نشرت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية تقريراً حول خلفيات قرار إسرائيل بتأجيل اتفاق خط النفط مع دولة الإمارات، حيث تقول الصحيفة إن القرار هو أول اختبار حقيقي أمام اتفاقيات التطبيع "الإبراهيمية"، التي طبعت بموجبها أبوظبي علاقاتها مع تل أبيب، ولكن بحسب الصحيفة لا يُرجَّح أن يؤدي قرار التجميد إلى أزمة دبلوماسية مستمرة.
تجميد مشروع خط "إيلات-عسقلان" لنقل النفط
أعلنت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية، الأحد 25 يوليو/تموز، أنها ستؤجل تدشين اتفاق مثير للجدل مع الإمارات، يستهدف نقل النفط، وهو اتفاق أغضب دعاة حماية البيئة في إسرائيل.
وكان الاتفاق سيشهد نقل النفط من الدولة الخليجية إلى محطة في ميناء إيلات جنوب الأراضي المحتلة، ومن هناك كان النفط سيكمل رحلته عبر خط أنابيب قديم يمر فوق الأرض ويقطع الطريق وصولاً إلى مدينة عسقلان، التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفي نهاية المطاف سوف تحمل السفن هذا الذهب الأسود لنقله إلى الأسواق الأوروبية.
يتضمن هذا الاتفاق شركة (Europe Asia Pipeline EAPC) الإسرائيلية الحكومية، وشركة (MED-RED Land Bridge) المستقرة في الإمارات.
حيث كانت شركة "خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية" (EAPC) المملوكة للحكومة الإسرائيلية، وشركة (ميد ريد لاند بريدج) المملوكة لإسرائيليين وإماراتيين ويقع مقرها في الإمارات، وقّعتا اتفاقية تفاهمٍ هي الأولى من نوعها في مارس/آذار الماضي.
وكانت أبوظبي وتل أبيب تسعيان من خلال هذا المشروع الضخم للوصول إلى نوع من "تكامل الاقتصادات والاستفادة من المواقع الاستراتيجية" لكليهما، كما يقول تقرير سابق لموقع Oilprice البريطاني.
ما الذي عرقل المشروع الإماراتي- الإسرائيلي "الواعد"؟
تقول صحيفة جيروزاليم بوست، إن مئات العلماء من دعاة حماية البيئة حذروا مراراً من أن عملية نقل كهذه يمكن أن تؤدي إلى آثار بيئية مدمرة بالنسبة لإيلات، التي تعد موطناً للشعب المرجانية والمخلوقات البحرية المعروفة حول العالم.
أبلغت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية شركة EAPC يوم الأحد الماضي، بأنها كانت "ستؤجل تقييم الاستعداد لزيادة النشاط في ميناء إيلات حتى تخوض الحكومة نقاشاً وتتخذ قراراً" حول المشروع.
وبحسب يورام ميتال، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر ومدير مركز حاييم هرتسوغ لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية بجامعة بن غوريون، فإن "هذا الإعلان يجسد أول اختبار أمام الاتفاقيات الإبراهيمية".
في حديثه مع وكالة الأخبار الأمريكية The Media Line، قال ميتال: "إنه جاد لأن لدينا اتفاق مجمد الآن من جانب واحد، وهو الجانب الإسرائيلي، ولكن في الوقت ذاته أعتقد أن الإماراتيين يفهمون أن هذه حكومة جديدة بخطوط سياسة مختلفة كلياً". وتابع قائلاً إن اتفاق النفط "كان مريباً عند توقيعه وهو اليوم أكثر إثارة للجدل، وهذه هي خلفية التجميد".
مصر مستفيدة من تجميد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي
وكان هذا الاتفاق الذي يخدم مصالح الطرفين، يحمل خسائر لمصر. وعلى الرغم من أن القاهرة تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل والإمارات، فإن واقع الأمر أن الاتفاقية قد تحرمها حصةً من رسوم عبور قناة السويس.
وخط الأنابيب يمكن أن ينقل 400 ألف برميل بترول يومياً إلى إيلات، و1.2 مليون برميل في الاتجاه الآخر إلى عسقلان. كما تبلغ سعة تخزين محطات النفط على الجانبين نحو 2.7 مليون متر مكعب. علاوة على ذلك، يمكن للأنابيب الصغيرة نقل النفط نحو مصفاتي التكرير الرئيسيتين في إسرائيل، الواقعتين في أسدود وحيفا.
وكان يهدف خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 254 كيلومتراً إلى التعامل مع أكبر سفن الشحن المستخدمة حالياً، والتي لا تستطيع عبور قناة السويس بسبب حجم غاطسها الكبير. وتدعي شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية أن خط الأنابيب الجديد يوفر في الوقت والجهود والتكاليف المهدرة في طرق الشحن الأخرى.
وفي 21 فبراير/شباط 2021، التقى وزير البترول المصري طارق الملا مع مسؤولين إسرائيليين يتصدرهم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو والرئيس السابق رؤوفين ريفلين، وذلك "للتعرف على ما تفكر فيه إسرائيل بشأن خطوطها الملاحية البرية، المنافسة لأهم ممر ملاحي عالمي (قناة السويس)، بحسب مصادر متطابقة لوكالة الأناضول.
رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، قد أعرب في 29 من يناير/كانون الثاني الماضي، عن "قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات- عسقلان بين الإمارات وإسرائيل". وقال ربيع في تصريحات لقناة صدى البلد التلفزيونية المصرية إن مصر تتابع عن كثب المشروع، لما له من تأثير مباشر على السفن المارة عبر قناة السويس، محذراً من أن "هيئة الأوراق المالية والسلع تجري دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%".
كيف يمكن أن يؤثر تجميد الاتفاق بين إسرائيل والإمارات على العلاقات بينهما؟
في وقت توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، ركزت الخطابات في الأساس على رعاية "سلام اقتصادي" بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وكان أحد الأهداف الرئيسية للتطبيع هو اصطحاب المنطقة في اتجاه جديد تماماً، استناداً إلى "المصالح الاقتصادية ذات الفائدة المشتركة".
بخلاف الحقيقة التي تشير إلى أن اتفاق النفط المقتَرَح يخص مليارات الدولارات، لا يعتقد ميتال أنها سوف تسفر عن خلاف دبلوماسي دائم. وأكد قائلاً: "من المبكر جداً أن نقول إنها سوف تؤدي إلى توتر خطير أو أزمة، ولكني لا أعتقد ذلك، لن يودّ أي شخص أن يخاطر بمعاهدة السلام نفسها".
وخلال الحديث مع وكالة The Media Line، قال يوناتان فريمان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس والخبير في العلاقات الدولية، بأن "القرار أقرب إلى كونه إشارة إلى وجود تغير في السياسات الداخلية لإسرائيل، بدلاً من النظر إليه على أنه تغير في السياسة الدبلوماسية".
قال فريمان: "لم يتضح بعد ما إذا كان سيصبح تجميداً دائماً، إننا ننقل إلى المسؤولين في الإمارات أن لدينا حكومة جديدة، وأن لدينا وزيرة حماية بيئة جديدة، وأن لدينا سياسات جديدة". وأضاف: "في النهاية يرى كلا الجانبين فائدة عظيمة من مثل هذه الاتفاقية، وفي الوقت الحالي يتعلق الأمر بالسياسات الداخلية أكثر من كونه تغيراً واقعياً في السياسة"، حسب تعبيره.
"اتفاقية التطبيع ليست معتمدة مشروع خط النفط"
فيما قال نمرود غورين، رئيس ومؤسس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم)، إن حكومة إسرائيل الجديدة ملتزمة بالاتفاقيات الإبراهيمية.
وأوضح لجيروزاليم بوست: "تريد الحكومة تعميق هذه العلاقة، الحكومة تقيّم الطريقة التي تعامَل بها نتنياهو مع العلاقات، وتريد إصلاح ما تجد أنه يحتاج إلى تعديل، الطريقة التي سيجري التعامل بها مع العلاقات مع الإمارات في وجود هذه الحكومة الجديدة، لن تكون مماثلة للطريقة التي تعامَل بها نتنياهو".
ويزعم غورين أن "اتفاق النفط المشار إليه وُقع في أبوظبي بعد حوالي شهر من تطبيع العلاقات مع الإمارات، وعلى هذا النحو فإن معاهدة السلام ليست معتمدةً عليه". وشدد غورين قائلاً إن "هذه اتفاقيات توصلنا إليها عن طريق أطراف أخرى بعد توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية".
وفي نهاية المطاف، يعتقد غورين أن "حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت سوف تحاول إبعاد التركيز عن اتفاق نقل النفط المثير للجدل، وسوف تركز بدلاً من ذلك على مسارات بديلة نحو التعاون الاقتصادي في قطاع الطاقة".