سر توسع روسيا في استخدام المرتزقة في إفريقيا رغم جرائمهم.. فتش عن فرنسا ومخاوفها من الصين

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/07/11 الساعة 20:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/11 الساعة 20:22 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

كانت بشاعة الجرائم التي ارتكبها المرتزقة الروس في إفريقيا الوسطى دليلاً على أن الكرملين يمكن أن يفعل أي شيء في سبيل تدعيم نفوذه، وأن تحركات روسيا لا تهدف فقط إلى منافسة الغرب بل الصين أيضاً.

وبينما قصص حروب المرتزقة الروس في أوكرانيا وسوريا وليبيا هي الأكثر شهرة، تبدو إفريقيا هي الساحة الأنشط بالنسبة إلى المرتزقة الروس، حيث تواردت أنباء عن أنشطة لهم في مدغشقر، وتفيد تقارير بأن المرتزقة الروس ولا سيما فاغنز ينشطون في 10 دول إفريقية لصالح بوتين لكن بشكل غير رسمي.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة اطلعت عليه وكالة "رويترز" نهاية الشهر الماضي، بأن مدربين عسكريين روساً وجنوداً من إفريقيا الوسطى استخدموا القوة المفرطة وارتكبوا جرائم قتل عشوائي ضد مدنيين واحتلوا مدارس ومارسوا النهب على نطاق واسع.

ويتهم تقرير خبراء العقوبات المرفوع لمجلس الأمن أيضاً جماعات مرتبطة بمتمردي "تحالف الوطنيين للتغيير" بالتجنيد القسري للأطفال، وشن هجمات على قوات حفظ السلام، وارتكاب عنف جنسي، ونهب جماعات الإغاثة.

ومن بين الاتهامات الواردة بالتفصيل في تقرير عقوبات الأمم المتحدة السنوي، قيام جنود إفريقيا الوسطى ومدربين روس بقتل ما لا يقل عن ستة مدنيين في مسجد خلال عملية استهدفت متمردي "تحالف الوطنيين من أجل التغيير".

وكتب خبراء الأمم المتحدة "استهدف جنود إفريقيا الوسطى والمعلمون الروس المسجد على الرغم من علمهم بوجود المدنيين ومن دون احترام للطبيعة الدينية للمكان. وبحسب شهود العيان.. لم تُبذل أي جهود للتمييز بين المدنيين والمقاتلين".

وتتنافس روسيا وفرنسا، التي تنشر قرابة 300 جندي في إفريقيا الوسطى، على النفوذ في الدولة الغنية بالذهب والألماس ويبلغ عدد سكانها 4.7 مليون نسمة. وأرسلت روسيا مئات من المدربين العسكريين لتسليح القوات الحكومية وتدريبها ضد المتمردين، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية".

فمنذ 2018، يتواجد بجمهورية إفريقيا الوسطى، المئات من الجنود الروس وعناصر فاغنر (نحو 450 عنصراً) تحت اسم "مدرب عسكري"، لكن موقع "ذي أفريكا ريبورت" قدر عددهم بأكثر من ألف مدرب عسكري وفرتهم شركة فاغنر.

وتكفل فاغنر أمن المؤسسات المختلفة، وتلعب دوراً رائداً في تدريب الحرس الرئاسي والجيش، حيث يشرف عناصرها على تدريب أفراد الحرس الرئاسي والجيش (نحو 1300 عنصر)، ويحرسون الرئيس فوستين أرشانغ تواديرا، من المجموعات المتمردة التي تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد.

 كما يحمي عناصر فاغنر مناجم الذهب والألماس، ويحصلون على نسبة من العائدات، حيث تقع معظم هذه المناجم شمال شرقي البلاد، منها مناجم قرب مدينة بامباري، في مناطق نفوذ تحالف متمردي "سيليكا"، وغالبيتهم من المسلمين.

تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، عرض أسباب وجود المرتزقة الروس في إفريقيا وأهداف هذا الوجود والمخاطر التي تتهدد الصحفيين الذين يتناولونه.

ما الهدف من وجود المرتزقة الروس في إفريقيا الوسطى؟

ما الذي يفعله المرتزقة الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى إذاً؟ الإجابة بسيطة، وهي أنّهم هناك من أجل المساعدة في الحفاظ على العقود التجارية المربحة والسماح لروسيا بالتدخل في سياسات البلاد الداخلية.

فمصالح الدولة الروسية مرتبطةٌ للغاية بالمصالح الخاصة- نظراً لمستويات الفساد والإنكار المقبول. فكيف يتحقق ذلك على أرض الواقع؟ حسناً، من المعروف عن السلطات الروسية- بما فيها الإدارة الرئاسية- أنّها متحررة في تحويلاتها المالية شبه الرسمية واستخدام الحسابات المصرفية خارج البلاد لإخفاء آثارها. 

وهو أمرٌ جرى توثيقه في المجالات الأقل خطورة، مثل تمويل الدولة لصناعة الأفلام مثلاً، لكن محاولة توثيقه تصبح أكثر خطورةً بكثير عند تعقب المسائل العسكرية. وهذا هو ما حدث تماماً حين موّلت منافذ الدعاية الروسية فيلم Matilda عام 2017، ضمن خطةٍ جاءت بنتائج عكسية حين زعم المشرعون المحافظون الروس أنّ الفيلم مناهضٌ لروسيا بسبب تصويره مداعبة القيصر الأخير لراقصة باليه صغيرة.

وهذا النوع من التداخل بين المصالح والأموال العامة والخاصة يُمثّل استراتيجيةً قديمة العهد للكرملين، وإن كان نادراً ما يُسلّط الضوء عليه.

تُقدم روسيا من خلال مجموعة فاغنر، الدعم العسكري أو تحقيق الاستقرار السياسي، مقابل النفوذ السياسي لها أو إتاحة التوسع الجيواستراتيجي أو الامتيازات في استغلال الموارد. 

طباخ بوتين يقود شركات المرتزقة

ومن المعروف أنّ عدداً من شركات المرتزقة المتورطة في الصراعات خارج البلاد مرتبطةٌ بيفغيني بريغوجين، رجل الأعمال الذي يحمل لقب "طباخ بوتين"- بعدما اكتسب أحد المطاعم المملوكة له شعبيةً لدى الرئيس بوتين ورفاقه، والذي يتضمن تاريخه الملوث قضاء غالبية فترة الثمانينيات وراء القضبان بسبب السطو المسلح والعديد من التهم الأخرى. 

ويعلم الجميع أنّ بريغوجين يعمل لصالح الكرملين- رغم عدم وجود أدلةٍ مثبتة يمكننا استنباطها من كافة مشاريعه، وهذا ببساطة لأن المال يُستخدم بكثرة ولأن الأشخاص الذين يبحثون وراء هذا النوع من العلاقات ينتهي بهم المطاف مقتولين عادةً.

وفي الوقت ذاته، تورّط رجال بريغوجين في كل مكانٍ في العالم تقريباً، من مدغشقر إلى موزمبيق- ناهيك عن مشاركتهم في الصراع الأوكراني. 

روسيا تريد مناوئة الصين وليس الغرب فقط

ولكن فهم الأنشطة الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى وغيرها من الأماكن يتطلب فهم تطلعات بوتين على الساحة العالمية.

إذ سيكون من الساذج الاعتقاد بأنّ روسيا لم تراقب باهتمام الاستثمارات الصينية في إفريقيا. فخلال عصر الاتحاد السوفييتي، كان الروس شديدي الاهتمام بإقامة علاقات مع دول القارة الإفريقية. ومع إصرار بوتين أن يحصل على مجال النفوذ الخاص به، فسوف يواصل إعادة بناء ما يراه حق موسكو الشرعي في مختلف أجزاء العالم، ومنها الدول الإفريقية.

ورغم الصداقة الظاهرية بين بكين وموسكو- وهي الصورة التي تُعبر عنها دعاية البلدين باستمرار-، فإنّك ستدرك حين تُمضي ما يكفي من الوقت في روسيا أنّ هناك قدراً كبراً من التشكك في الصين داخل الكرملين والمجتمع الروسي عموماً. 

بعض الروس يتوقعون احتلال بكين لشرق البلاد

كما يتحدث القوميون الروس بكل صراحة عن الفكرة القائلة إنّ الصين سوف تستولي على الشرق الأقصى الروسي وسيبيريا بنهاية المطاف، حتى مع إصرار القوى المتحالفة مع الكرملين على أنّ هذه الفكرة هدفها مجرد إثارة الخوف.

لكن الأفكار القومية تشهد صعوداً كبيراً في روسيا منذ سنوات. ويحاول الكرملين بانتظام أن يستميل القوميين لأنّهم تحديداً يمثلون مقياساً جيداً للحالات المزاجية السائدة في المجتمع- وهو المجتمع الذي يشهد أيضاً صعود المخاوف ونظريات المؤامرة والمواقف الرجعية. وخير دليلٍ على ذلك هو المقاومة الروسية العنيدة للقاح كوفيد-19 الجيد المصنوع محلياً.

وبينما تؤمن الرؤية الأوروبية للعالم بأنّ روسيا تتنافس فقط مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نجد أنّ هذه الفكرة اختزاليةٌ في واقعها. 

فبزيادة مصالحه في إفريقيا، يبعث بوتين برسالةٍ إلى الزعيم الصيني شي جينبينغ بأنّ روسيا ليست مجرد صديقٍ صغير للصين.

ولكن السؤال هل بوتين بحاجةٍ إلى تعريض حياة الأبرياء في الدول الإفريقية للقتل من أجل استعراض عضلاته؟

المرتزقة الروس
مرتزقة فاغنر الروس/رويترز

يجيب كاتب التقرير قائلاً: "إذا نظرت إلى السلوك الروسي في سوريا والشيشان من هذه الناحية، فسوف تلاحظ تحقيراً واستخفافاً بأرواح المدنيين- وهذا حين نتحدث عن القوات الروسية العادية. فما بالك بالمناطق التي تتدخل فيها شركات المقاولات العسكرية الروسية الخاصة، حيث تكون المعايير أقل بكثير، وتختفي حتى أقل مظاهر المسؤولية القانونية. فما الذي يمنع هؤلاء المقاتلين من التصرف بشكلٍ أسوأ؟".

ويضيف: "في مرحلةٍ ما، تواصلت مع مصدرٍ شديد السرية وافق على الحديث معي حول ما وصفه بالفترة القصيرة التي قضاها ضمن مجموعةٍ عسكرية روسية خاصة".

إذ إن الرجال الذين ينضمون إلى شركات المقاولات العسكرية الروسية يكونون عادةً من أصحاب الخلفية العسكرية الذين يُهمهم المال، ولا يرغبون في أن يكونوا حراساً بمراكز التسوق. وكان المصدر الذي تحدثت إليه ينتمي إلى هذا التصنيف، واعترف بأنّه لا قلق إزاء التشريعات الروسية التي تُجرّم فعلياً عمل شركات المقاولات العسكرية الخاصة ولا تحمي أفرادها من المساءلة القانونية، "وهذا لأنّ الأجور في هذه الشركات جيدة".

يقول: "سألته عما يُمكن للصحفيين فعله حتى يتجنبوا التعرض للقتل بسبب أداء عملهم في تعقب تلك الشركات. فأجاب ضاحكاً: (عليهم أن يكتبوا عن الأشياء الجميلة، مثل الفن. يمكن أن يكتبوا عن أي شيء، باستثناء هذه المسألة)".

جدير بالذكر أن ثلاثة صحفيين روس كانوا يُحققون في وجود "فاغنر" بجمهورية إفريقيا الوسطى، قُتلوا في صيف 2018. 

وكان الصحفيون الثلاثة يتعقبون المجموعة، لكنهم في يوم مقتلهم، كانوا ينوون تصوير مناجم نداسيما للذهب، التي كان بريغوزين يُخطط لاستغلالها. 

وتُظهر تسجيلات المكالمات الهاتفية أن السائق الخاص بالصحفيين الثلاثة تواصل مراراً مع ضابط شرطة من البلاد على صلة قريبة بـ"فاغنر"، وتشمل هذه التسجيلات مكالمات حدثت يوم قتلهم.

لماذا يفضل بوتين استخدام المرتزقة؟

يقول كاتب تقرير المجلة الأمريكية: "سيظل الاعتماد الروسي على المرتزقة يُمثّل جزءاً أساسياً من سياسة الكرملين. لأنّه اعتمادٌ قابلٌ للزيادة ولا تُعيقه البيروقراطية العسكرية. ولأن المجتمع الروسي ليس حريصاً على اعتبارهم ممثلين لروسيا، ولا يرثيهم أحدٌ علناً عند وفاتهم؛ لذا فهم لا يُسببون مشكلات علاقات عامة كبيرة على المستوى المحلي".

على سبيل المثال، توقع كثيرون أن تنهار العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة عندما قتلت القوات الأمريكية مئات من الروس الذين هاجموا موقعاً عسكرياً في سوريا كان يقع تحت سيطرة الولايات المتحدة، في أوائل عام 2018. إلا أن ما حدث، هو أن الكرملين نأى بنفسه بسرعة عن الأذرع الروسية في ساحة القتال السورية البعيدة عنه.

وتسمح المنظمات العسكرية الخاصة للحكومة الروسية بالتخلص من مظاهر المساءلة. وستظل أنشطتهم تخضع لحمايةٍ شديدة طالما أنّهم يُمثلون المصالح المالية للعديد من الناس- بدءاً بالمرتزقة ووصولاً إلى المستثمرين الغامضين.

وعلى الرغم من الطابع الخاص الظاهري لـ"فاغنر"، قدم بوتين شكره لمقاتليها على خدماتهم، وكافأ كبار قادتها، مثل أوتكين، بالأوسمة العسكرية الشرفية الروسية، وشيد التماثيل لمقاتليها في سوريا ودونباس، ووقف لالتقاط الصور مع قادتها. 

لكن الأمر الذي يظل شديد الوضوح هو أنّ العزَّل من القرويين، والصحفيين، وغيرهم ممن يُواجهون المرتزقة الروس سوف يمرون على الأرجح بوقتٍ سيئ. وليست هناك آليات لاحتواء هذا النوع من العنف باستمرار. كما أن الغضب الدولي لا يُهم الكرملين، أو بريغوجين، أو أي شخص آخر له مصلحةٌ مباشرة أو غير مباشرة في تلك الشركات العسكرية الخاصة. وعلى حد تعبير مصدري: "فإنهم يريدون أن يخشاهم الناس، ولا يرغبون في أن يُعجب بهم أحد".

تحميل المزيد