لم يجد الفتى أيمن أرشيدات (11 عاماً) ملاذاً يقيه وإخوته من أشعة الشمس الحارقة، فتوارى تحت غطاء فراش، بعد أن هدم جيش الاحتلال الإسرائيلي مساكن عائلته شرقي رام الله.
يقول أرشيدات لمراسل وكالة الأناضول: "هدموا كل شيء، حتى ألواح الطاقة الشمسية".
ويضيف: "من أين سنشرب الماء؟ لم يبق عندنا شيء، نحن عطشى".
وفجر الأربعاء، اقتحمت آليات إسرائيلية ترافقها شاحنات تجمع "القبّون" البدوي، قرب قرية المغيّر شمال شرق رام الله، وشرعت في عملية هدم واسعة طالت جميع المنشآت، التي تمتلكها 11 أسرة من عائلة أرشيدات، وهي عبارة عن منازل من الصفيح والخيام وحظائر الأغنام.
ولم يكتف الجيش الإسرائيلي بعملية هدم المنشآت، بل قام بمصادرتها، حتى لا يعاود الأهالي البناء، وصادر أيضاً جرارات زراعية وصهاريج مياه وعربات نقل.
وتجمع "القبّون" هو من التجمعات المركزية في المنطقة، ويعيش فيه 30 أسرة، بعدد سكان يتجاوز 150 شخصاً، وهو من المناطق المهددة بالإخلاء، بدعوى البناء في المناطق المصنفة "ج".
ويتفقد الفتى أرشيدات ما تبقى من متاع، غير أنه قال: "نحن بلا مأوى لم يتركوا لنا شيئاً".
وفي المحيط، بدا كأن زلزالاً قد ضرب المكان، حيث تناثرت المقتنيات في كل مكان.
وحاول شبان التجمع إصلاح ما يمكن إصلاحه، بغية ستر عائلاتهم من أشعة الشمس اللاهبة، في حين عملت النسوة على تجهيز الطعام للأطفال.
محاولة تهجير
ويقول محمد أحمد أرشيدات، رئيس التجمع، للأناضول، إن "السلطات الإسرائيلية اقتحمت التجمع وشرعت بعملية الهدم ومصادرة الممتلكات دون سابق إنذار".
وأضاف: "لم نتسلم أية إخطارات بالهدم، نسكن هنا منذ ما يزيد عن 20 عاماً".
ووصف عمليات الهدم بـ"غير المسبوقة، وأنها تمت بطريقة وحشية وانتقامية".
وقال: "لم يتركوا شيئاً قائماً، هدموا كل شيء، وصادروا آليات ومقتنيات وخيام، وحطموا مقتنيات المساكن".
واتهم أرشيدات السلطات الإسرائيلية بمحاولة "ترحيل السكان بالقوة والتضييق"، غير أنه قال: "لن نترك هذه الأرض، نحن لا نعرف ماذا يعني مناطق مصنفة (ج) أو (ب)".
وقال: "سنعيد بناء التجمع ولن نرحل".
ويشير المسؤول عن التجمع إلى بؤرة استيطانية في الجوار، وقال: "يضع المستوطن خيمة وكرفان (بيت متنقل) وتقدم له كافة التسهيلات، بينما نمنع من العيش في أراضٍ هي ملك فلسطيني خاص".
ويعتمد السكان في التجمع على تربية الأغنام.
ويفتقر التجمع لأدنى الخدمات العامة، ويقع على السفوح الشرقية لجبال الضفة الغربية المطلة على غور الأردن.
بدوره، قال عبداللطيف أرشيدات، صاحب أحد المساكن المهدومة: "هدموا كل شيء، وصادوا صهاريج المياه، تركونا في العراء".
وأَضاف لوكالة الأناضول: "بالرغم من ذلك، لن نرحل، سنبقى هنا ونعيد بناء التجمع".
تنديد فلسطيني
ونددت وزارة الخارجية الفلسطينية بعملية الهدم الإسرائيلية.
وقالت في بيان وصل وكالة الأناضول إن جريمة هدم المنازل "تندرج في إطار مخطط إسرائيلي استعماري إحلالي يهدف إلى استكمال حلقات تهويد القدس والأرض المصنفة (ج) بما فيها الأغوار وتفريغها من أصحابها الأصليين، وتخصيصها كعمق استراتيجي للتوسع الاستيطاني".
وأضافت أن "إسرائيل تستخف بالإدانات الدولية، وتستهتر بالتقارير العديدة التي صدرت عن منظمات دولية وأممية بشأن عمليات الهدم والتشريد".
وكشف تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) يوم 8 يوليو/تموز الجاري، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية هدمت ما لا يقل عن 421 مبنًى يملكها الفلسطينيون منذ بداية العام.
وتبرر إسرائيل هدم المنشآت بدعوى أنها بنيت دون ترخيص، ولكن الفلسطينيين والمؤسسات الدولية والأمم المتحدة يقولون إن إسرائيل نادراً ما توافق على طلبات ترخيص المباني في القدس الشرقية والمناطق المصنفة "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية.
وصنفت اتفاقية أوسلو (1995) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل الأخيرة نحو 60% من مساحة الضفة.