بمجرد أن يُؤدي إبراهيم رئيسي القسم الدستوري الأسبوع الجاري، سيكون المتشددون قد هيمنوا على كافة قطاعات الحكومة المدنية في طهران، ليبدأ عهد جديد على ما يبدو بين إيران والغرب.
واتبعت إيران سياسة حافة الهاوية في المفاوضات النووية عبر تسريع برنامجها النووي، إضافة إلى مزاعم الغرب بأنّ طهران شنّت هجوماً فتّاكاً بالطائرات المسيّرة لاستهداف ناقلة نفط مرتبطة بملياردير إسرائيلي الأسبوع الماضي.
ولكن يبدو أن الأمور قد تدخل في مرحلة أسوأ من ذلك في العلاقة بين إيران والغرب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
فتنصيب إيران لرئيسها المنتخب إبراهيم رئيسي يوم الخميس 12 أغسطس/آب سوف يُمثّل المحطة الأخيرة في الابتعاد البطيء عن الآمال بأنّ الاتفاق النووي عام 2015 كان سيؤدي إلى انفتاح بين إيران والغرب.
بعد انتخاب رئيسي قد تفقد إيران الأمل في التقارب مع الغرب
بدلاً من الانفتاح، بدأ البلد- الذي سيحكُمه رئيسي قريباً- في تخصيب كميات قليلة من اليورانيوم ليقترب أكثر من أي وقتٍ مضى من المعدلات التي تسمح بإنتاج الأسلحة النووية، إلى جانب التدخّل أيضاً في عمليات التفتيش الدولية على المواقع النووية، فضلاً عن المزاعم بتخطيط إيران لاختطاف ناقدٍ منفي من شوارع بروكلين في نيويورك. كما أنّ نسخة إيران من حملة "الضغط القصوى" قد تزيد حدة على المدى القريب.
إذ سعى الاتفاق النووي إلى إنهاء دائرة التصعيد المغلقة بين إيران والغرب وخاصة الولايات المتحدة. فبموجب المعاهدة، وافقت طهران على تحديد برنامجها النووي بدرجةٍ كبيرة مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي تضرب اقتصادها المترنح منذ سنوات.
وقد منع ذلك إيران من امتلاك المواد النووية الكافية لصنع سلاحٍ نووي، إذا أرادت. وكان خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية مكلّفين بتأكيد امتثال طهران عن طريق أكثر بروتوكولات التفتيش صرامة.
وقد وُقّعت الاتفاقية في عهد الرئيس المنتهية ولايته الآن حسن روحاني، وهو رجل دينٍ معتدل نسبياً بحكومةٍ ثيوقراطية. حيث أظهر الاتفاق أنّ حكومة إيران المدنية تستطيع التأثير على طريقة تعامل بقية العالم مع إيران، رغم إدارتها تحت نطاق المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وقال روحاني بكل فخر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015: "يُمكن للصفقة- ويجب- أن تُبشّر بحقبةٍ جديدة، وأن تُؤدي إلى نتائج إيجابية في ما يتعلّق بالتأسيس لسلامٍ واستقرارٍ دائمين في المنطقة. ومن وجهة نظرنا، فإنّ الشروط المتفق عليها ليست هدفنا النهائي، بل هي مجرد تطوّر يُمكن -ويجب- أنّ يُمثّل أساساً للإنجازات المنتظرة مستقبلاً".
الثقة في الغرب لم تعد مجدية
لكن الأمور لم تكن على هذا الحال دائماً؛ إذ انسحب دونالد ترامب أُحادياً من الصفقة في مايو/أيار عام 2018، بحجة أنّها تتطرّق فقط لمشكلة البرنامج النووي، ولا تُعنى ببرنامج الصواريخ الباليستية أو دعم إيران للميليشيات الإقليمية.
وبحلول الأسبوع الماضي، حاضر خامنئي إدارة روحاني المنتهية ولايتها بشأن أوجه قصور الاتفاق: "في هذه الحكومة، تبيّن لنا أن الثقة في الغرب ليست مُجدية".
وبدأت إيران تصعيد الضغط في المنطقة منذ صيف عام 2019، حين تعرّضت سُفنٌ لهجماتٍ غامضة قالت البحرية الأمريكية إنّ طهران هي التي زرعت الألغام المتسببة في تفجيرها. كما أسقطت إيران طائرةً مسيّرة أمريكية، وردّت على هجوم الطائرات المسيرة الأمريكية الذي تسبّب في مقتل اللواء قاسم سليماني ببغداد- عن طريق شن هجومٍ بالصواريخ الباليستية على القوات الأمريكية في العراق.
وهاهي تتحدى بايدن وصحافتها المتشددة تسب روحاني
وعقب فترة الهدوء بسبب جائحة فيروس كورونا، يبدو أنّ إيران الآن بدأت تستعيد وتيرة تصعيدها من جديد لتحدي الرئيس جو بايدن، الذي قال إنّه مستعدٌّ للعودة إلى الاتفاقية النووية. حيث فشلت محادثات فيينا في الأيام الأخيرة لإدارة روحاني.
إذ قال الرئيس الإيراني المنتهية ولايته يوم الأحد الأول من أغسطس/آب: "كان بإمكاننا تنفيذ الاتفاق ورفع العقوبات، ولكننا تعطّلنا لسببٍ آخر".
وخلال حملته، قال رئيسي إنّه أراد العودة للاتفاق النووي مع حكومته المقبلة "القوية"، حيث ستكون مناصب الرئاسة والقضاء والبرلمان كلها مشغولة بمتشددين مثله. لكن الشكل الذي سيبدو عليه الحال وقتها ما يزال غير واضح، رغم أنّ الصحف الإيرانية المتشدّدة مثل Vatanemrooz قد طبعت صورةً جنائزية الطابع بالأبيض والأسود لروحاني يوم الإثنين الثاني من أغسطس/آب، مع العنوان التالي تعليقاً على فترة رئاسته: "لن ننسى ولن نسامح".
إيران والغرب من القطيعة إلى المواجهة
ولا شكّ أن الضغط من أجل نهج المواجهة مع الغرب لن يجعل رئيسي يرتدع. حيث بدأ حياته في وظيفةٍ قضائية، وخدم في لجنة "الموت" المزعومة التي قرّرت من سيعيش ومن سيُعدم أثناء عمليات التطهير التي يقول النشطاء إنّها شهدت مقتل خمسة آلاف شخص عام 1988.
وقد كان تابعاً وفياً لخامنئي؛ لذا حصل على المكافأة بإدارة مؤسسة دينية تصل أصولها إلى عشرات المليارات من الدولارات داخل طهران. حيث تمتلك مؤسسة The Astan Quds Razavi Foundation نحو نصف أراضي مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية.
كما أشارت أفرع الحكومة الأخرى إلى أنّها ستُوالي رئيسي بمجرد وصوله إلى المنصب، خاصةً في حال قرر رفع التحدي.
أما القضاء الإيراني، الذي ترأسه رئيسي خلال السنوات الأخيرة، فلا يزال يتعرض للانتقادات الدولية بسبب المحاكمات والإعدامات السرية.
والبرلمان يطالب بالتقدم نحو الأسلحة النووية، والرقابة على الإنترنت
ويُطالب البرلمان الإيراني الإسراع بإيصال البرنامج النووي إلى مستوى يسمح بإنتاج الأسلحة النووية، مع زيادة الرقابة على الإنترنت في الوقت ذاته.
وبغض النظر عن المسار الذي سيسلكه رئيسي في السياسة الخارجية، فسوف يظل الخطر كامناً لرئيسي في الداخل. ومع وجود كل مكونات الحكومة رهن إشارته، فسوف يرث ما لا يُحصى من المشكلات التي تُواجه إيران والتي أثارت الاحتجاجات حول البلاد في السنوات الأخيرة.
وستكون استجابته لتلك المشكلات مهمةً بقدر أهمية تعامله مع العلاقة بين إيران والغرب.
في المقابل، قد يواجه رئيسي أزمة خطيرة مع الغرب، فبعد الهجوم على السفينة الإسرائيلية، تعهدت واشنطن بـ"رد جماعي" ضد إيران عشية تنصيب إبراهيم رئيسي.
ولكن اللافت هو وقوع هجوم آخر ولكن أكثر غموضاً بعدها بوقت قصير على سفينة أخرى، نُسب للإيرانيين أيضاً رغم نفيهم، وهو أمر يثير التساؤل لماذا يقوم الإيرانيون والعالم مستشيط غضباً من الهجوم على السفينة الإسرائيلية بهجوم آخر، فهل يتعمد الحرس الثوري التصعيد مع في المواجهة بين إيران والغرب؟ أم أن الغرب قرر هو بدوره إيجاد ذريعة للتصعيد مع إيران، بعد أن تمادت في تخصيب اليورانيوم؟