلاف الجوي- ولسنا قريبين من ذلك- فلا يوجد حل كامل لتغير المناخ. بل هو مشكلة ينبغي إدارتها- سواء بشكل جيد أو سيئ- في المستقبل المنظور.
وهذا يجعلها مشكلة مختلفة كلياً عن معظم الصعوبات الكبرى الأخرى التي يواجهها العالم.
فرغم أن جائحة كوفيد-19 كانت مفزعة ولا تزال، فستنتهي يوماً ما، وبإمكان الأفراد والحكومات اتخاذ إجراءات فورية للحصول على نتائج فورية. ولكن لا توجد "تسوية للمنحنى" في تغير المناخ، على الأقل ليس في أي وقت قريب.
البشر منقسمون إلى ثلاثة معسكرات في نظرتهم لهذه الكارثة
وبأخذ كل هذا في الاعتبار، فلا عجب أن رد الفعل على تغير المناخ يتوزع بين ثلاثة معسكرات رئيسية: الإنكار التام، والتجاهل، واليأس.
فوفقاً لاستطلاع أجري في ديسمبر/كانون الأول، يشعر 40% من الأمريكيين بالعجز حيال تغير المناخ و29% منهم يشعرون باليأس، في حين وجد استطلاع منفصل أجرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 2020 أن أكثر من نصف الأمريكيين يشعرون بقلق خفيف أو شديد من تأثير تغير المناخ على صحتهم النفسية.
وترتفع مستويات القلق من تغير المناخ بين المشاركين الأصغر سناً.
وقال محللون في مصرف مورغان ستانلي في مذكرة للمستثمرين الشهر الماضي إن "الاتجاه إلى الامتناع عن إنجاب الأطفال في الغرب بسبب مخاوف تغير المناخ تتزايد وتؤثر على معدلات الخصوبة بشكل أسرع من أي اتجاه سابق في تراجع الخصوبة".
وكان التقرير الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الإثنين الماضي يشير إلى بعض الجوانب المشرقة وسط كم هائل من الأخبار غير السارة بخصوص علم الاحتباس الحراري.
ماذا قال تقرير الأمم المتحدة؟
وأصدرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة علمية تابعة للأمم المتحدة، تقريراً شاملاً جديداً خلصت فيه إلى أن العالم لا يمكنه تجنب بعض الآثار المدمرة لتغير المناخ، ولكن ثمة فرصة ضئيلة لوقف تعاظم هذه الآثار.
كما توصل التقرير إلى أن بعض التغيرات المناخية أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى، مقارنة بفترات زمنية سابقة تتراوح بين قرون وعدة آلاف من السنين.
وأشار التقرير إلى أن تطور علوم حساسية المناخ- إلى أي مدى يمكننا توقع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب تضاعف تركيز الكربون في الغلاف الجوي عما كان عليه قبل الصناعة- مكّن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من التقليل من احتمالية حدوث أسوأ سيناريوهات الاحترار.
نعم، ولكن: يقلل هذا العلم نفسه من احتمالية أن نشهد أدنى مستويات الاحترار في ذلك السيناريو.
وضع التقرير خمسة سيناريوهات لمستقبل المناخ، يتخذ فيها البشر خطوات مختلفة لتقليل الانبعاثات التي تُسبب الاحترار. وفي جميع هذه السيناريوهات ستصل الزيادة في درجة حرارة الكوكب إلى 1.5 درجة -وهو الهدف الأكثر طموحاً من بين الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس لتغير المناخ عام 2015- بحلول عام 2040 أو قبل ذلك.
وفي معظم السيناريوهات التي نوقشت في التقرير، سيستمر الاحترار إلى ما بعد عام 2040، أي خلال الفترة المتبقية من القرن. وفي أسوأ الحالات، أي حين لا يفعل العالم الكثير لخفض الانبعاثات، قد تزداد درجات الحرارة بحلول عام 2100 من 3 إلى 6 درجات مئوية (5.5 إلى 11 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الصناعة. وسيكون لهذا عواقب كارثية.
لكن التقرير يوضح أن التخفيضات الشديدة والسريعة والواسعة النطاق للانبعاثات، بدءاً من الآن، يمكن أن تحد من الاحترار إلى ما بعد عام 2050.
وفي السيناريو الأكثر تفاؤلاً، قد يؤدي الوصول إلى "صافي صفر" انبعاثات إلى عودة الاحترار إلى ما يقل قليلاً عن 1.5 درجة مئوية في النصف الثاني من القرن الحالي.
وهذا السيناريو سيكون مهمة ضخمة ومكلفة على العالم. وسيتطلب أيضاً مستوى من الإرادة السياسية لم تستطع معظم الحكومات جمعه حتى الآن.
ويخلص الموقع الأمريكي إلى أننا أصبحنا أكثر ثقة في ما يتجه إليه تغير المناخ وأصبحنا أكثر يقيناً في قدرتنا على التأثير في ذلك المستقبل، من خلال الإجراءات المتعلقة بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
لكن الحفاظ على شعور التفاؤل بخصوص المستقبل في مواجهة تغير المناخ المتدهور تدريجياً وكل ما سيأتي معه سيصبح تحدي القرن.