تسعى مصر والسودان إلى حشد التأييد لموقفهما من أزمة سد النهضة في جلسة مجلس الأمن المقررة اليوم الخميس 8 يوليو/تموز، خاصة بعد بدء الملء الثاني؛ وذلك على أمل إيجاد موقف دولي يدفع باتجاه إبرام اتفاق فني ملزم بشأن السد يُجنبهما صداماً مع أديس أبابا في حال تضررت حصتهما من نهر النيل.
والإثنين والثلاثاء 5 و6 يوليو/تموز 2021، أخطرت إثيوبيا (دولة منبع النيل) مصر والسودان (دولتي المصب) ببدء عملية الملء الثاني للسد، وهو ما رفضه البلدان، ووجها خطابين إلى مجلس الأمن حول "ذلك الإجراء الأحادي الذي يمس الأمن والسلم الدوليين".
ويأتي عقد هذه الجلسة بناء على طلب السودان بالتنسيق مع مصر المقدم في يونيو/حزيران الماضي؛ وذلك خشية البللدين من "تضرر السلم والأمن الدوليين"، في ظل إصرار إثيوبيا على بدء الملء الثاني، حتى دون التوصل إلى اتفاق.
وستكون جلسة الخميس هي الثانية من نوعها بعد جلسة عُقدت قبل عام، وانتهت بحثِّ أطراف السد على الحوار، تحت قيادة الاتحاد الإفريقي، وهو حوار متعثر منذ أشهر، ضمن مسار تفاوضي انطلق قبل نحو 10 سنوات.
"منعطف خطير" والاتحاد الإفريقي عائق أمام تدخُّل مجلس الأمن
ووفق وزير مصري سابق معنيّ بالملف المائي، فإن أزمة السد دخلت، ببدء الملء الثاني، في "منعطف خطير"، ستواجهه القاهرة بـ"تجنيد كافة إمكاناتها لمحاولة خروج مجلس الأمن بقرار بالعودة لمفاوضات لها ضمانات دولية، للوصول لاتفاق قبل أي تحركات غير سلمية بالمنطقة"، حسب تعبيره.
وشدد محللان سياسيان، تحدثا لـ"الأناضول"، على أهمية تصعيد القاهرة الأزمة إلى مجلس الأمن من باب "الحفاظ على السلم والأمن الدوليين"، في ظل سياسة تنتهجها منذ فترة، ومعروفة في العلاقات الدولية تُعرف باسم "التلويح بالقوة".
وأكدا أن تلك السياسة تحمل دلالات تساعد القاهرة في الحشد الدولي لإجبار إثيوبيا على إتمام اتفاق ثلاثي ملزم، ولم يستبعدا التوجه إلى "صِدام" في حال تضرر حصة مصر المائية السنوية، وهي 55.5 مليار متر مكعب.
غير أن مجلس الأمن، وفق أكاديمي مصري مختص بالقانون الدولي، سيظل أمامه عائق، وهو أن الاتحاد الإفريقي، المنظمة المعنية بالمفاوضات، لم يبلّغه بفشله بعد في حل الأزمة، وبالتالي سيجد المجلس صعوبة في التصدر للأزمة منفرداً، خاصة أمام قضية غير مسبوقة متعلقة بالأنهار الدولية لم يصدر فيها قرار ملزم من قبل.
واعتبر وزير الخارجية الإثيوبي دمقي موكنن حسن، أمس الأربعاء، أنَّ رفع مصر والسودان قضية السد إلى مجلس الأمن "تدويل للمسألة وإضفاء للطابع الأمني عليها دون داعٍ"، بحسب بيان للخارجية.
فيما تقول القاهرة والخرطوم إن أديس أبابا "تتعنت وتماطل وتخالف القانون الدولي"، بهدف إطالة أمد المفاوضات الممتدة.
ماذا تريد مصر والسودان من مجلس الأمن تحديداً؟
قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات متلفزة، السبت الماضي، إنه يتوقع من المجلس دفع أطراف الأزمة إلى "استئناف المفاوضات بشكل مغاير عن الماضي، يعزز دور الاتحاد الإفريقي والمراقبين للتوصل لحل ملزم".
فما تريده مصر هو العودة إلى المفاوضات، لكن بشرطين، هما: "شكل مغاير"، وتوسيع دائرة الوساطة، إحياءً لطرح السودان، في فبراير/شباط الماضي، مقترحاً بمشاركة الاتحادين الإفريقي والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، وهو ما ترفضه إثيوبيا، مكتفية بالقول إن الحل إفريقي فقط.
ومنذ وصوله إلى نيويورك الأحد، ركزت شكري مباحثاته على أهمية أن يدفع مجلس الأمن نحو التوصل إلى اتفاق ملزم، وهو ما خلصت إليه مباحثاته مع مندوبي الدول الخمس دائمة العضوية بالمجلس (تمتلك حق النقض "الفيتو")، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، وفق بيانات للخارجية.
وتحظى هذه المطالب المصرية بدعم الخرطوم، حيث صرح وزير الري السوداني ياسر عباس، الثلاثاء، بأن مطالب بلاده في جلسة الخميس تتمثل في "منع إثيوبيا من القيام بتدابير أحادية الجانب، والقبول بالوساطة الرباعية، ودفع دولي للمفاوضات".
ووفق وزير الري المصري السابق محمد نصر علام، عبر صفحته على فيسبوك، الثلاثاء، فإنَّ "تحرك مصر والسودان المشترك إلى مجلس الأمن لتحميل المجتمع الدولي مهامه في الحفاظ على الأمن والسلم، خطوة هامة وضرورية قبل أي تحركات غير سلمية بالمنطقة، في ظل البدء الثاني ووصول الأزمة لمنعطف خطير".
وأضاف: "تقوم مصر والسودان بتجنيد كافة إمكاناتهما لمحاولة خروج مجلس الأمن بقرار بالعودة إلى مفاوضات لها ضمانات دولية لا تسمح بالخروج عن أطر القانون الدولي ولها إطار زمني ومخرجات متفق عليها".
تحديات أمام القاهرة والخرطوم في مجلس الأمن
لكنَّ توجه القاهرة إلى المجلس يواجه تحديات، إذ "لم يتعامل المجلس من قبل مع مثل هذه النزاعات، التي تكتنفها أمور فنية وقانونية معقدة، فضلاً عن أن دول الفيتو كررت تأييدها للمفاوضات، تحت رعاية الاتحاد الإفريقي"، وفق أستاذ القانون الدولي بمصر، أيمن سلامة.
والمجلس يملك صلاحيات إما إصدار قرار ملزم أو توصية أو بيان، ولم يسبق أن أصدر بحق ملف الأنهار الدولية قراراً، ومع بحثه الأول لأزمة السد، العام الماضي، انتهى إلى حث أطراف الأزمة على الحوار، تحت قيادة الاتحاد الإفريقي.
وهذا الموقف اقترب منه السفير الفرنسي نيكولا دي ريفيير، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لأعمال المجلس في يوليو/تموز الجاري، حيث قال الخميس الماضي، إنه لن يكون بمقدور المجلس حل الخلاف بين أطراف السد، باعتباره "خارج نطاقه".
غير أن شكري قال في تصريحات متلفزة، السبت، إن تصريحات دي ريفيير تعبر عنه، وليس عن المجلس.
وأعرب عن تفهُّم القاهرة لهذا التصريح، في ظل محاولة دي ريفيير تزكية المفاوضات، وحرص المجلس على الابتعاد عن ذلك الملف، في ظل مصالح متضاربة لدول المجلس، في إشارة إلى أن بعض الدول لديها أزمات متعلقة بالأنهار وتخشى إحياءها أو طرحها في حال تشكلت سابقة.
مواقف الدول الكبرى من أزمة سد النهضة
فرنسا: تصريح مندوبها يثير علامات استفهام
يثير موقف المندوب الفرنسي علامات استفهام حول مواقف الدول الكبرى من أزمة سد النهضة.
فيُفترض أن باريس هي أهم حلفاء القاهرة الغربيين، فإضافة إلى علاقات البلدين التاريخية، وطد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي علاقته بشكل خاص، بفرنسا.
فبعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، والتي قوبلت بتحفُّظ غربي نسبي لاسيما من الولايات المتحدة، كانت باريس بوابةَ التطبيع المصرية مع الغرب، وتم ذلك بالأساس عبر سلسلة من صفقات السلاح التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، تضمنت العديد من أنظمة الأسلحة، منها حاملتا مروحيات وسفن حربية أخرى، إضافة إلى طائرات رافال مع ذخائرها، وضمن ذلك صواريخ سكالب التي يُعتقد أنها قادرة على ضرب سد النهضة.
ولكن موقف المندوب الفرنسي الذي فسره شكري تفسيراً غريباً يفيد بأنه ليس على علم بالتنسيق مع حكومته، يثير تساؤلات حول مواقف باقي أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة إذا كان هذا موقف باريس، وهي مواقف ضرورية لإصدار قرارات ذات مصداقية لحل الأزمة.
أمريكا.. موقفها الأقوى حتى الآن ولكنه ليس حاسماً
تكاد تكون أمريكا هي الدولة الكبرى الوحيدة التي لديها موقف واضح أو شبه واضح تجاه أزمة سد النهضة.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هي الجهة الوحيدة التي فرضت عقوبات على إثيوبيا بعد فشل وساطتها إثر رفض أديس أبابا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في واشنطن، بل إن ترامب قال على الملأ إن مصر سينتهي بها الأمر بتفجير السد.
ولكن بعد ذهاب ترامب ومجيء بايدن، رفعت إدارته العقوبات الأمريكية من على إثيوبيا، وبدا أنها أقل اهتماماً في البداية بالملف، ثم لم يلبث أن اهتمت الإدارة الجديدة بالمنطقة، وعينت مبعوثاً للقرن الإفريقي بالتزامن مع ظهور فظائع حرب تيغراي، وفرضت عقوبات على إثيوبيا، بسبب هذه الفظائع.
كما زادت الإدارة اهتمامها بمسألة أزمة سد النهضة، وبدا ذلك بالتزامن مع تبينِّها أن أهمية القاهرة لا يمكن الاستغناء عنها حتى لو كانت متحفظة على سلوكها في ملف حقوق الإنسان، وظهرت هذه الأهمية للعالم ولواشنطن في أزمة جنوح السفينة "إيفرغيفن" في قناة السويس، ثم الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس خلال حرب غزة، والتي أدت إلى أول اتصال بين بايدن والسيسي تم تناول فيه موضوع سد النهضة.
ووصلت المواقف الأمريكية تجاه سد النهضة إلى ذروتها عندما قال المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، صامويل وربيرغ، إن بلاده "لن تترك 100 مليون مصري بدون مياه"، مؤكداً أنها ستدفع إلى استئناف مفاوضات سد النهضة المتعثرة، وذلك خلال مداخلة هاتفية مع فضائية مصرية خاصة، في نهاية يونيو/حزيران الماضي.
ولكن بصفة عامة تميل المواقف الأمريكية أيضاً إلى تأكيد أهمية وساطات الاتحاد الإفريقي، دون أن تبدي رأياً في طلب مصر والسودان وساطة رباعية تشمل إلى جانب الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.
غير أن اللافت أنه بعد إعلان إثيوبيا عن الملء الثاني رسمياً، حذَّرت وزارة الخارجية الأمريكية من أن قيام إثيوبيا بملء خزان سد النهضة سيزيد التوتر على الأرجح، وحثت جميع الأطراف على الإحجام عن التحركات الأحادية إزاء السد.
وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس، إن الولايات المتحدة تدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بحل يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض.
وفي الأغلب فإن موقف أمريكا سوف يتأثر بموقفها بصفة عامة من الوضع في القرن الإفريقي، خاصةً الوضع في إثيوبيا وأزمة تيغراي، حيث يخشى المسؤولون الأمريكيون من انهيار الوضع الإثيوبي وانجراف البلاد إلى حرب أهلية يرون أنها ستجعل الحرب الأهلية السورية كلعبة أطفال بالنظر إلى عدد سكان إثيوبيا الكبير، وطبيعتها الجغرافية وانتشار السلاح بها.
كما يمثل التنافس مع الصين محدداً رئيسياً لمواقف أمريكا في كل ما يتعلق بإثيوبيا، وتتسم مواقف بريطانيا بعدم الوضوح تجاه الأزمة مع ميل تقليدي إلى التشابه مع المواقف الأمريكية.
الأمم المتحدة.. قلقة من التصرفات الأحادية وتتجاهل طلبات تدخلها بالوساطة
عقب إعلان إثيوبيا عن الملء الثاني، قال ستيفان دوغاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للصحفيين في نيويورك، إنه من المهم أيضاً عدم القيام بأي عمل أحادي يمكن أن يقوض البحث عن حلول. لذا من المهم أن يجدد الناس التزامهم بالحوار بنيَّة حسنة في عملية (تفاوض) حقيقية".
وأشار إلى أن غوتيريش يؤيد دور الاتحاد الإفريقي في الوساطة بين الدول الثلاث، دون أن يحدد موقفه من طلب مصر والسودان وساطة رباعية تشمل دوراً للأمم المتحدة.
وقال دوغاريك: "الحلول لهذه القضية تحتاج إلى الاسترشاد بأمثلة ونماذج، وبحلول توصل إليها آخرون يتقاسمون ممرات مائية وأنهاراً، وهذا يستند إلى مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول والالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن".
الصين.. محايدة نظرياً ومنحازة واقعياً
تبدو الصين تحاول إمساك العصا من المنتصف في أزمة سد النهضة، ولم تعرض وساطة بين الأطراف الثلاثة رغم أن القاهرة حاولت مؤخراً مغازلتها والإشارة إلى أهمية النيل بالنسبة لها.
ولكن رغم حرص الصين على الحياد وتأكيد حقوق الطرفين، فإنها تبدو من بين كل الدول الكبرى، الأقرب إلى إثيوبيا، خاصة في أزمة سد النهضة.
فإثيوبيا يطلق عليها أحياناً صين إفريقيا وهناك تشابه في الطابع الاستبدادي التنموي للنظامين، وبكين أكبر مستثمر بإثيوبيا ضمن استراتيجية كبرى تعطي أهمية كبرى للقارة الإفريقية.
والأهم أنها الممول الخارجي الأكبر لسد النهضة، من خلال تمديد تسهيل ائتماني بقيمة 1.2 مليار دولار، هذا جزء من قروض صينية بقيمة 16 مليار دولار لإثيوبيا، وفقاً للمكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية.
وسبق أن أكدت الصين دعمها للتفاوض الذي يقوده الاتحاد الإفريقي لحل الخلافات حول السد الضخم الذي تشيّده إثيوبيا على النيل الأزرق، حيث قال عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني في محادثات هاتفية مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي دمقي ميكونن، إن الاستفادة من موارد المياه عبر الحدود دائماً حساسة ومعقدة، والحوار والتشاور هما الطريقة المثلى لحل المشكلة.
كما قال الرجل الثاني بسفارة الصين في إثيوبيا، شي تيان: "ندعم التفاوض على هذا السد، الذي يقوده الاتحاد الإفريقي. إيجاد الحلول عبر المفاوضات أفضل طريقة".
ولكن اللافت قوله: "لاحظنا أيضاً أهمية هذا السد لتطوير وتنمية إثيوبيا"، دون الإشارة إلى حقوق مصر والسودان المائية.
كما أن الصين مع روسيا هما أبرز الرافضين لتناول الفظائع التي ارتُكبت في تيغراي بمجلس الأمن أو أي مؤسسات دولية.
روسيا.. صديق قديم لإثيوبيا وبائع أسلحة كبير لمصر، ولكن موقفها الأكثر غموضاً
كشفت دراسةٌ أعدها مركز الدراسات العربية الأوراسية، حول موقف روسيا من أزمة سد النهضة، أن موسكو لا تفضِّل اللجوء لوساطة غير مقبولة من كلا الطرفين، ولذلك اتخذت موقفاً يبدو حياديّاً تجاه الأزمة؛ حتى لا تفقد فرصتها في القيام بدور بنَّاء أو التشكيك في مواقفها، كما حدث تجاه الوساطة الأمريكية، حسبما نقلت صحيفة "المصري اليوم".
وكشف المركز البحثي المتخصص في الشأن الروسي، أن الموقف الروسي المعلن، ووفق آراء الخبراء الروس، يرى ألا حل عسكرياً لهذا الخلاف، وأن الأفضل لمصر التمسك بالقانون الدولي، وذلك لأنه في صالحها، بينما اللجوء إلى القوة قد يمنح إثيوبيا الفرصة لتعبئة شعبية في ظل أزمة داخلية يعيشها النظام بأديس أبابا، ويوفر لها كذلك كافة المبررات للتملص من الالتزامات القانونية.
وأشارت الدراسة إلى أن موسكو تعتقد أن العمل على حل الخلاف من خلال الهيئات الإقليمية، وفي هذه الحالة الاتحاد الإفريقي، الوسيلة المثالية لكلا الطرفين.
ويعتمد الموقف الروسي على عدة أسس في تعاطيه مع هذه الأزمة، حيث أكدت موسكو في كافة المناسبات، وآخرها في زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف، الأخيرة لمصر في أبريل/نيسان 2021، حق إثيوبيا في التمتع بمواردها المائية وتنميتها بما لا يضر بمصالح دولتي المصب، وهو ما يتفق مع الموقف المصري-السوداني.
وتعرض موسكو وساطتها في الإطارين التقني والفني؛ وذلك لخبرتها الكبيرة في بناء السدود، وقيامها ببناء السد العالي في مصر، وعدة سدود في إثيوبيا، ومن ثم معرفتها العميقة بنهر النيل، والآثار السلبية المحتملة على دولتي المصب مصر والسودان، شريطة أن يقبل كلا الطرفين هذه الوساطة، وأن تقتصر على الجانب التقني، بينما الجوانب التفاوضية الأخرى يتولى الاتحاد الإفريقي القيام بها.
ولكن من غير المتوقع أن تدفع روسيا إلى اتخاذ قرار ملزم من جانب مجلس الأمن لحل الأزمة.
وبصفة عامة يبدو الموقف الروسي الأكثر غموضاً تجاه سد النهضة، خاصة فيما يتعلق بدوافعه، فإذا كان الحياد الصيني تجاه الأزمة أو حتى الانحياز الضمني إلى أديس أبابا قد يكون مفهوماً في ضوء مصالح بكين الهائلة في إثيوبيا والقارة الإفريقية، بصفة عامة، فإن روسيا ليست لها مصالح بالقوة نفسها في إثيوبيا أو إفريقيا جنوب الصحراء، بل العكس لها مصالح كبرى في الشرق الأوسط، ويُفترض أن علاقتها تحسنت مع القاهرة، خاصة مع تولي الرئيس السيسي الحكم، حيث بدا أن هناك كيمياء شخصية بين طرفين يعززها عداء مشترك للإسلام السياسي المعتدل والديمقراطية، وتقارب في الموقف تجاه الأزمة السورية.
خيارات مصر والسودان في حال عدم اتخاذ مجلس الأمن موقفاً
في حالة إخفاق مجلس الأمن في اتخاذ موقف واضح من أزمة سد النهضة، فما خيارات مصر والسودان؟
الإجابة، وفق أنس القصاص، وهو باحث مصري في الشؤون الاستراتيجية وقضايا الأمن الدولي، هي أن القاهرة "تمارس بالفعل منذ فترةٍ سياسة التلويح بالقوة لنيل حشد دولي لإجبار إثيوبيا على توقيع اتفاق، وستستمر في ذلك، وفي حال وقع الضرر فستتوجه للصدام".
وتجدر الإشارة إلى أن مصر والسودان نفذتا مناورات عسكرية مشتركة آخرها مناورات حماة النيل، التي اشتملت على نقل قوات مصرية عبر البحر للسودان، كما أن السودان نجح في بسط سيطرته العسكرية، لأول مرة منذ سنوات، على معظم منطقة الفشقة التي كانت تسيطر عليها ميليشيات إثيوبية.
وأوضح القصاص، لـ"الأناضول"، أنه "في ظل أزمة السد لم يكن أمام مصر، وهي في موقع رد الفعل، إلا التلويح بالقوة أو اتخاذ سياسات وقائية (ضربة وقائية ثم الذهاب لتفاوض)".
وأضاف أن "التلويح بالقوة باب مهم بالعلاقات الدولية في تسوية وحسم النزاعات، وحالياً مصر تنتهجه، عبر إعطاء رسائل متكررة بأنها قادرة في أي لحظة على حسم الصراع لصالحها، وفي الوقت ذاته تؤكد سلامة نيتها للطرف الآخر؛ لدفعه إلى الوصول لاتفاق أو حل".
وتابع أن "مصر أقرت منذ فترة، أن أي محاولة ضرر (لها) تنتج عن السد فستزيله، وإذا حدث ذلك فستكون مضطرة؛ حفاظاً على حقوقها وحقوق شعبها".
وسبق أن هدد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بأنه "لن يستطيع أحد أن يأخذ نقطة ماء واحدة من مصر"، مشدداً على أن "ذراع مصر طويلة وقادرة على مواجهة أي تهديد"، مشيراً إلى أن المساس بمياه مصر خط أحمر وسيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل.
متفقاً مع القصاص، قال خيري عمر، أكاديمي متخصص بالشؤون الإفريقية، إن "مصر تمضي حالياً بسياسة التلويح بالقوة؛ لكي تذهب إثيوبيا إلى اتفاق، لكن لو وقع ضرر على القاهرة فستنفذ عملاً عسكرياً".
وأكد، لـ"الأناضول"، أنَّ "هدف مصر هو ألا يشكل السد تهديداً، وبالتالي ما تفعله، حتى لو كان عسكرياً، هو دفع الأمر في اتجاه توقيع اتفاق ملزم وحتمي".
ورأى أن القاهرة، وهي تلجأ إلى مجلس الأمن، تسعى أيضاً إلى لفت أنظار العالم ليمارس كل ضغوطه لإنهاء هذه الأزمة في منطقة لا تتحمل عدم الاستقرار، وذلك عبر خطاب ينتقل من إبداء حسن النية لسنوات إلى الكشف عن أضرار كارثية والتلويح بالقوة.
ونقلت وكالة الأنباء المصرية الرسمية، في 19 يونيو/حزيران الماضي، عن اللواء محمود خلف، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا (رسمية)، قوله: "نحن قادرون على إخراج السد الإثيوبي من الخدمة في 60 دقيقة، وإزالته من على وجه الأرض، وسيتحول لمتحف".
وتحسباً لهذا الخيار المحتمل، أعلنت أديس أبابا، الأحد، رفع مستوى تأهُّب قواتها المنتشرة في منطقة السد؛ لتأمين الملء الثاني.
وقبلها بأسبوع، قال الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، مدير إدارة الهندسة بوزارة الدفاع الإثيوبية، في تصريح صحفي، إن بلاده مستعدة للسيناريو العسكري، معتبراً أن القاهرة لن تستطيع تدمير السد أو مهاجمته.