لا يزال الخلاف النفطي بين الحليفين الأقوى في الخليج العربي السعودية والإمارات يتصاعد، حتى وصل إلى فرض السعودية عقوبات غير رسمية على أبوظبي، فيما يبدو أن الأخيرة مصرة على تصعيد الخلاف بشكل يثير تساؤلات حول احتمالات انسحاب الإمارات من منظمة أوبك؛ حيث يقول محللون بالمنطقة إن الخلاف العلني النادر بين الطرفين يشير إلى "تنافس اقتصادي آخذ في التزايُد بين أكبر اقتصادين عربيين، والذي يبدو أنه سيشتد".
الخلاف السعودي الإماراتي.. النفط واليمن وأشياء أخرى
تقول صحيفة The Independent البريطانية إن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كانتا مثالاً واضحاً على "زواج القوى الناجح في شبه الجزيرة العربية، وقد تعاونتا بجهودٍ مشتركة لمواجهة الخصوم الإقليميين مثل إيران وقطر وتركيا، فضلاً عن أعدائهما الأيديولوجيين مثل جماعة الإخوان المسلمين".
ولكن العلاقة بين السعودية والإمارات أخذت منعطفاً سيئاً في الأشهر الأخيرة، مع توتر العلاقات نتيجة اختلاف المواقف في ما يتعلق باليمن وإنتاج النفط والحسابات الجيوسياسية الأكبر التي أثارتها إدارة واشنطن الجديدة.
وفي وقتٍ متأخر من يوم الأحد الرابع من يوليو/تموز، أعلنت السعودية تعليق جميع رحلاتها مع الإمارات بحجة المخاوف من فيروس كورونا، وذلك بعد أيامٍ فقط من الخلاف بين الدولتين حول إنتاج النفط. وفي يوم الإثنين الخامس من يوليو/تموز، غيّرت السعودية أيضاً قواعد الاستيراد من الدول الخليجية الأخرى لتستبعد البضائع المصنوعة داخل المناطق الحرة وكافة البضائع الإسرائيلية، في تحدٍ مباشرٍ لمكانة الولايات المتحدة كمركزٍ إقليمي للتجارة.
وبينما قالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إنّ تعليق الرحلات القادمة من الإمارات جاء نتيجة "التفشي الحالي لجائحة فيروس كورونا، وانتشار سلالةٍ متحورة جديدة من الفيروس"، لكن المحللين قالوا إنّ هناك عوامل أخرى قد لعبت دورها في القرارات الأخيرة.
إذ صرّحت سينزيا بيانكو، الباحثة في مؤسسة European Council of Foreign Relations، قائلةً: "إنّ التوترات بين السعودية والإمارات تتزايد منذ وقتٍ طويل. حيث يعيد البلدان تقييم موازين القوى في علاقتهما الثنائية كما هو الحال على المشهد الإقليمي والدولي".
المنافسة لم تغب بالأساس بين السعودية والإمارات
طيلة سنوات، كان يُنظر في الغرب إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد على أنّهما "شخصيات ذات رؤى لتحديث منطقة الشرق الأوسط"، وكلاهما من الحكام المستبدين المؤيدين لأمريكا ويتعاونان معها على العديد من الأصعدة الاستراتيجية والاقتصادية، كما يمتلكان طموحات ضخمة ومتضاربة لبلديهما؛ لذا فإنّ احتمالية المنافسة بينهما كانت موجودةً دائماً.
حيث يُسارع بن سلمان إلى تعزيز أوراق اعتماده دبلوماسياً بالتزامن مع استعداده للصعود إلى سُدة الحكم في المملكة. وخلال الأشهر الأخيرة، بدأ في إصلاح علاقاته مع تركيا وقطر، إلى جانب تحسين علاقاته بسلطنة عمان التي لطالما سلكت مسارها الخاص ضمن دول مجلس التعاون الخليجي الست.
إذ قال ثيودور كاراسيك من مؤسسة Gulf State Analytics في واشنطن، لصحيفة ذي إندبندنت البريطانية، إنّ "محمد بن سلمان يسعى للوصول إلى العرش، ويحتاج إلى تهدئة التوترات مع جميع من حوله. وبن سلمان على وشك أن يصير ملكاً؛ لذا فهو بحاجةٍ إلى تسوية الحسابات من أجل إعادة تشغيل بلاده وسط هذا المناخ الجديد".
لا يبدو أنّ أياً من السعودية أو الإمارات سيتراجع خطوة للوراء
بينما يقول مراقبو الخليج إن المصدر الأساسي للصراع هو رؤية الإمارات لنفسها على أنها منافس نظير للسعودية، بدلاً من كونها شريكاً أصغر. وبطريقةٍ أو بأخرى، يُمكن القول إنّ هذا الصراع يعكس نفس التوترات التي انفجرت في النهاية بين السعودية وقطر عام 2017، وأسفرت عن حصار الدولة الخليجية الصغيرة لثلاث سنوات.
وأردف كاراسيك: "إنّ العلاقة بين دول الخليج تشهد تحولاً، وهذا التحول سوف يتمخض عن حجب أبوظبي عن الصورة". أما داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فسنجد أنّ الإمارات تعترض على حصص الإنتاج التي تفاوضت عليها روسيا مع السعودية، وترغب في إنتاج 3.8 مليون برميل يومياً بدلاً من حصة الـ3.2 مليون برميل التي حددتها المنظمة النفطية. ولا يبدو أنّ أياً من السعودية أو الإمارات مستعدٌ للتخلي عن موقفه.
حيث قالت سينزيا: "تشعر الإمارات بأنّها تعرضت لمعاملةٍ غير عادلة. وترغب في إنتاج المزيد لأنّها تحتاج إلى المزيد من الموارد التي تأتي من تصدير النفط؛ وذلك لتمويل العديد من الاستراتيجيات الاقتصادية والجيوسياسية الخاصة بها".
فرغم تخفيف عمليات الإغلاق والنشر المتسارع للقاحات كوفيد، لكن الدول المنتجة كانت حذرةً في زيادة المعروض النفطي بعد أن تسبب المخزون الفائض في تراجع الأسعار بشدة لدرجة وصلت إلى القيم السالبة في بعض الحالات لأول مرة في التاريخ خلال الربيع الماضي. وقد حدث ذلك بعد اندلاع حرب أسعارٍ شاملة بين عمالقة إنتاج النفط في روسيا والسعودية خلال مارس/آذار من عام 2020، وذلك بالتزامن مع بدء تراجع الطلب على السفر إبان تفشي فيروس كورونا.
وسرعان ما امتلأت صهاريج تخزين النفط عالية التكلفة دون وجود مشترين، بينما انخفضت قيمة أحد العقود الآجلة للنفط الأمريكي إلى أقل من الصفر في أبريل/نيسان عام 2020؛ لذا اتفقت منظمة أوبك مع حلفائها على خفض الإنتاج إلى الصفر من أجل أن تستقر الأسعار وسط الفوضى، لكن ذلك المخزون الفائض لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا- وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.
خلافات تهدد بانهيار أوبك
وعقب يومين من المحادثات المشحونة الأسبوع الماضي، ألغت مجموعة أوبك+ اجتماعاً كان من المقرر عقده يوم الإثنين دون تحديد موعدٍ للقاءٍ آخر، مما يعني تعليق الاتفاق المنتظر لزيادة الإنتاج بمقدار مليوني برميل نفط يومياً بين شهري أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول. وقد صرح مصدران لوكالة Reuters البريطانية بأنّ المفاوضات الفاشلة تعني أنّ ارتفاع الإنتاج الذي كان متوقعاً للعام الجاري لن يحدث.
ويقول تقرير لمجلة Forbes الأمريكية، إن الإمارات قد رفضت المُضي قدماً في الصفقة لأنّها ستزيد خفض إنتاج النفط حتى أواخر عام 2022، وهي التي استثمرت الكثير من الأموال لزيادة قدرتها على إنتاج النفط.
ورغم رغبة الإمارات في زيادة إنتاجها دون شروط، لكن منتجي النفط في السعودية- الذين يدعمون الاتفاق- جادلوا بأنّ تمديد تخفيضات الإنتاج هو أمرٌ ضروري للحيلولة دون وجود فائض من المعروض النفطي يُؤدي إلى خفض الأسعار.
وكان من المفترض بزيادة الإنتاج أن تساعد في الحد من ارتفاع أسعار النفط، إلى جانب تزويد المنتجين بوقتٍ لتقييم مخاطر انتشار النسخ المتحورة من فيروس كورونا سريعاً في دولٍ مثل الهند، وما قد يترتب على ذلك من الإضرار بالطلب وغلق الاقتصادات.
"العلاقة لم تفشل بالكامل، لكنها أصبحت أضعف بشكل متزايد"
أما في اليمن، حيث تدخل البلدان في الأصل جنباً إلى جنب من أجل التصدي لاستيلاء ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة وغالبية أراضي شمال البلاد؛ فنجد أن كل بلدٍ يدعم الآن طرفاً مختلفاً في جنوب البلاد؛ حيث تدعم أبوظبي المجلس الانتقالي الجنوبي صاحب الرؤية الانفصالية، بينما تدعم الرياض حكومة عبدربه منصور هادي المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وتقول سينزيا للصحيفة البريطانية: "هناك علاقةٌ بين القيادات تأتي في صميم العلاقة بين السعودية والإمارات، وقد تجلّت في قدرة القيادة الإماراتية على تقديم محمد بن سلمان إلى أرفع وأهم الغرف السياسية داخل الولايات المتحدة. ولكن مع رحيل ترامب وكوشنر ووصول بايدن، أُثير العديد من التساؤلات حول المكون الأساسي لهذه العلاقة بين القيادات".
ورغم كل التوترات، يرى المحللون أنّ "العلاقة لم تفشل بالكامل، رغم أنّها صارت أضعف مما كانت عليه بدرجةٍ متزايدة". حيث قالت إيمان الحسين من مؤسسة Arab Gulf States Institute في واشنطن: "إنّ التنافس الإقليمي بين دول الخليجي قد تطور مؤخراً بالتزامن مع محاولة السعودية والإمارات جذب المستثمرين والمواهب الأجنبية. لكن السعودية والإمارات لا تزالان تحافظان على التنسيق في مختلف المجالات؛ إذ تعلمت دول الخليج التعايش مع اختلافاتها".