تفكر إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تأسيس "خط ساخن" مع الصين، على غرار "الهاتف الأحمر" الذي كان رمزاً للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فما فائدة هذه الخطوة في عصر التواصل اللحظي؟
والمقصود بوجود "خط ساخن" هو قناة اتصال مباشرة بين كبار المسؤولين وأصحاب القرار في واشنطن وبكين تسمح بالاتصال المباشر، سواء هاتفياً أو من خلال رسائل مشفرة، كبديل عن قنوات الاتصال الدبلوماسية التقليدية التي تستغرق وقتاً طويلاً حتى تصل من طرف إلى الآخر.
ومن المهم أيضاً توضيح أن ذلك لا يعني عدم توافر إمكانات وأدوات التواصل المباشر عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، لكن المقصود هنا هو "الروتين" وخطوات فك تشفير الرسائل وترجمتها ومرورها بسلسلة من الإجراءات المعتادة قبل أن تصل للمستويات الأعلى في سلم القيادة.
قصة "الهاتف الأحمر" وأزمة الصواريخ
ويعيد تفكير إدارة بايدن في "الخط الساخن" إلى الأذهان قصة "الهاتف الأحمر" التي تعود إلى عام 1963، عندما كاد العالم يشهد محرقة نووية، طرفاها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، بسبب أزمة الصواريخ الكوبية.
وكان الأمريكيون قد رصدوا في أكتوبر/تشرين الأول عام 1962، قواعد صواريخ سوفييتية يتم إنشاؤها في كوبا، وهو ما أثار أزمة كادت تتسبب بحرب نووية. وكشفت تلك الأزمة الأشهر في تاريخ الحرب الباردة، وكان وقتها رئيس أمريكا هو جون كينيدي وزعيم الاتحاد السوفييتي هو نيكيتا خروتشوف، مدى خطورة عدم وجود تواصل مباشر بين الجانبين في أوقات الأزمات الكبرى.
وعلى سبيل المثال وفي أثناء الأزمة، وصلت رسالة إلى السفارة الأمريكية في موسكو باللغة الروسية يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1962، تحمل مقترحاً من خروتشوف بمَخرج للأزمة. الرسالة فتحتها السفارة الساعة الـ09.42 صباحاً بتوقيت واشنطن، لكنها لم تصل إلى وزارة الخارجية الأمريكية إلا بعد الساعة الـ9 مساء، وهو الوقت الذي استغرقته ترجمة وتشفير وإرسال الرسالة السوفييتية.
وكانت تلك الأزمة وما صاحبها سبباً مباشراً في سعي القوتين النوويتين لمعالجة ذلك القصور في التواصل، وتم بالفعل تأسيس أول "هاتف أحمر" بينهما يوم 30 أغسطس/آب 1963، وكان عبارة عن جهاز تلكس بلون خشبي فاتح، أتاح لـ"كينيدي" و"خروتشوف" التواصل عبر برقيات مكتوبة ومشفرة.
والآن يبدو جلياً أن الرئيس جو بايدن يضع الصين في خانة "العدو" الأبرز للولايات المتحدة، وهي النقطة الوحيدة التي ربما يتفق فيها مع سلفه دونالد ترامب، لذلك يريد أن يؤسس "خطاً ساخناً" يمكنه من خلاله التواصل مباشرة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في حالات الطوارئ والأزمات الخطيرة، على غرار أزمة الصواريخ الكوبية مع الاتحاد السوفييتي قبل 6 عقود، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، عنوانه "إدارة بايدن تسعى لتأسيس (خط أحمر) مع الصين لاتصالات الطوارئ".
هل لا توجد وسيلة اتصال مباشر بين بكين وواشنطن؟
من المؤكد أن وسائل الاتصالات قبل ستة عقود، لا تقارَن بالمرَّة بما وصلت إليه اليوم، فالتواصل المباشر أصبح متاحاً لجميع البشر وليس فقط الحكومات، والهواتف الذكية يحملها الجميع في المدن والقرى والصحاري ويحملها الغني والفقير، فماذا يعني إذن تفكير الإدارة الأمريكية في تأسيس "خط ساخن" مع نظيرتها الصينية؟
ترجع فكرة تأسيس "خط ساخن" مع بكين إلى عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وكان وقتها الرئيس الحالي بايدن نائباً له، لكن الفكرة لم تأخذ شكل مذكرة سرية ضمن مستندات فريق الأمن القومي الأمريكي إلا خلال العام الأخير من رئاسة ترامب، بحسب ما قاله مصدر مطلع لـ"سي إن إن".
ولا تزال الفكرة في مهدها ولم تتم مناقشتها بعد مع الصينيين بشكل رسمي، إلا أن إدارة بايدن تريد تطوير وسيلة اتصال سريعة ومباشرة، الهدف منها تقليل احتمالات خطر اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين واشنطن وبكين، بحسب المصدر ذاته.
والمطلوب هنا هو وسيلة اتصال تسمح لبايدن، أو كبار المسؤولين في فريق الأمن القومي، بعمل اتصال هاتفي مباشر أو إرسال رسالة مشفرة على وجه السرعة إلى الرئيس الصيني شي أو أحد أعضاء فريقه المساعد. وعلى سبيل المثال، يمكن مشاركة معلومات عاجلة بشأن التحركات العسكرية أو رسائل تحذير خاصة بشأن اختراقات إلكترونية أو أعمال قرصنة لمنشآت حساسة.
وفي الوقت الحالي، يوجد بالفعل في البنتاغون "خط ساخن" مشابه مع الصين، ومن المفترض أنه يُستخدم بصورة حصرية للأغراض العسكرية، لكن نادراً ما يتم استخدامه. "لدينا بالفعل خط ساخن، ونعرف أنه في المرات القليلة التي استخدمناه فيها بالفعل، ظل الهاتف يرن لساعات في غرفة فارغة دون أن يرد أحد"، بحسب ما قاله كيرك كامبل، المنسق الأول لمجلس الأمن القومي للمحيطَين الهندي والهادئ، خلال نقاش حول الدبلوماسية الأمريكية-الصينية وتايوان مطلع العام الجاري.
وبالتالي فإن مشاكل النظام الحالي، إضافة إلى التصعيد العسكري الصيني مؤخراً، بدأت تصيب مسؤولي الأمن القومي الأمريكي بقلق عميق بشأن احتمالات حدوث "حسابات خاطئة" مع الصين، وتزايد الشعور بالحاجة لرفع وتيرة التواصل المباشر.
ما صعوبات التواصل المباشر إذن؟
داني راسيل، نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق، قال لـ"سي إن إن": "هناك نقص مقلق في أدوات إدارة الأزمات بين الولايات المتحدة والصين. ومن الأمور المُلحة الآن أن تسعى الحكومة الأمريكية لتأسيس خطوط اتصال عاملة تسمح بالاستجابة للأزمات أو بمنع وقوع الأزمات من الأصل. إننا بحاجة لرقم طوارئ، إن جاز التعبير".
ورفض مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية مناقشة "الأداة المقترحة" أو "الخط الساخن" مع CNN، لكنه قال إنهم "بشكل عام لديهم (إدارة بايدن) اهتمام بضمان أن المنافسة مع الصين تتم إدارتها بطريقة مسؤولة. كنا واضحين تماماً في التعبير عن أن المنافسة هي عنوان علاقتنا مع الصين، ونحن إذ نرحب بالمنافسة الشرسة، نعمل في الوقت نفسه على ألا تتحول تلك المنافسة إلى صراع".
وفي الوقت الحالي يعمل مسؤولون بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي على كيفية عمل "الخط الساخن" من الناحية التقنية، بحسب ما قالته مصادر لـ"سي إن إن"، وستكون الخطوة التالية هي تطوير مفهوم شامل لآلية التواصل المباشر ضمن خطة إدارة بايدن للتعامل مع الصين بشكل عام. وبعد ذلك تأتي الخطوة الأخيرة وهي موافقة البيت الأبيض والمسؤولين الصينيين على تلك الآلية والأداة (الخط الساخن) قبل أن يتم تركيبها وتشغيلها بالفعل.
لكن مدى نجاح "الخط الساخن" الآن- في حالة تركيبه وتشغيله فعلاً- بين الولايات المتحدة والصين ليس أمراً مؤكداً، في ظل التغييرات الكبيرة التي شهدها المسرح السياسي الدولي منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحتى الآن.
وعلى سبيل المثال، نجح "الهاتف الأحمر" بشكل عام كوسيلة تواصل مفيدة، بين البيت الأبيض والكرملين، وزادت وتيرة التواصل بالفعل خلال الحرب الباردة بعد تفعيله، لكن فعالية الأداة نفسها أصبحت محل شك كبير بعد انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي. فعلى سبيل المثال، استخدمت إدارة أوباما الخط الساخن لتحذير روسيا من التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، لكن ذلك التحذير لم تعِره موسكو اهتماماً.
وبالتالي فإن فعالية خط ساخن جديد مع الصين تتوقف بصورة أساسية على مدى التزام بكين باستخدامه أو تركيبه في مكان وبطريقة يجعلانه متاحاً بشكل دائم للرئيس شي. فقد أثبتت جائحة كورونا، على سبيل المثال، أن الحصول على ردود سريعة من بكين أصبح مسألة غاية في الصعوبة، بحسب كثير من المسؤولين في دول أخرى بخلاف واشنطن.