كشف القبض على توماس باراك الملياردير وصديق الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة "التخابر" مع قادة دولة الإمارات والعمل لتوظيف السياسة الخارجية الأمريكية لخدمة أغراض أبوظبي تفاصيل مثيرة، فمن هو باراك؟ وما قصته مع الإمارات؟
توماس أو توم باراك هو ملياردير أمريكي من أصل لبناني وتمتد صداقته مع ترامب لما يقرب من أربعة عقود وكان رئيساً لحفل تنصيب الرئيس السابق، وتم إلقاء القبض عليه الثلاثاء 20 يوليو/تموز بموجب لائحة اتهام شملت سبع مواد.
وجاء في لائحة الاتهام التي قدمها المدعون الاتحاديون في بروكلين بنيويورك أن باراك، وموظفاً سابقاً، ورجل أعمال إماراتياً لم يسجلوا أنفسهم لدى السلطات الأمريكية باعتبارهم من أفراد جماعات الضغط، واستغلوا نفوذهم لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للإمارات في الولايات المتحدة.
ويواجه باراك، الذي ألقي القبض عليه في لوس إنجلوس، أيضاً تهم الكذب مراراً على مكتب التحقيقات الاتحادي خلال مقابلة حول تعاملاته مع الإمارات.
وقال مارك ليسكو المسؤول في وزارة العدل الأمريكية في بيان صحفي: "استغل المتهمون مراراً صداقات باراك وعلاقته بمرشح تم انتخابه في نهاية المطاف رئيساً وقربه منه، ومن مسؤولين كبار في الحملة الانتخابية والحكومة، ومن وسائل الإعلام الأمريكية في تحقيق الأهداف السياسية لحكومة دولة أجنبية دون الكشف عن ولاءاتهم الحقيقية".
من هو توماس باراك؟
ترجع أصول باراك إلى لبنان، مسقط رأس أجداده الذين ينحدرون من بلدة زحلة القريبة من الحدود السورية اللبنانية. وعمل توم الذي يحمل إجازة في الحقوق في مكتب المحامي هيربرت كالمباك حينما كان الأخير محامياً خاصاً للرئيس الأمريكي السابق، ريتشارد نيكسون، الذي عُزل من منصبه إثر فضيحة ووتر غيت، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وبعد سجن كالمباك بسبب دوره في اللجنة التي كانت تعمل لإعادة انتخاب نيكسون ترك باراك هذ الوظيفة وبدأ مسيرته في مجال التجارة. وكان أجداد باراك قد هاجروا إلى الولايات المتحدة عام 1900. كان والده صاحب متجر صغير في ولاية كاليفورنيا بينما عملت والدته سكرتيرة ونشأ توم في هذه البيئة ولا يزال توم يفتخر بذلك ويقول إنه لا يزال ابن حانوتي.
سافر توم إلى السعودية عام 1972 ضمن وفد لشركة أمريكية لإبرام عقد لإقامة مصنع لإنتاج الغاز السائل مع الحكومة السعودية، وأثناء وجوده في السعودية سأله أحد مديري شركة آرامكو إن كان يعرف أحداً في الوفد الأمريكي يمارس رياضة الاسكواش لأن سعودياً يريد شريكاً له في هذه اللعبة.
بدأ توم يلعب الاسكواش مع السعودي "دون أن يخطر ببالي أن أسأله عن اسمه، وسألني إن كان بمقدوري أن ألعب معه لمدة ساعتين في اليوم التالي، وتبين لاحقاً أن هذا الشخص هو أحد أبناء الملك"، حسبما نقلت عنه نيويورك تايمز. وكانت تلك بداية العلاقة الوطيدة التي تربط توم بالأسرة الحاكمة في السعودية.
كما تعرف خلال وجوده في السعودية على رجل بدوي تبين فيما بعد أنه أحد مديري شركة أرامكو وقد دعاه توم إلى قضاء فترة نقاهته في مزرعته في كاليفورنيا، فكلفه المسؤول في أرامكو بالتوسط في شراء 375 حافلة مدرسية لصالح أرامكو.
يُذكر أن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود كان يحكم المملكة السعودية وقتها. وسرعان ما وظَّفه أبناء الملك بعد أن توطدت علاقته بهم، وبات "ممثل الأطفال لدى الولايات المتحدة" حسب تعبيره، أي بات ممثل أبناء الملك في الولايات المتحدة.
وفي عام 1974 توسط توم في اتفاق بين أميرين سعوديين ورجل أعمال أمريكي اشترى قطعة أرض في هاييتي بهدف إقامة مصفاة لتكرير النفط وحاكمها حينئذ شوفالييه حول بيع النفط في هاييتي بسعر مخفض. وفي عام 1976 دشّن توم أول مشروع عقاري كبير له بمساحة إجمالية تجاوزت 7 ملايين قدم مربع من شقق ومكاتب ومناطق صناعية.
واستطاع توم أن يشتري مزرعة في ولاية كاليفورنيا عام 1979 بالقرب من مزرعة الرئيس الأمريكي السابق، رونالد ريغان، وكان الخيّالة من حماية الرئيس يتجولون في مزرعته، ومن حين إلى آخر كان يرافق ريغان في رحلات ركوب الخيل ويجلسان معاً حول النار في الهواء الطلق.
وباراك شريك الأمير الوليد بن طلال في ملكية شركة فيرمونت آند رافل التي تمتلك فنادق في مكة ودبي والقاهرة، كما يمتلك حصة كبيرة في سلسلة متاجر كارفور حول العالم بالاشتراك مع رجل الأعمال الفرنسي برنارد أرنو، صاحب ماركة لويس فوتون.
وكانت أسوأ السنوات بالنسبة لتوم باراك هما 2007 و2008 حين اشترى كازينو القمار "ستيشن" في مدينة لاس فيغاس بمبلغ 8.8 مليار دولار عام 2007 وفي عام 2009 أشهر الكازينو إفلاسه.
صداقته مع ترامب
وتعود علاقة توم بترامب إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ التقيا لأول مرة عام 1987 عندما اشترى ترامب نسبة 20% من أسهم شركة تمتلك سلسلة متاجر أمريكية ولعب توم دور الوسيط في الصفقة، وبعدها بعام اتصل به ترامب وقال له: "أنت صاحب فندق بلازا الذي أشاهده من مكتبي، أريد هذا الفندق" فردَّ عليه توم بأنه ليس صاحب الفندق لكن يمكنه امتلاك الفندق إذا دفع 410 ملايين دولار. فوافق ترامب على ذلك دون تردد وسط ذهول توم، لكن ترامب اشترط أن يكون الدفع نقداً.
وتحدث توم عن تلك الفترة قائلاً: "نشأت علاقة صداقة بيننا منذ ذلك الوقت وتشابهت حياتنا الخاصة، فكل منا كان قد طلق زوجته وكانت أعمار أبنائنا متقاربة وتزوجنا مرة ثانية وأبرمنا صفقات تجارية عديدة".
وقال ويليام روجرز، شريك توم، إن بمقدور الأخير أن يقول لترامب إنك على خطأ وهو أمر لا يجرؤ عليه سوى القلائل، وأضاف: "يمكن لتوم أن يقول لترامب ما لا يرضى أن يسمعه من الآخرين ويرد ترامب على توم بقوله: شكراً أنت صديقي ويمكنك أن تقول ذلك لي وليس في ذلك إساءة لي"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
وفي عام 1994 كان ترامب يمر بأزمة مالية خانقة، فاتصل به أحد الموظفين في بنك تشيز مانهاتن وقال له: "مشاريع ترامب العقارية تواجه أزمة مالية كبيرة ومن بينها مشروع عقاري في مانهاتن مدين لمصرفنا بمبلغ 100 مليون دولار، وأنت الوحيد الذي تعرف كيف تتعامل مع ترامب، مئة في المئة، فهل يمكنك أن تساعدنا في حل هذه الأزمة؟".
قام توم بجولة في الشرق الأوسط وحصل على تعهدات مالية للاستثمار في المشاريع المتعثرة لترامب، ومن بينها تعهدات من أصدقائه القدامى في الأسرة الحاكمة في السعودية.
لكن ترامب توصل في النهاية إلى اتفاق مع مستثمرين من هونغ كونغ لإنقاذ مشاريعه العقارية. وتوسط توم لدى البنك لتمديد المهلة الممنوحة لترامب لترتيب أوضاعه المالية. كما استثمر باراك في بعض المشاريع العقارية المتعثرة لصهر ترامب جاريد كوشنر.
"التخابر" سراً لصالح أبوظبي
وفي تصريحاته الصحفية حول القبض على باراك، أضاف مارك ليسكو المسؤول في وزارة العدل الأمريكية أنّ المتّهمين الآخرين "استفادا مراراً من العلاقات الودّية لباراك وصِلَته بمرشّح تمّ في النهاية انتخابه رئيساً"، وذلك من أجل "تعزيز مصالح حكومة أجنبية من دون الكشف عن ولائهما الحقيقي".
وفي بيانها بشأن القبض على باراك، شارت وزارة العدل الأمريكية إلى خطاب حول سياسة الطاقة الأمريكية ألقاه (ترامب) المرشّح الجمهوري آنذاك في أيار/مايو 2016 خلال حملته الانتخابية، مؤكّدة أنّ باراك ضمّن هذا الخطاب فقرات مؤيّدة للإمارات، كما أنه متهم -بحسب وزارة العدل- بالقيام بحملة في آذار/مارس 2017 من أجل تعيين مرشّح زكّته الإمارات سفيراً للولايات المتّحدة في أبوظبي.
والمستشار السابق متّهم أيضاً، وفق المصدر نفسه، بتزويد أحد المتّهمين الآخرين معلومات سرّية حول ردود فعل إدارة ترامب إثر محادثات جرت في البيت الأبيض بين مسؤولين أمريكيين وآخرين إماراتيين. ويسعى المدعون الاتحاديون إلى إبقاء باراك رهن الاحتجاز قائلين في التماس إلى المحكمة إن ثروته الضخمة ووجود طائرات خاصة تحت تصرفه وتاريخه في السفر الدولي يشير إلى احتمال هروبه.
ومن جانبه، رفض المتحدث باسم باراك الاتهامات وقال: "أبدى السيد باراك منذ البداية استعداده للتعاون طواعية مع المحققين. إنه غير مذنب وسوف ينفي عن نفسه أي تهمة"، بحسب تقرير لرويترز.
وكان المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي يحقق في الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد التقى بتوم باراك في هذا الإطار قبل فترة لسؤاله عن علاقات مدير حملة ترامب الانتخابية السابق بول مانافورت والجوانب المالية لحملة ترامب الانتخابية ولعملية انتقال السلطة من الرئيس السابق إلى ترامب ولحفلة التنصيب.