نشرت صحيفة The Times Of Israel الإسرائيلية تقريراً حول ما سمته الانزعاج الروسي من استمرار حملات الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، مشيرة إلى تكهنات تفيد ببدء تحرك موسكو من أجل "تغيير جذري" في قواعد تسيير الأمور هناك على حساب إسرائيل.
وتقول الصحيفة إن التكهنات القائلة بذلك بدأت في أعقاب تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية يوم السبت 24 يوليو/تموز، وفيه نقلت الصحيفة العربية عن مصدر روسي "مطلع" قوله إن الكرملين تلقى في المحادثات التي جرت في يونيو/حزيران الماضي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين انطباعاً بأن "واشنطن لم تعُد ترحب بالغارات الإسرائيلية المستمرة" في سوريا، وهو ما يفهم منه أن موسكو يمكنها التصرف بعدوانية أكبر لإفشال هذه الغارات.
وبحسب المصدر الذي لم يُكشف عن اسمه، فإن الروس تبعاً لذلك بدأوا في تزويد القوات السورية الآن بأنظمة ومهارات أكثر تطوراً لمواجهة الصواريخ، لتصبح تلك القوات أكثر فاعلية وقدرة على مواجهة الغارات الإسرائيلية.
وقال التقرير إن السياسة الروسية الجديدة أمكنت سوريا من إفشال الضربات الإسرائيلية التي استهدفتها مؤخراً. فهل بدأت روسيا بالتحرك بالفعل لتغيير قواعد اللعبة في سوريا على حساب إسرائيل؟
روسيا مستاءة من استمرار تجاهل إسرائيل لـ"قواعد اللعبة" في سوريا
تنقل صحيفة الشرق الأوسط عن اللواء البحري الروسي فاديم كوليت، نائب رئيس مركز المصالحة الروسي بين النظام السوري والمعارضة في سوريا، قوله إن أنظمة دفاع جوي روسية تديرها سوريا اعترضت سبعةً من ثمانية صواريخ أطلقتها طائرات إسرائيلية في القصف الذي شنته في 19 يوليو/تموز.
في اليوم التالي، أشار كوليت إلى هجومين إسرائيليين آخرين في ذلك الأسبوع، وشمل ذلك غارات لطائرات من طراز "إف 16" إسرائيلية على محافظة حمص السورية، وزعم كوليت أن "منشآت الدفاع الجوي السورية استخدمت أنظمة الصواريخ الروسية (بوك- 2 إم إي) Buk-2ME لتنجح في تدمير جميع الصواريخ الأربعة التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية" في هذين الهجومين.
وأفادت صحيفة الشرق الأوسط بأن روسيا مستاءة من تجاهل إسرائيل لـ"قواعد اللعبة" التي تسعى موسكو إلى فرضها في سوريا، وأن الولايات المتحدة أومأت للروس بموافقة ضمنية على التصرف بـ"عدوانية أكبر" ضد الهجمات الإسرائيلية.
يسلط التقرير الذي نشرته صحيفة The Times of Israel الإسرائيلية الضوءَ على هذه التبادلات، غير أنه يصف تقرير الصحيفة السعودية بالتقرير الذي طاله "ضربٌ من السذاجة في نواح كثير منه"، ويزعم التقرير الإسرائيلي أن التصريحات الروسية الأخيرة ينبغي النظر إليها على أنها جزء من التوترات والرسائل المستمرة منذ سنوات بين إسرائيل وموسكو بشأن سوريا.
إسرائيل وروسيا استغلتا حالة الفوضى في سوريا
بحلول عام 2013، اعتبرت إسرائيل أن التداعيات التي أعقبت الثورة السورية في عام 2011 وحالة التهالك التي بات عليها الجيش السوري تمنحها فرصة سانحة للعمل بحرية عمل غير مسبوقة في البلاد لمحاربة التمركز الإيراني والحشود التي استدعاها حزب الله هناك، وهي الاستراتيجية التي سمتها إسرائيل "الحملات بين الحروب"، أو "مابام" في الاختصار العبري.
على أثر ذلك، كثَّفت إسرائيل هجماتها مع مرور الوقت، واستهدفت الطائرات الإسرائيلية في حملات واسعة النطاق ما تزعم إسرائيل أنه مواقع لوجستية واستخباراتية تستخدمها القوات الإيرانية في سوريا.
حاولت روسيا أيضاً استغلال حالة الفوضى لتحقيق مكاسبها الخاصة، وفي عام 2015، نقلت قوات إلى روسيا لضمان بقاء بشار الأسد في منصبه. ويزعم الموقع الإسرائيلي أن إسرائيل كان عليها استعراض عضلاتها في سوريا لوضع خطوط حمراء واضحة يلتزمها الروس، والتفتت إسرائيل خلال ذلك إلى شريك أمني عربي. فبحسب العاهل الأردني الملك عبدالله، تصدت الطائرات الإسرائيلية والأردنية معاً لطائرات حربية روسية فوق جنوب سوريا وحذَّرتها من عبور حدودها المشتركة في يناير/كانون الثاني 2016.
عملت كل من إسرائيل وروسيا على إنشاء ما يُعرف باسم آلية تفادي التضارب لمنع أي تشابك بين الجانبين، والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين في مناسبات متعددة لمناقشة هذه المسألة.
ويشير التقرير الإسرائيلي إلى أن المسؤولين الإسرائيليين، وإن كانوا لا يناقشون عموماً النطاق الكامل لهذا التنسيق، إلا أنهم يؤكدون أن الجيش الإسرائيلي لا يلتزم الحصول على إذن روسي قبل تنفيذ هجماته في سوريا. لكن في الوقت نفسه، اضطرت إسرائيل إلى تقييد هجماتها إلى حد كبير، خاصةً بعد أن قدمت روسيا بطاريات دفاع جوي متطورة من طراز "إس 300" إلى سوريا في أعقاب حادثة أسقطَ فيها مدفعيٌ سوري عن طريق الخطأ طائرة روسية، قُتل جميع الأشخاص الخمسة عشر الذين كانوا على متنها، فيما كان يستهدف طائرات إسرائيلية.
رسالة محتملة من روسيا لإسرائيل
ليس سراً أن روسيا ليست راضية عن استمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا. ففي بيانٍ موجز مشترك لروسيا وتركيا وإيران بعد مؤتمر أستانا 16 في وقت سابق من هذا الشهر، "أدانت الأطراف الثلاثة استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، استناداً إلى أنها تنتهك القانون الدولي والقوانين الإنسانية الدولية وسيادة سوريا والدول المجاورة، كما أنها تعرض الاستقرار والأمن في المنطقة للخطر".
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في معرض حديثه عن المسألة خلال زيارة لإسرائيل في يناير/كانون الثاني: "إذا كانت إسرائيل ترى حقاً ما تعتبره سبباً يضطرها إلى الرد على تهديدات للأمن الإسرائيلي قادمة من الأراضي السورية، فقد أخبرنا زملاءنا الإسرائيليين عدة مرات: إذا رأيتم تهديدات من هذا النوع، يُرجى تزويدنا بالمعلومات".
تقول الصحيفة الإسرائيلية: مع ذلك، فإن هذا الموقف الروسي المستمر منذ فترة طويلة ليس سبباً لقبولِ فكرة أن قواعد العمل في سوريا على وشك التغيير جذرياً.
يقول تسفي ماغن، سفير إسرائيل السابق في روسيا، لصحيفة Times Of Israel: "لا يمكننا استبعاد فرضية أن [صحيفة الشرق الأوسط] تلقت رسائل من الروس لنشرها، لكن السؤال من هو المصدر". وأضاف ماغن أنه بدون معرفة أي شيء عن المصدر الوحيد الذي لم يكشف عن هويته وحيثية إدلائه بهذه التصريحات، فإنه لا يوجد سبب لقبول الفرضية التي يقدمها تقرير الصحيفة السعودية عن تغيير جذري تشهده السياسة الروسية في سوريا حيال إسرائيل.
كما أشارت كسينيا سفيلتوفا، السياسية الإسرائيلية والباحثة الأكاديمية في معهد "ميتفيم" الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، إلى أن أياً من الأشخاص الذين تحدثت إليهم في روسيا لم يعتقد أن المصدر المشار إليه في التقرير السعودي ينتمي إلى وزارة الخارجية الروسية أو وزارة الدفاع الروسية.
علاوة على ذلك، لم يصرح الروس علناً بوقوفهم وراء التقرير. كما أن إدارة بايدن، التي سبق أن لمَّحت إلى استيائها من إسرائيل في قضايا أخرى، منها التصعيد في القدس والهجوم على غزة في مايو/أيار، لم تشر إلى أي شيء ينطوي على ما ادعته صحيفة الشرق الأوسط. بل في واقع الأمر أن الولايات المتحدة شاركت إسرائيل التنسيقَ لإحدى ضرباتها في سوريا في فبراير/شباط الماضي.
على الرغم من ذلك، يقول التقرير الإسرائيلي إن هذه العوارض لا تقتضي أن ليس ثمة احتمال بأن ترسل روسيا رسالةً بمطالبها عبر اعتراضات ناجحة للصواريخ الإسرائيلية أو تسريبات لوسائل الإعلام.
فمع اقتراب العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، والتحسن الذي يُتوقع أن تشهده العلاقات بين طهران والغرب لاحقاً، قد يعمل الروس إلى إرسال إشارات إلى الإيرانيين بأنهم أكثر محاوريهم موثوقية في الشرق الأوسط، وأن روسيا تدعمهم ضد الهجمات الإسرائيلية، بحسب الموقع الإسرائيلي.
احتمالات أخرى لرسائل أقل "ذعراً" لدى إسرائيل
من جهة أخرى، قد ترمي الرسائل التي ينطوي عليها اعتراض الصواريخ الإسرائيلية إلى نوعٍ مختلف من الإشارات. فقد أقيم معرض "ماكس 2021" Maks-2021 العسكري الدولي للطيران والفضاء بالقرب من موسكو خلال الفترة نفسها التي شهدت الضربات الإسرائيلية في سوريا.
ومن ثم، قد يندرج الأمر ضمن محاولات روسيا المستمرة للترويج لأنظمة أسلحتها على أنها بديل أفضل للأنظمة الأمريكية الصنع- حتى لشركاء الولايات المتحدة مثل مصر وتركيا- بدعوى أن دفاعاتها الجوية نجحت في التصدي لسلاح الجو الإسرائيلي في سوريا.
وقد يكون المسعى تحركات روسية على المستوى الدبلوماسي، إذ إن تركيزها على حرب المعلومات ليس سراً، وقد يدفعها استشعارها لتحسن العلاقات بين إدارتي بايدن وبينيت إلى العمل على إرباك العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل عن طريق وسائل الإعلام.
في الوقت نفسه، ومع استقرار الأمور لحكومة بينيت الجديدة بعد 12 عاماً من حكم نتنياهو، ربما ترمي روسيا إلى اختبار مدى قوة القيادة الإسرائيلية الجديدة، وما إذا كان يمكن ترهيبها لتقديم تنازلات في سوريا.
في النهاية، يخلص تقرير الموقع الإسرائيلي إلى أن الموقف الروسي تجاه إسرائيل في سوريا يستحق المراقبة والرصد، لكنه لا يستدعي الذعر.
ويستند التقرير إلى أن العلاقات الروسية-الإسرائيلية جيدة في العموم. وأنها بحسب ماغن، سفير إسرائيل السابق في روسيا: "لم يتغير فيها شيء، على حد علمه. وكل الحديث عن عمليات الاعتراض للصواريخ الإسرائيلية ليس جديداً.. غير أنه لم يُقل في أي محل إن روسيا بصدد تغيير نهجها الأساسي تجاه إسرائيل".