يواصل مقاتلو حركة طالبان تمددهم بوتيرة متسارعة في مناطق عدة من الأراضي الأفغانية بعد الانسحاب الأمريكي، حيث أعلنوا خلال الأيام الأخيرة سيطرتهم على نحو 85% من عموم أفغانستان. فعلى ماذا تسيطر طالبان حتى اللحظة؟ وما أهم وأبرز المناطق التي وقعت في قبضتها؟
"طالبان" تتمدد بوتيرة متسارعة في أفغانستان
بالموازاة مع الانسحاب الأمريكي وانهيار الجيش النظامي الأفغاني أمام تمدد طالبان، تقول الحركة إنها سيطرت حتى الآن على نحو 250 إقليماً من أصل 398 في البلاد.
وقال عضو فريق مفاوضي طالبان، شهاب الدين ديلاور، خلال مؤتمر صحفي في موسكو، الخميس الماضي، إن نحو 85% من الأراضي الأفغانية باتت تحت سيطرة الحركة، وإن العديد من المعابر الحدودية أصبحت في قبضتها.
ومنذ مطلع مايو/أيار، تضاعف عدد المناطق والمديريات التي وقعت في قبضة حركة طالبان، وازدادت وتيرة الهجمات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة في يونيو/حزيران، فيما بلغت ذروتها لتصل إلى أكثر من 85% من مساحة أفغانستان في يوليو/تموز الجاري.
وخلال الأيام الماضية بدا واضحاً توسُّع حركة طالبان في الشمال، لا سيما من خلال سيطرتها على معظم ولاية بدخشان، التي تضم حدود البلاد مع الصين، ومناطق واسعة من ولاية تخار الواقعة على الحدود مع طاجيكستان.
وفي الوقت نفسه، وسَّعت حركة طالبان نفوذها على ولايات جنوبية في أفغانستان، مثل هلمند وقندهار، وهما من المعاقل التاريخية الهامة للحركة.
"طالبان" ومعركة السيطرة على المعابر الحدودية
ولا تلبث الحركة حتى تعلن عن سيطرتها على معبر حدودي جديد، حيث أعلنت الأربعاء 14 يوليو/تموز 2021 سيطرتها على معبر حدودي هام مع باكستان يدعى "سبين بولداك-شامان"، حيث أفاد العديد من السكان بأن المقاتلين قد انتشروا في بلدة فيش الحدودية، ومبانيها الرسمية، وكذلك الطريق بين سبين بولداك وقندهار، عاصمة الولاية.
وقال ذبيح الله مجاهد الناطق باسم طالبان، في بيان، إن "مقاتلي الحركة سيطروا على بلدة فيش الحدودية المهمة في ولاية قندهار. ومن الآن فصاعداً، أصبح الطريق الذي يربط جمارك شامان وسبين بولداك وقندهار تحت سيطرتهم"، مضيفاً أن طالبان "تطمئن جميع التجار والمقيمين إلى أن سلامتهم مضمونة".
وأكد مسؤول في قوات الأمن الباكستانية أن طالبان سيطرت على معبر سبين بولداك-شامان، موضحاً في هذا الشأن أن طالبان "رفعت عَلَمها وأنزلت العلم الأفغاني".
وقبل عدة أيام، سيطر مسلحو طالبان على معبر"أبونصر فراهي" الحدودي مع إيران. وكان مصدر بوزارة المالية الأفغانية التي تشرف على المعابر أكد لقناة الجزيرة سيطرة طالبان على معبر حدودي آخر مع إيران هو معبر "إسلام قلعة" الذي يقع في ولاية هرات غربي البلاد.
ويعد معبر إسلام قلعة أحد أهم 4 معابر حدودية مع إيران، إذ يخدم نحو 20 ولاية أفغانية، ويمر من خلاله معظم التجارة المشروعة بين البلدين.
وسيطرت طالبان الشهر الماضي على "شير خان بندر"، المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وطاجيكستان، واضطر نحو ألف جندي حكومي للجوء إلى طاجيكستان بعد قتال عنيف. حيث أعلنت الخارجية الروسية أن مسلحي حركة طالبان باتوا يسيطرون على نحو ثلثي الحدود الأفغانية مع طاجيكستان.
والجمعة الماضية، أكد مسؤولون أفغانيون، أن طالبان سيطرت على بلدة "تورغوندي" الحدودية، إحدى البوابات التجارية إلى تركمانستان، والتي تقع في ولاية هرات غربي البلاد.
هروب وانسحاب الجيش الأفغاني أمام هجمات طالبان
وتستعد الدول المجاورة لأفغانستان لتدفق محتمل للاجئين إذا استمر القتال في التصاعد في البلاد، بين حركة طالبان من جهة، والجيش النظامي الذي يقاتل إلى جانبه بعض الميليشيات المناهضة لحركة طالبان.
وبعد الانسحاب الأمريكي، يصر الرئيس الأفغاني أشرف غني على أن "قوات الأمن الأفغانية قادرة تماماً على إبعاد المتمردين"، لكن أكثر من 1000 جندي أفغاني فروا عبر الحدود إلى طاجيكستان في الأيام الأخيرة، كما وردت تقارير عن لجوء وفرار المزيد من الجنود النظاميين إلى باكستان وأوزبكستان وإيران.
في وقت سابق من الأسبوع، قال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لشبكة BBC البريطانية، إن الحركة ليست مسؤولة عن الزيادة الأخيرة في العنف. بل إنه أصر على أن العديد من المناطق سقطت في يد طالبان من خلال الوساطة بعد أن رفض الجنود الأفغان القتال وسلموا أسلحتهم.
وكانت القوات التي تقودها الولايات المتحدة قد أطاحت بحكم حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، حيث كانت الحركة تؤوي أسامة بن لادن وشخصيات أخرى من تنظيم القاعدة المرتبطين بهجمات 11 سبتمبر التي أدت إلى الغزو. ومع ذلك، فقد استعادت الحركة أراضيها تدريجياً خلال السنوات الأخيرة مستغلة ضعف الحكومة المحلية المدعومة من واشنطن.
ودخلت طالبان في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة في عام 2018. وفي فبراير/شباط 2020 وقَّعت الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان "اتفاقية لإحلال السلام" في أفغانستان، في العاصمة القطرية الدوحة. وافقت الولايات المتحدة وحلفاء الناتو على سحب جميع القوات من أفغانستان في غضون 14 شهراً إذا التزمت طالبان بالاتفاق.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحاب قواتها بشكل نهائي من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول 2021، بعد 20 عاماً بالتمام على أحداث 11 سبتمبر. لكن في ظل الوتيرة المتسارعة لسيطرة طالبان على البلاد، عاد الرئيس الأمريكي جو بايدن وأعلن أن 31 أغسطس/آب سيكون تاريخ انتهاء انسحاب قوات بلاده من أفغانستان، مضيفاً أن واشنطن "حققت أهدافها في مكافحة التهديد الإرهابي".
وقال بايدن في مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، إن أمريكا لم تذهب إلى أفغانستان "لبناء أمة" بل تلك "مسؤولية" الأفغان، معرباً عن "ثقته في قدرة" الجيش الأفغاني للتصدي لحركة الطالبان، التي تحاول استغلال الانسحاب الأمريكي والتوسع عبر مجموعة من المناطق.
ويقو بايدن إن "الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مبرَّر لأن القوات الأمريكية حرصت على ألا تصبح أفغانستان قاعدة للجهاديين الأجانب للتآمر ضد الغرب مرة أخرى"، بحسب تعبيره.