تعد مسألة التعرف على عمر مستخدم الإنترنت أحد أبرز التحديات التي بدونها سيظل جعل الإنترنت مكاناً آمناً للأطفال أشبه بالمستحيل، فهل يمكن أن توفر تقنية تحليل الوجوه ذلك الهدف أخيراً؟
وتتمثل المشكلة الجوهرية في محاولة التحقق من عمر مستخدم على الإنترنت في أنّه لا أحد على الإنترنت يمكنه الجزم إن كان المستخدم مراهقاً في الـ17 من عمره أو مجرد كلبٍ يضغط على الأزرار.
فعلى أرض الواقع، هناك نهجان أساسيان للتحقق من العمر. الأول هو شكلٌ من أشكال بطاقات الهوية الرسمية. ففي المملكة المتحدة مثلاً تكون هذه البطاقة هي رخصة القيادة، وهذه الهويات بدورها مدعومة بسلسلةٍ صارمة من إثبات الهوية، التي تقود في المعتاد إلى شهادة ميلاد إثبات العمر الأخير.
لكن النهج الآخر للتحقق من العمر مهمٌ بالقدر نفسه في وظائف المجتمع اليومية: وهو النظر إلى الناس، وليست هناك حاجةٌ إلى نظام بطاقات هوية لمنع أطفال في السابعة من عمرهم من التسلل إلى فيلم مصنف لمن هم فوق الـ18 عاماً.
ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً تناول محاولات تحقيق هدف إنترنت آمن للأطفال بعنوان: "هل يمكن لتقنية تحليل الوجوه أن تُوفّر الإنترنت الآمن للأطفال؟".
سيلفي تحليل الوجه وتحديد العمر
لنقُل إنّك فتحت هاتفك هذا الصباح لنشر صورة على شبكتك الاجتماعية المفضلة -ولنفترض أن اسمها تويانستابوكتوك- فطُلِب منك صورة سيلفي لتتمكن من تسجيل الدخول. ولن يجري إرسال تلك الصورة إلى أيّ مكان بحسب تأكيدات الخدمة، بل ستقوم تقنيات تعلم الآلة المتطورة باستنتاج عمرك.
وسوف تتمكن على الأرجح من الدخول فوراً بمجرد تقديم صورة السيلفي، ولكن في حال أخطأت الخدمة في تخمين عمرك فسوف تتمكن من الاستئناف، رغم أنّ ذلك سيستغرق بعض الوقت.
ما هي ميزة هذا الأمر؟ الميزة هنا هي أنّ الشبكة الاجتماعية سوف تتمكن من معرفة أنّك مستخدم بالغ، لتُقدم لك تجربةً خالية من الرقابة الأبوية وحجب محتوى البالغين إلى حدٍّ كبير. بينما سيُمنح الطفل الذي يحاول تسجيل الدخول نسخةً محدودة من نفس التجربة.
وبحسب موقفك، قد يبدو هذا بمثابة تصحيح للأوضاع بعد طول انتظار في قطاع التقنية شديد الجموح، أو ربما محاولة تقييد يائسة لتحقيق المراد المستحيل: الإنترنت الآمن للأطفال، وفي الحالتين فقد بات الأمر أقرب للواقع مما يدركه الكثيرون.
لكن إثبات عمرك بالهوية على الإنترنت يختلف تماماً عن العالم الواقعي بحسب أليك موفيت، الباحث الأمني المستقل: "الهوية هي مفهوم يُساء تفسيره على نطاقٍ واسع، وخاصةً على الإنترنت. لأن (الهوية) تعني في الواقع (العلاقة). وربما نعشق التفكير في الهوية باعتبار أنها تعني (أوراق الاعتماد) مثل جواز السفر أو رخصة القيادة، ولكن حتى في هذه الحالة فنحن نتحدث فعلياً عن (حامل جواز السفر) أو (جواز السفر البريطاني) -وكلاهما علاقات- بينما تُمثل الوثائق المرفقة في هذه الحالة دور (المحور) الذي يصعب تزويره بين العلاقتين".
وبعبارةٍ أخرى يمكن القول إنّه في العالم الواقعي ليس إثبات العمر مجرد ورقة تقول "أنا أكبر من 18 عاماً"، بل إنّ الأمر أشبه بالدخول في رابطةٍ معقدة تقول: "إنّ مُصدر هذه البطاقة قد توثّق من أن الشخص المُصوّر هنا أكبر من 18 عاماً، عن طريق التحقق من السلطات المعنية".
كيف يحافظ المستخدم على سرية بياناته إذن؟
أما على الإنترنت، فإذا قمت باستنساخ المستوى السطحي من أدوات التحقق من بطاقة الهوية في العالم الواقعي -وهو إظهار بطاقتك لشخصٍ يتحقق من التاريخ- فسوف تكسر الرابط بين هذه العلاقات، إذ لا فائدة من إثبات أنك تحمل رخصة قيادة سارية مثلاً إن كنت لا تستطيع إثبات أنك صاحب الاسم المكتوب على الرخصة من الأساس، ولكن إذ وافقت على ذلك فسوف تمنح الموقع الذي تزوره سجلاً كاملاً عن هويتك، وموعد زيارتك، وما فعلته تحديداً على الموقع.
لذا فمن الناحية العملية، سنجد أنّ التحقق من العمر يُمكن أن يتحوّل إلى تحقق من الهوية، وهو الأمر الذي بالتالي "قد يخضع للمراجعة المزدوجة والإبطال من مجموعة كبيرة من الأطراف الثالثة… التي ستكون جميعها متحفزة ومتحمسة لفرص تحقيق الدخل من معلوماتك"، بحسب تحذير موفيت.
وقد تسببت هذه المخاوف في إجهاض محاولات بناء أنظمة لإثبات العمر على الإنترنت. فمنذ هزيمة مشروع بطاقات الهوية القومية في عصر توني بلير يشعر الشعب البريطاني بالقلق من أي شيء يبدو أشبه بقاعدة البيانات الوطنية. حيث يخشى الناس أن بدء تعقب الناس بأنظمة مركزية سيكون بمثابة الخطوة الأولى تجاه دولةٍ قائمة على الرقابة، ولكن يبدو أنّه لن يكون هناك مفرٌّ من حدوث التغيير قريباً.
وكان قانون الاقتصاد الرقمي لعام 2017 مجرد تشريعٍ تنظيمي، حيث أضاف بعض التعديلات لحل عددٍ من المشكلات التي أُثيرت منذ تمرير قانونٍ يحمل الاسم نفسه على نطاقٍ أوسع في عام 2010، لكن إحدى مواده كانت بمثابة محاولة لإدخال شيءٍ لم يحدث من قبل، وهو إلزام بعض المواقع بالتحقق من العمر على الإنترنت.
تقنية تحديد العمر.. مزايا وعيوب
لكن مشروع القانون توقف تنفيذه فجأةً في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 مع اقتراب الموعد النهائي لتطبيقه، ثم أُلغِي تماماً. وقد أحزنت هذه الأنباء بعض الحقوقيين ومنهم فانيسا مورس، الرئيسة التنفيذية لمركز Cease المعني بإنهاء كافة أشكال الاستغلال الجنسي. حيث قالت: "من الصادم أنّ المواقع الإباحية ليست بها أدوات للتحقق من العمر حتى الآن. والفرصة سانحة أمام المملكة المتحدة لتأخذ زمام المبادرة هنا، ولكن المراوغة والتأجيلات الطويلة منحت زمام الأمر لدولٍ أخرى بالفعل".
وجادلت فانيسا بأنّ الافتقار لتحديد العمر على الإنترنت يُسبّب أضراراً خطيرة: "إنّ صناعة الأفلام الجنسية التجارية على الإنترنت غير مقننة على الإطلاق. وقد مضت عدة عقود من انتشارها وتوسعها بشكلٍ كبير دون أن تخضع لأي تقنينٍ ملائم. ونتيجةً لذلك لا تُفرّق مواقع الأفلام الجنسية بين المستخدمين البالغين والأطفال.
وهذه المواقع ليست محايدةً أو ساذجة: فهم يعلمون أنّ هناك 1.4 مليون طفل يزورون مواقع الأفلام الجنسية داخل المملكة المتحدة كل شهر. إذ يقول 44% من الأطفال بين 11 و16 عاماً، ممن يزورون المواقع الجنسية بانتظام، إنّ هذه المواقع تمنحهم أفكاراً حول نوعية الجنس الذي يرغبون في تجربته. ونحن نعلم أنّ استهلاك الأطفال للمحتوى الجنسي على الإنترنت مرتبطٌ بالزيادة الكبيرة في معدل الاعتداءات الجنسية بين الأطفال وبعضهم خلال السنوات القليلة الماضية. وقد صار الاعتداء الجنسي بين الأطفال وبعضهم الآن يُمثل نحو ثلث حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال إجمالاً، وهذه نسبةٌ ضخمة".
ما يعود بنا إلى نقطة البداية، وهي طلب الشبكات الاجتماعية صورة سيلفي للتحقق عند إنشاء الحساب. ولدى مقدمي هذه الخدمات الفرصة للابتكار أكثر، نظراً لأنّ القوانين الخاصة بهم أقل صرامة مقارنةً بالمواقع الجنسية.
فحين نتحدث عن شركة Yoti مثلاً سنجد أنّ الشركة تُقدّم مجموعةً متنوعة من خدمات التحقق من العمر، ولديها شراكة مع خدمة CitizenCard لتقديم نسخة رقمية من بطاقات الهوية، كما تعمل مع سلاسل السوبر ماركت القائمة على الخدمة الذاتية لتجربة تقنية التعرف الآلي على عمر الأفراد.
ويقول كبير مسؤولي الأعمال في الشركة جون أبوت إنّ النظام الآن بات جيداً بقدر براعة الشخص العادي في استنباط عمر شخصٍ آخر يراه عبر مقطع فيديو، وقد جرى اختباره على مجموعةٍ متنوعة من الخصائص الديمغرافية -بما فيها العمر والعرق والجنس- لضمان ألا يُخطئ في تصنيف مجموعةٍ بعينها.
ويزعم أحدث تقارير الشركة أنّ سياسة "تحدّي الـ21 عاماً أو Challenge 21" يمكنها كشف 98% من أبناء الـ17 عاماً و99.15% من أبناء الـ16 عاماً مثلاً -وتعمل هذه السياسة على حظر من يبدون أقل من 18 عاماً، وتطلب ممن هم أقل من 21 عاماً إثباتاً قوياً لعمرهم.
بينما قالت جولي داوسون، زميلة أبوت: "هذه التقنية هي تحليلٌ للوجوه، وليست تقنية للتعرف على الوجوه. فهي لا تحاول التعرف على وجهي تحديداً، بل تحاول فقط استنتاج عمري". وتعتقد الشركة أنّ هذا النظام يُمكن استخدامه على نطاقٍ واسع فوراً، وربما يكون عرضاً مغرياً بالنسبة للشركات التي تحتاج ببساطة لإثبات أنّه من المستبعد أن يستطيع الأطفال استخدامها.
وربما لن يمثل هذا عقبةً كبيرة أمام طفلٍ ذكي في الـ14 من عمره -ولديه شقيقٌ أكبر مستعد لالتقاط صورة السيلفي بدلاً منه- ولكن القليل من القيود هو أفضل من غياب القيود تماماً بالتأكيد.