لماذا ارتفع سعر النفط رغم تلويح الإمارات بزيادة إنتاجها؟ إليك ما سيحدث إذا تفاقم الخلاف

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/07/07 الساعة 13:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/07 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش
الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والشيخ محمد بن راشد حاكم دبي/رويترز

كان الارتفاع الأخير في أسعار النفط أمراً غير منطقي بالنظر إلى أنه جاء إثر فشل اجتماع "أوبك بلس" الأسبوع الماضي، الذي شهد خلافاً حول مطالبة الإمارات بزيادة حصتها من الإنتاج.

إذ كيف تُفضي احتمالية زيادة المعروض إلى ارتفاع أسعار النفط؟ الإجابة أن التجار يعتقدون على ما يبدو أنه في حالة عدم وجود اتفاق، فإن الزيادة المقترحة في المعروض النفطي إلى 2 مليون برميل يومياً في الفترة من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول لن تحدث. 

غير أن هذا نوع من التفكير بالتمني من جانب المضاربين على أسعار النفط، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.

هل تستطيع أوبك إجبار أعضائها على الانصياع لقراراتها؟

من الأهمية بمكان أن نتذكر هنا أن "أوبك بلس" أو حتى تحالف منظمة أوبك ليست لديها سلطات إنفاذ صارمة لاتفاقياتها. 

لكن ذلك لا يعني أن أوبك ليست لديها أدوات للضغط. تعتمد أوبك على الإقناع أو التلويح بخيار حرب الأسعار المدمِّر والتخويف باحتمالات انهيار الأسعار لإبقاء أعضاء المنظمة ملتزمين بقراراتها، حسب المجلة الأمريكية.

ومع ذلك، سبق أن وقعت حالات تجاوز فيها أحد الأعضاء المتمردين في المنظمة حصصه، وأبرزها حالة العراق في 1989/1990 وفنزويلا في منتصف التسعينيات. 

في الحالة الأولى، قرر صدام حسين، مع انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، إعادة إحياء خططه الخاصة برفع الطاقة الاستيعابية للإنتاج إلى 6 ملايين برميل يومياً وطالب بحصةٍ تعادل حصة إيران. 

وعندما أبدت المنظمة تردداً في الاستجابة لطلبه، شرع ببساطة في رفع الإنتاج ليتناسب مع حصته المرجوَّة، لتضطر المنظمة في النهاية إلى الموافقة على طلبه. غير أن ذلك لن يضر السوق النفطي كثيراً، لما تتمتع به في ذلك الوقت من توازن، ومن ثم فإن الإنتاج العراقي الإضافي آنذاك لم يكن له سوى تأثير ضئيل على الأسعار.

لكن عندما أعلنت فنزويلا في التسعينيات أنها لن تلتزم بعد ذلك بالحصص المخصصة لها، كانت تعتقد بحماقة أنها يمكن أن تكسب أي حرب أسعار تقبل عليها؛ إذ كانت تكاليف الإنتاج لديها متدنية للغاية، نحو 4 دولارات للبرميل، وهو ما جعلها مقتنعة بأنها تستطيع مواجهة ضغوط السعودية وغيرها. غير أن ما حدث بعد ذلك أن الأمر لم يقتصر على فنزويلا، بل شجع قرارها دولاً أخرى على زيادة الإنتاج، كما دفع السعودية إلى المطالبة بزيادة حصتهم للتعويض عن انخفاض الأسعار. أدَّى ذلك، إلى جانب الركود الآسيوي في عام 1998، إلى انهيار الأسعار إلى 12 دولاراً للبرميل، وشهدت الأزمة زوال عدد من شركات النفط (وإن كان ذلك عن طريق عمليات استحواذ، وليس حالات إفلاس).

الجميع قد يسارع لزيادة الإنتاج على غرار الإمارات، وأسعار النفط قد تتراجع

هذه الوقائع تسلط الضوء على إحدى أبرز المعضلات التي تواجهها "أوبك بلس" مع طلب الإمارات زيادة إنتاجها، وهي أن الالتزام الصارم إلى حد ما بالحصص على مدار الستة عشر شهراً الماضية قد ينهار إذا أُتيح للإمارات الحصول على حصة أعلى أو أنها زادت إنتاجها بمفردها دون اتفاق المجموعة. 

هناك قدرة استيعابية لإنتاج ما يقرب من 4 ملايين برميل إضافي يومياً في "أوبك بلس" خارج السعودية، لكن 1.4 مليون برميل من هذه الكمية إيراني، ومن ثم يُستبعد أن تُطرح في السوق قريباً. 

أسعار النفط
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان/رويترز

أما الكمية الباقية، فتوجد جميعها تقريباً في العراق والكويت وروسيا والإمارات؛ لذلك إذا فتح كل عضو من أعضاء المنظمة صنابير الإنتاج النفطي، فبالكاد سيلاحظ السوق التغير الطفيف في إنتاج كل دولة من تلك الدول.

في المقابل، يتوقف مدى انهيار أسعار النفط على استجابة العراق أو روسيا لمطالب الإمارات بزيادة مخصصاتها الإنتاجية أو لجوئها إلى الغش في كميات الإنتاج، لأن أياً من تلك الدولتين إذا قررت زيادة حصتها الإنتاجية، فالمرجح وقتها أن تقلل السعودية من تخفيضها الطوعي لحصتها الإنتاجية، ومن ثم زيادة المعروض وانهيار الأسعار. وعندها، يُتوقع أن يتبخر الحديث عن أي أسعار قريبة من 100 دولار للبرميل، كما أنه ليس من المؤكد ما إذا كان ذلك سيُثني منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة عن الاستمرار في إضافة مزيدٍ من منصات الحفر أم لا.

كيف حافظت أوبك على وحدتها كل هذه السنوات؟

في عام 1976، نشر بول إيكبو كتابه "مستقبل النفط العالمي" The Future of World Oil، الذي أشار فيه إلى أن محاولات منتجي السلع الأساسية لتحقيق الاستقرار في أسعارها والتحكم فيها/أو رفع أسعارها نادراً ما كانت تنجح لأكثر من بضع سنوات. 

غير أن منظمة "أوبك" كانت أكثر فاعلية بكثير من سابقاتها في التحكم في أسعار النفط. ومع ذلك، كثيراً ما اعتمد الأمر على عاملين للحفاظ على ارتفاع الأسعار على المدى الطويل: اضطرابات الإمداد، مثل الحرب الإيرانية/العراقية أو انتفاضات الربيع العربي، ونزوع الدول إلى الحفاظ على مواردها الوطنية، وهو العامل الذي لطالما دفع البلدان الغنية بالنفط إلى الحد من إهدار مواردها عبر زيادة إنتاج النفط الذي سينضب يوماً.

ولكن هذه الوحدة معرضة للانهيار

على الرغم من ذلك، فإن إنهاء العقوبات على إيران وتحرك الإمارات- الذي ربما يدفع آخرين بعدها- لزيادة إنتاجها للاستفادة من الأسعار المرتفعة حالياً يُتوقع أن يقلِّص من تأثير هذين العاملين، ومن ثم سيُفضي إلى انخفاض الأسعار بعد ذلك لفترة أطول. وقد يأتي وقت يكون المستوى الحالي للأسعار مجرد ذكرى تفتقدها الدول المنتجة للنفط ولا تجدها.

وسيكون من شأن العجز عن التوصل لاتفاق أن يُضيِّق الخناق على السوق المتأزم بالفعل، ما سيرفع أسعار النفط الخام بشدة. لكن ثمة تصور درامي آخر مُحتمل، وهو أن تنهار وحدة أوبك+ بالكامل، الأمر الذي سيُمثل خطراً على السوق المفتوح الذي ستنهار فيه الأسعار مكررةً أزمة العام الماضي، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

في أواخر العام الماضي، طرحت أبوظبي فكرة مغادرة أوبك. وبينما لم تكرر الإمارات التهديد نفسه هذه المرة، ليس هناك أي طرف- حتى المتواجدون في قلب المحادثات- متأكد مما قد يحدث إذا فشلت المفاوضات.

سيعني خروج الإمارات بلا شك اندلاع حرب في الأسعار، وفي هذا التصور سيخسر كل الأطراف. إلا أن التحايل يكمن في إظهار أن بلدك أقدر أن يتحمل من غيره هذه الخسائر.

والإمارات تتمتع بوضع اقتصادي قوي نسبياً يمكنها من التحمل أكثر من بعض منافسيها، فلديها اقتصاد أكثر تنوعاً من معظم دول الخليج، وفائض كبير في الإنتاج، وصندوق سيادي من أكبر الصناديق في العالم.

وكان التنافس السعودي الروسي الذي وقع في 2020، قد أدى إلى حدث لن يسقط من ذاكرة الاقتصاديين أبداً، عندما أصبح سعر النفط، السلعة الأثمن تجارياً عبر التاريخ، أدنى من الصفر بنحو 40 دولاراً.

تحميل المزيد