في الحرب الطويلة بين إيران وخصومها في الشرق الأوسط، التي تدور أغلب أحداثها تحت السطح، يتزايد استخدام طهران لـ"الطائرات بدون طيار" لشن هجمات. وفي شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، وقفت إيران خلف ما لا يقل عن 5 هجمات مماثلة على قواعد أمريكية في سوريا والعراق، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وفي 18 مايو/أيار، بينما كانت إسرائيل في غمار الحرب الجوية مع غزة، أُطلِقَت طائرة بدون طيار إيرانية من العراق، ومرّت فوق الأردن ودخلت المجال الجوي الإسرائيلي قبل إسقاطها فوق مدينة بيسان في شمال فلسطين، بحسب هآرتس.
الثورة الإيرانية للطائرات بدون طيار التي "أذهلت" إسرائيل والغرب
وحذّر الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في أبريل/نيسان الماضي، من أنَّ "المنطقة تتحول إلى ساحة اختبار للطائرات بدون طيار، ومعظمها إيراني الصُنع. إذ إنَّ إيران ليست الفاعل الوحيد في المنطقة الذي يطمع في تطوير هذه الأسلحة". وبالنسبة لحماس، التي نشرت هذه الطائرات بحرية قبل وأثناء القتال في مايو/أيار، فقد تمكنت بفضلها إلى حد ما من الرد على التفوق الجوي الإسرائيلي الهائل، نظراً لأنَّ الطائرات المُسيَّرة بديل رخيص لسلاح الجو.
وجاءت اللحظة التي غيَّرت نظرة المنطقة إلى الطائرات بدون طيار في سبتمبر/أيلول 2019، عندما هاجمت إيران منشآت النفط السعودية؛ مما أسفر عن أضرار جسيمة في موقع لشركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، وتعطيل صادرات النفط من المملكة لعدة أشهر.
وأذهل النجاح الكبير للحرس الثوري الإيراني- الضربة المُنسّقة بالطائرات المُسيَّرة وصواريخ كروز على أهداف تبعد حوالي 1000 كيلومتر- خبراء عسكريين في إسرائيل والغرب. وبالنسبة للإيرانيين، لا يهم أنَّ العديد من طائراتهم المُسيَّرة لم تصل إلى أهدافها على ما يبدو. بل كان التأثير على الوعي أهم، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
كيف انطلقت ثورة صناعة الطائرات بدون طيار لدى إيران؟
يتخصص الإيرانيون في صنع نسخ مُقلَّدة، جيدة أو أقل من جيدة، عن أنظمة الأسلحة المتطورة المُنتَجة في دول أخرى، على أساس الهندسة العكسية لهذه الأسلحة. وبعض المنتجات النهائية لا تلبي المعايير الغربية، لكن إيران تعتقد أنَّ النتائج كافية، بحسب هآرتس.
وتسهم القيود التشغيلية والاستراتيجية بدور أيضاً في تطوير إيران لهذه الطائرات؛ إذ قضت طهران سنوات عديدة في الاستثمار في تطوير القذائف والصواريخ في مختلف المجالات. لكن المشكلة هي أنَّ الصاروخ الباليستي ثقيل ومربك وغير مرن. صحيح أنه رادعٌ مهم، لكنه صاخب بعض الشيء، ولا يسمح بإنكار الهجوم مثلما يمكن مع الطائرات بدون طيار.
لكن مع وجود طائرات مُسيَّرة، "تصبح الأحلام أسهل"، حسبما يقول مصدر عسكري في إسرائيل. ويتأثر استخدام الإيرانيين للطائرات بلا طيار بما فعله الأمريكيون، والإسرائيليون تحديداً، معهم في وقت سابق، في ما يسمى بالحرب بين الحربين.
ومن زاوية التشغيل، الطائرات المُسيَّرة سهلة التشغيل نسبياً، وتتطلب أطقم إطلاق صغيرة وسهلة التنقل بين القطاعات والمؤسسات. إضافة إلى أنه من السهل تدريب الجنود على تشغيلها، ويمكن إطلاقها بطرق مختلفة ومن مجموعة متنوعة من المنصات.
ومن الناحية الاستراتيجية، يمكن مضايقة الخصم دون استفزاز ردٍّ قاسٍ يشعل حرباً. وأعلنت منظمات غير موجودة على أرض الواقع مسؤوليتها عن بعض هجمات الطائرات المُسيَّرة في العراق، على الرغم من أنه يمكن التكهن بأنَّ الميليشيات الشيعية التي تديرها إيران كانت وراء هذه الجهود. إلى جانب ذلك، الطائرات المُسيَّرة هي أيضاً بديل للطائرات المقاتلة الإيرانية، التي ببساطة غير موجودة، باستثناء طائرات الفانتوم الأمريكية القديمة التي يعود تاريخها إلى زمن الشاه.
كيف انتشرت الطائرات بدون طيار الإيرانية في المنطقة؟
ووفقاً لمسح نُشِر هذا العام على موقع Iran Primer، بدأ الإيرانيون في عام 2004 في نقل طائرات مُسيَّرة وقطع غيار إلى شركائها في أربعة أجزاء على الأقل من الشرق الأوسط: لبنان والعراق واليمن وقطاع غزة. وهُرِّبَت كذلك طائرات بدون طيار إلى فنزويلا، التي ترتبط حكومتها بعلاقة صداقة مع إيران.
وتنقسم الطائرات الإيرانية المُسيَّرة بين مهام جمع المعلومات الاستخبارية، والهجوم أو المهام الانتحارية. ولديها نطاقات مختلفة، من الحوامات ذات مدى 15 كيلومتراً إلى الطائرات المُسيَّرة التي يمكن أن تطير لمسافة 1700 كيلومتر.
وبحسب هآرتس، استهدفت الهجمات مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وإسرائيل والسعودية والمنظمات السُنّية في سوريا والعراق. وفي مقال للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن، يصف المُحلِّل فابيان هينز شحنات الطائرات بدون طيار إلى الميليشيات بأنها تأتي ضمن استراتيجية إيران غير المُتكافِئة المُصمَّمة لتعويض نقاط الضعف العسكرية في البلاد. ويميز هينز نهجاً إيرانياً يجمع بين تهريب الأسلحة والتصنيع في البلدان المُستهدَفة وتركيب معدات دقيقة لتحسين الصواريخ.
وناقش هينز، في تغريدات في بداية شهر يوليو/تموز، زيارة خامنئي إلى معرض أسلحة الحرس الثوري في عام 2014 حيث عُرِضَت طائرات مُسيَّرة وصواريخ جديدة. واتضح أنَّ بعض هذه الأسلحة استُخدِمَت في الهجوم على السعودية بعدها بخمس سنوات. ويخلص هينز إلى أنَّ بعض الأنظمة من صنع الحرس الثوري وليس منظمة الصناعات العسكرية الإيرانية.
والانطباع الذي استخلصه الجيش الإسرائيلي هو أنَّ الإيرانيين أكملوا سلسلة الإنتاج بأكملها في تطوير الطائرات المُسيَّرة. ويقول مصدر عسكري إنهم "يطورون جميع المكونات الأساسية بأنفسهم- من جسم الطائرة والمحرك وأنظمة الملاحة إلى القدرة على ضمان بصمة رادارية منخفضة والمناورة بين مدى الطيران ووزن الحمولة".
وأضاف: "لقد حاك الإيرانيون لأنفسهم بذلة مريحة، بوسائل فعّالة يمكن استخدامها في كل من زمن الحرب ومعارك ما بين الحروب. لا توجد مباراة فاصلة هنا؛ إذ إنَّ الطائرات بدون طيار مُخصَّصة للمضايقة وجمع المعلومات والردع وليس لتحقيق النصر. لكن تقدمها كان بارزاً. ولا عجب أنَّ الأمريكيين، والإسرائيليين على حد سواء، قلقون حيال ذلك".
نقلة كبيرة في المواجهات العسكرية والاستخباراتية بالمنطقة
لقد أثيرت الحاجة المُلِّحة لاستجابة مُعزَّزة للطائرات المُسيَّرة والحوامات في جميع الاجتماعات الأمنية الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة، بما في ذلك أثناء زيارات وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس ورئيس الأركان العامة الإسرائيلية أفيف كوخافي إلى واشنطن. وفي الوقت نفسه، طوَّرت إسرائيل والقيادة المركزية الأمريكية، التي تنتشر وحداتها في جميع أنحاء المنطقة، التعاون الاستخباراتي والراداري بينهما. ولا يمكن استبعاد أن يكون هذا مرتبطاً باعتراض طائرة إيرانية بدون طيار فوق مدينة بيسان في مايو/أيار.
بالإضافة إلى ذلك، استحدثت إسرائيل تعديلات على نظام القبة الحديدية، الذي لم يكن يهدف في الأصل لمحاربة الطائرات المُسيَّرة، التي تطير بسرعات متواضعة. وخلال القتال في مايو/أيار، سمحت التعديلات على المنظومة باعتراض الطائرات بدون طيار لأول مرة.
وقال ضابط كبير في هيئة الأركان الإسرائيلية لصحيفة Haaretz: "إنَّ التحدي الذي تُشكِّله لنا الطائرات بدون طيار وأقمارها الصناعية يتزايد باستمرار. نحن نعمل على تحسين قدراتنا، لكننا لسنا متأكدين بعد من اكتمال الاستجابة".
وتجلَّت قوة الطائرات المُسيَّرة في العام الماضي في هجومين، الأول كان حرب ناغورنو قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا خلال الخريف، والثاني كان القتال مع غزة.
وفي الأسابيع الستة من الحرب في القوقاز، كان للأذربيجانيين اليد العليا؛ وذلك إلى حد كبير بفضل استخدامهم المُكثّف لطائرات مُسيَّرة تركية الصنع تنتجها شركة "بيرقدار"، واضطر الأرمن لأن يطلبوا وقف إطلاق النار في النهاية بسببها.
ومثلما حدث مع الإيرانيين، وفرت الطائرات المُسيَّرة للأذربيجانيين وسيلةً بسيطة ورخيصة لاستخدام الذخائر الدقيقة. وقد نشرت مقاطع فيديو لهجماتها على القوات الأرمنية.
وصعَّدت إسرائيل استخدام الطائرات المُسيَّرة والحوامات لمستوى آخر أثناء القتال في غزة في مايو/أيار. وللمرة الأولى، هاجمت أسراب من الطائرات المُسيَّرة حركة حماس بعد رصد قاذفات صواريخ. وتعتمد هذه الطريقة على تحليل سريع للمعلومات الواردة عبر أجهزة الذكاء الاصطناعي لتحديد مواقع الإطلاق، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.