مرت خمسة أشهر منذ بدء الحوثيين شن هجمات مكثفة على محافظة مأرب وسط اليمن، دون إحراز اختراق ميداني ملحوظ في هذه المحافظة الاستراتيجية.
ورغم نجاح القوات الحكومية في صد الهجمات الحوثية المكثفة، فإن ثمة من يرى أن الخطر على محافظة مأرب ما زال مستمراً، لاسيما أن الجيش لم يتحول بعد إلى مرحلة الهجوم.
ومنذ بداية فبراير/شباط الماضي 2021، كثف الحوثيون هجماتهم في مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل الحكومة، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز، واحتوائها على محطة مأرب الغازية، التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
وحتى اليوم، لا تزال الحكومة اليمنية تسيطر على معظم مناطق المحافظة، بما في ذلك مركزها (مدينة مأرب)، فيما يسيطر الحوثيون على مناطق قليلة.
أهم ملفات اليمن
خلال الأشهر الماضية برزت مأرب كأهم ملفات اليمن، وحازت اهتماماً دولياً وإقليمياً ومحلياً كبيراً، سواء في التحركات الدبلوماسية التي تجريها جهات أممية دولية ومحلية فاعلة، أو على المستوى الشعبي والرسمي.
وبشكل متكرر، حذرت الأمم المتحدة وعدة دول فاعلة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، من عواقب وخيمة للمعارك الدائرة في مأرب، في حال وصولها إلى المدينة المكتظة بالسكان.
وتقول الأمم المتحدة، إن مدينة مأرب تحوي أكثر من مليون نازح، كأكبر تجمع يمني للنازحين، فيما تقدر الحكومة اليمنية أن عدد النازحين في المدينة تجاوز 2 مليون.
وكان آخر المواقف الدولية المنادية بوقف هجمات مأرب بيان لمتحدث وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، الخميس الماضي، قال فيه: "ندين بشدة هجمات الحوثيين على الأحياء السكنية في مأرب، وقد ضقنا ذرعاً بمواصلة هجماتهم التي تزيد الوضع الإنساني سوءاً".
خسائر بشرية هائلة
تعد معارك مأرب، هي الأعنف منذ اندلاع الحرب في اليمن، وقد أسفرت عن وقوع خسائر بشرية غير مسبوقة بصفوف طرفي النزاع، فضلاً عن تسببها في خسائر بصفوف المدنيين.
وفي مايو/أيار الماضي، كشف مدير مكتب الرئاسة اليمنية عبدالله العليمي، في تصريح إعلامي، للمرة الأولى، أن المعارك في مأرب أسفرت عن مقتل حوالي 2400 من جانب القوات الحكومية، وإصابة نحو خمسة آلاف آخرين منذ يناير/كانون الثاني الماضي، إذ كانت هناك مناوشات تسبق المعارك العنيفة.
ولم تصدر إحصائية جديدة منذ ذلك التاريخ، بخصوص مجمل الخسائر البشرية في صفوف القوات الحكومية.
وقد أدت المعارك إلى مقتل العديد من القيادات البارزة في الجيش اليمني، بينهم قائد المنطقة العسكرية السادسة، اللواء أمين الوائلي، وقائد قوات الأمن الخاصة في مأرب، العميد عبدالغني شعلان، ورئيس دائرة القضاء العسكري التابع للحكومة، اللواء ركن عبدالله الحاضري، وعشرات من الضباط بينهم من يحملون رتباً رفيعة.
وفي المقابل، ذكرت وسائل إعلام محلية أن جماعة الحوثي خسرت 7 آلاف قتيل في مأرب، منذ تصعيد هجماتها في فبراير/شباط، بينهم العشرات من القيادات البارزة، فيما لم تصدر الجماعة أي إحصائية إجمالية.
الخطر مستمر
ومع استمرار المعارك حتى اليوم، يقول الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب، إن "مأرب لم تتجاوز مرحلة الخطر بعد، وإنها ستواجه مزيداً من الهجمات الحوثية، من عدة اتجاهات".
وأضاف للأناضول: "وضع مأرب مرتبط بعوامل كثيرة، أولها المكاسب التي تنعكس على الحركة الحوثية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً".
ووفق المتحدث فإنه "في حال سيطرة الحوثيين على مأرب فإنه يشكل هدم أحد أعمدة الدولة والنظام الحاكم الحالي، ويتيح التمدد للحركة إلى المحافظات الجنوبية، وستستفيد الجماعة من إيرادات المحافظة في تمويل الجبهات الأخرى، وخاصة جبهات الساحل الغربي وتعز (جنوب غرب)".
وأردف: "ستعطي دافعاً أكبر لحشد المقاتلين الحوثيين لما تمتلكه من موارد، وستعطي حافزاً معنوياً بأن الحوثيين قوة صلبة لا يمكن كسرها، وفي المقابل ستهتز الثقة بالجيش والحكومة الشرعية".
ولفت إلى أن "التحالف العربي أبقى الصراع في مأرب دون تحقيق مكاسب للحوثيين أو تقدم للجيش".
ورأى الذهب أن "المعركة في مأرب لن تتحول إلى هجومية لصالح الجيش، لأن التحالف لن يمكن القوات الحكومية من تحقيق تقدم، بسبب أنه لا يرغب في تسليم المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح (أكبر حزب إسلامي يتهم بأنه يتبع الإخوان المسلمين فيما ينفي هو ذلك) على اعتبار أن شباب هذا الحزب هم في الحقيقة من يقودون المعركة ضد الحوثيين".
وفي الوقت نفسه، توقع أن "معركة مأرب ستطول، لأن الداعم الخارجي لا يزال موجوداً، فطيران التحالف يواصل ضرب الحوثيين في المحافظة" حتى لا تسقط بأيديهم، لكنه في الوقت نفسه لا يريد الغلبة للقوات الحكومية، لأن ذلك يعني تمكين شباب التجمع اليمني.
وضع معقّد وملف إقليمي
أما عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات (غير حكومي)، فيقول إن الوضع في مأرب ما زال معقداً، حيث يتعلق بأهداف التحالف العربي ووضع الحكومة والمفاوضات الإيرانية الأمريكية، إضافة إلى توجه الحوثيين".
وفي حديثه للأناضول أوضح أن "الحوثيين يريدون السيطرة على مأرب بالقوة، كونها تعتبر مصدراً اقتصادياً مهماً، فيما الأمريكان وضعوا ملف مأرب على طاولة المفاوضات مع إيران، ورفعوا اسم جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب دون أي مقابل".
وأكمل: "تضغط الإدارة الأمريكية على الحكومة اليمنية من أجل الذهاب لإيقاف الحرب، كونها واحدة من وعود الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء حملته الانتخابية".
ولفت إلى أن "المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران لم تحرز تقدماً، ما جعل واشنطن تضع بعض قيادات الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، وهو أمر غير مُجدٍ للجماعة المدعومة من طهران".
وتحدث بأن إيران ترى أن السيطرة على مأرب مهمة جداً، لأنه يعني تأمين سيطرة الحوثيين على شمالي اليمن، "ويمكنهم مستقبلاً مهاجمة الجنوب، في حال ذهاب الأوضاع إلى أبعد مما نتصور".
وأفاد بأن "السعودية رفضت دعم الجيش الوطني اليمني حالياً، باستثناء مساندته بالطيران لمنع الحوثيين من دخول مأرب، في الوقت الذي لا ترغب الرياض في تقدم الجيش عبر الهجوم".
وذكر أن "الجيش بقي بدون سلاح فعال، بسبب عجز الحكومة في التصرف لعقد اتفاقات تسليح، فيما تم إيقاف صرف رواتب الجيش".
وحول مستقبل الأزمة في مأرب واليمن بشكل عام، لفت الباحث إلى وجود ثلاثة سيناريوهات: "إما أن يقبل الحوثي بالسلام على الحدود التي وضعها لنفسه على الأرض، وتكون هناك مفاوضات مستقبلية لحل الأزمة، أو يدخل مأرب، وهو الأمر الذي يواجه رفضاً دولياً واضحاً.
فيما السيناريو الثالث، حسب عبدالسلام، يتمثل بأن يتحول الجيش إلى مُهاجم، ويصل إلى أطراف صنعاء، ويحصل ضغط دولي على الحوثيين من ناحية عسكرية، من خلال التقدم الميداني في محافظات أخرى مثل الحديدة الساحلية الحيوية (غرب)، والبيضاء (وسط)، والجوف (شمال)".
ويشهد اليمن حرباً منذ نحو 7 سنوات، أودت بحياة أكثر من 235 ألف شخص، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وللنزاع امتدادات إقليمية، منذ مارس/آذار 2015، إذ ينفذ تحالف بقيادة الجارة السعودية عمليات عسكرية دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.