نشرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية تقريراً حول أسباب رفض اليمين الإسرائيلي محاولات الحكومة الجديدة إعادة الاستقرار للعلاقات مع الأردن بعد سنوات طويلة من الجفاف، بسبب سياسات رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
لماذا يشعر اليمين الإسرائيلي بالتهديد من تحسين العلاقة مع الأردن؟
تقول الصحيفة إن بعض أصوات اليمين الإسرائيلي أصيبت مؤخراً بـ"الجنون" منذ أن كشف الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد الأسبوع الماضي على موقع "Walla" عن لقاء رئيس الوزراء نفتالي بينيت، السري مع الملك عبدالله الثاني في قصره بعمَّان. وهم يشعرون بالقلق من أنَّ الدفء في العلاقات الباردة- التي وصلت إلى الحضيض في عهد بنيامين نتنياهو- سيُكلِّف إسرائيل "غالياً" بشتى السبل.
وأمثلة ذلك فرض عملية سلام مع الفلسطينيين (كما لو أنَّ الأردنيين سينجحون حيث لم يجرؤ بايدن حتى على المحاولة)، والقضاء على التحالف مع دول الخليج في مواجهة الإيرانيين، والتنازل عن مناطق الضفة الغربية. وتضيف الصحيفة أن قادة اليمين أصبحوا فجأة مهووسين للغاية بكل متر مكعب من المياه في إسرائيل، فوصف أحدهم ويدعى "نداف هايتزني" في برنامج "Meet The Press" الأردن بأنَّه بلد "يتصرف كعدو"، ووصفت "كارولين غليك" في صحيفة "Israel Hayom" لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الملك بأنَّه "مهانة لإسرائيل".
لكن في المقابل، تقول الصحيفة إنه "يوجد شبه إجماع في مختلف أركان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أهمية التعاون الأمني والدبلوماسي مع الأردن. كما لم يُقلل مجلس الأمن القومي في عهد نتنياهو مطلقاً من أهمية المملكة حين يتعلق الأمر بالدفاع عن أطول حدود مع إسرائيل". بل العكس، ظل يُسلِّط الضوء على العلاقات الوثيقة القائمة خلف الكواليس بين الوكالات الأمنية المختلفة، وفي مجالي الطيران والطاقة، على الرغم من العلاقات المتوترة بوضوح على الصعيدين الدبلوماسي والمدني. وذُكِرَ في التقييم الاستراتيجي السنوي لمجلس الأمن القومي "تعزيز العلاقة من بلدان الجوار" باعتباره هدفاً رئيسياً.
تقول هآرتس إن حكومة نتنياهو سعت كذلك لتوظيف الأردنيين في فنادق إيلات ومنطقة البحر الميت، كحل مؤقت صغير للتعويض عن فشلها في إحراز تقدم بمشروع قناة البحر الأحمر- البحر الميت وبوابة للمشروعات الأردنية.
كيف أوصل نهج نتنياهو العلاقة مع الأردن "إلى أدنى مستوياتها"؟
بحسب هآرتس، لم تكن المشكلة قط في عدم الاعتراف بأهمية العلاقات مع الأردن، والحاجة الجوهرية لإعادة بنائها، بل "لي الذراع" الذي لا ينتهي مع المملكة حول تدخلها ومواقفها بشأن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى.
اقترن ذلك بالتخلي الصارخ عن المجال المدني للعلاقات، جزئياً بسبب شلل وزارة الخارجية الإسرائيلية في ظل الحكومة السابقة، فضلاً عن عدد من الإخفاقات الدبلوماسية التي يقف وراءها نتنياهو، مثل "استقبال الأبطال" الذي منحه لحارس السفارة الإسرائيلية الذي قتل مواطنين أردنيين عام 2017. وبطبيعة الحال، ساهمت خطة الضم الكامل وطرح إدارة ترامب لـ"صفقة القرن" و"اتفاقات أبراهام" أيضاً في الخلاف مع الأردن.
ومما زاد العلاقات بين إسرائيل والأردن هشاشةً تحت حكم نتنياهو، ما كشف عنه مؤخراً كاتب الأعمدة في صحيفة The Washington Post، ديفيد إغناتيوس، عن أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي كان متورطاً في مخطط دبره صهر ترامب جاريد كوشنر "لإضعاف موقف الأردن والملك من فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
وشمل ذلك الاستعانة بأحد كبار مساعدي الملك، باسم عوض الله، الذي يُزعَم أنه كان يتآمر مع ولي العهد الأردني السابق وأيضاً الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، الأمير حمزة. وأصبحت تُعرَف باسم "مؤامرة الفتنة" التي تورط فيها عوض الله وأحد أقرباء الملك الذين تمت محاكمتهما مؤخراً في عمّان.
وفي مقاله الذي نشر في 11 يونيو/حزيران، ادعى إغناتيوس أنَّ ممثلي أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية، الموساد والشين بيت، بعثوا برسائل خاصة إلى العاهل الأردني، متبرئين من أي دور في المؤامرة المزعومة. ووفقاً لمسؤول مخابرات أمريكي سابق قرأ الرسائل، جاء فيها: "لا دخل لنا. بل جاءت مباشرة"- يعني على الأرجح نتنياهو. وكان الهدف من المؤامرة المزعومة هو تقويض موقف الملك عبد الله لدوره في رفض "صفقة القرن" لترامب.
"الرأي العام الأردني أكثر تطرفاً تجاه إسرائيل"
في النهاية، يشير اليمين الإسرائيلي دائماً إلى أنَّ النظام الملكي الأردني، تماماً مثل الرأي العام الأردني، يصبح "أكثر تطرفاً في انتقاد السياسة الإسرائيلية". وهذا صحيح كما تقول هآرتس. فلطالما حالت مسألة الاحتلال بين الأردن وإسرائيل. و"جريمة" الأردنيين الكبرى في هذا الصدد هي أنَّهم حريصون على الترويج لحل الدولتين. وتاريخياً، ينبع هذا الدعم أيضاً بالطبع من رغبة لإلغاء نظرية "الخيار الأردني" التي تقول إنَّ الضفة الشرقية للأردن هي في الحقيقة الوطن القومي للفلسطينيين. وبالتالي، فإنَّ تلميحات يائير نتنياهو نجل بنيامين نتنياهو الغريبة لذلك على تويتر بالتأكيد لم تفعل شيئاً لمساعدة العلاقات، بل زادتها سوءاً.
وتقول هآرتس في النهاية: حاول بعض اليمينيين لسنوات إقناعنا بأن القضية الفلسطينية سقطت تماماً عن الأجندة وأنَّ بإمكاننا الآن إبرام سلام مع البلدان العربية (البعيدة) بدونهم. والآن يخبروننا أنَّ القضية الفلسطينية هي في الحقيقة حية تُرزَق وبالتالي يتعين علينا التخلي عن السلام الذي تحقق بالفعل مع البلدان العربية (المجاورة). وقد اقترحوا أن نعود إلى الخلف ونعيش بالسيف. لقد حان الوقت للعودة دون خوف للسعي لإعادة تأهيل العلاقات مع الفلسطينيين ومع جيراننا.